وكالات – كتابات :
المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات كلها تحركات سلمية، ولكن إذا تعرَّضت هذه التحركات للحظر، فكيف يمكننا الضغط من أجل وضع حد لانتهاكات حقوق الإنسان ؟
لم يُحرم الفلسطينيون فقط من إقامة دولتهم الخاصة، بل يُحرمون أيضًا من مناقشة مستقبلهم. وقد بدا هذا الأمر جليًّا هذا الأسبوع في خطاب، “كير ستارمر”، سياسي ومحام ومتحدث باسم (حزب العمال) البريطاني لشؤون (البريكست)، إلى أصدقاء “إسرائيل” في (حزب العمال)، (مجموعة في برلمان المملكة المتحدة تشجِّع إقامة علاقة ثنائية قوية بين بريطانيا وإسرائيل، وبين حزب العمال البريطاني وحزب العمال الإسرائيلي).
هذا ما استهل به، “أوين جونز”؛ مقاله الذي نشرته صحيفة (الغارديان) البريطانية، والذي تحدث فيه عن الدعم الكبير الذي تتلقاه “إسرائيل”؛ حتى من أولئك الذين يقولون إنهم يقفون على مسافة متساوية من الطرفين، بينما يُحرم الفلسطينيون من أدنى حقوقهم في العيش والمقاومة.
صديق لإسرائيل وفلسطين !
يواصل “أوين”، كاتب العمود في الصحيفة البريطانية ومؤلف كتاب: (شيطنة الطبقة العاملة)، قائلًا: كان زعيم (حزب العمال) محقًا في استخدام خطابه لإدانة معاداة السامية، كما هو متأصل في الثقافة والمجتمع الغربيين، بمن فيهم اليسار الذي تسبب في الأذى والحزن ليهود “بريطانيا”. وعمومًا هذا أحد الأسباب الذي يجعل عديدًا من اليهود يرون “إسرائيل” على أنها طوق النجاة لهم. وعلى مدار سنين عديدة أفسح القبول الاجتماعي المفترض لليهود المجال أمامهم لتجديد اضطهاد الفلسطينيين.
إن معاداة السامية لا تتعارض مع النقد اللاذع للاحتلال الإسرائيلي، غير القانوني، لـ”فلسطين”، وقد تناول “ستارمر” كلا الموضوعين في خطابه. ورفض: “وجهة النظر المانوية للصراع”؛ قائلًا إنه: “صديق لإسرائيل وفلسطين”. ويبدو هذا منطقيًا بالنظر إلى تاريخ (حزب العمال) الطويل الداعم لحل الدولتين؛ (وإن كان ذلك في غالب الأوقات لا يعدو أن يكون أقوالًا لا أفعال)، وكذلك بسبب فقدان الثقة في (حزب العمال) بين عديد من اليهود البريطانيين. ويُحاول “ستارمر” بناء الجسور، ولكن إستراتيجيته مضللة. إذ قد يبدو موقفه معقولًا، ولكن هناك فجوة هائلة في القوة بين منطقة فقيرة ومحاصرة ومحتلة عسكريًّا، ودولة قوية ذات جيش يتمتع بقوة تقنية عالية وتدعمه دول عظمى.
أما الفلسطينيون فلا بواكي لهم !
يُلفت الكاتب إلى أن “ستارمر” أثناء محاولته إيجاد التوازن في دعمه للجانبين، قلل من أهمية قضايا حقوق الإنسان الموجودة على الساحة. فقد أشار إلى مقتل مواطنين إسرائيليين فيما وصفه: بـ”هجمات إرهابية”، ولكن لم يذكر سوى: “الإذلال والقيود والحواجز”؛ التي يُعاني منها الفلسطينيون في حياتهم اليومية، مع أن عدد القتلى على الجانب الفلسطيني يتجاوز عدد القتلى على الجانب الإسرائيلي؛ بـ 22 ضعفًا في الأعوام؛ من 2008 حتى 2020. ومرَّ “ستارمر” على ذِكْر الاحتلال المستمر، منذ 54 عامًا؛ مرور الكرام، واقتبس من زعيم سابق لـ (حزب العمال)، “هارولد ويلسون”، آيات المديح: لـ”الديمقراطيين الاجتماعيين الذين عمَّروا الصحراء”، إلا أنه لم يذكر أن الصحراء كانت موطنًا للفلسطينيين الذين تعرض: 700 ألف منهم للتطهير العِرقي في نكبة عام 1948.
كما أعرب “ستارمر” عن معارضته لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، (BDS). ولم يؤيدها سلفه، “غيريمي كوربين”، أيضًا إلا أن إدانته للحملة العالمية: “لاستهدافها الدولة اليهودية الوحيدة في العالم” مريبة؛ إذ يُردد بهذا مزاعم، “بنيامين نتانياهو”؛ التي وجهها لإدارة “ترامب”؛ بأن حركة المقاطعة هذه معادية للسامية.
مقاومة سلمية ولكنها مرفوضة..
يُشير “جونز” إلى أن حركة (BDS)؛ هي إستراتيجية دعا إليها الفلسطينيون وتهدف إلى إنهاء الاحتلال، ومنح خُمْس المجتمع الإسرائيلي، الذين هم من الفلسطينيين حقوقًا متساوية، وتحقيق العدالة للاجئين الفلسطينيين. وهذه الإستراتيجية ليست استثنائية لـ”إسرائيل”؛ إذ فرضت “بريطانيا” عقوبات على دول عدة كانت تنتهك حقوق الإنسان من: “بيلاروسيا” إلى “زيمبابوي” و”جنوب إفريقيا”.
ونشرت “منظمة هيومن رايتس ووتش” و”منظمة بتسيلم” الإسرائيلية لحقوق الإنسان، مؤخرًا؛ تقارير تاريخية أكَّدت دقة استخدام مصطلح: “الفصل العنصري” لوصف ما تفعله “إسرائيل”. وقد لعبت إستراتيجية المقاطعة التي استُخدِمت ضد دولة الفصل العنصري، في “جنوب إفريقيا”؛ دورًا مهمًا في إحداث التغيير. وفي ذلك الوقت، تساءل المنتقدون عن سبب عدم تبنِّي إستراتيجيات مقاطعة مماثلة ضد دول قمعية أخرى باعتبار ذلك وسيلة لإخراج الجدل عن مساره؛ وهو موقف قد يبدو أحمقًا بعد إدراك الأمر بعد فوات الأوان.
ويُشير “ستارمر” إلى أن “إسرائيل” مُلزمة: “بمعايير لا تخضع لها أي دولة أخرى”، ولكن كثيرين يُدينون تورط “بريطانيا” في الجرائم التي ارتكبتها “السعودية”، ليس أقلها إغراق “اليمن” في خضم كارثة إنسانية. وفي جميع الأحوال، فإن الدعم الدبلوماسي البريطاني ومبيعات الأسلحة تجعل الحكومة البريطانية متواطئة مع هذه الدول، ويُطالب النشطاء بإنهاء التجارة مع هؤلاء، بحسب المقال.
ما هو طريق المقاومة ؟
إن حركة المقاطعة هي إستراتيجية سلمية تمامًا؛ ومع ذلك لا زالت مرفوضة، الأمر الذي يُثير السؤال؛ ما هو الشكل الشرعي لـ”المقاومة الفلسطينية” بالضبط ؟.. إذ أن الضغط الأخلاقي من الحكومات الغربية لم يُحقق شيئًا. وقانون: “الدولة القومية”، لعام 2018، كرَّس حقوقًا متدنية للمواطنين الفلسطينيين، بينما وافقت الحكومة الإسرائيلية، الشهر الماضي، على إنشاء: 03 آلاف منزل آخر في المستوطنات غير الشرعية في “الضفة الغربية”، بحسب الكاتب.
وهذا الرفض لسماع أصوات الفلسطينيين يطرح سؤالًا جادًّا مفاده: إذا كان الناس يدعمون إقامة وطنًا فلسطينيًّا، فكيف يكون السبيل إليه ؟.. هل ستُعارض حكومة (حزب العمال) المستقبلية معارضة أكثر قليلًا لعمليات الضم مع الاستمرار في تسليح “إسرائيل” ودعمها ؟.. وإذا كان الأمر كذلك فما الذي سيدفع حكام “إسرائيل” لتغيير مسارهم ؟
ويختم الكاتب بالقول: وبهذا تبقى “المأساة الفلسطينية” على حالها؛ شعب مُهمَّش لا يُدعى للمشاركة في أي حوار بشأن مستقبله؛ تمامًا كحاله على أرضه التي لا يستطيع أن يُقيم عليها دولته.