خاص: كتبت- نشوى الحفني:
مع فوزها بولاية ثانية؛ تواجه رئيسة المفوضية الأوروبية؛ “أورسولا فون دير لاين”، مجموعة واسعة من التحديات، بينها الحرب “الروسية-الأوكرانية”، والطموحات العالمية لـ”الصين”.
وكتبت صحيفة (التايمز) البريطانية أن الألمانية؛ “فون دير لاين”، التي تُلقب في “بروكسل”: بـ”الملكة أورسولا”، تواجه علاوة على النزاع الأوكراني و”الصين”؛ الانتهاك المتزايد لأسواق التكنولوجيا الأوروبية، والتشرذم الداخلي، والمكاسب الانتخابية لليمين المتطرف في بعض من أكبر دول الاتحاد، واحتمال عودة الرئيس الأميركي السابق؛ “دونالد ترامب”، إلى “البيت الأبيض”.
رسالة لـ”أوربان”..
وسبق لـ”فون دير لاين” أن هاجمت رئيس الوزراء المجري؛ “فيكتور أوربان”، الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للمنتدى الرئيس لصُّنع القرار السياسي في التكتل، لقيامه: “بمهمة استرضاء”؛ لـ”موسكو وبكين وكييف وواشنطن”. وقالت: “روسيا تُهاجم أوروبا، والغرب يتسّاهل، والبعض في أوروبا يُجاريها”. وأضافت: “أوروبا ستقف إلى جانب أوكرانيا مهما استغرق الأمر”.
وفي رسالة حازمة لـ”أوربان”؛ قررت “فون دير لاين”، مع رئيس المجلس الأوروبي؛ “شارل ميشال”، مقاطعة الاجتماعات على مستوى عالٍ التي تجري في “بودابست”، خلال الأشهر الستة التي تتولى فيها “المجر” الرئاسة الدورية للاتحاد.
وسبق لـ”فون دير لاين” أن تعهدت بجعل “الاتحاد الأوروبي” لاعبًا أكثر تأثيرًا على الساحة الدولية، وشدّدت على أن ذلك يتطلب سياسة مشتركة: “لردع الصين عن تغييّر الوضع الراهن من جانبٍ واحد بالوسائل العسكرية” في “آسيا”.
وتُفكر “فون دير لاين” أيضًا في أول توسيّع مهم للاتحاد منذ عقدين، مع دول جديدة مُرشحة للانضمام إلى التكتل؛ بينها “أوكرانيا ومولدوفا وجورجيا”، و(06) دول في غرب “البلقان”.
معارضة لتتويج بلا منازع..
ولم تتمكن “فون دير لاين”؛ (65 عامًا)، التي عانت في السابق من فترة مضطربة كوزيرة للدفاع في “ألمانيا”، من ضمان إعادة انتخابها، إلا من خلال المسّاومة مع الفصائل السياسية المتنافسة في “الاتحاد الأوروبي” والمصالح الوطنية.
وفي نهاية المطاف؛ تغلبت “فون دير لاين” على هذه العقبات وفازت: بـ (401) صوت من أصل: (720) صوتًا لأعضاء “البرلمان الأوروبي”، أي: (40) صوتًا أكثر مما كانت تحتاج إليه للحصول على الغالبية، وهو عدد أكبر مما حصلت عليه خلال انتخاباتها السابقة في عام 2019.
وأعرب بعض نواب “البرلمان الأوروبي” عن عدم ارتياحهم إزاء احتمال: “تتويج” من دون منازع، بينما انزعج آخرون من سلسلة من الفضائح التي لاحقت “فون دير لاين”. ومؤخرًا، قضت “محكمة العدل الأوروبية”؛ الثلاثاء، بأن مفوضتها انتهكت “قانون الاتحاد الأوروبي”، من خلال إحاطة شروط عقود لقاح (كوفيد-19) الخاصة بها، بالسرية.
إصلاح مؤسسات “الاتحاد الأوروبي”..
وإحدى القضايا الشائكة على أجندة “فون دير لاين”؛ هي بذل أول جهد كبير لإصلاح مؤسسات “الاتحاد الأوروبي” منذ عام 2007. وتؤكد “فرنسا وألمانيا” وبعض الحكومات الأخرى أن الطريقة الوحيدة أمام التكتل للعمل مع ما يصل إلى: (36) دولة عضو، تكمُّن في زيادة مركزية الحكم داخل الاتحاد وفيما يتعلق بسياساته، بحيث تجعل من الصعب على دول منفردة بعينها، استخدام حق النقض ضد القرارات المتعلقة بالسياسة الخارجية والاقتصادية.
والآن؛ بعدما حصلت “فون دير لاين” على دعم كل من “المجلس الأوروبي” و”البرلمان الأوروبي”، فسوف تبدأ في تجميع “المفوضية الأوروبية” الجديدة.
5 سنوات صعبة..
وفي السيّاق؛ نقلت صحيفة (بوليتيكو) الأميركية عن مسؤول رفيع المستوى في “الاتحاد الأوروبي”، دون الكشف عن هويته؛ قوله: “ستكون السنوات الخمس المقبلة صعبة للغاية بالنسبة لها”.
من ناحية أخرى؛ يعرف الجميع في عالم السياسة الأوروبية؛ “فون دير لاين”، جيدًا. وليسوا جميعًا من المعجبين بها.
إذ ستضطر إلى التعامل مع المنتقدين الذين يشُّيرون إلى أسلوبها القيادي المتسُّلط والكتوم، فهي: “لا تستّشير عادة سوى عدد قليل من المستشارين الموثوق بهم، وهم عادة من الألمان”، وفق (بوليتيكو).
وعندما يكون الضغط أكبر، فإنها تميل إلى التعامل مع الأمور الأكثر خطورة بنفسها، وهي غريزة يمكن أن تُسبب لها المتاعب.
على سبيل المثال؛ في ذروة الوباء، ألمحت “فون دير لاين” إلى أنها تفاوضت شخصيًا على عقد لقاح ضخم مع الرئيس التنفيذي لشركة (فايزر)؛ “ألبرت بورلا”، عبر رسالة نصّية على هاتفها المحمول، مما أدى إلى دعوى قضائية مستمرة تزعم أنها انتهكت قواعد الشفافية في “الاتحاد الأوروبي”.
وعلى الجناح الأيمن من السياسة الأوروبية؛ تواجه خصوم ينتقدون بشدة تبنّيها للسياسات “التقدمية” مثل العمل لمكافحة تغيّر المناخ.
وعليه؛ سيكون من الصعب تجاهل كل هذا الضجيج الآن بعد أن أصبح اليمين يتمتع بمزيد من السلطة في أروقة التكتل الأوروبي.
صعوبة الحفاظ على توازن العلاقات..
وفي إطار تلك التحديات؛ يحّوم السؤال الأبرز حول: “شكل إدارة فون دير لاين”، في السنوات المقبلة مع تزايد احتمالات عودة “ترامب” إلى “البيت الأبيض”؛ في تشرين ثان/نوفمبر المقبل.
إذ ستجد رئيسة المفوضية الأوروبية صعوبة بالغة في الحفاظ على توازن العلاقات عبر “الأطلسي”، بعدما شهدت السنوات الأربع الماضية ما يوصف على نطاقٍ واسع بأنه: “العصر الذهبي” للعلاقات بين “الاتحاد الأوروبي” و”الولايات المتحدة”؛ في عهد الرئيس الأميركي الحالي؛ “جو بايدن”.
وعمل مساعدها؛ “بيورن سيبرت”، بشكلٍ وثيق مع مستشار الأمن القومي لـ”بايدن”؛ “جيك سوليفان”، لتنسّيق السياسات في كل شيء بدءًا من الدعم المالي والعسكري لـ”أوكرانيا” إلى سياسة “الصين”.
ومع ذلك؛ كان “ترامب” يستمتع بمواجهة زعماء “الاتحاد الأوروبي”، مثل المستشارة الألمانية السابقة؛ “أنغيلا ميركل”، خلال رئاسته الأولى.
مخاوف من تنفيذ “ترامب” لتهديداته..
وفي الوقت الحالي؛ مع وجود السيناتور؛ “جيه. دي فانس”، من ولاية “أوهايو”، كمرشح لمنصب نائب الرئيس، قد يذهب “ترامب” إلى أبعد من ذلك من خلال تنفيذ تهديداته بخفض الاستثمار الأميركي في “حلف شمال الأطلسي”؛ الـ (ناتو).
وتُمثل تهديدات “ترامب”؛ احتمالاً مرعبًا بالنسبة للعديد من الحكومات الأوروبية التي تفتقر إلى دفاعاتها القوية.
وفي حين يجد زعماء “الاتحاد الأوروبي” العزاء في حقيقة أن “ترامب” لم يعمل في الواقع على تقويض حلف الـ (ناتو) بأي شكل محوري كرئيس، فإنهم هذه المرة يستعدون لتنفيذ “ترامب” و”فانس” تهديداتهما من خلال قطع الرابطة عبر “الأطلسي”؛ التي استمرت (80) عامًا.
وبصورة أكثر دقة؛ فإن تعييّن “فانس” يُثير القلق بشكلٍ خاص بالنسبة لـ”أوروبا”؛ و”فون دير لاين”، فتأكيده على أنه: “لا يهتم بما يحدث في أوكرانيا” يُهدد بتركها وبقية الزعماء الأوروبيين المؤيدين لـ”أوكرانيا” وحدهم في مواجهة الروس.
وبالإضافة إلى تعريض النظام الأمني عبر “الأطلسي” للخطر، مهد “ترامب” الطريق لصِدام اقتصادي هائل مع “الاتحاد الأوروبي” بإعلانه عن نيّته فرض تعريفات جمركية بنسّبة: (10%) على جميع السلع المستوردة.
قومية اقتصادية وحرب تجارية..
وفي السيّاق؛ تقول “ماجدة روغ”، الخبيرة السياسية في (المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية)، وهي مؤسسة بحثية، إن “فون دير لاين”: “ستتعرض لمزيد من القومية الاقتصادية والحرب التجارية والحمائية من جانب إدارة ترامب”.
وأضافت: “قد تتمكن من إقامة علاقة إيجابية مع الصين، من خلال لعب دور كبير في تعزيز الأمن الاقتصادي وضوابط التصدير”.
وترى “روغ” أنه مع احتمال انفصال “الولايات المتحدة” و”أوروبا” عن بعضهما بشأن السياسة تجاه “روسيا”، إذا فاز “ترامب”؛ في تشرين ثان/نوفمبر المقبل، فمن الأفضل لـ”فون دير لاين”، أن تُركز على المجال الوحيد الذي قد يتفق فيه “بروكسل” و”البيت الأبيض” الجمهوري، ألا وهو “الصين”.
وأكدت أن: “الوصول إلى الأميركيين وإقناعهم بأنها ليست منافسًا على (مكان) الصين وأن ضرب أوروبا بالرسوم الجمركية ليس في مصلحتهم، هو أحد الأشياء التي يمكنها أن تؤثر فيها وتقودها”.
“آفة في حظيرتنا” !
ولن تكون مهمة “فون دير لاين”؛ أسهل على الصعيد الداخلي، حيث يتعيّن عليها التعامل مع رئيس الوزراء المجري؛ “أوربان”.
ففي حين فازت “فون دير لاين”؛ بمعركة رئيسة للقوى الوسطية، فإن الحلفاء الأقوياء مثل الرئيس الفرنسي؛ “إيمانويل ماكرون”، والمستشار الألماني؛ “آولاف شولتس” – المحركان اللذان يدفعان “الاتحاد الأوروبي” – أصبحا ضعفاء سياسيًا في أعقاب نتائج الانتخابات في بلديهما.
مرحلة ملء الفراغ..
وفي هذه النقطة؛ قال “نيكولاي فون أوندرزا”، عالم السياسة في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية: “لدينا ماكرون ضعيف للغاية. لدينا على الأقل لمدة عام آخر مستشار ألماني ضعيف إلى حدٍ ما، لذا فإن السؤال هو: إلى أي مدى تستطيع فون دير لاين أن تملأ الفراغ في هذه المرحلة ؟”.
ووعد زعماء أقصى اليمين بالمقاومة بينما تُعالج “فون دير لاين”؛ التحدي الأول في ولايتها الثانية؛ توفير مبالغ ضخمة من أموال “الاتحاد الأوروبي” لإعادة التصّنيع وإعادة تسّليح الدول الأوروبية.
خبرات سياسية محدودة..
ويصُّر مساعدو “فون دير لاين”؛ على أنها تتمتع بخبرة كافية للتعامل مع ما هو قادم، لكن هناك مسؤولين آخرين في “الاتحاد الأوروبي” صريحون بشأن التحديات التي تواجهها.
ووفقًا لـ (بوليتيكو)، لم تكتسب “فون دير لاين” خبرتها في التعامل مع السياسة إلا في وقتٍ متأخر من حياتها.
فقبل دخولها عالم السياسة في “ألمانيا”؛ لأول مرة في الثلاثينيات من عمرها، قضت فترة في “كاليفورنيا”، حيث ركزت على الحصول على الدكتوراه في الطب وتربية سبعة أطفال مع زوجها؛ “هايكو فون دير لاين”.
وبعد أن تغلبت على الشكوك الأولية سواء في الداخل أو في “بروكسل”، نجحت خلال فترة ولايتها الأولى في ترسّيخ مكانتها كزعيمة حازمة، حيث أدارت مؤسسة تضم نحو: (32) ألف موظف بقبضة قوية.
لكن اعتمادها على مجموعة صغيرة من المساعدين أغضب العديد من زعماء “الاتحاد الأوروبي”؛ الذين شعروا أنه كان ينبغي التشاور معهم بشكلٍ أكبر.