بعيون أميركية .. “الأرجنتين” قوة عظمى فقدت بوصلتها !

بعيون أميركية .. “الأرجنتين” قوة عظمى فقدت بوصلتها !

وكالات – كتابات :

كانت “الأرجنتين”؛ في وقتٍ من الأوقات، وخاصة في عقد التسعينيات من القرن الماضي، واحدة من النماذج الصاعدة التي كان يُنظر إليها بصورة إيجابية، وخصوصًا مع تمكنها من تحقيق معدلات نمو اقتصادي كبير صاحبها محاولات “الأرجنتين” للاستفادة من موقعها الجيوإستراتيجي في “أميركا الجنوبية” الذي سمح لها بتعزيز علاقاتها بعدد من الدول الكبرى في النظام الدولي.

ولكن هذا النموذج لم يستمر كثيرًا؛ حيث تعرضت “الأرجنتين” للعديد من الأزمات الاقتصادية التي قوضت صورتها الإيجابية.

وفي هذا الصدد، نشر موقع (ستراتفور)؛ تقريرًا بعنوان: “الجغرافيا السياسية للأرجنتين: القوة العظمى التي لم تكن كذلك”، للكاتب “أدريانو بوسوني-Adriano Bosoni”، الذي حلل من خلاله المعضلات التي تواجهها “الأرجنتين”، وكيف أثرت على مكانة الدولة وقدرتها على الاستفادة من مزايا موقعها الجيوإستراتيجي.

القوة غير المُستغلة..

استهل “بوسوني” التقرير؛ بتأكيد الطابع الجيوإستراتيجي الهام لـ”الأرجنتين”، وكيف قيدت الأزمات الداخلية هذه الأهمية؛ فـ”الأرجنتين”، من وجهة نظره، تشترك في العديد من القواسم الجغرافية والإستراتيجية المشتركة مع دول أكثر ازدهارًا واستقرارًا مثل: “الولايات المتحدة الأميركية” و”أستراليا”، بما في ذلك امتلاكها أراضي شاسعة وغنية بالموارد، وطبيعتها الجغرافية التي تُساعد على حمايتها من العدوان الخارجي، وسهولة الوصول إلى شبكة كبيرة من الأنهار والمحيطات التي تُسهل التجارة الخارجية، جنبًا إلى جنب مع عدد السكان المتنامي والمتعلم والمتعدد الثقافات.

وكذلك تتمتع “الأرجنتين” بنظام قانوني وسياسي يضمن؛ (على الورق على الأقل)، تقسيمًا للسلطة، ويكفل حماية الملكية الخاصة ويُعزز دور الأسواق الحرة.

ولكن مع ذلك، تحولت “الأرجنتين” من كونها واحدة من أكبر عشرة اقتصادات في العالم؛ في بداية القرن العشرين، إلى أن أصبحت بالكاد ضمن أعلى: 30 اقتصادًا في بداية القرن الحادي والعشرين. وهو الأمر الذي نجم عن الاضطرابات الاقتصادية الهائلة التي واجهتها الدولة في السنوات الأخيرة، والتي قيدت قدرات الدولة وجعلتها: كـ”قوة عظمى فقدت بوصلتها”.

أزمات ممتدة..

تعرضت “الأرجنتين”، بحسب مزاعم “بوسوني”، خلال السنوات الماضية؛ للعديد من الأزمات التي قيدت التحركات الخارجية للدولة، وهو ما يمكن تناوله فيما يأتي:

01 – مشكلات متجذرة تواجه وزير اقتصاد “الأرجنتين” الجديد: في 03 آب/أغسطس 2022، عينت الحكومة الأرجنتينية ثالث وزير للاقتصاد في غضون شهر تقريبًا، في مؤشر واضح على الوضع السياسي المتقلب، والانحلال الاقتصادي القائم في “الأرجنتين”؛ حيث يواجه الوزير الجديد تحديات هائلة مرتبطة بالتعامل مع التضخم المتصاعد وسط مستويات منخفضة من احتياطات “البنك المركزي”، وإحياء الصفقة الهشة لإعادة هيكلة الديون مع “صندوق النقد الدولي”، لإعادة هيكلة شبكة ضخمة من الإعانات ومدفوعات الرعاية الاجتماعية التي تستنزف إيرادات الدولة، وحتى يتسنى إقناع المستثمرين الأجانب بأن “الأرجنتين” بلد موثوق به للقيام بأعمال تجارية.

ولكن مثل أسلافه، من المحتمل أن يفشل الوزير الجديد في مواجهة كل هذه التحديات، ليستمر تأثير العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ التي حالت دون تمكن “الأرجنتين” من الاستفادة من إمكاناتها المحلية الهائلة.

02 – انعكاسات التآكل التدريجي لسيادة القانون: يكشف التدهور الاقتصادي؛ غير المسبوق، في “الأرجنتين” عن عدم كفاية المعطيات الجغرافية وحدها لبناء دولة مزدهرة.

وفي المقابل؛ أدت سلسلة من الانقلابات العسكرية التي شهدتها “الأرجنتين”؛ في منتصف القرن العشرين، إلى دكتاتوريات عسكرية عززت العنف باعتباره وسيلة فعالة للوصول إلى السلطة والحفاظ عليها، وألغت المؤسسات الديمقراطية وأضعفت بشدة سيادة القانون مع انتهاك منهجي لحقوق الإنسان؛ كما يدعي كاتب التقرير.

ومع أن معظم الحكومات الديمقراطية في “الأرجنتين”؛ في أواخر القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين، كانت أفضل قليلاً إلا أنها تحايلت هي الأخرى على الفروع التشريعية والقضائية للبلاد، وتواطأت معها تحقيقًا لمنافع شخصية ومصالح سياسية واجتماعية للحلفاء القائمين على الحكم.

03 – تراجع دور السلطة القضائية سببًا في تضاؤل الاستثمار: حيث أدى تراجع المؤسسة القضائية باعتبارها سلطة مستقلة وشفافة تضمن إلتزام الجميع بالقواعد ذاتها إلى خلق بيئة يتم فيها تنفيذ العقود وحماية حقوق الملكية بأسلوب انتقائي؛ (حيث تميل الأرجنتين أحيانًا إلى تأميم ومصادرة الممتلكات، سواء من الشركات الخاصة أو مدخرات الأفراد في البنوك مع تخلف الحكومة عن سداد ديونها السيادية).

وبالمثل، يُعزز فساد القوانين التوزيع غير المتكافيء للثروة من خلال تركيز الموارد الاقتصادية في أيدي نخب رجال الأعمال الفاسدين والموظفين العموميين الذين يدعمونهم.

وقد أفسح هذا المجال لاقتصاد غير رسمي كبير؛ حيث تختار الشركات والأسر غالبًا أداء أنشطتها خارج السجلات بسبب الرقابة الانتقائية من السلطات أو الضرائب المفرطة، وهي كلها أسباب لتقويض التنمية الاقتصادية في “الأرجنتين” من خلال ردع الاستثمار.

04 – التداعيات السلبية للمخاطر الشعبوية: في الوقت الذي يُمثل فيه ضعف سيادة القانون أحد أسباب المشكلات الاقتصادية بالدولة، فإن توسع الشعبوية، بحسب مزاعم المقال، ربما يكون هو السبب الأكبر في الاضطراب الاقتصادي المستمر في البلاد.

فمن خلال ذرائع واهية عن مساعدة المحتاجين، أبقت معظم الحكومات الأرجنتينية؛ في العقود الأخيرة، قطاعات كبيرة من السكان معتمدة على الدولة؛ للتأكد من استمرارها في التصويت لصالح الزعماء الذين يضمنون استمرار نظام المحاباة؛ كما يدعي التقرير الأميركي.

غير أن مثل هذه الأنظمة الشعبوية مكلفة، وهو ما يفسر لماذا تؤدي السياسة المالية والنقدية التوسعية في كثير من الأحيان إلى مستويات عالية جدًا من التضخم وسط عجز مالي كبير؛ ذلك من جهة.

من جهة أخرى، تُخاطر الحكومات الإصلاحية في حال رفع الإعانات بنشوب اضطرابات اجتماعية واسعة النطاق. وهكذا، تُمثل معالجة تلك المشكلة معضلة كبيرة في “الأرجنتين”.

ويخلص التقرير إلى تأكيد أن السياسات التي تتبناها الحكومات الأرجنتينية أثرت بالسلب على الأوضاع الداخلية في الدولة، وهو ما قد يؤكد الرؤية التي عرضها كل من “دارون أسيموغلو” و”جيمس روبنسون”؛ في كتابهما: (لماذا تفشل الأمم ؟)، الذي يوضح أن: “الدول الفقيرة فقيرة لأن الذين لديهم السلطة يتخذون خيارات تخلق الفقر؛ فهم يُخطئون لا عن طريق الخطأ أو الجهل بل عن قصد”.

وهذا صحيح على نحو مؤلم بالنسبة إلى “الأرجنتين”؛ حيث إن القرارات السياسية المقصودة مع سوء الإدارة هي السبب الأول في تدهور الأوضاع الاقتصادية بالدولة.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة