22 ديسمبر، 2024 4:33 ص

بعد فشلها في تطويق التظاهرات بالمرجعية والعشائر .. هل تلجأ إيران لـ”الصدر” لإحتواء الأزمة ؟

بعد فشلها في تطويق التظاهرات بالمرجعية والعشائر .. هل تلجأ إيران لـ”الصدر” لإحتواء الأزمة ؟

خاص : كتبت – هانم التمساح :

حاولت “إيران” إنقاذ رجلها بـ”العراق”، “عادل عبدالمهدي”، وحكومته قدر المستطاع؛ تارة بالعنف والقتل عن طريق ميليشياتها بـ”العراق”، وتارة أخرى بالدهاء السياسي واللجوء لمشايخ العشائر الذين التقوا “عبدالمهدي”، لكنهم فشلوا أيضًا هذه المرة.. فالفقر والفساد كان الأعلى صوتًا في إقناع المتظاهرين أي طريق يسلكون.. كما دعمت المرجعية الدينية، المتمثلة في المرجع الأعلى، آية الله “علي السيستاني”، حق الشعب في الدفاع عن حقه في حياة كريمة، ويبدو أن “إيران” الآن أمامها خيار أخير.. قائد ديني وسياسي يحظى بقبول نسبي لدى المتظاهرين، بل يبدو وكأنه واحد منهم، يشاركهم التظاهرات.. فلم تجد أنسب من، “مقتدى الصدر”، زعيم (التيار الصدري)، تحاول التفاوض معه؛ فهل تفلح هذه المرة في الإلتفاف على انتفاضة تشرين ؟!

زيارات “الصدر” لإيران خلال الأزمة..

فقد كشفت مصادر إيرانية أن زعيم (التيار الصدري) في “العراق”، “مقتدى الصدر”، قد غادر مدينة “النجف” متجهًا إلى “إيران”، وذلك بعد أن عاد من الأخيرة إلى “العراق”، الأسبوع الماضي، وظهر بين المتظاهرين في “النجف” وهو يقود سيارته.

وذكر الصحافي الإيراني، “فريد مدرسي”، على حسابه عبر (تويتر)، أن “الصدر” في طريقه إلى “إيران”، على متن طائرة إيرانية، قادمًا من “النجف”، قائلاً إنه سيتوجه إلى مدينة “قم” الدينية، على بُعد 100 كيلومتر عن العاصمة الإيرانية، “طهران”.

وأوضح أن زيارة الصدر، “المفاجئة”، تأتي بعدما عاد إلى “العراق”، الثلاثاء الماضي، من مدينة “قم”، حيث ظهر في “النجف” بين المتظاهرين المطالبين بإسقاط الحكومة العراقية.

ولم تكشف المصادر الإيرانية أسباب زيارة “الصدر” إلى “إيران” مجددًا، فيما تتصاعد الاحتجاجات في “العراق”، علمًا بأنه يزور “قم” بين الفينة والأخرى لأسباب عائلية ودينية، لكن زيارته هذه المرة تأتي في ظل الاضطرابات التي تشهدها “بلاد الرافدين”، وخصوصًا في المحافظات الجنوبية من جهة، وفي ظل التعارض بين موقف “الصدر” و”إيران”، مما يجري في “العراق”، من جهة أخرى، حيث يطالب زعيم (التيار الصدري) باستقالة حكومة، “عادل عبدالمهدي”، بينما تدعو “طهران” إلى بقائها لعدم حدوث فراغ.

يُشار إلى أن “الصدر” ظهر، خلال شهر أيلول/سبتمبر الماضي، بشكل مفاجيء برفقة المرشد الإيراني الأعلى، “علي خامنئي”، وقائد (فيلق القدس) في (الحرس الثوري) الإيراني، “قاسم سليماني”، في صورة واحدة، خلال مراسم “عاشوراء” في العاصمة، “طهران”، في خطوة هي الأولى من نوعها.

محاولات ركوب الموجة..

وفي محاولة لركوب الموجة؛ قدم زعيم (التيار الصدري)، “مقتدى الصدر”، مجموعة من النقاط للمتظاهرين بشأن التظاهرات التي تطالب بالإصلاح.

وقال “الصدر”، في رسالة: “عاهدت الله أن لا أكون ظهيرًا للفاسدين، بل كما علمني أبي أن أكون نصيرًا للمصلحين، لذا أقدم مجموعة من النقاط قد ينتفع بها الثوار”. ودعا إلى تقديم الورود إلى القوات الأمنية والتحلي بروح المثابرة والصبر من أجل الوطن، “فحب الوطن من الإيمان، والحفاظ على ممتلكات الشعب العامة والخاصة فهم أخوتكم، وأن لا يستهدف الصالح بذنب الفاسد، ففي الحكومة من هم مغلوب على أمرهم فلا تؤذوهم”.

كما دعا إلى عكس صورة جميلة بتنظيم التظاهر والهتافات والأفعال وعدم الإبتداء بالعنف، فالفاسد لا يخاف من السلاح أكثر من السلام.

وأضاف أن: “الكثير من الشعب، بل ومن المنتمين للأحزاب من غير المشتركين في الحكومة، يرغب بمشاركتكم إلا أنه يجهل مطالبكم وآلياتكم فأعلنوها كي يتجلى أمركم”.

ودعا، المتظاهرين، الذين وصفهم بـ”الثوار”؛ إلى الحفاظ على أنفسهم قدر الإمكان وعدم السماح لأحد بمصادرة الجهود لمن هم في الداخل والخارج “فأنتم أصحاب المبادرة”.

وأكد أن أتباع (التيار الصدري)، بجميع تشكيلاته، “سيكون في خدمة الثوار”.

وتابع أن: “رفع مستوى مطالبكم أمر جيد بشرط التحلي بالحكمة من أجل عدم ضياع العراق دستوريًا وأمنيا.. فألتفتوا رجاء”. ودعا “الصدر” إلى توثيق وتصوير ما يحدث، ونصح الثوار بالتنسيق مع العشائر العراقية والنخب الثقافية والأدبية والإعلامية وغيرهم.

وأكد زعيم (التيار الصدري)، في بيان، الأربعاء الماضي، بعد يوم من عودته إلى “العراق”، مطالبته باستقالة “عبدالمهدي”، وذلك ردًا على دعوات وتصريحات سياسية صدرت عن كتل عدة داعمة للحكومة العراقية ضمن تحالف (الفتح)، المقرب من “إيران”، والذي يمثل الجناح السياسي لـ”الحشد الشعبي”، التي اعتبرت أن استقالة الحكومة ستعمّق الأزمة وأنها ليست حلاً.

حليف لإيران لكنه ليس تابعًا..

تعي “إيران” أن “الصدر” لن يخضع بالكامل إليها، لكن “خامنئي” يعتبره حليفًا قويًا موثوقًا به، ويشاركهم عداء “الولايات المتحدة”، بما يجعل “إيران” توظّف “العراق” باعتباره سيبقى حليفًا إستراتيجيًا لها، حتى وإن خرجت تظاهرات تطالب بمنع تدخلها فى الشؤون الداخلية لـ”العراق”، كما أنها تود إرسال إشارة إلى “أميركا” والمنطقة؛ بأنها لا تزال الوسيط الرئيس في السياسة العراقيَّة، وقد يشير “الصدر” بوجوده في “إيران” الآن؛ واجتماعه مع “خامنئي” و”سليماني”، قبل أسابيع؛ إلى أنه يحاول استئناف دور، آية الله “علي السيستاني”، المرجع الشيعي الأعلى.

إذاً؛ الهدف من وجود “الصدر”، عند “خامنئي”، الآن وفي “عاشوراء”؛ هو الإشارة إلى أن “طهران” هي الحكم الرئيس الخارجي للسياسة العراقيَّة، في حين لم يقطع “الصدر” علاقاته بـ”إيران”، فإن رسائله القوميَّة في “العراق” وهجومه على قوات (الحشد الشعبي)، وكذلك زيارته “السعوديَّة”، في عام 2017، لم تُستقبل جيدًا من قِبل “إيران”. لذا تفضّل “طهران” تخفيف حدة “الصدر” للخطاب المناهض، وجعله يعيد توجيه شعبيته إلى معارضي السياسة الإيرانيَّة.

وتمثل زيارات “الصدر” الأخيرة إلى “إيران” أيضًا؛ رسالة وفرصة لإدارة “ترمب”. تحتاج “الولايات المتحدة” إلى التنافس مع “إيران” في “العراق”، وقد تحدَّث (البنتاغون)، في الأسابيع الأخيرة، حول إلتزام “ترامب” بالسيادة والشراكة العراقيَّة. ومن ذلك بيانه أخيرًا عن أن أنشطة “إيران” المزعزعة الاستقرار تقوّض أمن “العراق”، وتزيد من خطر نشوب صراع إقليمي، وذلك عبر جعل “العراق” حليفًا موثوقًا لـ”الولايات المتحدة”، وليس مجرد أداة أو وسيلة لسياسة “أقصى قدر من الضغط”، من خلال الاستمرار في إشراك كل من الرئيس ورئيس الوزراء العراقي كشريكين في محاربة تنظيم (داعش) والتعامل مع القضايا الإقليمية. وتحتاج “الولايات المتحدة” إلى التنافس مع “إيران” في “العراق”، فوحدة “العراق” وقوته يمثلان مصلحة مشتركة لـ”الولايات المتحدة” و”العراق”، وأفضل رد على مكائد “إيران” لإبقاء “العراق” ضعيفًا ومنقسمًا.

ويُعد “مقتدى الصدر” رجلٌ سياسيٌّ متمرسٌ، يعرف كيف يتنقَّل بين النخبة الدينيَّة والسياسيَّة في “إيران”، وعاش سنوات بمدينة “قم” من قبل، واتسمت علاقة “إيران” بتيار “مقتدى الصدر” بأنها قصيرة الأجل وتكتيكيَّة لأغراض زعزعة وجود القوات الأميركيَّة بـ”العراق”، كما لم يعبر تيار “الصدر” عن أي علاقات إستراتيجيَّة مع “إيران”، فهو ذو خلفيَّة عربيَّة وقوميَّة، وإرتبط بـ”إيران” لأسباب علاقات التوازن بين الفصائل السياسيَّة في هيكل السلطة الجديد بـ”العراق”.

كما عززت “إيران” علاقتها بـ (التيار الصدري) لشعبيته الواسعة، فساندته من خلال “حزب الله”؛ في تأسيس “جيش المهدي”، عام 2003، لمحاربة القوات الأميركيَّة، وقدَّمت إليه السلاح والتدريب والأموال، كما شارك في الإقتتال الطائفي بـ”العراق”، عام 2006، الذي نتج عن التطهير الإثني للسُّنة في مدينة “بغدا”د، فعملت “إيران” على إحداث قلاقل من وقت إلى آخر، وكانت تعمل على تعجيل الانسحاب الأميركي لخلق فرص لها داخل “العراق” من خلال ظهور حكومة قويَّة قوميَّة شرعيَّة يقودها الشيعة، ثم حدث بعد ذلك إنشقاقٌ في جماعة “الصدر”، وقامت “إيران”، بمساعدة “حزب الله”، في تدريب تلك المجموعة المنشقة، وشكَّلت جماعة (عصائب أهل الحق).

وبذل رئيس مجلس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة، “عادل عبدالمهدي”، جهودًا لتطويق أزمة الاحتجاجات في “العراق”؛ وطلب تدخل زعماء قبائل، غير أن محاولته باءت بالفشل؛ إذ رفضت تلك الزعامات طلبه.

وأعلنت الحكومة الاتحادية حظر التجول في “بغداد” اعتبارًا من الخامسة من صباح اليوم الخميس حتى إشعار آخر.

وخرج الآلاف من الأشخاص في “ساحة التحرير”، وسط “بغداد”، منذ يوم الثلاثاء، في تظاهرات احتجاجية مطالبين بتوفير الخدمات، وتحسين الواقع المعيشي، وتوفير الوظائف للعاطلين، والقضاء على ظاهرتي البطالة المتفشية في المجتمع، والفساد المالي والإداري المستشري في دوائر الدولة ومؤسسات، فهل دعت “إيران”، “الصدر”، لزيارتها حتى لا تخسر كل شيء مرة واحدة؛ وتحاول إيجاد يدٍ لها في النظام الجديد في حالة نجاح التظاهرات، فإن لم يكن لها تابع يكون لها على الأقل حليف هذا ما ستكشفه مواقف “الصدر” وتصريحاته، عقب عودته من “إيران”، لكن يبقى المحدد الرئيس للعلاقة مع “إيران” صوت الشارع والميدان هو من سيقبل أو يرفض.. علاوة على مجموعة من موازين القوى الأخرى والتي ستكشفها الأيام القادمة.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة