بماذا يلهون بعقولنا ؟ .. من أميركا لـ”داعش” استخدام شبابنا مستمر في ألعاب الفيديو المنتجة للبروباغندا العسكرية !

بماذا يلهون بعقولنا ؟ .. من أميركا لـ”داعش” استخدام شبابنا مستمر في ألعاب الفيديو المنتجة للبروباغندا العسكرية !

وكالات – كتابات :

حين تبدأ في لعبة من فيديو؛ فأنت تصير جزءًا لا يتجزأ من الأحداث وتساهم بنفسك في صُنعها، إذ إنها على العكس تمامًا من الأفلام والمسلسلات التي تكتفي فيها بالجلوس متفرجًا دون قدرة على تغيير أي تفصيلة ولو عابرة على الشاشة أمامك، لذا تُعد ألعاب الفيديو من أكثر الوسائط تفاعلية في العصر الحالي.

ووصلت درجة التفاعلية إلى أن بعض الألعاب توفر خاصية: (النهاية البديلة-alternate ending)، وفي تلك الحالة يكون اللاعب قادرًا على اختيار نهاية قصة اللعبة من بين عدة سيناريوهات، وهي كلها أمور لا تتوفر في أي وسيط ترفيهي آخر، ولكن ألعاب الفيديو، مثل كل الوسائط الأخرى، ليست مجرد ترفيه بحت، ولا تكتفي بتوفير التسلية المحضة، ففي أحيان كثيرة تكون محملة برسائل خفية ذات بُعد سياسي، أو اجتماعي، أو ثقافي.

أميركا: اللعبة في يد الجيش وضد أعدائه دائمًا..

الاهتمام الأميركي الحكومي بوسيط مثل ألعاب الفيديو؛ قديم قدم ظهور الألعاب نفسها، فـ”أميركا” هي مهد صناعة البرمجيات الحديثة التي هي مجرد خليط من المعادلات الرياضية واللغة الإنكليزية، (اللغة الأولى في أميركا)، تُكتب في صورة تعليمات لأجهزة الكمبيوتر.

وطبقًا لأحد تقارير مجلة (فايس) الأميركية؛ فهناك علاقة طويلة ومتشابكة بين شركات إنتاج ألعاب الفيديو و”وزارة الدفاع الأميركية”، فالتطور الرهيب في الرسوم، والمؤثرات الثلاثية الأبعاد، والواقع الافتراضي الذي تمتليء به الألعاب حاليًا؛ كان الدافع الرئيس خلفه صناعة برامج محاكاة لبيئات الحروب بغرض تدريب العسكريين عليها.

لكن بعض الشركات التي تعمل في برامج المحاكاة العسكرية اتجهت مع ظروف تقليص الإنفاق العسكري في بعض المراحل، إلى تعديل برامجها لتُصبح ألعابًا تجارية ناجحة، فيما استمرت بعض الشركات في إنتاج ألعاب وصناعة برامج محاكاة عسكرية في آن.

وفي آب/أغسطس 2021؛ تحدث تقرير عن حالة من السخط بين العديد من المبرمجين في شركة “يونيتي”، (المسؤولة عن تطوير محرك ألعاب الفيديو الشهير: “unity”، الذي يستخدمه الملايين من مبرمجي الألعاب حول العالم)، بعد أن تنامى إلى مسامعهم وجود عقود سرية بين الشركة والعديد من الجهات العسكرية الأميركية تستخدم بموجبها البرمجيات المطوّرة من قبل الشركة في محاكاة ظروف الحروب في بلدان مختلفة حول العالم؛ بغرض تدريب المجندين عليها قبل خوضها فعليًا.

ألعاب الفيديو المتطورة عن برامج المحاكاة العسكرية..

إلا أن المكاسب الأميركية فاقت الاستخدام المباشر لتقنيات ألعاب الفيديو في المحاكاة العسكرية وتتعداها إلى مكاسب إيديولوجية عديدة تجني ثمارها من خلال العديد من الألعاب التجارية، ولعل المثال الأوضح على الإطلاق هو لعبة: (America’s Army)؛ وهي لعبة أنتجها الجيش الأميركي بشكل معلن؛ مما عرضه للعديد من الانتقادات كون تمويل صناعة لعبة بهذا الإتقان يأتي من جيب المواطن الأميركي دافع الضرائب مباشرة.

الإتقان في اللعبة لا يهدف لتدريب اللاعب على المهام الصعبة فحسب، بل يتخطى ذلك ليصل إلى إظهار الجيش الأميركي بصورة ملائكية في أعين اللاعبين، ولم يُخف المسؤولون في “وزارة الدفاع” الأميركية حقيقة إن هذه اللعبة، تحديدًا؛ تُعد من أكثر الأدوات فعالية في جذب مجندين جدد للجيش الأميركي.

وبموازاة الصورة البطولية التي ترسمها اللعبة، للجيش الأميركي؛ تعمل على ترسيخ صور نمطية وسلبية عن أعداء “أميركا” طبقًا للحروب التي خاضتها الإدارات الأميركية المتعاقبة، وهو الأمر الذي لا يقتصر فقط على الألعاب التي تُمول مباشرة من “وزارة الدفاع”، فحتى في الألعاب التجارية التي تصنعها شركات الألعاب بغرض الربح عملت على تحقيق الغرض نفسه.

ومن أبرز الأمثلة مؤخرًا لعبة: (Sniper Ghost Warrior Contracts 2)، إذ صممت البيئة التي يتفاعل معها اللاعب بالتصويب بالأسلحة والقتل لتبدو مشابهة للبيئات العربية، الأمر الذي أثار استياء أحد الصحافيين ممن ذهبوا لتغطية مؤتمر تدشين اللعبة، ودفع الشركة المنتجة للعبة للاعتذار رسميًا.

المفارقة هنا أن الشركة ليست أميركية أصلًا، بل بولندية المنشأ، ولكن جرى تصميم اللعبة بهذا الشكل لتكون موجهة للسوق الأميركية؛ مما يُثير العديد من التساؤلات حول صورة الشعوب الأخرى داخل ألعاب الفيديو الأميركية، والتي بدورها تُعتبر وسيطًا ثقافيًا تفاعليًا يُكوّن من خلاله اللاعب، (الصغير في السن غالبًا)، انطباعاته الأولى عن الثقافات الأخرى في العالم.

فالعديد من ألعاب الفيديو الأميركية، ذات الشهرة العالمية، مثل: (Call of Duty)، و”Battlefield 3) وغيرها، رسخت صورًا نمطية شبيهة عن العرب، والمسلمين، وسكان الشرق الأوسط، باعتبارهم همجًا أو أهدافًا متاحة دائمًا للقتل، لتكمل حلقة نزع الإنسانية عنهم التي بدأتها أفلام “هوليوود”؛ منذ عقود طويلة.

لكن الشرق الأوسط لم يكن العدو الوحيد في الألعاب الأميركية؛ إذ تناولت بعضها النازيين، خلال الحرب العالمية الثانية، والشيوعيين خلال الحرب الباردة، ولكن القاسم المشترك بين جميع تلك الألعاب هو تمجيد العسكرية الأميركية بشكل يجعل اللاعب يرى الجندي الذي يرفع العلم اﻷميركي يُمثل الحق المنتصر، وأفعاله مهما بلغت من الوحشية والعدوان فهي مبررة داخل اللعبة، لكن الوجه الآخر للحروب الأميركية العدوانية؛ والتي أسفرت عن فظائع إنسانية ومساهمات الجيش الأميركي في دعم الانقلابات العسكرية على أنظمة ديمقراطية تغيب تمامًا عن جو هذه الألعاب، فهل يعود هذا الغياب لأسباب تجارية فقط أم هناك بُعد أيديولوجي ؟

ألعاب الفيديو في الصين.. تدريب الجنود واستقطاب جدد..

ليست “أميركا” وحدها من تستخدم ألعاب الفيديو كأداة ترويج إيديولوجية، فـ”الصين” أيضًا اتجهت لهذا المسار، فلعبة: (Resistance War Online)؛ التي تحكي قصة الحرب بين “الصين” و”اليابان”؛ قد طورتها شركة: “PowerNet”، ذات الصلات الوثيقة بـ”الحزب الشيوعي الصيني”، الحاكم، وكذلك لعبة: (Glorious Mission)؛ جرى تصميمها من قبل الجيش الصيني مباشرة لنفس أغراض لعبة: (America’s Army) الأميركية، وهو تدريب المجندين الحاليين، والسعي لاجتذاب مجندين جدد.

ألعاب الفيديو الموجهة إيديولوجيًا في الصين..

لكن في هذه المرة كان العدو في اللعبة الذي يُطلق عليه النار عدوًا غربيًا، وقد صرح القائمون على اللعبة بأنهم جعلوها متاحة للتحميل المجاني بغرض: “غرس الروح والقيم الوطنية” للجيش الصيني، على حد تعبيرهم.

الجماعات الراديكالية تدخل على خط توظيف ألعاب الفيديو..

مع التطور الفائق الذي شهدته صناعة البرمجيات في العقود الماضية، ومع سهولة الوصول إلى المعلومات المتوفرة عبر شبكة الإنترنت، لم يُعد دخول مجال صناعة ألعاب الفيديو مقصورًا فقط على الشركات العملاقة، ذات الميزانيات الضخمة، فقد صار بإمكان الأشخاص العاديين برمجة ألعاب ذات مستوى جيد، وهم قابعون في منازلهم.

لذا أصبحت الفرصة متاحة أيضًا للتنظيمات المسلحة والراديكالية لإنتاج نسختها الخاصة من ألعاب الفيديو، فلم تغفل تلك التنظيمات، على اختلافاتها، الأهمية الكبرى لصناعة الألعاب في تشكيل وعي الأجيال، فصارت الألعاب جزءًا من إستراتيجيتها في الدعاية واستقطاب أعضاء جدد، تمامًا مثلما تفعل “أميركا” و”الصين”، فـ”النازيون الجدد” لم يتأخروا كثيرًا في برمجة ألعاب الفيديو للترويج لأفكارهم المعادية لغير المنتمين للعرق الآري، مثل لعبة: (Ethnic Cleansing) أو “التطهير العرقي”، الذي يقوم به اللاعب ضد كل الأقليات في المجتمع الأميركي.

ولم يمض كثير من الوقت حتى أصدر تنظيم (القاعدة) لعبة بعنوان: (ليلة القبض على بوش)؛ وتمتليء اللعبة بصور لشخصيات عدة برزت أسماؤها في العقد الأول من القرن العشرين، والتي شهدت ذروة الصراع بين التنظيم و”أميركا”، مثل: “أسامة بن لادن، والسيستاني، وأبي مصعب الزرقاوي، ودونالد رامسفيلد، وجورج بوش”، بالطبع.

ومع انحسار تأثير ووزن تنظيم (القاعدة) لصالح تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، (داعش)، أصدر التنظيم لعبة خاصة به بعنوان: (صليل الصوارم)، فيما أصدر (حزب الله) اللبناني، هو الآخر؛ لعبة بعنوان: (الدفاع المقدس)، وفيها يستهدف اللاعب المقاتلين المنتمين: لـ (داعش).

لم تكن اللعبة الأولى التي أصدرها (حزب الله)، إذ سبق له برمجة ألعاب موجهة ضد “إسرائيل”، لذا فإن تغيير العدو في الألعاب يعكس تغير أنواع الصراعات، أما الثابت الوحيد فهو استخدام تلك الأطراف جميعها ألعاب الفيديو باعتبارها وسيلة استقطاب إيديولوجي للأنصار الجدد مع تثبيت أنصارهم الحاليين.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة