وكالات – كتابات :
في الرابع من آيار/مايو 2022؛ قرر “الفيدرالي الأميركي” رفع سعر فائدته الأساسية بنسبة: 0.5%، وذلك بعد نحو شهرين من رفعها آخر مرة؛ في 16 آذار/مارس 2022، بنسبة: 0.25%، الذي كان الأول من نوعه منذ ثلاثة أعوام، وجاء قرار رفع سعر الفائدة بهدف مكافحة التضخم الذي بات تهديدًا حقيقيًّا للاقتصاد الأميركي، وللاقتصاد العالمي ككل.
ويُعد الارتفاع الذي أُقر الخميس الماضي، الأول من نوعه منذ عقدين؛ فـ”الفيدرالي الأميركي” يرفع أسعار الفائدة بالعادة بنسبة: 0.25%، وهو ما يؤثر في العالم كله؛ لكونه متعلقًا بأهم اقتصاد في العالم، ولارتباط الأنظمة المالية العالمية به، واحتواء “الولايات المتحدة” على أكبر سوق مالية في العالم، يجعلها ذلك مع عوامل أخرى مركز الاقتصاد العالمي، وبالتالي يجعل “الفيدرالي الأميركي” المؤسسة الأهم من نوعها في العالم، كما سيؤثر هذا الارتفاع في بلدان منطقتنا، وربما سيكون التأثير أكبر في الاقتصاد المصري على وجه الخصوص.
ويهدف رفع سعر الفائدة إلى مكافحة التضخم عن طريق تقليل عرض النقد في أيدي الناس، ورفع تكلفة الاقتراض والاستهلاك بشكل عام، ما يعني إمكانية محاربة ارتفاع الأسعار، والذي يُنتج من ارتفاع الطلب الكلي مقابل العرض، فكلما استطاعت الدولة تخفيض هذا الطلب الزائد انخفضت معه الأسعار، لكن كيف سيؤثر قرار “الفيدرالي الأميركي” في الاقتصاد المصري أكثر من غيره ؟
في آذار/مارس 2022؛ اضطر “البنك المركزي المصري” لرفع سعر فائدته بنسبة: 1%؛ أي أربعة أضعاف نسبة ارتفاعها من طرف “الفيدرالي الأميركي”، وذلك في محاولة للتعامل مع مجموعة من المخاطر على الاقتصاد المصري لا تقتصر على ارتفاع أسعار فائدة “الفيدرالي الأميركي”، بل تتعداها إلى أزمة الحرب في “أوكرانيا”، وخروج المستثمرين بمليارات الدولارات من السوق المصرية، ومعها اضطر “المركزي المصري” لترك “الجنيه” لتنخفض قيمته بنسبة: 15% تقريبًا.
فهل سيكون الاقتصاد المصري على موعد ثانٍ لرفع سعر الفائدة؛ خلال شهرين فقط ؟.. وكيف يمكن للدولة المصرية أن تتعامل مع الأزمة الحالية ؟.. وهل يكون النهج الحالي كافيًا لتفادي آثار الأزمة ؟.. أم أن تغييرًا جذريًّا مطلوب اليوم في الاقتصاد المصري للتعافي ؟
إلى أي حدٍ يستطيع “المركزي المصري” رفع سعر فائدته ؟
لا يمكننا الإجابة عن مثل هذا السؤال بشكل دقيق؛ فهو تابع لقرارات “البنك المركزي”، والمرتقبة بعد أسبوعين بالضبط؛ في يوم الخميس 19 آيار/مايو 2022، أو ربما في تاريخ أقرب؛ فالتاريخ المذكور هو التاريخ المتوقع لاجتماع “لجنة السياسة النقدية”، ولكن قد يُقرر “البنك المركزي” عقد جلسة استثنائية، تمامًا كما حصل في آذار/مارس 2022.
وحتى الآن؛ رفعت كل من البنوك المركزية لبلدان: “السعودية، والإمارات، والكويت، والبحرين وقطر” أسعار فائدتها بنسبة “الفيدرالي الأميركي” نفسها، وسترفع كل الدول التي تُثّبت عُملتها لـ”الدولار” أسعار فائدتها لاحقًا؛ مثل: “عُمان والأردن”.
وبينما تضطر هذه الدول لرفع سعر فائدتها؛ لأن النظرية الاقتصادية تقتضي ألا تستطيع الدول السيطرة على ثلاثة أمور في الوقت نفسه، وهي: أولًا الحفاظ على سعر صرف ثابت، وثانيًا السماح بتدفق رؤوس الأموال من وإلى خارج البلاد، وثالثًا تحديد السياسة النقدية وأسعار الفائدة بشكل مستقل، ويعرف ذلك: بـ”الثلاثية المستحيلة” في الاقتصاد.
فلا يمكن لأي دولة أن تستطيع القيام بهذه الأمور الثلاثة معًا، بل عليها اختيار خيارين من ثلاثة فقط، ولأن “دول الخليج والأردن وعُمان” تُثبت عُملاتها بالنسبة لـ”الدولار”، وتُريد تدفقًا حرًّا لرؤوس الأموال؛ فليس لديها خيار إلا أن ترفع سعر فائدتها مع كل ارتفاع في سعر فائدة “الفيدرالي الأميركي”، لتبقي الفرق بينهما ثابتًا.
أما “مصر” فتمتلك ولو نظريًّا خيار عدم القيام بذلك؛ واختيار سياستها النقدية المستقلة، ومن ثم تحديد سعر فائدتها بدون التأثر بقرارات “الفيدرالي الأميركي” أو غيره من البنوك المركزية الخارجية، مع القدرة على الإبقاء على تدفق حر لرؤوس الأموال، لكون “مصر” رسميًّا لا تُثبت سعر عُملتها تمامًا؛ وإن لم تكن تحركات “الجنيه” وسياسة “المركزي المصري” متفقة مع كون “الجنيه” معوَّمًا، بل من الواضح أنه مُدار بطريقة ما من طرف “البنك المركزي المصري”.
مع ذلك؛ فالمتوقع أن يضطر “البنك المركزي المصري” لرفع سعر فائدته مع الارتفاع الجديد في فائدة “الفيدرالي الأميركي”؛ رغم أنه رفع سعر الفائدة مؤخرًا بنسبة: 1%، فالمستثمرون أخرجوا مليارات الدولارات من “مصر”، وسعر الفائدة الحقيقي ما زال منخفضًا جدًّا، وهو بالغالب لا يُلبي طموحات المستثمرين.
فالحد الأعلى لسعر الفائدة في “مصر”؛ اليوم، هو: 10.25%، وهو سعر الفائدة المتعلق بالإقراض، بينما وصل التضخم في “مصر” إلى أكثر من: 12%؛ في آذار/مارس 2022، والمتوقع أن يُسجل معدلات أعلى في الشهور المقبلة بسبب خفض قيمة “الجنيه”، والذي يعني ارتفاع أسعار المستوردات من الخارج.
ولا يهتم المستثمرون بقيمة سعر الفائدة الذي يُعلنه “البنك المركزي المصري” فقط؛ بل يهتمون بسعر الفائدة الحقيقي وربما بشكل أكبر من سعر الفائدة الإسمي الذي يُعلنه “المركزي”، وسعر الفائدة الحقيقي هو ناتج طرح التضخم من سعر الفائدة الإسمي.
فبعد أن كانت “مصر” صاحبة أعلى سعر فائدة حقيقي في العالم؛ في نيسان/إبريل 2021، ولشهور بعدها، تظهر أرقام التضخم الحالية أن سعر الفائدة الحقيقي في “مصر” أصبح سالبًا، وهو ما يعني أن تدفقًا أكبر للخارج سيحصل لرؤوس الأموال.
ليست أسعار الفائدة الحالية من “البنك المركزي المصري” هي الأعلى في تاريخ “مصر”؛ فقد قاربت على الوصول إلى: 20% منذ أعوام قليلة فقط، بعد أن بدأت بالارتفاع ابتداءً من عام 2016، ثم بدأت بالانخفاض حتى وصلت إلى: 8.25%؛ قبل الارتفاع الأخير في آذار/مارس 2022.
نظريًّا يمكن لـ”البنك المركزي المصري” أن يرفع الفائدة بلا حد، ولكن عمليًّا لن يكون ذلك ممكنًا طبعًا، ولكن البيانات التاريخية، والتي تُبين رد فعل “البنك المركزي المصري” على آخر أزمات الاقتصاد المصري، والمرتبطة بتعويم “الجنيه” عام 2016، تُظهر أن “البنك المركزي المصري” يمكنه أن يرفع نسب الفائدة ضعف ما هي عليه اليوم، ولكن هل هذا هو الحل الوحيد للأزمة ؟.. أليست هذه الخطوات المضرة بالاقتصاد المصري هي من نتاج السياسة الاقتصادية التي انتهجتها الدولة ؟.. وهل يمكن انتهاج أسلوب آخر ولو في المستقبل ؟
الاقتصاد المصري في مفترق طرق.. الإفلات من دوامة الاعتماد على الديون..
قد لا يكون هناك بديل عن رفع أسعار الفائدة على المدى القصير؛ كما تنص على ذلك النظرية الاقتصادية، فذلك من أهم عوامل تحديد سعر الصرف، إذ تلعب أسعار الفائدة هذا الدور لأنها مُحدِّد قيمة الأصول المالية المقومة بعُملة ما، فسعر الفائدة هو ما يُحدد عائد الاستثمار على هذه الأصول، سواء كانت سندات أو ودائع بنكية أو غيرها، وكلما زاد العائد المتوقع على هذه الأصول عن طريق ارتفاع سعر الفائدة؛ زاد الطلب عليها من طرف المستثمرين، وهو ما يعني ارتفاع الطلب على العُملة المحلية، وارتفاع سعرها في النهاية.
لكن كل هذا محدود أيضًا بمعدلات التضخم، والتي تُقلل القيمة الشرائية محليًّا للعُملة، وبسعر هذه العُملة مقابل “الدولار”؛ والذي يُحدد قدرتها الشرائية في الخارج، فإذا ارتفع التضخم وانخفضت قيمة العُملة؛ انخفض معهما اهتمام المستثمرين بالأصول المالية المحلية، لأن سعر الفائدة المرتفع لن يكون قادرًا وحده على تعويض خسائر التضخم وانخفاض قيمة العُملة.
أما على المدى البعيد فالأمر مختلف؛ إذ هو مرتبط أكثر بما يُنتجه هذا البلد، وحجم الطلب العالمي على منتجاته، فكلما استطاع البلد أن يُصدر أكثر وأن يُقلل استيراده، سترتفع بذلك قيمة عُملته، وتُصبح أقل اعتمادًا على رفع أسعار الفائدة الاضطراري.
وقد يُساعد انخفاض قيمة العُملة في تحقيق ذلك؛ فانخفاض “الجنيه”، على سبيل المثال، يعني ارتفاع تنافسيته أمام السلع الأخرى، وهو ما يعني أن الطلب على المنتجات المصرية سيزداد، بالترافق مع نمو قطاعات تصنيعية نتيجة للتصدير، وهو ما يعني تحقيق معدلات نمو كلي أفضل، وتحقيق صناعات أهم في البلاد، واستخدام إيرادات التصدير لتعزيز نمو الاقتصاد المصري، بالإضافة إلى توزيع أرباحه بشكل أفضل على المواطنين، وزيادة فرص العمل نتيجة لكل ذلك.
وتتخذ الدول سياسات مختلفة لتحقيق مثل هذه التغييرات في الاقتصاد؛ من إحلال المستوردات بصناعات محلية، ودعم هذه الصناعات؛ إلى التركيز على التصدير بشكل أساس، ومحاولة بناء الاقتصاد حول القطاعات التصديرية للوصول إلى النمو.
ولكن “مصر”؛ وغيرها من الدول العربية، اتخذت نهجًا اقتصاديًّا آخر، هو السبب الأساس في الوصول إلى ما هي عليه اليوم، فأصبحت الديون والاستثمارات الأجنبية قصيرة الأجل أساسية للاقتصاد المصري، إلى درجة الوقوع في أزمات اقتصادية نتيجة لذلك، فالوضع هش في مثل هذه الاقتصادات، وأية هزة في الخارج أو الداخل تجعل هذه الاستثمارات تخرج وبأحجام كبيرة، قد تخلق وحدها أزمة اقتصادية داخلية، أو تفاقم أخرى قائمة بالفعل.
وحتى لو كان الاستمرار في النهج القائم هو الحل الوحيد على المدى القصير؛ وبموجبه لا يمكن تفادي رفع أسعار الفائدة، فإن هذا الحل غير قابل للاستمرار على المدى البعيد، فنحن لا نعلم كم من الوقت ستظل البنوك المركزية الأجنبية مصممة على رفع أسعار فائدتها، والإشارات التي أصدرها “الفيدرالي” تتحدث عن خمسة ارتفاعات مقبلة خلال العام الحالي وحده، وارتفاعات أخرى في العام القادم.
ومع استمرار أزمة التضخم؛ قد يلجأ “الفيدرالي الأميركي” إلى رفع سعر فائدته بنصف في المئة أكثر من مرة خلال هذه الفترة، وقد يتجاوز سعر الفائدة الأميركي: 3% خلال وقت قصير، لا يتعدى نهاية العام الحالي، وإذا أراد “المركزي المصري” أن يرفع سعر فائدته مع كل رفع لسعر الفائدة الأميركي، مع ضرورة توفير سعر فائدة حقيقي موجب؛ ما يتطلب رفع سعر الفائدة بنسبة: 2% على الأقل؛ هذا كله على فرض بقاء معدلات التضخم على ما هي عليه، ولكنها سترتفع بالغالب.
وبموازاة ذلك تظهر بيانات التجارة الخاصة بـ”مصر” أن أغلب صادراتها تتكون من المواد الأولية، دون اعتماد حقيقي على تصنيع منتجات ذات قيمة مرتفعة، تستطيع التنافس في الخارج، وتوليد إيرادات كبيرة للاقتصاد المصري، تستطيع معه حل الأزمة المزمنة في ميزان “مصر” التجاري؛ (الصادرات-المستوردات)، وبالتالي الحصول على العُملة الصعبة بطرق إنتاجية، وحل مشكلات العُملة، دون الاضطرار إلى اللجوء إلى الاستدانة واستجلاب الاستثمارات قصيرة الأجل مرة أخرى.
كما أن “مصر” تحتاج إلى تحقيق نجاح حقيقي في مجالين مهمين: الأول هو رفع القدرة الشرائية محليًّا، مع دعم إنتاج محلي يستطيع البيع لسوق كبيرة تحتوي على: 100 مليون مواطن، ولكنهم اليوم بقدرة شرائية ضعيفة، نتيجة للتوزيع غير العادل للدخل والثروات، وليس الاقتصار على النمو وحده ولو كان عاليًا، والذي تُحقق “مصر” منه معدلات قوية نسبيًّا في السنوات الأخيرة، دون أن ينعكس ذلك على معيشة غالبية المواطنين.
ويسمح تحقيق نجاح في هذين الأمرين بتطوير الكثير من الصناعات؛ فـ”الصين” مثلًا فيها استثمار أجنبي مباشر أقل من “مصر” نسبةً لناتج كل من البلدين، ولكنها تحتوي على سوق محلية ضخمة جدًّا، وحكومة قوية تُدير الاقتصاد، وحصة الفرد فيها من الناتج المحلي الإجمالي باعتبار القوة الشرائية أعلى من “مصر” بشكل كبير، رغم أنها نمت من موقع أضعف من “مصر” بكثير.
وحتى على المدى القصير؛ تستطيع “مصر” فرض سياسات نقدية مختلفة عما يُريده “صندوق النقد الدولي”، وبعيدًا عن لبرلة الاقتصاد المصري وتحريره؛ فيمكن مثلًا استخدام أكثر من سعر فائدة رئيس في الاقتصاد من طرف “البنك المركزي”، بحيث يفرض سعر فائدة على التعامل مع الخارج ويمكن رفعه إجمالًا لتفادي الأزمات، وسعر فائدة آخر تفضيلي لقطاعات معينة في الاقتصاد تسمح لها بالنمو، وإدارة القطاع المصرفي لتقديم أسعار فائدة تفضيلية لقطاعات دون أخرى، واستخدام سياسات نقدية غير تقليدية للتمكن من تحقيق نتائج رفع أسعار الفائدة دون الإضرار بالاقتصاد المصري.
فأسعار الفائدة المرتفعة تعني ارتفاع تكلفة القروض المصرية المحلية نتيجة لارتفاع الفوائد عليها، كما أن ارتفاع تكلفة الاقتراض يعني ارتفاع تكلفة الوصول إلى التمويل اللازم على الكثير من الشركات المصرية المتوسطة والصغيرة، وهذه الصعوبة في الوصول إلى التمويل من طرف هذه الشركات هي أحد أسباب وصول الاقتصاد المصري إلى ما هو عليه الآن؛ طبقًا للباحث المصري؛ “عمرو عدلي”، في كتابه (الرأسمالية المتصدعة).
وعلى الأرجح فإن ارتفاع تكلفة الاقتراض سيزيد من أزمات هذه الشركات، وهو عائق آخر أمام النمو وتوزيعه بشكل جيد في الاقتصاد المصري، وهو سبب في حصر النمو الاقتصادي في أيدي فئة معينة في الاقتصاد المصري، وهي فئة مفضلة من طرف الدولة والنظام المصرفي، وهي بالغالب تستحوذ على الحصة الأكبر والأضخم من عوائد النمو والأرباح.
ويمكن لـ”مصر” أن تنتقل تدريجيًّا نحو سياسات نقدية تمنع التدفقات الرأسمالية خارج البلاد، ولكن بعد تحقيق مرحلة كافية من الاعتماد على الداخل، وجعل السوق المصرية جاذبة للاستثمار طويل الأجل بدلًا من النموذج الحالي، مع انخراط الدولة أكثر في الاقتصاد، وجعله متركزًا حول القطاعات الأكثر إنتاجية وتوظيفًا.
حينها تستطيع “مصر” التخلي عن دوامة الديون الحالية، ومجمل الاعتماد على الخارج، مع تغيير جذري للاقتصاد، يمكنها من الاعتماد على الداخل أكثر، مع اعتماد صحي على الخارج، لا يجعل البلد عُرضة للإهتزازات المالية، ولا يُمكِّن المستثمرين الأجانب من سحب رؤوس أموالهم مع أول هزة.
فمن المهم للاقتصادات الناشئة أن تجذب استثمارات ترتبط مصلحتها بمصلحة اقتصاد البلاد، إذ يكون من مصلحتها ألا يتعثر هذا الاقتصاد، وألا يكون منكشفًا على الهزات الخارجية، وأن يبقى داخل البلاد رغم حصول أي اضطرابات، ولا يمكن توفير ذلك عن طريق سندات الدين وودائع البنوك، بل عن طريق جذب استثمارات في الصناعات الثقيلة والمعدات والأدوات وخطوط الإنتاج، وغيرها من أنواع الاستثمارات التي لا يمكن سحبها ببساطة.
لكن مثل هذه الاستثمارات لا تؤتي أكلها بسرعة، وهي تحتاج كلفة ابتدائية كبيرة، لا يمكن تحقيقها دون تدخل أكبر للدولة في الاقتصاد، والاستثمار في بُنى تحتية إنتاجية، مع تعديل كثير من السياسات بحيث يكون من المجدي إنفاق مثل هذه الاستثمارات الكبيرة.
ولكن لا يبدو أن الدولة المصرية متجهة بالفعل نحو هذا النموذج من الاقتصاد، وعليه سيستمر الاقتصاد المصري في دورات الدين والأزمات المالية؛ بفعل وجود مخارج أجنبية للأزمات مع رفع الضرائب على المواطنين وتقليل الإنفاق الحكومي على برامج الدعم، أو ربما يصل الأمر إلى نهاية أصعب شبيهة بـ”لبنان” في آخر الطريق، وإن لم يكن هذا الاحتمال واردًا في المدى القصير.