بعد فوز “إردوغان” .. التحديات الداخلية والخارجية تضع “تركيا” أمام فترة حكم صعبة !

بعد فوز “إردوغان” .. التحديات الداخلية والخارجية تضع “تركيا” أمام فترة حكم صعبة !

خاص : كتبت – نشوى الحفني :

مع فوز الرئيس؛ “رجب طيب إردوغان”، بولاية جديدة لحكم “تركيا” حتى عام 2028، تُنبيء العديد من المؤشرات بأنها ستكون أصعب فترات حكمه، التي سيكون لها انعكاسات كثيرة على كافة المجالات.

ويطرح محللون أتراك هذه المؤشرات، سواء ما يتعلق بالانتخابات الرئاسية أو البرلمانية، ويرصدون ما تعنيه اتجاهات تصويت الناخبين، ونسّب الأصوات التي حصل عليها تحالف (الشعب)؛ الذي يقوده “إردوغان”.

حيث أنه للمرة الأولى يذهب “إردوغان” لجولة إعادة في انتخابات الرئاسة؛ التي كانت نتائجها متقاربة للغاية مع منافسه؛ “كمال كليجدار أوغلو”.

تراجعت نسّبة التصويت لحزب (العدالة والتنمية) لتصل إلى: 34.3 في المئة لأول مرة في الانتخابات التشريعية التي جرت 14 آيار/مايو، بينما كانت: 42.5 في المئة؛ في انتخابات 2018، التي اضطر فيها الحزب للدخول في تحالف لأول مرة مع حزب (الحركة القومية) لتامين الأغلبية النيابية.

وبتتبع تاريخ الحزب في الانتخابات منذ 2002، نجده وقتها حقق الأغلبية المطلقة بحصوله على: 363 نائبًا من أصل: 600 نائبًا، في حدث نادر في “تركيا”، ولكن بعدها بدأ التصويت له في تراجع مستمر، كالتالي:

انتخابات 2002؛ حصد: 363 نائبًا.

انتخابات 2007؛ حصد: 341 نائبًا.

انتخابات 2011؛ حصد: 326 نائبًا.

انتخابات 2015؛ حصد: 258 نائبًا.

انتخابات 2018؛ حصد: 295 نائبًا.

انتخابات 2023؛ حصد: 266 نائبًا.

توحد أحزاب المعارضة..

في انتخابات 2023؛ لأول مرة تتوحد كبرى أحزاب المعارضة في تحالف واحد، هو (تحالف الأمة) لتخوض بها السّباقين الرئاسي والبرلماني.

ما سبق يعني أن “إردوغان” سيواجه لأول مرة معارضة قوية مدعومة بظهير يكاد يصل إلى نصف الشعب، وعليه التعامل مع هذا الإشكال مستقبلاً.

تحديات داخلية..

ويُمثل الوضع الاقتصادي المتدهور أحد أهم التحديات الداخلية التي يتعين على رئيس “تركيا” المقبل التعامل معه بشكلٍ سريع.

ويمر الاقتصاد التركي بمرحلة حرجة، فقد وصل معدل التضخم رسّميًا إلى نحو: 44 في المئة، لكن كثيرين يُشككون في هذا النسّبة ويقولون إن معدل التضخم أعلى من ذلك بكثير.

وارتفعت أسعار المواد الغذائية: 54 في المئة على أساس سنوي؛ في نيسان/إبريل الماضي، مع انخفاض معدل التضخم أخيرًا بعد أن بلغ ذروته؛ في تشرين أول/أكتوبر الماضي، عند: 85.5 في المئة، وهو أعلى مستوى خلال حكم “إردوغان”.

وظل التضخم السنوي أكثر من: 10 في المئة طوال خمس سنوات تقريبًا منذ انتخابات عام 2018. إلا أنه بدأ في الارتفاع بشدة بعد أزمة العُملة أواخر عام 2021، التي نجمت وفقًا لمحللين عن سلسلة من تخفيضات أسعار الفائدة ضمن سياسة اقتصادية غير تقليدية لـ”إردوغان”.

وكانت سنوات “إردوغان” الأولى نموذجًا للنمو الاقتصادي القوي ومشاريع البناء الضخمة، والتزمت “تركيا” دائمًا بشروط اتفاقيات القروض مع “صندوق النقد الدولي”.

غير أن “الليرة التركية” خسّرت: 44 في المئة من قيمتها عام 2021، و30 في المئة عام 2022، وذلك بسبب سياسات “إردوغان” النقدية من جهة، وحرب “أوكرانيا” والخلافات مع “واشنطن” من جهة أخرى.

وفي محاولة لجذب أصوات الناخبين في ظل الوضع الاقتصادي المتردي، خاصة الشباب، وعد “إردوغان” بخلق ستة ملايين وظيفة وتحقيق معدلات نمو عالية وإعطاء دفعة كبيرة للسياحة.

وأكثر “إردوغان”، الذي رفع الحد الأدنى للأجور ثلاث مرات في غضون سنة، من الوعود السّخية خلال حملته الانتخابية؛ ومنها تقديم منح للطلاب الذي فقدوا أقارب جراء الزلزال.

تحديات خارجية..

يُعد ملف اللاجئين السوريين أحد أبرز التحديات الخارجية التي تأتي على رأس أولويات الرئيس التركي المقبل، ومن ضمن القضايا الثلاث الرئيسة التي تهم الناخب التركي.

ووفقًا لـ”المفوضية العُليا للاجئين”، يعيش في “تركيا” نحو: 3.7 مليون لاجيء سوري قدموا إلى البلاد بعد اندلاع الصراع السوري عام 2011.

لكن ممثلي الأحزاب السياسية، لا سيما أحزاب اليمين المتطرف، مثل حزب (الظفر) يُقدرون أعدادهم ما بين: 03 إلى 05 ملايين لاجيء بحكم أن فئة كبيرة منهم يعيشون بشكلٍ غير شرعي في البلاد؛ وغير مسجلين بقوائم “المفوضية العُليا للاجئين”.

ويرى مراقبون أن ورقة اللاجئين مهمة لدى الأحزاب استخدمتها لمداعبة الشارع والناخبين الأتراك سواء كانوا مع أو ضد هذه الفئة من الناس.

وأدى ارتفاع عدد اللاجئين بكثرة إلى خلق نوع من التذمر عند الأتراك الذين حّمل معظمهم؛ اللاجئين، مسؤولية تدهور الاقتصاد وارتفاع الأسعار.

أمر استغلته المعارضة التي قال زعيمها؛ “كليجدار أوغلو”، إنه سيعمل على إعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم في غضون عامين على أبعد تقدير.

من جانبه؛ سّعى الرئيس؛ “إردوغان”، إلى التخفيف من استياء الشارع التركي من الوجود السوري في “تركيا”، من خلال وعده بالإسراع بالعودة الطوعية لمليون سوري.

وأشار “إردوغان”؛ في تصريحات لشبكة (سي. إن. إن) الأميركية، إلى أن منظمات تركية غير ربحية تقوم ببناء وحدات سكنية في الأجزاء الشمالية من “سوريا” لهذا الغرض.

ومن ضمن التحديات الخارجية المهمة في الولاية الرئاسية الجديدة؛ قضية تحالفات “تركيا” الدولية غربًا وشرقًا.

وتُعد “تركيا” جزءًا من “أوروبا”، وعضوًا مؤسسًا في جميع المؤسسات الأوروبية تقريبًا؛ بما في ذلك “مجلس أوروبا” و”منظمة الأمن والتعاون في أوروبا” وغيرها، كما أنها جزء من تحالف الغرب الدفاعي؛ حلف الـ (ناتو).

لكن “إردوغان” وثّق علاقات بلاده مع “الصين” و”روسيا” أيضًا، حيث اشترت بلاده نظام الدفاع الجوي الروسي (إس-400)، وافتتحت – قبل الانتخابات – محطة طاقة نووية روسية الصنع، هي الأولى من نوعها في “تركيا”.

وبينما يدعو “إردوغان” إلى أن تتبنّى “تركيا” تحالفات متعددة الأطراف ويعرض لعب دور الوسّيط في الحرب الروسية في “أوكرانيا”.

باتت أقوى من ذي قبل..

حول مصير المعارضة؛ يرى القيادي في حزب (الشعب الجمهوري)؛ أكبر أحزاب التحالف والمعارضة؛ “دانيز شام أوغلو”، يؤكد أن التحالف: “مستمر في عمله، وستشهد الفترة القادمة الاستفادة من التقصير الذي حصل خلال الانتخابات الحالية”.

ورغم الخسارة؛ يرى “شام أوغلو”، أن: “المعارضة الآن باتت أقوى من ذي قبل، فهي تُمثل نصف رأي الشارع التركي؛ وبذلك ستكون القرارات شجاعة أكثر؛ اعتمادًا على الدعم الذي تلقته من التصويت لها”.

ويتفق معه المحلل السياسي؛ “إسلام إوزجان”، مرجعًا ذلك لحرص المعارضة على البقاء.

ويوضح أن: “خسارة المعارضة ستجعلهم مضطرين للعمل معًا في البرلمان؛ لأنهم يعرفون أن لديهم فرصة إذا عملوا معًا ضد حزب (العدالة والتنمية) وإردوغان، وإلا فإن وجودهم لن يكون له أي معنى؛ لذلك، أعتقد أن التحالف سيستمر لبعض الوقت”.

حركة استقالات كبيرة..

في المقابل؛ يتوقع المحلل السياسي؛ “إردي أوزتورك”، أن يستقيل “كمال كليجدار أوغلو”، من زعامة حزب (الشعب الجمهوري): “وتحدث حركة استقالات كبيرة، أو حتى يخرج من رحم الحزب أحزاب صغيرة، وهو أمر لن يكون في صالح المعارضة”.

ويُبرر ذلك بأن حزب (الشعب الجمهوري): “أصبح في وضع صعب بعد الخسّارة، ولم يتمكن من عمل طفرة بزيادة عدد مقاعده بشكلٍ كبيرة في البرلمان، وحتى الزيادة التي تمت ستذهب للأحزاب التي تحالفت معه”.

تفكك تحالف “الأمة”..

كما يرى المحلل السياسي التركي؛ “جواد غوك”: “أن خسارة الانتخابات ستؤدي إلى تفكك تحالف (الأمة)”.

وبجانب توقعه كذلك باستقالة “كليجدار أوغلو”، فإنه يُرجّح أن الخسارة: “ستعصف بحزب (الشعب الجمهوري)، وتبدأ خلافات حادة داخل الحزب بين جناحي العلمانيين المتشدّدين من المدن الغربية وبين العلويين الأكراد في الحزب، حيث سيتنافسّ كل جناح على اقتناص زعامة الحزب”.

أسباب التراجع..

ويوضح المحلل السياسي التركي؛ “هشام غوناي”، لموقع (سكاي نيوز عربية)، ما وراء التراجع في التصويت لـ”إردوغان” وحزبه على مدى عقدين، حيث أثرت التحالفات الموجودة على التصويت للحزب.

الأزمة الاقتصادية، والتي يُرجعها كثيرون للحكومة، مثل عدم قدرة الحزب على كبح جُماح التضخم وأسعار الفائدة.

كما أدى تحالف حزب (العدالة والتنمية) مع حزب (الحركة القومية) إلى جنوحه نحو التوجهات القومية، ولاسيما تجاه الأكراد.

وأثار التحالف مع حزب (هدى بار)؛ (كُردي إسلامي)، أثار قلق النساء حول حقوق المرأة.

تحول كبير..

ويرى “كريم أوكتيم”، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، قائلاً: “إنه رغم استمرار ولائهم لإردوغان، هناك كثير من جمهور حزب (العدالة والتنمية) يعتقد أن الحزب بدأ في التدهور ويبحث عن بدائل”.

ويُشير بدوره إلى أن: “بعض الأصوات التي لم تصّوت لحزب (العدالة والتنمية) تحولت إلى حليفيه، وعلى هذا، لم يخسّر حزب (الحركة القومية) أصواتًا تقريبًا، وفاز تحالف (الشعب) بالأغلبية، بحصوله على نسّبة: 49 في المئة في الانتخابات العامة”.

وبتعبيره؛ فرغم فوز تحالف (الشعب) بالأغلبية، لكن يوجد: “تحول كبير” لأن كثير من الناخبين تحولوا لأحزاب أخرى في التحالف بعيدًا عن حزبهم التقليدي.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة