خاص : كتبت – نشوى الحفني :
بعد مخاض عسير استمر لتسعة أشهر؛ شهد “لبنان”، أخيرًا، ولادة تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، برئاسة، “سعد الحريري”، الذي تم تكليفه بتأليفها، في 24 آيار/مايو من العام الماضي، في أعقاب إجراء الانتخابات النيابية، لتحل الحكومة الثالثة لـ”سعد الحريري”، في المرتبة الثانية؛ من حيث طول فترة التأليف، بعد حكومة رئيس الوزراء السابق، “تمام سلام”، الذي أستغرق 315 يومًا لتأليف حكومته، وذلك خلال الفترة ما بين 6 نيسان/أبريل 2013، وحتى 15 شباط/فبراير 2014.
عقب إعلان التشكيلة الوزارية، أكد “الحريري”، في مؤتمر صحافي، على أن بلاده أمام تحديات اقتصادية واجتماعية، وأنه لا خيار أمام الحكومة سوى تحمل المسؤولية لمواجهة هذه التحديات.
وقال إن: “الواجب يقضي بالإعتذار من جميع اللبنانيين، وخصوصًا من فئة الشباب الذين ينتظرون مرحلة تصحيح الأوضاع.. من الممكن أنه لم يكن هناك داعٍ لهذا التأخير، لأن هناك فعلاً قضايا أهم من الحصص وتوزيع الحقائب”.
وأضاف: “أؤكد منذ البداية؛ أن المهمة ستكون حول كيفية عمل الحكومة وكيف سيكون هناك تعاون وتضامن داخل المجلس الوزاري لنكون خلية عمل متجانسة”.
وأشار إلى أن التعاون بين أعضاء الفريق الوزاري شرط مهم لتنجح الحكومة في عملها، ولكي تتمكن من تجاوز المرحلة الآنية، لافتًا إلى أن “الحكومة لديها جدول أعمال وورشة عمل لا تحتمل التأخير والتردد أو التشاطر على المواطنين”.
عقبات كانت في طريق التشكيل..
يُذكر أن مسار تشكيل الحكومة الجديدة التي صدرت مراسيمها، مساء الخميس الماضي، مجموعة من العقبات شديدة الصعوبة، التي كادت أن تطيح بعملية التأليف بُرمتها، متمثلة في أزمة التمثيل الوزاري المسيحي بين “التيار الوطني الحر” و”حزب القوات اللبنانية”، والخلاف الحاد بين الفريقين المسيحيين الأكبر في “لبنان”، على الحصص والأحجام الوزارية ونوعية الحقائب.
وتعلقت الأزمة الثانية بالتمثيل الوزاري لـ”الطائفة الدُرزية”، والتي تمثلت في الخلاف على الحصص الوزارية بين “الحزب التقدمي الاشتراكي” والقيادي الدُرزي، “طلال أرسلان”، المدعوم من “التيار الوطني الحر”، ثم أزمة ثالثة لا تقل وطأة؛ وتتعلق بالتمثيل الوزاري للطائفة السُنّية لمجموعة من النواب المدعومين من “حزب الله” في مواجهة “تيار المستقبل” بزعامة، “سعد الحريري”، وهي الأزمة التي استغرقت الأشهر الثلاثة الأخيرة في محاولة لحلها.
كما برزت عقبات أخرى تتعلق بتوزيع الحقائب الوزارية بين القوى السياسية المعنية بالتأليف الحكومي، على نحو زاد الأزمة تعقيدًا فوق التعقيد، قبل أن يقود “سعد الحريري” جولة مشاورات أخيرة في اليوم التالي مباشرة لإنتهاء أعمال الدورة الرابعة من “القمة العربية الاقتصادية”، التي عُقدت في “بيروت”، يوم 20 كانون ثان/يناير 2019، معلنًا أن نهاية شهر كانون ثان/يناير تُمثل الفرصة الأخيرة للإنتهاء من تشكيل الحكومة أو أنه سيقوم بإتخاذ موقف حاسم تجاه الملف الحكومي.
30 حقيبة وزارية تضم 4 وزيرات..
وتضم الحكومة الجديدة 30 حقيبة وزارية، وكانت المفاجأة فيها إلغاء 4 وزارات دولة، هي “وزارة الدولة لشؤون مكافحة الفساد”، و”وزارة الدولة لشؤون التخطيط”، و”وزارة الدولة لشؤون حقوق الإنسان”، و”وزارة الدولة لشؤون المرأة”، وفي المقابل تم إستحداث 3 وزارات دولة، هي “وزارة الدولة لشؤون تكنولوجيا المعلومات”، و”وزارة الدولة لشؤون التجارة الخارجية”، و”وزارة الدولة لشؤون التأهيل الاجتماعي والاقتصادي للشباب والمرأة”.
وتضم الحكومة الجديدة، التي ستعقد أولى جلساتها، اليوم السبت، 4 وزيرات، غير أن المفاجأة الكبرى بالتشكيل الوزاري تمثلت في شغل، “ريا الحسن”، منصب وزير الداخلية، وذلك للمرة الأولى في تاريخ الوزارة، في حين سبق لها من قبل أن شغلت منصب “وزير المالية”، في الحكومة الأولى، التي شكلها “الحريري” عام 2009.
كما ضمت الحكومة، “ندى البستاني” وزيرة للطاقة والمياه، والتي تُعد واحدة من أهم الحقائب الوزارية الأساسية في البلاد، إلى جانب الإعلامية المعروفة، “مي شدياق”، وزيرة لشؤون التنمية الإدارية، و”فيوليت الصفدي”، وزيرة لشؤون التأهيل الاجتماعي والاقتصادي للشباب والمرأة.
وهي سابقة في تاريخ الحكومات في البلاد. ولقيت الخطوة ترحيبًا كبيرًا من قِبل المنظمات التي تدافع عن تعزيز دور المرأة في الحياة السياسية وتدبير الشأن العام.
الحكومة الأولى من حيث تمثيل المرأة..
وأعرب “الحريري” عن فخره الكبير كون الحكومة الجديدة للبلاد تضم 4 وزيرات؛ على نحو يمثل سابقة في تاريخ الحكومات اللبنانية أن تضم هذا العدد من النساء.
وقال، في تصريح أمس، “فخور بالمرأة اللبنانية، وفخور بالوزيرات الأربع في الحكومة، وفخور بأول وزيرة داخلية في العالم العربي، وفخور بالمستقبل وبلبنان”.
من جهته؛ اعتبر الرئيس اللبناني السابق، “ميشال سليمان”، عن أن الحكومة الجديدة تُعد بمثابة “الحكومة الأولى في ما يتعلق بمشاركة المرأة اللبنانية”.. معربًا عن أمله في أن تنجح الوزيرات، وفي المقدمة منهن وزيرة الداخلية، “(ريا حفار الحسن)، في فرض الأمن الراقي في الجلسات المعرضة لرياح التجاذبات”، على حد وصفه.
وكانت الحكومة اللبنانية السابقة، والتي شُكلت برئاسة “الحريري” في، كانون أول/ديسمبر 2016، قد ضمت وزيرة واحدة؛ وهي الدكتورة “عناية عزالدين”، (عن حركة أمل)، والتي أُسندت إليها حقيبة الدولة لشؤون التنمية الإدارية، كما أن بعض الحكومات السابقة لم تكن تضم من الأصل عناصر نسائية لشغل حقائب وزارية.
لقي، تشكيل الحكومة اللبنانية، ترحيب حار من العديد من الدول؛ أولها “إيران” التي أعلنت دعمها الدائم لـ”لبنان”، بالإضافة إلى ترحيب “فرنسا” و”روسيا” و”جامعة الدول العربية”، في حين لم تهتم “إسرائيل”؛ مؤكدة على أن ما يهمها هو تعقب “نصرالله”، زعيم “حزب الله”، فيما أعربت “واشنطن” عن قلقها من تولي “حزب الله” اللبناني، حقائب وزارية خدمية في الحكومة اللبنانية الجديدة.
تحديات الحقبة الوزارية الجديدة..
الحكومة اللبنانية الجديدة تنتظرها تحديات عديدة، لا سيما وأن البلاد تعيش تحت وطأة مؤشرات اقتصادية سلبية نتيجة تأخر تشكيل الحكومة اللبنانية 9 أشهر، بسبب التجاذبات السياسية التي كانت قائمة حول الحصص الوزارية ومسألة توزيع الحقائب.
حول هذا؛ أشار وزير الدولة لشؤون مجلس النواب، “محمود قماطي”، المحسوب على “حزب الله”، إلى أن هذه الحكومة أمامها إستحقاقات خطيرة، كبيرة ومهمة.
قائلاً إن التحديات الداخلية تبدأ بالموضوع المعيشي والأمور الشعبية المطلبية، من كهرباء وماء وغلاء ونفايات ومحارق، وهي تحتاج إلى جهد كبير ومتابعة حثيثة لحل كافة المشاكل المتعلقة بالمواطنين.
ولفت “قماطي” إلى أن الحكومة الجديدة أمامها إستحقاقات خارجية تتعلق بمواجهة “إسرائيل” والإرهاب التكفيري والضغوطات الدولية، وعلى رأسها “الولايات المتحدة الأميركية”.
وأضاف: “كذلك هناك الضغوطات الاقتصادية، ولذلك أمام هذه الحكومة إستحقاقات كبيرة لا تستطيع أن تتصدى لها إلا بحكومة وحدة وطنية، بتعاون وتآلف بين أعضائها جميعًا للتصدي للأخطار ولتلبية مطالب الشعب”.
وشدد الوزير اللبناني على أن الحكومة الجديدة ستكون حكومة وحدة وطنية، مشيرًا إلى أن “حزب الله” يعمل بكل جهد لتكون حكومة وحدة وطنية، سواء كـ”حزب الله” أو كثنائي وطني شيعي، أو كحلفاء وطنيين من كل الألوان، “أي كل مسعانا، مع كل الذين نختلف معهم في السياسة داخل الحكومة، أن نكون في إطار وحدة وطنية؛ لنكون في مصلحة الشعب والمواطن قافزين فوق الخلافات، بإختصار ستكون حكومة وحدة وطنية لتلبية كل هذه الأهداف”.
وأكد “قماطي” على أن مكافحة الفساد؛ هو هدف رئيس وأساس في سياسة “حزب الله” القادمة، و”نعمل على إيقافه وسد منافذه بكل ما نستطيع من قوة؛ متعاونين مع الجميع، مع الحلفاء في السياسة ومع الخصوم”.
حكومة العهد الأولى..
من جانبه؛ يقول القيادي في “التيار الوطني الحر” والنائب السابق، “أمل أبوزيد”، أن الهدف من تشكيل الحكومة الأولى عمليًا في عهد الرئيس، “ميشال عون”، كما قال في السابق، إنه بعد إجراء الانتخابات النيابية سوف تكون الحكومة المُشكلة، “حكومة العهد الأولى”، والتي كما يقول البعض بأنها ستستمر حتى نهاية العهد.
ويشير “أبوزيد” إلى أنه من حيث المبدأ، إذا كانت هذه الحكومة ستبقى حتى هذا التاريخ الذي ذكرته آنفًا، فهذا يعني، أن الخطوات المرجوة من هذه الحكومة يتعلق بثلاثة ملفات أساسية جوهرية وهي: “الاقتصاد ومحاربة الفساد وعودة النازحين”. “من المفترض على الحكومة التي تألفت؛ أن تقوم بالعمل سوية مع جميع الأطراف لكي تواجه هذه المشاكل ونصل إلى مكان معين يريده جميع اللبنانيين، وأن يكون لنا اقتصاد قوي، بعيد عن الريعية في المطلق، ومحاربة الفساد الذي يشكو منه جميع اللبنانيين. وثالثا: حل مشكلة النازحين السوريين في لبنان، لما يشكل ذلك من عبء اقتصادي كبير على الخزينة اللبنانية، بالإضافة إلى أعباء أخرى”.