بعد فشل “الاتفاق النووي” .. لغز إعلان “بايدن” الحرب على “طهران” حال امتلاكها القنبلة النووية !

بعد فشل “الاتفاق النووي” .. لغز إعلان “بايدن” الحرب على “طهران” حال امتلاكها القنبلة النووية !

وكالات – كتابات :

وقَّع الرئيس الأميركي وثيقةً تتضمن تعهدًا وإلتزامًا باستخدام عناصر القوة الأميركية المتاحة جميعها، بما في ذلك القوة العسكرية، للحيلولة دون امتلاك “طهران” سلاحًا نوويًّا.

نشر موقع مجلة (ريسبونسبل ستيت كرافت)؛ التابعة لمعهد (كوينسي) لفن الحكم الرشيد مقالًا؛ لـ”تيد سنايدر”، كاتب عمود منتظم عن السياسة الخارجية لـ”الولايات المتحدة” وتاريخها، حاول من خلاله الوقوف على الأسباب التي دعت “بايدن” وإدارته إلى الانضمام إلى مسار الحرب ضد “إيران”، مشيرًا إلى وجود عدة مشكلات ينطوي عليها “إعلان القدس” المشترك بين “الولايات المتحدة” و”إسرائيل”.

في مستهل مقاله، يُشير الكاتب إلى أن الرئيس الأميركي؛ “جو بايدن”، حدَّد، في 24 آذار/مارس، خطًّا أحمرَ: إذا استخدمت “روسيا” أسلحة كيماوية في “أوكرانيا”، فسيؤدي ذلك إلى: “استثارة رد فعل” من جانب حلف الـ (ناتو)، وعندما سُئل “بايدن” عن طبيعة الاستجابة، لم يكن لديه إجابة محددة، وبعد ذلك أوضح قائلًا إن: “طبيعة الاستجابة ستعتمد على طبيعة الاستخدام للأسلحة الكيماوية، والذي من شأنه استثارة استجابة مماثلة”، معلنًا فيما يبدو أن “الولايات المتحدة” سترد على استخدام “روسيا”؛ للأسلحة الكيماوية في هجماتها ضد “أوكرانيا”، بشن هجوم بالأسلحة الكيماوية من جانبها.

وثيقة “إعلان الشراكة الإستراتيجية”..

يُوضِّح الكاتب أنه بعد مرور يومين، وفي نهاية خطابه، بدا أن “بايدن” وجَّه دعوةً للانقلاب على الرئيس الروسي؛ “فلاديمير بوتين”، عندما أضاف عبارة: “بحق الله، لا يمكن لهذا الرجل البقاء في السلطة”، واضطُّر الوسطاء في “البيت الأبيض” إلى التراجع عن تهديدات “بايدن”، ويُعاني “بايدن” من عادةٍ سيئةٍ في حق أي رئيس، وهي الخروج عن النص والتفوه بأمورٍ لا يبدو أنها تعكس السياسة الأميركية التي من المفترض أن يكون قد أوضحها بالتفصيل.

وفي 13 تموز/يوليو، بدا وكأن “بايدن” سيفعل ذلك مرةً أخرى، عندما رد على سؤال من أحد الصحافيين مفاده: هل ستستخدم “الولايات المتحدة” القوة العسكرية لمنع “إيران” من حيازة سلاح نووي، قائلًا: “إذا كان هذا هو خيار الملاذ الأخير، فسنفعل ذلك نعم”؛ بيد أنه لم يفعل ذلك مرةً أخرى، ولم يتراجع “البيت الأبيض” هذه المرة، بل وأقر ما قاله “بايدن”. وفي 14 تموز/يوليو، أعلن “البيت الأبيض” التوقيع على: “إعلان الشراكة الإستراتيجية المشترك بين الولايات المتحدة وإسرائيل”.

ولا ينص هذا الإعلان على إلتزام “الولايات المتحدة” المعتاد: “بعدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي” فحسب، ولكنه، كما قال عنه “بايدن”، إنه: “إعلان عن استعداد الولايات المتحدة لاستخدام عناصر قوتها الوطنية جميعها لضمان تحقيق تلك النتيجة”.

ويستدرك الكاتب متسائلًا، لكن، وعلى حد تعبير “بايدن”، لماذا: “تستخدم” الولايات المتحدة القوة العسكرية ضد “إيران” ؟.. لماذا، بحسب نص الإعلان المشترك، ستستخدم “الولايات المتحدة”: “عناصر قوتها الوطنية جميعها” ؟.. إن هناك مشكلات عديدة في إلتزام الإعلان المشترك هذا، منها، وليست أقلها، مسألة مدى قانونية هذا التصرف ومشروعيته بموجب القانون الدولي؛ وهل يسمح القانون الدولي بشن حرب وقائية استباقية ضد دولة ما، لم تُهاجم “الولايات المتحدة” أو تُهدد بالهجوم عليها، لمنعها من امتلاك سلاح نووي ؟

وللإجابة عن هذه التساؤلات، أخبرني “ريتشارد فولك”، الأستاذ الفخري في القانون الدولي بجامعة “برينستون”، أن: “شن حرب وقائية ضد إيران، لأنها تبدو وكأنها تتجاوز العتبة النووية أو تجاوزتها بالفعل، ستكون مخالِفة للأحكام الموضوعية لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي”. وأضاف “فولك”: “ومع ذلك، يبدو هذا الموقف، مثل جميع الحالات، غامضًا إلى حدٍ ما، لأن الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن لديها الحق في الاستثناء فيما يتعلق بجميع القرارات غير الإجرائية بموجب حق النقض؛ (الفيتو)”. أما المسألة الجوهرية فتكمن في أنه على الرغم من الإعتقاد السائد التقليدي، فليس واضحًا تمامًا هل تسعى “إيران” حتى لامتلاك سلاح نووي أم لا.

هل تسعى “إيران” لحيازة سلاح نووي فعلًا ؟

يُلفت الكاتب إلى أنه وفق تفسير “إيران”؛ للشريعة الإسلامية، يُعد امتلاك الأسلحة النووية أمرًا حرامًا يُحرِّمه الله. وأصدر آية الله “روح الله الخميني”، مؤسس “جمهورية إيران الإسلامية”، هذا الحكم أولًا وبانتظام وكرر ذلك خليفته؛ آية الله “علي خامنئي”، المرشد الأعلى الحالي لـ”الثورة الإسلامية الإيرانية”.

وأصر “خامنئي” على أنه: “من منظور إيديولوجي وفِقهي، نحن نَعُد تطوير الأسلحة النووية أمرًا غير قانوني. ونَعُد استخدام مثل هذه الأسلحة إثمًا كبيرًا”. وفي عام 2003، أصدر “خامنئي” فتوى تُعلن أن الإسلام يُحرِّم استخدام الأسلحة النووية.

وفي هذا الصدد، قال الراحل؛ آية الله العظمى “يوسف الصانع”، أحد كبار علماء الدين في “إيران”، في عام 2003، إن: “هناك إجماعًا كاملًا بشأن هذه القضية. ومن البديهي في الإسلام أنه يحظر حيازة الأسلحة النووية. وهذا حكم شرعي أبدي، لأن المهمة الأساسية لهذه الأسلحة هي قتل الأبرياء. ولا يمكن مخالفة ذلك”.

وعلى الرغم من وجود خلاف حول نطاق هذا القانون ومدى إلزامية هذه التصريحات من الناحية العملية، فإنها تتوافق مع رفض “إيران” الرد على هجمات الأسلحة الكيماوية العراقية بأسلحة كيماوية تابعة لها؛ أثناء اندلاع الحرب “الإيرانية-العراقية”، بسبب الحكم الشرعي نفسه، على النحو الذي عرضه “فلاينت ليفريت” و”هيلاري مان ليفريت”؛ في كتابهما: (الذهاب إلى طهران: لماذا يجب أن تتوصَّل الولايات المتحدة إلى تفاهم مع جمهورية إيران الإسلامية).

بيد أن كلام “إيران” لا ينبغي أخذه على محمل الجد. وخلُصت تقديرات الاستخبارات الوطنية الأميركية لعامي: 2007 و2011: “بثقة تامة”، أن “إيران” لم تكن تُصنِّع قنبلة نووية. وفي عام 2012، ظلَّ “ليون بانيتا”، وزير الدفاع الأميركي، يقول إن “إيران” لا تُحاول تطوير سلاح نووي. وقال “محمد البرادعي”، المدير السابق لـ”الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، للصحافي الاستقصائي؛ “سيمور هيرش”، إنه: “خلال الفترة التي قضيتُها في الوكالة، لم نرَ ذرة من الأدلة تُثبت أن إيران كانت تسعى لتصنيع أسلحة نووية أو تسعى لاستخدامها”.

أقصر الطرق لمنع البرنامج الإيراني..

يُنوِّه الكاتب إلى أنه على الرغم من أن تقدير الاستخبارات الوطنية الأميركية؛ لعام 2007، أضاف عبارة أن “إيران” تخلت عن برنامج أسلحتها النووية؛ في عام 2003، فإنه وفي عام 2014؛ نشر الصحافي؛ “غاريث بورتر”، تحقيقًا تحت عنوان: (الأزمة المفتعلة: القصة غير المروية للرعب النووي الإيراني)، للتحقيق في الإدِّعاءات المتعلقة بوجود برنامج إيراني للأسلحة النووية؛ قبل عام 2003، وتوصَّل إلى أنه في كل الحالات، خلُصت “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” إلى أن تصريحات “إيران” كانت: “متطابقة مع نتائج الوكالة”.

وأفاد “بورتر”؛ أنه: “كان على الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن تُعلن في النهاية أنها لم تعثر على أي إثبات يدلل على نشاط متعلق بالأسلحة النووية الإيرانية في كل الحالات التي حقَّقت فيها”. وهذا ما جعل “بورتر” يستنتج أن “إيران” لم تكن تسعى للعمل على تطوير برنامج أسلحة نووية؛ قبل عام 2003.

وفي الوقت نفسه، أخبرني “تريتا بارسي”، مؤلف كتاب: (خسارة عدو: أوباما وإيران وانتصار الدبلوماسية) ونائب الرئيس التنفيذي لمعهد (كوينسي)، أنه: “كان هناك عناصر في البرنامج الإيراني؛ قبل عام 2003، لا تتوافق مع البرامج النووية السلمية، لكن الإدِّعاء بأنه كان برنامجًا للأسلحة النووية ليس دقيقًا، لأن إيران لم يكن لديها حتى مخزون من (اليورانيوم) المنخفض التخصيب في ذلك الوقت”.

وبطبيعة الحال، لم ينتهِ الحديث عن برنامج “إيران” النووي بعد. وفي عام 2015، خلُصت “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” بالفعل؛ إلى أنه كان لدى “إيران” برنامج أسلحة نووية؛ قبل عام 2003، لكنها لم تحوِّل المواد النووية من برنامجها النووي السلمي إلى جزء من جهود التسليح. وتُحقِّق “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” حاليًّا؛ مرةً أخرى، في برنامج “إيران” ما قبل عام 2003، بشأن إمتناع “إيران” عن الإفصاح بشأن المواد والأنشطة النووية، وفق ما تقتضي اتفاقية الضمانات الخاصة بها.

وتابع الكاتب قائلًا: وحتى لو كانت “إيران” تُصنِّع الأسلحة النووية وتستخدمها، فإن أقصر الطرق لمنع البرنامج سيكون من خلال “الاتفاق النووي” الإيراني، والذي قال عنه “بايدن”؛ في مقابلته الأخيرة في 13 تموز/يوليو، إن: “الانسحاب منه كان خطأً فادحًا” ارتكبه “ترامب”. وعلى الرغم من أن “بايدن” يُحب تسجيل نقاط تُبرز تفوقه من خلال انتقاد “ترامب”، فإن سياسته الحالية ليست سوى صدى لسياسة سلفه؛ “ترامب”.

ورفضت إدارة “بايدن”؛ في باديء الأمر، الإلتزام بتعهدها بأنها ستحترم الاتفاق الذي أُعيد التفاوض بشأنه ولن تنسحب من الاتفاق مرةً أخرى. ولكن الإدارة الأميركية الحالية – وفق “بارسي” – لم تَفِ بهذا الإلتزام، في نهاية المطاف طيلة فترة ولاية “بايدن”، إلا بعد أن تسبب رفضها في إثارة ضجة في “واشنطن”.

ورفضت إدارة “بايدن” رفع (الحرس الثوري) الإيراني من القائمة الأميركية للمنظمات الإرهابية الأجنبية، وهو ما يُمثِّل عقبة أساسية أمام التوصُّل إلى اتفاقٍ جديد. وفي مقابلته في 13 تموز/يوليو، ذهب “بايدن” لأبعد من ذلك بقوله: “إنه مُلتزم بإبقاء (الحرس الثوري) الإيراني على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية؛ حتى لو قضى ذلك على فرصة التوصُّل إلى اتفاق نووي جديد مع إيران”.

ويقودنا هذا الوضع الذي قدَّم فيه “بايدن” تعهدين، وأكدَّهما في تلك المقابلة، إلى استنتاج يبدو سخيفًا وهو أن “بايدن” يمكن أن يخوض حربًا ضد “إيران” بدلًا من أن يضطر إلى رفع (الحرس الثوري) الإيراني من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية. إلا أن الأمر الأكثر سلبية وإنحرافًا عن جادة الصواب هو أن هذا التوجُّه من جانب “بايدن” يتجاهل عمدًا ما أفادته بعض التقارير، في 19 حزيران/يونيو، أن “إيران” أسقطت مطلب رفع (الحرس الثوري) الإيراني من القائمة، وهو ما أكدته المصادر منذ ذلك الحين.

لماذا “إيران” تحديدًا ؟

أشار الكاتب إلى أن هناك مشكلة أخرى تتعلق باستعداد إدارة “بايدن” لخوض حرب ضد “إيران” إذا خرقت “إيران” إلتزامها بعدم تطوير سلاح نووي بموجب “معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية”، وهي أن “الولايات المتحدة” تنتهك إلتزاماتها الخاصة بـ”معاهدة حظر الانتشار النووي”، والتي تتمثل في: “متابعة المفاوضات بحسن نية بشأن التدابير الفعَّالة المتعلقة بوقف سباق التسلح النووي في أقرب وقتٍ ممكنٍ ونزع السلاح النووي، وبشأن معاهدة نزع السلاح العام والكامل في ظل رقابة دولية صارمة وفعالة”، وبدلًا من السعي لنزع السلاح النووي، طوَّرت “الولايات المتحدة” ترسانتها النووية وعزَّزتها طيلة هذا الوقت.

وفي نهاية المطاف، يبقى الإجابة عن السؤال المتعلق بأسباب خوض “الولايات المتحدة” حربًا ضد “إيران”، إذا سعَت “إيران” لامتلاك سلاح نووي. لماذا “إيران” ؟.. وبخلاف الحرب التي شنَّتها “الولايات المتحدة” ضد “العراق”؛ من أجل وقف أسلحة الدمار الشامل ظاهريًّا، لم تُشن “الولايات المتحدة” أبدًا حربًا لمنع أي دولة أخرى من امتلاك سلاح نووي.

وتعهَّدت “الولايات المتحدة” بالحفاظ على سرية البرامج النووية للدول الصديقة. وساعدت “الولايات المتحدة”؛ “الهند”، في برنامج أسلحتها النووية، وعلى الرغم من أن “الهند” تتحدى قرار “مجلس الأمن” رقم: 1172، الذي يُطالبها بالتخلص من الأسلحة النووية التي حصلت عليها خارج إطار معاهدة عدم الانتشار، في عام 2008، شجَّعت “الولايات المتحدة” مجموعة شركات من موردي المواد النووية لمنح “الهند” تنازلًا والسماح لها بالمشاركة في تجارة المواد والمعدات النووية السلمية.

وبعد أن حصلت “الهند” على القنبلة النووية، ساعدت “الصين”؛ “باكستان”، عدو “الهند”، في الحصول على قنبلة نووية خاصة بها، وغضَّت “الولايات المتحدة” الطرفَ عن جهود “باكستان”؛ مقابل المساعدة الحاسمة لـ”باكستان” في “أفغانستان”، وذكر “أندرو سمول”؛ في كتابه: (المحور الصيني الباكستاني) أن “واشنطن” باعت لـ”باكستان” طائرات (إف-16)؛ التي ستُصبح جزءًا من قوتها الضاربة النووية. وحتى “كوريا الشمالية”، وهي خصم علني، لم تستهدفها “الولايات المتحدة” بالحرب أو تُهددها باستخدام: “عناصر القوة الوطنية الأميركية جميعها” بسبب برنامجها النووي.

وتسلِّط كل هذه المخاوف – بحسب ما يختم الكاتب مقاله – الضوء على مخاطر إلتزام إدارة “بايدن” ومدى عبثية هذا الإلتزام بوثيقة: “إعلان القدس للشراكة الإستراتيجية المشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل” التي أُعلِن عنها مؤخرًا.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة