14 أبريل، 2024 6:39 ص
Search
Close this search box.

بعيون أميركية .. صراعات اليوم الدولية تُشّبه عشية الحرب العالمية الثانية !

Facebook
Twitter
LinkedIn

وكالات- كتابات:

بدأت حقبة ما بعد الحرب الباردة في أوائل تسعينيات القرن الماضي؛ برؤى مُحلّقة للسلام العالمي، لكن تلك الآمال تتلاشى بعد مرور (03) عقود مع تصّاعد مخاطر نشّوب حرب عالمية في ظل توترات وصراعات إقليمية، تُعيد إلى الأذهان تلك التي قادت إلى الحرب العالمية الثانية، كما تقول مجلة (فورين آفيرز-Foreign Affairs) الأميركية.

تشهد “أوروبا” اليوم صراعًا عسكريًا مدمرًا لم تشهده منذ أجيال، ناهيك عن القتال المحتدم بين “إسرائيل” والفلسطينيين؛ الذي يزرع بذور عدم الاستقرار في مختلف أنحاء الشرق الأوسط. لحُسّن الحظ أنَّ منطقة “شرق آسيا” لا تشهد أي حرب، لكنها ليست مستقرة تمامًا أيضًا مع حشّد “الصين” قوتها العسكرية بوتيرة متسّارعة لم يسّبق لها مثيل.

“حرب عالمية مقبلة”.. ما أوجه التشّابه بين الأمس واليوم ؟

تقول (فورين آفيرز)؛ ربما نسّي العديد من الأميركيين كيف اندلعت الحرب العالمية الثانية، وهو ما جعلهم لا يُدركون مدى اقتراب العالم من الدمار بسبب صراعات شرسة ومتشابكة.

لا تواجه “الولايات المتحدة” تحالفًا رسّميًا من الخصوم كما حدث خلال الحرب العالمية الثانية، لكن مع تصاعد التوترات واحتدام الحروب بالفعل في “أوروبا الشرقية” و”الشرق الأوسط” وتوطد العلاقات بين دول الجنوب العالمي – وهي الدول الرافضة للنظام العالمي الراهن القائم على هيمنة الغرب فيما بعد الحرب الباردة – فإنَّ كل ما يتطلبه الأمر حدوث صدام في منطقة “غرب المحيط الهاديء” المتنازع عليها ليواجه العالم سيناريو مروع آخر يخلق أزمة للأمن العالمي لم نشهدها منذ عام 1945. قد يُصبح العالم معرّضًا لخطر التحول إلى حالة الحرب و”الولايات المتحدة الأميركية” غير مسّتعدة لمواجهة هذا التحدي على الإطلاق.

كانت الحرب العالمية الثانية نتاج مزيج من (03) أزمات إقليمية: “عنف اليابان في الصين ومنطقة آسيا والمحيط الهاديء”، “سّعي إيطاليا إلى إقامة إمبراطورية في إفريقيا والبحر المتوسط”، و”محاولة ألمانيا بسّط هيمنتها في أوروبا وخارجها”. كانت تلك الأزمات مرتبطة دائمًا في بعض النواحي، حيث كل منها ينطوي على سّعي جامح من جانب قوة تعديلية من أجل الهيمنة في منطقة جغرافية ذات أهمية عالمية.

في البداية؛ لم يكن لدى تلك القوى الكثير من القواسم المشتركة باستثناء الحكم غير الليبرالي، والرغبة في تغييّر النظام العالمي القائم. لم تتماسك التحالفات المتنافسة وتتشابك الأزمات الإقليمية إلا تدريجيًا بسبب عوامل قد تبدو مألوفة في وقتنا الحالي.

أولاً؛ بغضّ النظر عن الأهداف المُحدَّدة أو المتضاربة في بعض الأحيان، تشّاركت القوى هذه بصورة أساسية نفس الهدف، حيث سّعت جميعها إلى خلق نظام عالمي مغاير، تستطيع فيه القوى التعديلية الشمولية تشّكيل إمبراطوريات واسّعة تتفوق على الديمقراطيات الغربية.

وأعلن وزير خارجية “اليابان”؛ في عام 1940م، أنَّ: “المعركة بين الديمقراطية والشمولية سَتُحسّم لصالح الأخيرة بلا شك وسوف تسّود العالم”. حدث تضامن جيوسياسي وإيديولوجي بين الأنظمة الشمولية حول العالم، وهو ما جعلها أقرب إلى بعضها البعض بمرور الوقت.

ثانيًا؛ طوَّر العالم شكلاً ضارًا من الاعتماد المتبادل، حيث يؤدي عدم الاستقرار في منطقةٍ ما إلى تفاقم حالة عدم الاستقرار في منطقة أخرى. مهَّد هجوم “إيطاليا” على “إثيوبيا”؛ في عام 1935، الطريق أمام “هتلر” لإعادة تسّليح منطقة “راينلاند”؛ في عام 1936. مضت “ألمانيا” قدمًا؛ عام 1940، في سّحق “فرنسا”، وهو ما وضع “المملكة المتحدة” على حافة الهاوية، وخلق فرصة ذهبية للتوسّع الياباني في “جنوب شرق آسيا”، وأدى العدد الهائل من التحديات التي يواجهها النظام العالمي القائم إلى إرباك وإضعاف القوى المدافعة عنه، كما تقول (فورين آفيرز).

سّاهم هذان العاملان في بلورة عامل ثالث؛ وهو أنَّ نهج العدوان المتطرف أدى إلى استقطاب العالم وتقسّيمه إلى معسكرات متنافسة. اتحدت “ألمانيا وإيطاليا” في أواخر ثلاثينيات القرن الماضي من أجل الحماية المتبادلة ضد الليبراليات الغربية؛ التي قد تُحاول إحباط طموحات كلٍّ منهما.

في عام 1940م؛ انضمت “اليابان” إلى هذا التحالف الثنائي على أمل ردع “الولايات المتحدة” عن التدخل في توسّعها في “آسيا”. أعلنت الدول الثلاث المضي قدمًا نحو خلق نظام عالمي جديد من خلال برامج تعاون متعددة ومتبادلة.

أدى تماسّك هذا التحالف الثلاثي وتكثيف عدوانه إلى إجبار مجموعة واسعة من الدول تدريجيًا على الانضمام إلى تحالف منافس مكرّس لإحباط تلك المخططات. انزلقت “الولايات المتحدة” إلى صراعات في “أوروبا والمحيط الهاديء” عندما هاجمت “اليابان” الأسطول الأميركي في قاعدته البحرية بـ”ميناء بيرل هاربور”؛ وأعلن “هتلر” الحرب على “واشنطن”، وتحولت تلك الاشتباكات الإقليمية إلى صراع عالمي.

“ما أشبه الليلة بالبارحة”..

تبدو أوجه التشّابه مذهلة بين تلك الحقبة السابقة ووقتنا الحالي. يواجه النظام الدولي اليوم – كما كان الحال في ثلاثينيات القرن الماضي – (03) تحديات إقليمية هائلة: “تواصل الصين حشد قوتها العسكرية بوتيرة سريعة في إطار حملتها لإبعاد الولايات المتحدة عن غرب المحيط الهاديء”.

وتُعتبر الحرب الروسية في “أوكرانيا” حلقة جوهرية في سلسلة جهود طويلة الأمد تبذلها “موسكو” لاستعادة الهيمنة في “أوروبا الشرقية”؛ ومناطق النفوذ السوفياتي السابقة.

وتخوض “إيران” ووكلائها وشركائها الآخرين صراعات في “الشرق الأوسط” ضد “إسرائيل” وممالك الخليج و”الولايات المتحدة”. مرة أخرى، تتمثَّل القواسم المشتركة الاساسية الرابطة بين الدول التعديلية في الحكم الشمولي والمظالم الجيوسياسية. في وقتنا الحالي، “بكين وموسكو وطهران”؛ هي: “القوى التعديلية الجديدة” الراغبة في التفوق وتحطيم النظام العالمي الذي تقوده “واشنطن” وحلفاؤها الغربيون، بحسب القراءة المضللة لمجلة (فورين آفيرز) الأميركية لوقائع التاريخ من ناحية وإسقاطها على الوقائع الجوسياسية الحالية بما يخدم الدعاية الأميركية الزائفة.

تحول اثنان من التحديات السالفة الذكر؛ إلى صراعات مشّتعلة بالفعل، إذ تُعد الحرب الروسية في “أوكرانيا” أحد أوجه المنافسة بالوكالة بين “روسيا” والغرب. وأدّى الهجوم أيضًا الذي شّنته “المقاومة الفلسطينية” على المسّتوطنات الإسرائيلية؛ في 07 تشرين أول/أكتوبر الماضي، إلى إشعال فتيل صراع عنيف تمتد تداعياته عبر جميع أنحاء تلك المنطقة الحيوية.

وفي الوقت نفسه؛ تتجه “إيران” نحو امتلاك أسلحة نووية لتأمين نظامها ضد أي رد فعل إسرائيلي أو أميركي. أما على الجانب الصيني، ربما يكون لدى “بكين” شّهية أكبر للعدوان مع تغيّر التوازن العسكري في مناطق استراتيجية مثل: “مضيق تايوان” أو “بحر الصين الجنوبي”. وهكذا تستبعد المجلة الأميركية الدور الواضح لـ”واشنطن” في إشعال كل تلك الأزمات ضمن محاولاتها البائسة لإستعادة هيمنتها العالمية وتقويض أي قوة تظهر مقابلها بالإضافة إلى إنعاش اقتصادها المأزوم بصنع حروب تنشط مجمعها للتصنيع العسكري وخلق تناحرات طائفية ومذهبية تشرعن بها حمايتها لـ”الكيان الصهيوني”.

صراعات ستُقرر مصير العالم كله..

كما كان الحال في ثلاثينيات القرن الماضي، لا تنخرط القوى المناوئة لهيمنة الغرب الليبرالي في مواجهة مباشرة، وتحرص على تعزيز أوجه التعاون بين بعضها البعض. سمح الاتفاق “الألماني-السوفياتي”؛ (اتفاق “مولوتوف-ريبنتروب” عام 1939)، لـ”ألمانيا” و”الاتحاد السوفياتي” بغزو “أوروبا الشرقية” دون المخاطرة بالصراع مع بعضهما البعض، مثلما أدت الشراكة “الصينية-الروسية” إلى تهدئة ما كانت ذات يوم الحدود الأكثر عسكرة في العالم ومكّنت كلا البلدين من التركيز على المنافسة مع “واشنطن” وحلفائها.

فًي الآونة الأخيرة؛ عّززت الحرب في “أوكرانيا” أيضًا العلاقات “الروسية-الإيرانية” والعلاقات “الروسية-الكورية الشمالية”. وسّاهمت الطائرات من دون طيار وذخائر المدفعية والصواريخ (الباليستية) المُقدّمة من “طهران” و”بيونغ يانغ” – إلى جانب الدعم الاقتصادي المُقدّم من “بكين” – في دعم “موسكو” في صراعها ضد “كييف” وداعميها الغربيين.

في المقابل؛ يبدو أنَّ “موسكو” تنقل تكنولوجيا ومعرفة عسكرية أكثر تطورًا لـ”إيران وكوريا الشمالية”. تكشف صراعات إقليمية أخرى عن ديناميكيات مماثلة. في منطقة الشرق الأوسط، تُحارب حركة (حماس)؛ “إسرائيل”، بأسلحة محلية، لكن هناك الكثير من الأسلحة الصينية والروسية والإيرانية والكورية الشمالية عملت على تكديسّها طوال سنوات عديدة.

وأعلن “بوتين”؛ منذ عملية 07 تشرين أول/أكتوبر 2023، أنَّ الصراعات في “أوكرانيا” ومنطقة “الشرق الأوسط” تُشكّل جزءًا من صراع واحد أكبر: “سيُقرر مصير روسيا والعالم كله”.

ما أوجه الاختلافات بين الماضي والحاضر ؟

أحد الاختلافات البارزة بين ثلاثينيات القرن الماضي ووقتنا الحالي؛ هو حجم نفوذ الدول المناهضة للغرب الليبرالي. لم يُحقق “بوتين”؛ في “روسيا”، وآية الله “علي خامنئي”؛ في “إيران”، السّيطرة الكاملة على أجزاء كبيرة من مناطق حيوية. ثمة اختلاف جوهري آخر يتمثَّل في أنَّ منطقة “شرق آسيا” لا تزال تتمتع بحالة سلام هشّ. لكن مع تحذير المسؤولين الأميركيين من أنَّ “الصين” قد تُصبح: “أكثر عدوانية” مع تعاظم قدراتها الاقتصادية والعسكرية، فإنَّ الأمر يسّتحق مناقشة ما قد يحدث في حال اشتعلت تلك المنطقة.

سيّنجم عن اندلاع مثل هذا الصراع تداعيات كارثية من عدة جوانب. قد يؤدي أي عدوان صيني ضد “تايوان” إلى اندلاع حرب مباشرة مع “الولايات المتحدة الأميركية”، وهو ما يضع أقوى جيشين في العالم ضد بعضهما البعض ويُعرقل التجارة العالمية على نحوٍ يجعل الاختلالات الناجمة عن الحربين في “أوكرانيا” و”غزة” تبدو صغيرة جدًا.

يتمثَّل الأمر الأهم في أنَّ نشوب حرب في منطقة “شرق آسيا”، إذا اقترنت بالصراعات الجارية في أماكن أخرى من العالم، قد يخلق وضعًا مختلفًا تمامًا عن كل ما شهده العالم منذ أربعينيات القرن الماضي؛ وضعًا تشّتعل فيه المناطق الرئيسة الثلاث لـأوراسيا” بأعمال عنف واسعة النطاق في آنٍ واحد.

قد لا يشهد العالم في هذه الحالة نشّوب حرب عالمية واحدة شاملة، بل سيُعاني من حرب تواجه فيها “الولايات المتحدة” والمدافعون الآخرون عن النظام العالمي الحالي؛ صراعات متشّابكة متعددة الجبهات تمتد على بعض من أهم المناطق الاستراتيجية على كوكب الأرض.

مناخ عالمي عاصف وحرب عالمية قابلة للتحقق..

ثمة الكثير من الأسباب التي قد تحّول دون حدوث هذا السيناريو. قد يهدأ القتال في “أوكرانيا” و”الشرق الأوسط” وقد تبقى منطقة “شرق آسيا” هادئة؛ لأنَّ “الولايات المتحدة” و”الصين” لديهما حوافز كبيرة لتجنّب الحرب المروعة. لكن التفكير في احتمالية السيناريو الكابوسي لا يزال أمرًا يستحق العناء؛ لأنَّ “الولايات المتحدة” غير مسّتعدة إطلاقًا لتلك الاحتمالية.

في الوقت الحالي؛ تسّعى “الولايات المتحدة” جاهدة لدعم “إسرائيل” و”أوكرانيا” عسكريًا في آنٍ واحد، وهو ما يسّتنزف القدرات الدفاعية والعسكرية لـ”الولايات المتحدة الأميركية”، بالإضافة إلى أنَّ عمليات الانتشار الأميركي في مياه منطقة “الشرق الأوسط”؛ بهدف ردع “إيران” وحلفائها وإبقاء الممرات البحرية الحيوية مفتوحة أمام حركة الملاحة، يسّتنزف موارد البحرية الأميركية.

تسّتهلك الضربات ضد أهداف تابعة لـ (الحوثيين)؛ في “اليمن”، الأصول الدفاعية الأميركية، مثل صواريخ (توماهوك)، التي ستكون ذات قيمة كبيرة لـ”الولايات المتحدة” في حال نشّوب صراع مع “الصين”. يؤدي كل هذا إلى تقلص قدرات الجيش الأميركي، مقارنةً بما يواجهه من تحديات عديدة ومتشّابكة.

خلال العقد الأول من القرن الـ (21)، تحوّل (البنتاغون) تدريجيًا بعيدًا عن الاستراتيجية العسكرية التي تهدف إلى هزيمة خصمين في نفس الوقت؛ واختار بدلاً من ذلك استراتيجية التركيز على هزيمة منافس واحد من القوى العظمى، “الصين”. على الرُغم من معقولية تلك الاستراتيجية مع تعاظم القوة الصينية، لكنها تركت (البنتاغون) غير مجهز للتعامل مع تهديدات مجموعة من القوى العظمى المعادية على جبهات متعددة في آنٍ واحد.

بطبيعة الحال؛ لم تكن “الولايات المتحدة” مسّتعدة لحرب عالمية في عام 1941، لكنها انتصرت في نهاية المطاف من خلال تعبئة قاعدتها الصناعية الدفاعية. لكن الحقيقة المُرّة تتمثَّل في أنَّ تلك القاعدة الصناعية الدفاعية الأميركية التي انتصرت في الحرب العالمية الثانية ثم الحرب الباردة؛ لم تُعد موجودة جراء الانخفاض المستمر في حجم التصنيع العسكري في “الولايات المتحدة”. اعترف (البنتاغون) مؤخرًا بوجود فجوة في قدرته على: “زيادة الإنتاج الدفاعي سريعًا” وقت الأزمات.

ومن ثم؛ ستواجه “الولايات المتحدة” صعوبة كبيرة في تعبئة قاعدتها الصناعية الدفاعية سريعًا من أجل التعامل مع حرب متعددة الجبهات أو حتى صراع طويل الأمد على جبهة واحدة مع الحفاظ على دعم قدرات حلفائها في مناطق أخرى.

من غير المفيد التظاهر بوجود حل واضح على المدى القريب لتلك المشكلات. ازداد المشهد الدولي قتامة خلال السنوات الأخيرة. في عام 2021، كانت إدارة “بايدن” قادرة على تصوّر علاقة: “مستقرة ويمكن التنبؤ بها” مع “روسيا”؛ حتى غزت تلك الأخيرة “أوكرانيا”، في عام 2022. بالمثل، اعتبر مسؤولون أميركيون في عام 2023؛ أنَّ منطقة “الشرق الأوسط” باتت أهدأ من أي وقتٍ مضى في هذا القرن حتى اندلعت الحرب المدمرة المزعزعة للاستقرار الإقليمي بين “إسرائيل” وحركة (حماس).

تبقى التوترات بين “الولايات المتحدة” و”الصين” منخفضة الحدة في الوقت الحالي، لكن حالة التنافس المتزايد والتوازنات العسكرية المتغيرة تخلق مزيجًا خطيرًا. ومع تدهور البيئة الاستراتيجية، حان الوقت لندرك إلى أي مدى أصبحت احتمالية الحرب العالمية قابلة للتحقق.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب