20 ديسمبر، 2024 10:28 م

بعد مهلة “واشنطن” .. تركيا تقع بين فكي أميركا وروسيا .. فماذا ستفعل ؟

بعد مهلة “واشنطن” .. تركيا تقع بين فكي أميركا وروسيا .. فماذا ستفعل ؟

خاص : كتبت – نشوى الحفني :

في خطوة جديدة نحو التصعيد من جانب “الولايات المتحدة”؛ في أزمتها مع “تركيا”، على خلفية مساعي “أنقرة” للحصول على نظام دفاع جوي روسي، (إس-400)، كشفت “واشنطن” عن خطة لإستبعاد شريكتها في “حلف شمال الأطلسي” من برنامج مقاتلات (إف-35)، بما في ذلك الوقف الفوري لأي تدريب جديد لطيارين أتراك على هذه المقاتلات.

وذكر “باتريك شاناهان”، القائم بأعمال وزير الدفاع الأميركي، في خطاب أرسله لنظيره التركي؛ خطوات لإستبعاد “تركيا” من البرنامج إلا إذا غيرت الحكومة التركية من نهجها.

وكانت وسائل إعلامية قد نشرت تقارير عن قرار وقف قبول المزيد من الطيارين الأتراك للتدريب في “الولايات المتحدة”، في واحدة من أوضح المؤشرات على أن الخلاف بين “واشنطن” و”أنقرة” يصل لمرحلة حرجة.

وتقول “الولايات المتحدة” إن شراء “تركيا”، منظومة (إس-400) الدفاعية الروسية، يُشكل تهديدًا لمقاتلات (إف-35)، “الشبح”، التي تصنعها شركة “لوكهيد مارتن”، والتي تعتزم “تركيا” شراءها أيضًا. وتؤكد “واشنطن” على أن “أنقرة” لا يمكنها أن تمتلك الإثنين معًا.

منع تدريب الطيارون الأتراك..

ويتضمن خطاب “شاناهان” القول صراحة: “لا تدريب جديد على (إف-35)”، مشيرًا إلى أن هذا العام كان سيشهد تدريب 34 طيارًا تركيًا آخر على تلك المقاتلات.

وأوضح ملف ملحق بالخطاب بعنوان: “إستبعاد تركيا من المشاركة في برنامج (إف-35)”؛ بأنه لن يتمّ إجراء التدريب لأن “الولايات المتحدة” تعلق مشاركة “تركيا” في برنامج (إف-35)، ومن ثم لن تكون هناك حاجة بعد ذلك للحصول على مهارات على تلك الأنظمة. وسيتوقف تدريب الجنود الأتراك الموجودين بالفعل في “الولايات المتحدة” على (إف-35) بنهاية تموز/يوليو 2019.

تحذير من تبعات الصفقة..

وحذر “شاناهان”، “تركيا”، في الخطاب؛ من تبعات صفقتها مع “موسكو” على علاقتها بـ”حلف شمال الأطلسي” وعلى الاقتصاد التركي؛ بما قد يتسبب في إعتماد زائد عن الحد على “روسيا”. وقال “شاناهان”، في الخطاب: “لا يزال لديكم الخيار لتغيير المسار فيما يتعلق بأنظمة (إس-400)”.

وتعتبر “تركيا” واحدة من الشركاء الرئيسيين في برنامج (إف-35)؛ وعبرت عن رغبتها في شراء مئة مقاتلة من هذا الطراز في صفقة كانت ستبلغ قيمتها تسعة مليارات دولار. وتقول “وزارة الدفاع” الأميركية، (البنتاغون)، إنّ شركات تركية تنتج نحو 937 مكونًا في مقاتلات (إف-35) أغلبها لمعدات الهبوط وجسم الطائرة. وتعتزم “الولايات المتحدة” حاليًا نقل إنتاج تلك المكونات لمكان آخر بما سينهي دور “تركيا” في التصنيع بحلول أوائل العام المقبل.

(البنتاغون) يعتقد أن بمقدوره تقليل التأثيرات السلبية على البرنامج بشكل عام إذا إلتزمت “تركيا” بالجدول الزمني الأميركي.

وقالت “إلين لورد”، مساعدة وزير الدفاع، للصحافيين في (البنتاغون): “ما نفعله هو أننا نعمل لتنفيذ إستبعاد منضبط وسلس”.

لكن “لورد” تمسكت بالأمل مشيرًة إلى أن كل القرارات التي إتخذتها “الولايات المتحدة”، حتى الآن، ما زال من الممكن التراجع عنها، قائلة: “نأمل في أنهم سيوقفون شراء (إس-400). نود بقاءهم في البرنامج”، في إشارة لبرنامج مقاتلات (إف-35).

تركيا تتسلم الصورايخ خلال شهرين.. ولا تراجع..

وتزامن مع هذا التحذير؛ إعلان “سيرغي تشيميزوف”، رئيس مجموعة “روستيك” الروسية الحكومية، قوله إن بلاده ستبدأ في تسليم أنظمة صواريخ (إس-400)، لـ”تركيا”، خلال شهرين، حسبما نقلت وكالة (إنترفاكس) للأنباء.

يأتي هذا الموقف الأميركي بعد ثلاثة أيام من تصريحات جديدة للرئيس التركي، “رجب طيب إردوغان”، أكد فيها عدم التراجع عن الحصول على منظومة الصواريخ الروسية، مشيرًا إلى أن “تركيا” لن تفكر في شراء نظام (باتريوت) الأميركي المضاد للصواريخ؛ ما لم تكن شروط العقد منافسة لتلك الواردة في عقد صواريخ (إس-400) مع “روسيا”.

يتنافى مع الأعراف الدبلوماسية..

تعليقًا على التحذير الأميركي، لـ”تركيا”، يقول الكاتب والمحلل السياسي التركي، “يوسف كاتب أوغلو”: “إن التهديد الأميركي لتركيا، بسبب صفقة (إس-400)، يتنافى مع الأعراف الدبلوماسية والعلاقات السياسية بين أي دولتين، كما أن تركيا أوضحت مرارًا أن منظومة (إس-400) هي منظومة دفاعية تحتاجها لأنها تعيش وسط منطقة ملتهبة الأحداث وسوف تعجل بإستلامها ولن يثنيها عن ذلك أي تهديد أميركي وغيره لأن تركيا دولة ذات سيادة مستقلة وليست تابعة لأحد”.

مؤكدًا أن “أميركا” لا تستطيع خسارة “تركيا”؛ وهي تعلم أنها تملك ثاني أقوى جيش في حلف (الناتو)، ولن يمكنها تعطيل أي اتفاق عسكري معها.

الصراع السياسي سيشتد..

ورأى الكاتب والمحلل السياسي، “فراس رضوان أوغلو”، إن: “الصراع السياسي بين أميركا وتركيا سيشتد في الفترة المقبلة”، لافتًا إلى أن: “الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، قد صرح من قبل أنه سيشارك روسيا في إنتاج صواريخ (إس-400)، مما يشكل هذا ضغطًا على الطرف الأميركي”.

وأشار إلى أن: “الطرفين، التركي والأميركي، لديهم أوراق ضغط يستخدمها كل طرف للضغط على الآخر”، لافتًا إلى أن: “الضغط الاقتصادي هو أخطر الكروت التي قد يلجأ إليها الطرفان”.

الأتراك بين فكي كماشة..

ووصف “كرم سعيد”، الباحث في الشأن التركي بمركز “الأهرام” للدراسات السياسية والإستراتيجية، ما يحدث قائلًا أن: “الأتراك في موقف لا يحسدون عليه”.. هكذا، وضع “أنقرة” حيال القرار الذي يمكن إتخاذه في الأيام المقبل بشأن منظومة (إس-400).

وأضاف أن: “الحقيقة أن موقف تركيا مرتبك وغامض؛ والأتراك ما بين فكي كماشة ما بين الخوف من التراجع عن الصفقة وإغضاب روسيا والتراجع عن التحالف مع روسيا، وما بين إفساد أو إنهاء العلاقة مع الولايات المتحدة”.

وأوضح “سعيد”، أن: “هذا الموقف نتيجة الأدء السيء والسلبي للسياسة الخارجية التركية، إردوغان قرر التخلي عن التحالف الإستراتيجي مع الولايات المتحدة الأميركية، لكنه عاد بعد أن قطع نحو نصف المسافة، بالتالي أنت أمام سياسة خارجية عنوانها الأكبر الإرتباك والغموض وعدم حسم المواقف”.

مساومة أميركا بين “إس-400” وملفي “غولن” والأكراد..

وقال إن: “وزير الدفاع التركي، خلوصي آكار، تحدث عن إمكانية تأجيل الصفقة، والرئيس التركي ألمح في إحدى المرات إلى إمكانية إلغاء الصفقة، في محاولة للحصول على مكاسب آخرى من واشنطن منها وقف الدعم الأميركي للأكراد وتسليم الولايات المتحدة للداعية، فتح الله غولن”.

وأضاف الخبير: “واشنطن في المقابل لم تقدم أي شيء لتركيا بخصوص هذه الملفات، فعادت أنقرة مرة أخرى لتتحدث عن حصولها على المنظومة الصاروخية الروسية، وأن تركيا ماضية في الصفقة، لكن لا يوجد موقف تركي حاسم بشأن إتمام الصفقة، فالأتراك لديهم مخاوف شديدة من العقوبات الأميركية، والتي ستضر بالاقتصاد التركي الذي يعاني”.

يصعب إلغاء الصفقة.. 

وأعتقد “سعيد” أنه: “في تقديره فإن فكرة إنهاء الصفقة أو تجميدها أو إلغائها أمر صعب لأنها تعني إنهاء العلاقة مع روسيا، وضياع المبالغ التي دفعتها تركيا لهذه الصفقة، ووضع السياسة الخارجية التركية في مأزق مع محور الشرق روسيا والصين والهند، والتراجع يعني أن تركيا لن تكون دول محورية ذات موقف وإنما مجرد دولة تابعة للولايات المتحدة”.

وأختتم تصريحاته قائلًا: “تركيا إما أن تخسر روسيا أو تخسر أميركا، لكن على الأقل إذا تمت الصفقة تضمن تركيا منظومة دفاعية هي بحاجة إليها، رغم أن التحالف بين تركيا وروسيا هو تحالف تكتيكي مرحلي”.

ستضح العلاقة بينهما مع نهاية المهلة..

واتفق معه الخبير في الشأن التركي بمركز “الأهرام”، الدكتور “بشير عبدالفتاح”، بأن الرئيس التركي، “إردوغان”، لن يتراجع عن صفقة (إس-400) رغم الجدول الزمني بالتهديدات الأميركية الذي ينتهي شهر تموز/يوليو المقبل، لافتًا إلى أن تلك العقوبات هي وسيلة للضغط على “تركيا”، خاصة بعد إرسالها لمجموعة من الطيارين الأتراك إلى “روسيا” ليتدربوا على تلك الطائرات، فضلًا عن إنتظار وصول فريق روسي متخصص يحدد أماكن نصب تلك الصواريخ بـ”تركيا”.

كما شدد “بشير” على أنه إذا قامت “أميركا” بمنع صفقة (إس-400) ستقوم “تركيا” بمقاضاتها وفقًا للعقد المبرم؛ وستخسر بذلك “أميركا” وستلجأ إلى “روسيا” للحصول على الدعم، مضيفًا أنه: “إذا فشلت صفقة (إف-35)، ستشتري تركيا من روسيا طائرات (سوخواي) المتطورة”.

وتابع: “إن شكل العلاقات بين أميركا وتركيا وتطورات الأزمة ستتضح مع نهاية المهلة الممنوحة لها من أميركا”.

بداية لتهميش تركيا عسكريًا..

مجلة (دير شبيغل) الألمانية؛ قالت تعليقًا على ذلك، إن: “الولايات المتحدة تضع ضغوطًا كبيرة جدًا على أنقرة لإجبارها على التراجع عن الصفقة، لما تحمله من ضرر لحلف (الناتو)”.

وتابعت: “ينتظر أن تطرد واشنطن طيارين أتراكًا يتلقون تدريبات في الولايات المتحدة على استخدام مقاتلات (إف-35)، وتنهي مشاركة الأتراك في برنامج تطوير مقاتلة (إف-35) لحلف (الناتو)، في حزمة أولى من العقوبات ضد تركيا، ينتظر أن تتبعها عقوبات وضغوط أخرى تثقل كاهل تركيا سياسيًا واقتصاديًا”.

ووفق المجلة الألمانية، فإن إستبعاد “تركيا” من برنامج تطوير مقاتلة (إف-35) المشاركة فيه الدول الأعضاء في حلف (الناتو)، بداية لتهميش تركيا عسكريًا داخل الحلف، في ضوء تقاربها من روسيا وخطورة ذلك على أسرار الحلف العسكرية والدفاعية”.

القشة التي قسمت ظهر العلاقات..

على المستوى السياسي؛ وحسبما قالت صحيفة (دي تسايت) الألمانية، مثّلت صفقة منظومة (إس-400) القشة التي قصمت ظهر العلاقات بين “تركيا” وحلف (الناتو)، وبالأخص “الولايات المتحدة”.

موضحًة أن العلاقات بين “تركيا” و(الناتو) تشوبها، منذ فترة، حالة من عدم الاستقرار، على خلفية عدة قضايا خلافية، توجها إصرار “واشنطن” على تعريض أسرار ومصالح الحلف للخطر عبر التعاقد على صفقة منظومة (إس-400).

وأوضحت: “بدأ الأمر بالخلاف بين (الناتو) وتركيا حول الأزمة في سوريا ودعم الأكراد في قتال تنظيم (داعش)، ثم رفض الولايات المتحدة مساعي تركيا غير المؤسسة قانونًا لاستعادة الداعية، فتح الله غولن، الذي يتخذ من بنسلفانيا في الولايات المتحدة مقرًا له”.

وأضافت: “ثم جاءت الضربة الأكبر والأكثر تأثيرًا للعلاقات بين أنقرة والحلف، وهي إصرار تركيا على إقتناء منظومة (إس-400) الدفاعية الروسية رغم تحذيرات وتهديدات الولايات المتحدة”.

ووفق “دي تسايت”؛ لم تتبق بالفعل مساحات كبيرة من التعاون السياسي بين “تركيا” ودول حلف (الناتو) الأخرى.. فقبل عامين، أنهى الجيش الألماني وجود قواته ومقاتلاته في “تركيا”، ونقلها لـ”الأردن”.. كما يفضل أعضاء آخرون في (الناتو) التعاون مع شركاء عرب بدلًا من النظام التركي.

وفي شرق البحر المتوسط، يشعل “إردوغان” صراعًا مع جيرانه الأعضاء في الحلف، مثل “اليونان”، حول احتياطات “الغاز” في المنطقة، رغم أن بلاده لا تملك أي حق فيها وفق القانون الدولي.

شريك غير مرغوب فيه..

لكن التطور الأكبر، وفق الصحيفة، هو تغير إستراتيجية “واشنطن” في التعاطي مع “أنقرة”؛ بسبب موقفها من الصواريخ الروسية؛ فـ”الولايات المتحدة” التي إعتادت في الماضي الدفاع عن “أنقرة” وبقائها في (الناتو)، ومطالبة أوروبا بعدم دفنها، باتت تعتبر “تركيا” شريكًا غير مرغوب فيه.

ونقلت الصحيفة، عن مصادر أميركية لم تسمها، أن التوجه العام في “الولايات المتحدة”، في الوقت الراهن، من الجمهوريين إلى الديمقراطيين ومن الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، إلى رئيسة مجلس النواب، “نانسي بيلوسي”، يتمثل في أن “تركيا” شريك غير مرغوب فيه.

وعلى النقيض تمامًا للفترات السابقة، يعمل الجمهوريون والديمقراطيون، في الوقت الحالي، على صياغة سياسة جديدة لـ”واشنطن” في البحر المتوسط، تنطوي على تحول إستراتيجي من “تركيا” لـ”أثينا” كشريك أساس، كرد على توجه “أنقرة” إلى “روسيا” وسلاحها، كما تؤيد الحكومة الأميركية زيادة الوجود الأميركي في “اليونان”، وفق الصحيفة ذاتها.

وتوقعت الصحيفة أن تكون “أنقرة”، خلال الفترة المقبلة، مجرد عضو بلا قيمة في حلف (الناتو)، وتخسر قيمتها الإستراتيجية والسياسية في منظومة الحلف.

عقوبات تهوي بالاقتصاد..

وحسب تقرير للقناة الأولى بالتلفزيون الألماني، (إيه. أر. دي)؛ ستكون للعقوبات الاقتصادية الأميركية، المنتظرة على “أنقرة”، عواقب وخيمة على اقتصادها المترنح بالفعل، وعملتها وسوق الأوراق المالية.

وقال التقرير إن الناتج المحلي الإجمالي التركي يتوقع أن يسجل إنكماشًا، في العام الجاري، بـ 2.6%، لكن أي “عقوبات أميركية” منتظرة ستجعل اقتصاد “أنقرة” يسجل أرقامًا أسوأ بكثير.

وتابع: “ستسجل العملة التركية تدهورًا كبيرًا عقب فرض العقوبات الاقتصادية الأميركية على أنقرة، يضاف إلى فقدانها بالأساس 40% من قيمتها في آخر عامين، كما أن إنهيار العملة التركية سيزيد تكلفة الواردات التركية، ويرفع معدلات التضخم لمستويات عالية، وستكون خدمة الديون أكثر تكلفة”.

بصفة عامة؛ لن تعرض الضغوط والعقوبات الأميركية، “تركيا”، لعزلة سياسية وعسكرية، لكنها ستدفع اقتصادها المترنح إلى هاوية جديدة، حسب التقرير ذاته.

وكانت “تركيا” قد قررت، في 2017، شراء منظومة (إس-400) الروسية، بعد تعثر جهودها المطولة في شراء أنظمة الدفاع الجوي، (باتريوت)، من “الولايات المتحدة”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة