وكالات – كتابات :
تُشارك التونسية، “إنصاف بوغديري”، بسعادة في عطلة “أوموغاندا” الشهرية الوطنية في “رواندا”، التي يجتمع خلالها المواطنون العاديون لتنظيف الشوارع والعناية بالأماكن العامة. وأُصيبت “إنصاف” بالإنبهار نتيجة هذه الجهود المجتمعية بعد انتقالها من “تونس” إلى العاصمة الرواندية؛ “كيغالي”، من أجل العمل.
وتحمل “إنصاف” درجة ماجستير في القانون، وقضت عامين في العمل لصالح وسائل الإعلام وقنوات التلفزيون الناطقة بالفرنسية داخل “تونس”. أما في “كيغالي”، فانضمت “إنصاف” إلى القسم الصحافي في “منظمة المزارعين الأفارقة”. ثم حصلت على عقدٍ لمدة عامين بعد إتمامها فترة تجريبية مدتها ثلاثة أشهر، كما تقول لوكالة (دويتشه فيله) الألمانية.
الهجرة من شمال إفريقيا إلى جنوبها..
قالت “إنصاف”؛ إنها كانت تبحث عن تحدٍّ جديد عندما قررت الانتقال إلى إحدى دول “إفريقيا جنوب الصحراء”. وتُعَدُّ “إنصاف” واحدةً من آلاف التوانسة الذين قرروا مغادرة البلاد في ضوء عدم استقرارها السياسي والاقتصادي، وذلك من أجل بناء حياةٍ أفضل في أماكن أخرى بالقارة الإفريقية، بدلاً من السفر إلى إحدى الدول الأوروبية أو الخليجية.
وليس التوانسة وحدهم من اتجهوا من شمال “إفريقيا” إلى جنوبها، بل هناك آلاف من “مصر” والدول المغاربية الأخرى، بحثوا عن فرصتهم أو صنعوها في جنوب القارة، حيث يجدون في العديد من الدول التي تنعم باستقرار اقتصادي وسياسي ضالتهم، بدلاً من التوجه نحو “أوروبا”؛ التي باتت تُغلق أبوابها في وجه اللاجئين، وتتشدد في قبولهم.
وتُشير بعض تقديرات رسمية عام 2017، إلى وجود نحو: 40 ألف مصري في “جنوب إفريقيا”، مضيفة أن نحو: 85% من إجمالي المصريين المقيمين في عموم “إفريقيا”، اختاروا جنوب القارة للعيش فيها وبناء حياتهم.
وفي “تونس”، لا يزال العديد من الشباب في مستهل حياتهم المهنية، لكن سوق الوظائف التونسية عاجزة عن استيعاب العديد من حملة الشهادات الجامعية، ومن بينهم نحو: 226 ألف عاطل عن العمل حاليًا.
وكشفت دراسةٌ أجرتها مؤسسة بحثية تونسية مؤخرًا أن نحو: 70% من خريجي الجامعات المشاركين في الاستطلاع يفكرون في الانتقال إلى خارج البلاد. ووجدت الدراسة كذلك أن المشاركين كانوا انتقائيين للغاية فيما يتعلق بمواقع انتقالهم.
اقتصادات “إفريقيا” النامية تُبشر بمستقبلٍ واعد..
تقول السيدة التونسية؛ “إنصاف”، أنها لم تفكر مطلقًا في الاتجاه إلى “أوروبا” بحثًا عن فرصة عمل. وقالت لشبكة (DW) الألمانية: “سيتطلب هذا الأمر ترتيبات قانونية محكمة، ومنها عقد عمل. وسيواجه المرء الكثير من الصعوبات في غياب مثل هذه الأوراق المطلوبة”.
ولم تكن تعرف الكثير عن “رواندا”؛ قبل استقرارها هناك. لكنها تعلمت الكثير عن تلك الدولة الإفريقية بعد انتقالها إليها، وقالت: “أعيش داخل بلدٍ يُظهر قدرًا كبيرًا من التضامن”.
رحل نحو: 1.7 مليون تونسي عن بلادهم من أجل العثور على فرصة عمل في الخارج. ويعيش غالبيتهم داخل “أوروبا”؛ (أكثر من: 80%). وانتشرت جاليات المغتربين التوانسة كذلك في أماكن أبعد مثل: “الصين، واليابان، وسنغافورة، وتايوان، والهند”.
وليست هناك إحصاءات يُعتمد عليها لتوثيق عدد التوانسة، أو المغاربة بشكلٍ عام، الذين انتقلوا إلى منطقة “إفريقيا جنوب الصحراء” بحثًا عن الوظائف حاليًا. لكن الدول الإفريقية الجنوبية أصبحت جذابةً للباحثين من شمال القارة عن الوظائف بشكلٍ متزايد، رغم عدم وجود أرقام محددة، ويرجع الفضل جزئيًا إلى برامج الدعم والاستثمار الممولة من “الاتحاد الأوروبي”.
ولم يُعد شباب “تونس” الباحثون عن عمل يُصرون على التوجه شمالاً منذ فترة ليست بالقصيرة، على حد قول “رمضان بن عمر”، من “المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية”. إذ قال للشبكة الألمانية: “هناك طلب متزايد على العمالة بطول دول إفريقيا الجنوبية، سواءً من خريجي الجامعات أو العمال المهنيين. ولهذا يتداخل كلا الاتجاهين معًا”.
ليس “أوروبا”.. حياةٌ جيدة في الغابون والسنغال..
من جهته، يُمثل “أنيس البليدي”؛ مثالاً آخر على شاب تونسي وجد وظيفةً مجزية في العاصمة الغابونية؛ “ليبرفيل”، عندما عمل لصالح شركة تجزئة تحظى بدعمٍ مالي لبناني.
واختار “البليدي” الهجرة إلى “الغابون”؛ عام 2018، تاركًا زوجته وابنتيه في “تونس”. وأوضح: “كان قرارًا صعبًا فاجأ عائلتي. وكنت أنوي الانتقال إلى فرنسا، لكنني وجدت الأمر صعبًا”.
وأردف أن الحياة في “الغابون” لم تكن سهلةً في البداية، لكن الأوضاع تحسنت مع الوقت. وقال: “أصبحت أفضل حالاً الآن مما كنت عليه في تونس، بما في ذلك وضعي المالي”.
من جهته؛ يقول “بن عمر” إن العديد من دول غرب “إفريقيا” بدأت تُحقق نموًا اقتصاديًا قويًا على نحوٍ خاص. ويتوقع أن تواصل تلك الاقتصادات نموها على مدار العقد المقبل، بالتزامن مع اكتمال شبكة “طريق الحرير” الجديد الصينية هناك، لتربط بين المدن الرئيسة في شمال وجنوب “إفريقيا”.
وتوافقه الرأي؛ “سونيا منير”، التونسية الأخرى التي بنت حياتها المهنية خارج بلادها. إذ عملت كأخصائية نفسية مع منظمة “أطباء بلا حدود” لأكثر من 11 عامًا داخل العديد من دول غرب “إفريقيا”. وتعيش حاليًا في العاصمة السنغالية؛ “داكار”، منذ عام 2019، حيث تعمل مديرة إقليمية للمنظمة في مجال الصحة الإنجابية بوسط وغرب القارة.
وكانت “سونيا” تستطيع الحصول على وظيفة في “أوروبا” بفضل مؤهلاتها وخبرتها، لكنها قالت إنها قررت ألا تفعل ذلك وهي في كامل وعيها. وصرحت للشبكة الألمانية: “قررت العيش في السنغال، وأحب العمل هنا كثيرًا. فالحياة هنا مبهجة. ويمكن للمرء أن يدرس، ويعمل، وتوجد العديد من الطرق الرائعة لقضاء وقت فراغك”.
وتقوم العديد من الشركات التونسية بإنشاء مكاتبها وفروعها الإقليمية بطول غرب “إفريقيا”، مما يُشجع مزيدًا من التوانسة على الانتقال إلى هناك. وتزدهر تلك السوق الآن، لهذا لا يرغب رجال الأعمال التوانسة في تفويت الفرصة. وبالتالي توفر شركاتهم التابعة العديد من فرص العمل الجيدة لمواطنيهم في الخارج.