خاص : كتبت – نشوى الحفني :
يسير الصراع “الأميركي-الإيراني” الآن نحو وضع أهدأ، إلا أنه غير معروف إلى أي مدى قد تصل الأمور، فقد قال وزير الخارجية الأميركي، “مايك بومبيو”، الأحد، إن “واشنطن” مستعدة للحوار مع طهران، “دون شروط مسبقة”، مشيرًا إلى أن جهود بلاده “لإنهاء أنشطة إيران الخبيثة ستتواصل”.
وأضاف “بومبيو”، خلال مؤتمر صحافي مع نظيره السويسري، “إغنازيو كاسيس”: “نحن على استعداد لبدء مباحثات دون شروط مسبقة. نحن مستعدون للجلوس معهم إلى طاولة (مفاوضات)”، لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أن “الجهود الأميركية لإنهاء الأنشطة الخبيثة لهذه الدولة، (إيران)، ستتواصل”، وفق ما ذكرت وكالة (فرانس برس).
كما أوضح أن “الولايات المتحدة” ستفعل ذلك إذا رأت أن إيران “تتصرف كدولة طبيعية”.
إبداء الاحترام.. ودون ضغوط..
تأتي تصريحات وزير الخارجية الأميركي؛ بعد يوم من إعلان الرئيس الإيراني، “حسن روحاني”، استعداد بلاده لإجراء محادثات، ولكن بشرط، وهو أن “تبدي واشنطن الاحترام”، لكنه أكد أن بلاده لن تذهب إلى المحادثات بدافع الضغوط.
وأضاف؛ إن “طهران” لا تستسلم أمام “قوة البلطجة الأميركية”، وأن “واشنطن” تراجعت عن تهديداتها بإسقاط النظام في “إيران”، مؤكدًا على أن القوات الأميركية توقفت في المياه الدولية على بعد 300 إلى 400 ميل.
وتابع الرئيس الإيراني قائلًا؛ إن “الولايات المتحدة” تراجعت عن تهديداتها العسكرية؛ وأنه لا يوجد حاليًا أي حاملة طائرات أميركية في مياه الخليج.
وشدد “روحاني”، في تصريحاته، على أن “طهران” ستنتصر على الأعداء بوحدتها وانسجامها، مشيرًا إلى أن “إيران” أهل للحوار والتفاوض على أساس الاحترام المتبادل.
إنكار تأثير العقوبات على الشعب الإيراني..
وقال “بومبيو” إن مشكلات الشعب الإيراني هي نتاج 40 سنة من الحكم الحالي، وليست بسبب العقوبات، مضيفًا أن القيادة الإيرانية تجاهلت الاحتياجات الأساسية للشعب.
والتقى “بومبيو” مع نظيره السويسري لعقد محادثات تركز على “إيران”، وسط توترات متصاعدة بين “واشنطن” و”طهران” أثارت مخاوف من إندلاع صراع مفتوح.
واجتمع “بومبيو” مع “كاسيس”، في بلدة “بيلينزونا” جنوبي “سويسرا”، حيث تسببت المخاوف بشأن احتمال التصعيد وسوء التقدير مع “إيران” في إثارة الكثير من القلق في أوروبا والشرق الأوسط.
ويزور “بومبيو”، “سويسرا”، في المحطة الثانية من جولة أوروبية تشمل أربع دول، يسعى من خلالها إلى طمأنة الزعماء بأن إدارة ترامب “لا تريد الحرب مع إيران”.
بشرط أن تغير أميركا سلوكها..
من جانبها؛ خرجت “إيران” برد “تصعيدي”، لتشترط أن “تغير أميركا سلوكها بشكل ملحوظ” للموافقة على التفاوض معها.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، “عباس الموسوي”، إن: “التغيير الشامل لسلوك الولايات المتحدة وأفعالها إزاء الأمة الإيرانية هو المعيار الذي سيؤخذ في الاعتبار قبل أي تفاوض محتمل”.
وأضاف “الموسوي”: “إيران لا تأخذ في الاعتبار لعبًا على الكلمات واستخدامًا للهجة جديدة من أجل التعبير عن أهداف سرية”، وفقًا لوكالة (أسوشيتد برس).
وتابع المتحدث، كما نُقل عنه بيان للخارجية، أن: “تركيز بومبيو على مواصلة أكبر قدر من الضغط على إيران يظهر استمرار السلوك الخاطيء نفسه الذي ينبغي تصحيحه”.
يجب أن تعود دولة طبيعية..
وقال الرئيس الإيراني، “حسن روحاني”، أمس، إن “واشنطن” هي التي غادرت مائدة التفاوض؛ “ويجب أن تعود دولة طبيعية”.
ونقل الموقع الرسمي للحكومة الإيرانية، عن “روحاني”، قوله: “الطرف الآخر الذي غادر مائدة التفاوض وخرق معاهدة عليه أن يعود دولة طبيعية. وإلى أن يتم ذلك ليس لنا أي خيار سوى المقاومة”.
مسرحية جديدة للتفاوض..
فيما قال، “محمد جواد ظريف”، وزير الخارجية الإيراني، إن الأميركيين طرحوا مسرحية جديدة، فيما يخص الحوار والتفاوض مع “إيران”، في حين أن السياسة الخارجية الأميركية غير واضحة مع وجود المسؤولين الحاليين، وأن العالم لم يفهم إلى الآن ما تريده فيما يخص سياستها الخارجية.
وأوضح “ظريف”، وفقًا لما ذكرته وكالة أنباء (إرنا)، الإيرانية، أن العالم يجب أن يدرك أننا ملتزمون بتعهداتنا والقرارات الدولية، مشيرًا إلى أن بلاده تخوض حربًا اقتصادية شديدة مع “الولايات المتحدة”.
وذكرت مصادر إعلامية أخرى أن “ظريف” أكد على أن بلاده ليست بحاجة للوساطة للتفاوض مع “الولايات المتحدة”، موضحًا أن الشرط المسبق لأي محادثات مع “واشنطن” هو إعلانها تنفيذ الصفقة النووية.
تغيير لهجة التهديد..
وكان الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، بعد موجة التصعيد الأخيرة؛ قد غير نبرته تجاه “إيران”، متحدثًا عن إمكانية الجلوس حول طاولة التفاوض من جديد.
وأكد “ترامب”، أن إيران “ترغب في التوصل لاتفاق مع الولايات المتحدة”، مشيرًا إلى أنه “مستعد للحوار” حين تعلن الحكومة الإيرانية “رغبتها الحقيقية” بذلك.
ورغم تأكيد الرئيس الإيراني، “حسن روحاني”، أن المحادثات مع “أميركا” ممكنة، جدد المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، آية الله “علي خامنئي”، رفضه التفاوض مع “واشنطن”، فيما توعد “الحرس الثوري” الإيراني بمفاجآت للجيش الأميركي في البحر.
وتصاعد التوتر بين “الولايات المتحدة” و”إيران”، مطلع آيار/مايو الماضي، مع نشر “واشنطن” حاملة الطائرات (إبراهام لينكولن)، ومجموعة القاذفات الإستراتيجية، (بي. 52)، في المنطقة، وذلك بعد معلومات عن تهديدات إيرانية وشيكة.
وفي وقت لاحق، أعلن “ترامب”، نشر 1500 جندي في منطقة الشرق الأوسط؛ تحسبًا للتهديدات الإيرانية، فضلًا عن نشر أسلحة مساندة ذات صبغة دفاعية.
وكانت صحيفة (نيويورك تايمز) قد كشفت أن التحرك العسكري الأميركي في الشرق الأوسط، جاء بعد معلومات أظهرت نصب “إيران” لصواريخ (باليستية) قصيرة المدى فوق قوارب خشبية في مياه الخليج، بغية استهداف قوات أميركية وسفن تجارية في المنطقة.
وهدد “ترامب”، “إيران”، بالدمار الكامل في حال اختارت قتال “الولايات المتحدة”، مبديًا في الوقت ذاته انفتاحه على المفاوضات مع “طهران” لإبرام اتفاق جديد؛ بعد انسحاب بلاده من “الاتفاق النووي” السابق، الذي وصفه بـ”الكارثي”.
تصريحات “ترامب” غير متزنة..
تعليقًا على التطورات الأخيرة، قال “صباح زنكنة”، المحلل السياسي الإيراني، إن: “تصريحات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تجاه إيران غير متزنة”، مؤكدًا على أن “تغير لهجة واشنطن جاءت بعد زيارته الأخيرة لليابان”.
وأضاف أن: “زيارة ترامب لليابان أعطته معطيات جديدة للأزمة، حيث لاحظ أن حلفاءه في شرق آسيا يشكون من ضغوطه عليهم”.
وأكد على أن: “ترامب أدرك أن إيران دولة كبيرة لا يمكن أن تخضع لتهديدات أو لضغوط سياسية أو إعلامية، وأن عليه التعامل باحترام أكبر مع طهران”.
وأشار إلى أن: “ترامب أدرك أن عليه تبني طريقة للوصول إلى حلول بعيدًا عن العنجهية، والتهديدات المسلحة بحاملة طائرات أو غيرها”.
قد يكون الحوار غير مجدي..
وبشأن تصريحات “خامنئي”، الرافضة للتفاوض، قال “زنكنة” إن: “مسؤولي إيران يرون أن الحوار مع واشنطن، مع وجود بعض الأشخاص على رأسهم بولتون وبومبيو، لن يفيد، كما حصل مع مباحثات كوريا الشمالية”.
واستطرد: “إيران ليس لديها الوقت الكافي للجلوس حول طاولة التفاوض لمجرد التقاط الصور، فهي تدعو إلى إتخاذ قرار صحيح من أجل إنهاء الوضع القائم”.
ومضى قائلًا: “إذا كان ترامب يريد العودة إلى الاتفاق النووي، بإمكانه العودة عن طريق إلغاء كل القرارات التي إتخذها إلى الآن”.
وبسؤاله عن تهديدات “الحرس الثوري”، لـ”أميركا”، أجاب: “الحرس الثوري يطرح ما توصل إليه من منتجات وأسلحة، لكن القرار السياسي بيد إيران، وهي ملتزمة بعدم التصعيد أو الدخول في حرب، لكن أي عملية تهدد مصالح طهران في المنطقة أو في الداخل الإيراني سيكون له عواقب وخيمة على القوة المعتدية ومن تحالف معها دون أي تردد”.
إطالة أمد الأزمة..
ويرى الكاتب، “د. طارق فهمي”، أن الإشكالية الحقيقية ليست في الذهاب إلى نقطة تلاقي، فالمراوغة الإيرانية ستعتمد على إطالة أمد الأزمة بصورة كبيرة مع عدم التعجل في التجاوب مع الإدارة الأميركية، وقد تلجأ للضغط على الرئيس الأميركي نفسه لتجاوز دور مؤسسات صنع القرار للذهاب إلى التفاوض، وهو ما يريده البعض من رموز الإدارة من أمثال مستشار الأمن القومي، “جون بولتون”، ووزير الخارجية، “مايك بومبيو”.
والمعنى.. أن عزف الإيرانيين على الاستمرار في إدارة الأزمة، بزاويتها السياسية والإستراتيجية، والتحسب لكل الخيارات يجب أن يكون على المستوى نفسه، خاصة أن الرئيس الأميركي لن يستمر طويلًا على موقفه تجاه “إيران”، لا سيما أنه يريد أن يحقق مكاسب حقيقية في إطار إدارة أزمته مع الجانب الإيراني، لتكون مدخلًا مباشرًا لحملته الانتخابية 2020، ويتحدث إنطلاقًا من رؤية مستفيضة لقضايا برنامجه التي حقق منها الكثير أمام الرأي العام الأميركي، والتي تؤهله إلى ولاية ثانية بسهولة، متجاوزًا كل التحديات التي يمكن أن يجدها في الترشح.
ستتفاوض بعد تحقيق مكاسب الأزمة..
ويوضح أنه في هذا السياق، فإن “إيران” ستذهب إلى التفاوض بعد أن تكون قد حققت مكاسب إدارة الأزمة بالفعل مع “الولايات المتحدة”، وفي ظل دعم غير مباشر من الجانب الأوروبي و”الصين” و”روسيا” – هكذا تتصور -، ولكن هذا الأمر يحتاج إلى سرد لما يجري على أرض الواقع، فصحيح أن الرئيس الأميركي، “ترامب”، لم يرسل بعد آلاف العناصر العسكرية ولم يقم بعمل عسكري، إلا أن هذا الأمر لا يطمئن الجانب الإيراني، خاصة أن الحرب بالخطأ والمواجهة المحتملة يمكن أن تنشب فجأة ونتيجة خطأ من أحد الطرفين أو معًا.
ومن ثم فإن الأمر مرتبط بهدف محدد، وهو كيفية التوصل إلى نقاط توافق، ومتى تنتهي الأزمة فعليًا أو على الأقل تتفكك عناصرها، إن الإجابة ترتبط بممارسة أكبر ضغط سياسي وإستراتيجي على “إيران”، ومحاصرة تحركاتها وليس تركها تناور، وتتحرك في مساحات التباين إقليميًا ودوليًا، وهو ما يبرع فيه الساسة الإيرانيون.