خاص : ترجمة – لميس السيد :
انتشرت الأنباء في وسائل الإعلام مؤخراً حول فضيحة كبيرة تعرضت لها منظمة “أوكسفام” للإغاثة – التي تحظى باحترام كبير لعملها الإنساني – بعد توظيف عمال في مجال المعونة في مدينة “هايتي” الأميركية قاموا بفعل مشين بإستئجار البغايا.
ومع ظهور “فضيحة هايتي”، ظهرت إدعاءات جديدة، بما في ذلك أن العاملين الآخرين في الجمعيات الخيرية التابعة للمملكة المتحدة قد اعتدوا جنسياً على المتطوعين في سن المراهقة، وأن الموظفين في الخارج قد تبادلوا المعونة الإنسانية لأغراض الجنس. وعلاوة على ذلك، كان يبدو أن الإدارة العليا لمنظمة “أوكسفام” تتجاهل التحذيرات بشأن ما يجري.
وقد اتهمت العديد من المنظمات المماثلة الأخرى بإيواء المعتدين جنسياً أيضاً. في عام 2017 وحده، اتهم أكثر من 120 عاملاً في الجمعيات الخيرية البريطانية الرائدة، بما في ذلك “منظمة إنقاذ الطفولة”، و”منظمة المعونة المسيحية” و”الصليب الأحمر البريطاني”، بالاعتداء الجنسي.
على خلفية تلك القضية، فجرت صحيفة (واشنطن بوست) الأميركية، سؤالاً حول أسباب تصرف المنظمات غير الربحية بطرق غير أخلاقية، قائلة أن مشكلة المنظمات غير الربحية أن الدارسين والنخب يعتبرونها جماعات غير ربحية، على عكس الشركات الجشعة والهادفة للربح، غرضها التنظيمي الفضيلة فقط. وبالإضافة إلى ذلك، لأن المنظمات غير الربحية لا يمكن أن توزع أرباحاً قانونية؛ لذلك فإنها لا تواجه ضغط المساهمين لزيادة الأرباح.
هذا الإفتراض البديهي حول الفضيلة يقود المنظمين وأصحاب المصلحة إلى إهمال قضايا الإدارة غير الربحية والمساءلة. ومقارنة بالشركات والحكومات، تواجه المنظمات غير الربحية قدراً أقل من التدقيق من جانب أصحاب المصلحة الخارجيين، وهذا يؤدي إلى سوء الحكم، ونقص المساءلة، وإنحراف الأهداف.
في بعض الأحيان تكون مشكلة هذه المنظمات هي طرق جمع المال، حيث أن المنظمات غير الربحية من المفترض أن تكون غير حكومية، وأن تعمل بالتوازي مع الحكومة والأعمال التجارية الكبرى، ويتصور الدارسون أنها منظمات محلية لجمع الأموال من جهات فاعلة في المجتمع، لكن في الحقيقة أن معظم المنظمات العالمية غير الربحية تتلقى جزءاً كبيراً من تمويلها من الحكومة، وليس من المستغرب أنه لذلك تركز المنظمات غير الربحية على إدارة بيئتها السياسية وتهمل “الحوكمة الداخلية” وتقديم الخدمات بفعالية للمجتمع.
توسعات القطاع غير الربحي الممول جزئياً من الحكومة..
هناك عدد كبير من المنظمات غير الربحية المحلية التي تعتمد في تمويلها على الحكومات والمنظمات الحكومية الدولية والمؤسسات الخاصة ورعاية الشركات، وذلك يطرح أمامنا سؤال، لماذا تدعم الحكومات أي منظمات غير ربحية سواء كانت محلية أو عالمية، الإجابة هي: أن الدول الديموقراطية الغربية الكبرى كانت تعتمد على المستوى المحلي، ابتداء من الثمانينيات، على الجماعات غير الربحية لتقديم الخدمات العامة وفي التسعينيات، شجعت مبادرة “كلينتون – غور”، التي كانت تهدف “لإعادة تشكيل مفهوم الحكومة”، و”إيديولوجية حزب العمال الجديد” لتوني بلير، على الإستعانة بمصادر خارجية لتقديم الخدمات للمواطنين.
وعلى الصعيد الدولي، أصبحت المجموعات العالمية غير الربحية، منذ التسعينيات، أداة هامة لتقديم المساعدات الخارجية، وعندما كان يشعر المانحون بالإحباط لأن المساعدات الخارجية لم تستهدف التنمية الاقتصادية والديمقراطية بشكل سليم، فكانوا يلقون باللائمة على الفساد الحكومي للبلدان المتلقية. وبطبيعة الحال، مع الفكرة السائدة بأن الجماعات غير الربحية هي مجموعات فاضلة وفوق الإغراءات، اعتبرها المانحون المقاولين المناسبين للمساعدة.
تراجع الرقابة يعني المزيد من المشكلات..
تقول الصحيفة الأميركية أن إنعدام الرقابة على قطاع المنظمات غير الربحية يفتح الباب أمام الفساد وتصدير صورة أنها منظمات فاضلة، يجعل البحث وراءها غير ملزم، حيث إن هناك بعض أصحاب المشاريع الذين يبدأون منظمات غير ربحية فقط على الورق من أجل إبرام العقود الحكومية دون تقديم خدمات حقيقية.
إن الرقابة الفضفاضة على المنظمات غير الربحية تسمح، حتى للجمعيات الخيرية الحقيقية، بإساءة استخدام الثقة العامة، فيعطي مديري المؤسسات الخيرية أنفسهم الرواتب الضخمة، واستخدام الأموال الخيرية لتمويل أنماط الحياة الفخمة. ومن الأمثلة الواضحة على ذلك؛ “مشروع المحاربين الجرحى”، وهو مؤسسة خيرية أميركية تهدف إلى مساعدة قدامى المحاربين العسكريين. وقد ضخت هذه المؤسسة الخيرية بعد 11 أيلول/سبتمبر أكثر من مليار دولار. ولكن كما ذكرت شبكة (سي. بي. إس. نيوز)، استخدم قادة المنظمة أموال خيرية لتمويل أوجه حياتهم الشخصية.
ولا تطلب معظم البلدان من المنظمات غير الربحية تقديم تقارير سنوية، ويعتبر القطاع غير الربحي في الولايات المتحدة استثناء؛ حيث يطلب من المجموعات غير الربحية سنوياً تقديم (استمارة 990)، التي تقدم تفاصيل عن أنشطتها المالية وأنشطتها وحوكمتها التي يتم نشرها للجمهور.
وعلى النقيض من ذلك، فإن قطاع الربحي، الذي يعمل خارج إفتراض الفضيلة، يشرف عليه عدة طبقات من الهيئات التنظيمية، بما في ذلك هيئات خاصة مثل “البورصة”. ويطلب من المنظمات الربحية أن تكشف بإنتظام معلومات عن الشؤون المالية والحوكمة والسياسات والمعلومات التي يدققها المحللون الماليون وتتقاسمها القنوات التليفزيونية والمدونات والصحف.