بعد وصولها إلى “العتبة النووية” .. “فورين بوليسي” تستكشف نقاط قوة إيران أمام “الاتفاق النووي” !

بعد وصولها إلى “العتبة النووية” .. “فورين بوليسي” تستكشف نقاط قوة إيران أمام “الاتفاق النووي” !

وكالات – كتابات :

تشعر “الولايات المتحدة” و”إسرائيل” بالقلق من أن يؤدي: “تأثير أفغانستان” إلى السماح لـ”طهران” بالسعي لامتلاك بعض القدرات النووية سرًّا.

تناول “مايكل هيرش”، كبير مراسلي مجلة (فورين بوليسي) الأميركية، مساعي “طهران” لحيازة الأسلحة النووية؛ حتى يكون لها اليد العليا في منطقة الشرق الأوسط، مرجِّحًا أن تماطل “إيران” في العودة إلى طاولة مفاوضات “الاتفاق النووي”؛ حتى تضمن أنه لن يُؤثر فيما تمتلكه من قدرات نووية، وذلك في تحليل نشرته المجلة الأميركية.

الخشية من الـ”خطة ب” !

وفي مستهل تحليله، يُلقي “هيرش” الضوء على الظهور الأول، لـ”حسين أمير عبداللهيان”، وزير الخارجية الإيراني الجديد، على الساحة الدولية في الأسبوع الماضي، وتصريحاته في “الأمم المتحدة”، التي أثارت ذهول المراقبين لأنها كانت مفعمة بالثقة المفرطة بالنفس إلى حد الغرور. ولأول مرة منذ سنوات، تُشير بعض المصادر الأميركية والدولية إلى أن الحكومة الإيرانية تعتقد إعتقادًا آخذًا في النمو أن لها اليد العليا في منطقة الشرق الأوسط، وأنها عازمة على أن تصل بـ”إيران” إلى ما يُسمى: بـ”العتبة النووية (على أعتاب حيازة أسلحة نووية)”، تحت غطاء استمرار المحادثات مع الغرب.

وصحيحٌ أن إدارة “بايدن” صرَّحت أنها لا تزال تأمل في العودة إلى “الاتفاق النووي”، الذي أُبرِم مع “طهران”، في عام 2015، لكن كبار المسؤولين الأميركيين يعربون في الغرف المُغلقة عن خوفهم من أن تنتقل “إيران” بالفعل إلى (خطة ب): والتي تتمثل في تأجيل المفاوضات؛ بينما تتأهب للاختراق السريع لحيازة الأسلحة النووية.

ويُوضح “هيرش” أن هذه النتيجة الرهيبة تأتي بعد انسحاب الرئيس الأميركي، “جو بايدن”، على عجَل من “أفغانستان” واستيلاء حركة (طالبان) على السلطة هناك، الأمر الذي استنبط منه خصوم “الولايات المتحدة” وحلفاؤها، على حدٍ سواء؛ أن انسحاب “بايدن” من المنطقة كان بغرض التركيز على التهديد الصيني. ويُطلق البعض على هذا بأنه: “تأثير أفغانستان”، والذي أضر بمصداقية “الولايات المتحدة” في الشرق الأوسط بشدَّة.

انعكاس مثير للسخرية..

في هذا الصدد؛ يقول “دينيس روس”، دبلوماسي أميركي متخصص في شؤون الشرق الأوسط، إنه: “من الواضح أن الإيرانيين لم يعودوا يخافون من الأميركيين. وهذا في حد ذاته يعني أن الأميركيين لا يمتلكون حقًا مستوى الردع الذي يحتاجونه، سواء في قضية الأسلحة النووية أو في المنطقة”. ووصف “روس” ومراقبون آخرون ذلك بأنه انعكاس مثير للسخرية لحملة الضغط الدولي على “إيران”؛ التي كانت سائدة قبل انسحاب الرئيس الأميركي السابق، “دونالد ترامب”، من “الاتفاق النووي”، لعام 2015. وبموجب هذا الاتفاق، وافقت “طهران” على الحد من تخصيب (اليورانيوم)؛ والخضوع لعمليات التفتيش التابعة لـ”الأمم المتحدة”، مقابل تخفيف العقوبات.

ويضيف “روس” موضحًا أن: “إيران؛ تبنت في الوقت الراهن نوعًا من نهج الضغط الأقصى على الولايات المتحدة. إنها تتبنى نهجًا ترامبيًّا تجاهنا، على أمل أننا سوف نتنازل”. وفي عام 2018، وبتأييد حماسي من “بنيامين نتانياهو”، رئيس الوزراء الإسرائيلي، آنذاك، انسحب “ترامب”؛ مما أسماه صفقة: “مروِّعة”، لـ”خطة العمل الشاملة المشتركة”، كما يُعرَف: “الاتفاق النووي”.

وبعد ذلك، فرض “ترامب” حملته، التي أسماها المسؤولون الأميركيون: “الضغط الأقصى”، والتي تشتمل على سلسلة من العقوبات الجديدة، لإعادة “طهران” إلى طاولة المفاوضات. لكن هذه الحملة باءت بالفشل تمامًا، وتبين أن “نتانياهو” كان مخطئًا في المراهنة على أن “إيران”؛ إما سوف تستسلم تحت ضغوط العقوبات أو سيضطر “ترامب” لمهاجمة “إيران” عسكريًّا.

شهر واحد يفصل “طهران” عن السلاح النووي !

يستشهد “هيرش” بما أفادته تقديرات “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” وبعض الخبراء؛ أن “إيران” حاليًّا أصبحت أقرب إلى تصنيع قنبلة نووية؛ مما كانت عليه في أي وقت مضى. وفي الوقت الراهن، يعتقد بعض الخبراء أن “طهران” لا يفصلها عن حيازة ما يكفي من المواد الإنشطارية أو (اليورانيوم) المُستخدَم في صنع الأسلحة النووية لتصنيع قنبلة نووية، سوى شهر واحد فقط.

وكان “جيك سوليفان”، مستشار الأمن القومي، قد توجَّه إلى “المملكة العربية السعودية”، يوم الإثنين الماضي؛ لإجراء مناقشات بشأن الحرب المستمرة في “اليمن” بين وكلاء “إيران” و”السعودية”، في إشارة إلى أن “واشنطن” تعتزم مواصلة المشاركة في المنطقة. ويعتقد “روس” وبعض الخبراء؛ أن المسؤولين السعوديين يهتمون أكثر بالإجراءات الأميركية، مثل سحب “بايدن” بطاريات صواريخ (باتريوت) والطائرات المقاتلة من الأراضي السعودية، والتي ترسل إشارة للسعوديين أساسًا بأنه انسحاب أميركي. وعلاوةً على ذلك، أشارت “الرياض”، منذ مدة طويلة؛ إلى أن “السعودية” قد تُنشيء قدراتها النووية إذا أصبحت “إيران” قريبة من حيازة السلاح النووي.

ويُرجِّح الكاتب أن تكون إدارة “بايدن”، من خلال إرسالها إشارات مشوَّشة وغير واضحة بشأن ماهية خطوطها النووية الحمراء، قد وضعت الأساس لسباق التسلح النووي في الشرق الأوسط، وهو الأمر الذي كانت خطة العمل الشاملة المشتركة تهدف إلى منعه. وسواء كانت “طهران” على مقربة من الوصول إلى المستوى الذي تُصنع فيه سلاحًا نوويًّا بصورة علنية أم لا، فإن القلق الأكبر بشأن “إيران”، مثل: “اليابان” إلى حد ما، يتمثل في أن يكون لديها الخبرة الفنية و(اليورانيوم) المخصَّب لتصنيع سلاح نووي بسرعة كبيرة. بل وحتى هذه النتيجة، المعروفة باسم: “حالة العتبة النووية”، سيؤدي إلى تغيير موازين القوى في المنطقة إلى حد كبير.

إيران ليست من الأولويات الأميركية الثلاثة الأولى !

وعلى الرغم من تصريحات المرشد الأعلى الإيراني، “علي خامنئي”، المنتظمة؛ بأن “إيران” لا تسعى لحيازة سلاح نووي، يعتقد عديد من الخبراء أن “حالة العتبة النووية” هو أقل مستوى يرضى به “خامنئي”. ويقول “رويل مارك غيريخت”، ضابط سابق في وكالة المخابرات المركزية الأميركية وخبير في شؤون “إيران”: “هذا سيكون جزءًا من إرث خامنئي؛ بوصفه مظهرًا من مظاهر هيبة الثورة الإسلامية، أو (الهيبة التي لا تُقهر). ولا يُعقل حقًا، بعد أفغانستان وإنهائه لـ (الحروب الأبدية)، تصور استخدام “بايدن” للقوة العسكرية ضد البرنامج النووي الإيراني. لكن ربما يفعل ذلك الإسرائيليون”.

وأبرز “هيرش”؛ ما أعلنه “نفتالي بينيت”، رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد، في خطابه أمام “الجمعية العامة للأمم المتحدة”، يوم الإثنين، قائلًا إن: “برنامج إيران النووي؛ وتسامحنا معه وصلا إلى لحظة فارقة. إن التصريحات والكلمات لا تمنع أجهزة الطرد المركزي، التي تستخدم في تخصيب (اليورانيوم)، من الدوران”.

بيد أن الإسرائيليين، وكذلك السعوديين وغيرهم من حلفاء “الولايات المتحدة”، مثل: “الإمارات العربية المتحدة”، يشعرون بالقلق الشديد من أنهم لن يحصلوا من “واشنطن” على أكثر من بعض الكلمات المطمئنة. يوضح “عاموس هاريل”، كاتب عمود متخصص في الأمن القومي بصحيفة (هاآرتس) الإسرائيلية؛ أن: “ما حدث في أفغانستان أثار قلقًا بالغًا، ويرى الإسرائيليون بوضوح تام أن أولويات أميركا في الوقت الحالي؛ هي الصين والتصدي لجائحة (كوفيد-19) والتغير المناخي. وإيران ليست من الأولويات الأميركية الثلاثة الأولى”.

هل وصلت إيران فعلًا إلى “العتبة النووية” ؟

ونوَّه “هاريل”، خلال مقابلة أجريت معه، إلى أنه على الرغم من خطابات “نتانياهو”، شديدة اللهجة، فإنه لم يُجهز الجيش الإسرائيلي تجهيزًا كاملًا لشن هجوم ضد “إيران”. ونتيجةً لذلك، يُناقش خبراء الأمن الإسرائيليون، على عجَل؛ الخيارات الجديدة المتاحة، ومنها تنفيذ مزيد من الأعمال التخريبية؛ مثل اغتيال علماء نوويين إيرانيين. وأكد “إيهود باراك”، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، في مقال نشرته صحيفة (يديعوت أحرونوت) الإسرائيلية في وقت سابق من هذا الشهر، على ضرورة أن تضع “إسرائيل” في الحسبان الواقع الإستراتيجي المتمثل في أن “إيران” قد تكون بالفعل دولة “عتبة نووية”.

وينقل الكاتب عن، “بهنام بن طالبلو”، محلل متخصص في الشأن الإيراني في مؤسسة “الدفاع عن الديمقراطيات”، وهي مؤسسة فكرية ذات توجه يميني، قوله: “العامل الأهم الذي يجعل عزيمة إيران أكثر صلابة؛ هو أن النظام الإيراني يعتقد أنه لم يَنْجُ فحسب من حملة الضغط الأقصى وظل باقيًا بعد ذهاب إدارة ترامب، لكنه يرى أن مثل هذه العقوبات والضغوط السياسية المعوِّقة لن يتعرض لها في أي وقت قريب”.

من جانب آخر؛ صرَّح “أمير عبداللهيان”، والرئيس الإيراني المتشدد، “إبراهيم رئيسي”، أن “طهران” مستعدة للعودة إلى محادثات “خطة العمل المشتركة الشاملة”؛ والتي قد تُستأنف في وقت لاحق من هذا الشهر، في العاصمة النمساوية، “فيينا”. يقول “أمير عبداللهيان”: “إيران ستعود إلى طاولة المفاوضات، ونحن نراجع حاليًا ملفات مفاوضات فيينا، وقريبًا جدًّا ستُستأنف مفاوضات إيران مع دول (4+1)”. وكانت هذه إشارة إلى المفاوضات القائمة بين “إيران” من جهة؛ و”بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا” من جهة أخرى. ومنذ انسحاب “ترامب” من “الاتفاق النووي”، رفضت “طهران” التفاوض مباشرةً مع “واشنطن”.

ويستدرك “هيرش” موضحًا أن عديدًا من الدبلوماسيين ذوي الصلة بالمحادثات؛ قالوا إنهم يعتقدون أن “إيران” تسعى أساسًا إلى تأجيل المحادثات؛ بينما تقترب من نقطة الإنطلاق، وهي الحصول على ما يكفي من (اليورانيوم) المخصَّب لتصنيع قنبلة. وعندما سُئل هل لدى “واشنطن” خطة بديلة إذا فشلت “محادثات فيينا”، قال مسؤول أميركي بارز: “الخطة (ب) التي نشعر بالقلق بشأنها؛ هي تلك التي قد تفكر فيها إيران حينما تقرر مواصلة برنامجها النووي”.

ما الذي عزَّز ثقة إيران من جديد ؟

يلفت المراقبون المخضرمون لمنطقة الشرق الأوسط؛ إلى أن الأمل الوحيد حاليًا قد يتمثل في اتخاذ “الولايات المتحدة” والدول الغربية قرارًا بحجب الثقة في “مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية” والسعي لإحالة استخفاف “إيران”، بـ”خطة العمل الشاملة المشتركة”؛ إلى “مجلس الأمن”؛ التابع لـ”الأمم المتحدة”. غير أن الإجماع الغربي بدأ يتلاشى، بالتزامن مع استياء “فرنسا” من “واشنطن” بشأن دورها في خرق اتفاق نووي مع “أستراليا”، و”ألمانيا” وسط معركة قيادة بشأن خليفة المستشارة الألمانية، “أنغيلا ميركل”.

ويختتم الكاتب تحليله بالتأكيد على أن ثقة “إيران” الجديدة دعمها أيضًا الشعور بأن الدول الكبرى الأخرى التي إنضمت إلى التحالف الذي تقوده “الولايات المتحدة”، في السابق؛ بدأوا ينفضوا واحدة تلو الأخرى. وهذا الأمر ينطبق تمامًا على “الصين”، التي أشارت إلى أنها مستعدة للتجارة وعقد صفقات مع “طهران” مرةً أخرى، بعد استئنافها شراء “النفط” من “إيران”. كما استأنفت “طهران” إرسال الوقود إلى حلفائها في (حزب الله)، في “لبنان”، عبر “سوريا”، التي مزقتها الحرب. وفي الأيام القليلة الماضية فقط، وافقت “بكين” على طلب “طهران” الانضمام إلى “منظمة شنغهاي للتعاون”، وهو تحالف “أوروبي-آسيوي” تهيمن عليه: “الصين” و”روسيا”؛ ويضم أيضًا: “الهند وباكستان وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان”.

ويُؤكد “علي واعظ”، المتخصص بالملف الإيراني في “مركز أبحاث مجموعة الأزمات الدولية”، على أن: “الإيرانيين واثقون من أن الوقت في صالحهم، وأن النفوذ الأميركي بلغ ذروته وأصبح محدودًا. وعندما تُستأنف المحادثات، سيأتون إليهم وهم يعتقدون أن الغرب لن يكون لديه بديل للقبول بمطالبهم بشأن رفع العقوبات”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة