وكالات – كتابات :
يسعى “التكتل التقدمي الديمقراطي” نحو إعادة النظر في الدعم التقليدي الذي تقدمه “الولايات المتحدة”؛ بحزبيها: “الديمقراطي” و”الجمهوري”، لـ”إسرائيل”، على الرغم من أن إحداث أي تغييرات سياسية حقيقية لا بد أن ينتظر نتائج الانتخابات الأميركية المقبلة، المقرر إجراؤها عام 2022 وعام 2024، والتي يُمكن أن تؤدي إلى فوز التقدميين بمزيد من المقاعد في “مجلس النواب” الأميركي بالقدر الذي يُمكِّنهم من إحداث تغييرات أكبر في العلاقات “الأميركية-الإسرائيلية”.
حول هذا الموضوع نشر مركز (ستراتفور) الأميركي للدراسات الإستراتيجية والأمنية؛ تقريرًا سلَّط فيه الضوء على الزخم الذي تكتسبه مجموعة التقدميين الديمقراطيين في الشارع الأميركي، مدفوعًا بانتشار رؤى سياسية جديدة في أوساط الناخبين الشباب بشأن إعادة النظر في الدعم الأميركي لـ”إسرائيل”، مشيرًا إلى التحول الذي قد يشهده “الكونغرس” الأميركي، في الأعوام المقبلة؛ بشأن السياسات التقليدية الأميركية تجاه “إسرائيل”، حليفها الأقوى في منطقة الشرق الأوسط.
تصدع في التقاليد السياسة الأميركية..
وفي البداية، يُشير التقرير إلى أن مشرِّعين من “الحزب الديمقراطي”، في “مجلس النواب” الأميركي، في 21 أيلول/سبتمبر الجاري، سحبوا بندًا ينُص على تخصيص مليار دولار من مشروع قانون تمويل الحكومة الأميركية لإعادة إمداد الصواريخ الاعتراضية لمنظومة (القبة الحديدية) الإسرائيلية، بعدما هدَّد الديمقراطيون التقدميون، الذين عارضوا البند؛ بالتصويت ضد مشروع قانون تمويل الحكومة الأميركية برمته.
ويُوضح التقرير؛ أن هذه هي المرة الثانية التي حاولت فيها المجموعة نفسها، من الديمقراطيين؛ عرقلة أي تمويل عسكري أميركي لـ”إسرائيل”: إذ حاولت المجموعة نفسها، في آيار/مايو الماضي؛ أثناء حرب “إسرائيل” على “غزة”، منع صفقة أسلحة أميركية دقيقة التوجيه؛ تُقدر قيمتها: بـ 735 مليون دولار لبيعها إلى “إسرائيل”، على الرغم من أن “الكونغرس” مرَّر الصفقة في نهاية المطاف.
وفي حين أن “إسرائيل” قلَّلت من أهمية هذه الخطوة؛ وما أعلنه “ستيني هوير”، زعيم الأغلبية الديمقراطية في “مجلس النواب” الأميركي، أنه سيُقدم مخصص التمويل في مشروع قانون منفصل، فلم تزل هذه الخطوة تُمثِّل تصدعًا في التقاليد السياسية الأميركية، إلى جانب أنها ترمز إلى استعداد التقدميين لمنع مبيعات منظومة الأسلحة الدفاعية إلى “إسرائيل”.
التشريعات المستقبلية الداعمة لـ”إسرائيل” في خطر !
ينوِّه التقرير إلى أن مشروع قانون تمويل الحكومة الأميركية جرى تمريره بنسبة تصويت؛ بلغت: 220 مؤيدًا للمشروع؛ و211 معارضًا له، من دون دعم الجمهوريين الذين رفضوا الإجراء في “مجلس الشيوخ”. وهذا الهامش الضئيل أتاح للتقدميين، (تتكون المجموعة من: 95 مشرِّعًا في مجلس النواب الأميركي)، فرصة فريدة لاستخدام أصواتهم لمنع الموافقة على تمويل أميركي بمليار دولار لتجديد منظومة (القبة الحديدية) الإسرائيلية؛ وسحب المقترح من مشروع القانون.
وأبرز التقرير أن مخزون الصواريخ الاعتراضية لمنظومة (القبة الحديدية) الإسرائيلية؛ كان قد استُنفِذ خلال الحرب الأخيرة على “غزة”، عندما تمكنت من اعتراض آلاف الصواريخ التي أطلقتها المقاومة المسلحة في “قطاع غزة”. وجرت العادة أن تُزوِّد “الولايات المتحدة”، “إسرائيل”، بالتمويل اللازم لإعادة تسليح قواتها بعد خوضها مواجهات كبرى مع أعدائها الإقليميين، وهذا ما حدث بعد الحرب على “غزة”، عام 2014، وعام 2009، والحرب مع جماعة (حزب الله) اللبنانية، عام 2006.
وفي الوقت الذي يُرجَّح فيه أن توفِّر تشريعاتٌ أخرى التمويل اللازم لمنظومة (القبة الحديدية)، ستستمر التغييرات الديموغرافية والسياسية في “الولايات المتحدة”؛ في تدعيم التكتل التقدمي في “الحزب الديمقراطي” وتعزيز نفوذه، والذي قد يواصل محاولات منع حصول “إسرائيل” على مزيد من المساعدات الأميركية. ومع الانقسام بفارق ضئيل في “الكونغرس” الأميركي، يُمكن أن تصطدم التشريعات المستقبلية المؤيدة لـ”إسرائيل”؛ باعتراضات هؤلاء التقدميين أنفسهم، خاصة إذا لم يُشارك الجمهوريون في التصويت مع الديمقراطيين على أي تشريع قد يضمن تقديم المساعدات لـ”إسرائيل”.
التشكيك في أهمية العلاقات “الأميركية-الإسرائيلية”..
يُلفت التقرير إلى أنه؛ بالإضافة إلى ذلك، قد يُؤدي تأثير هؤلاء التقدميين، في اللجان الفرعية لـ”مجلس النواب” الأميركي؛ أيضًا إلى إبطاء العملية التشريعية للمصادقة على صفقات الأسلحة أو صفقات إعادة تمويل “إسرائيل”. ومع ذلك، إذا أنضم مشرِّعون جمهوريون إلى مزيد من الديمقراطيين الوسطيين للتصويت لصالح تشريعات تُوفِّر المساعدة لـ”إسرائيل”، فلن يتمكن التقدميون من إعاقة تمريرها. لكن تأثير التقدميين في “مجلس الشيوخ” أقل، إذ يرغب مزيد من الجمهوريين الوسطيين في تغيير الخطوط السياسية لـ”الحزب الجمهوري”؛ للتصويت مع الديمقراطيين، ويتحقق بذلك التوازن مع الأصوات التقدمية.
وجرت العادة أن تحصل “إسرائيل” على دعم “الولايات المتحدة” بقوة من الحزبين: “الجمهوري” و”الديمقراطي”، على حدٍ سواء، لكن الرأي العام الأميركي طرأت عليه بعض التغييرات، مدفوعًا بانتشار آراء سياسية جديدة في أوساط الناخبين الشباب والناخبين اليهود وبعض المنتمين لـ”الحزب الديمقراطي”. وساعد هؤلاء الناخبون في فوز المجموعة التقدمية من الديمقراطيين، الذين شككوا في أهمية العلاقات “الأميركية-الإسرائيلية”، وطالبوا بضرورة تغيير السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، بعدد من المقاعد في “مجلس النواب” الأميركي.
ويختم المركز الأميركي تقريره بالإشارة إلى أن الانتخابات الأميركية المقبلة، في عامي 2022 و2024، يُمكن أن تؤدي إلى تعزيز نفوذ هذا الفصيل التقدمي من الديمقراطيين؛ إذا حصلوا على مزيد من مقاعد في “الكونغرس” الأميركي، من خلال الانتخابات التمهيدية؛ والمجموعات العِرقية أو من خلال إعادة تشكيل السردية الأميركية الوطنية بشأن “إسرائيل”، أو كلاهما لتحفيز الديمقراطيين على تغيير موقفهم من المساعدات الإسرائيلية.
لكن من غير الواضح ما الذي سوف تُسفر عنه انتخابات التجديد النصفي لـ”الكونغرس”، عام 2022، والانتخابات الأميركية العامة، المقرر إجراؤها عام 2024، لكن إذا صبَّت نتائجها في مصلحة التقدميين، فقد يقلِبون الدعم الأميركي التقليدي لـ”إسرائيل” رأسًا على عقب، ويؤثرون عليه بالسلب بشدة. وربما يُؤدي نشوب أي صراع “فلسطيني-إسرائيلي” كبير، في المرحلة القادمة؛ إلى زيادة تآكل دعم الشعب الأميركي لـ”إسرائيل”؛ مما يُفسح المجال أمام السياسيين ذوي النزعة الوسطية للتشكيك في العلاقات “الأميركية-الإسرائيلية”.