وكالات – كتابات :
مع حلول التاسع من نيسان/أبريل؛ يستذكر العراقيون، في مثل هذا اليوم؛ مشاهد دخول القوات الأميركية إلى قلب العاصمة، “بغداد”، في العام 2003، بعد نحو 3 أسابيع من القصف العنيف والمعارك غير المتكافئة، لتبدأ دوامة من الفوضى والنهب والدمار.
وبدأت الحرب بحملة قصف عنيفة، أطلق عليها: “الصدمة والترويع”، حيث تلقت “بغداد” وحدها ألف غارة جوية في ليلة واحدة.
ويُبين العميد الركن المتقاعد الدكتور “صبحي ناظم”؛ أن “إستراتيجية الصدمة والترويع” تمثلت بحجم المقذوفات التي طالت أرجاء “العراق” وبشكل مُركز على “بغداد”، وسببت الفوضى ودمرت مراكز القيادة، ما تسبب بصدمة كبيرة لدى بعض القيادات وأفراد القوات المسلحة.
وفي السياق ذاته؛ يقول الخبير العسكري، “عبدالخالق الشاهر”، إن استخدام إستراتيجيات: “الصدمة والترويع” و”الأرض المحروقة”، لم يكن مبررًا؛ إلا أن القوات الأميركية حرصت عليها حتى لتتكبد خسائر بشرية في صفوفها فتتعرض لضغوط شعبية أميركية تطالبها بالانسحاب من الحرب.
ويضيف: “إذا أردنا أن نكون منصفين وواقعيين؛ علينا ألا نعد الـ 20 يومًا، التي استغرقها غزو العراق، وإنما نحسب الـ 12 سنة من حصار خانق وحرب اقتصادية شاملة تقريبًا، سبقتها حرب عالمية من 33 دولة، وتخللتها اعتداءات دمرت الدفاعات الجوية والأسلحة العراقية”.
ويرجّح “الشاهر”؛ أن سبب سرعة دخول “بغداد” وحسم معركتها؛ يعود لعدم إعداد العُدة للدفاع عن “بغداد”، وحتى فرق “الحرس الجمهوري” كانت ملحقة بفيالق الجيش في الشمال والجنوب.
ويلفت إلى حصول معارك مهمة في “بغداد”؛ ومنها “معركة المطار”؛ إلا أن القوات الغازية استخدمت “سلاح فوسفور” متطورًا، وتمكنت من احتلال “بغداد”، تحت وطأة القصف العنيف واستخدام النار المفرطة ضد أي شيء يتحرك، وذهب ضحية هذا التوجس الأميركي؛ الكثير من السكان.
تدمير “العراق” كلية..
وحول خسائر الغزو؛ تقول أستاذة تاريخ “آسيا” الحديث والمعاصر، الدكتورة “خولة طالب لفتة”، إن هناك تضاربًا في أعداد القتلى من العراقيين، إذ أفادت دراسة أعدها “معهد الاستطلاع البريطاني”؛ بسقوط نحو مليون عراقي، خلال الفترة من عام 2003 – 2007.
وتضيف أن تقرير المجلة العلمية البريطانية، (ذا لانسيت)، الذي صدر عام 2006، قدر عدد القتلى العراقيين؛ بنحو 655 ألف قتيل منذ الغزو، في حين أشارت “منظمة الصحة العالمية” إلى مقتل: 140 – 230 ألف عراقي، وهو عدد قريب من تقديرات وثائق (ويكيليكس)، المسربة في عام 2010، والتي أشارت إلى مقتل حوالي 109 آلاف عراقي، بينما اعترف الجيش الأميركي بمقتل: 77 ألف عراقي؛ بينهم 63 ألف مدني.
وفي ما يخص الخسائر المادية؛ تذكر “لفتة” أنها كانت ضخمة، إبتداء بتدمير البنى التحتية، وما رافق الغزو من عمليات سلب ونهب وحرق طال أغلب الوزارات والمؤسسات الحكومية، إضافة إلى نهب المتاحف.
وتُشير إلى أن الخسائر النفسية، التي تعرض لها العراقيون، لا يمكن قياسها، فقد تحطمت نفسية المواطن الذي يؤرقه ضياع الوطن، وغموض المستقبل.
في الإطار ذاته؛ يؤكد الصحافي، “بلال حسين”، عدم وجود إحصائية رسمية، أو حتى إحصائيات لمنظمات إنسانية، دقيقة عن الخسائر البشرية التي خلّفها غزو العراق، ولكن رجحت مصادر كثيرة مقتل أكثر من مليونين و400 ألف عراقي، خلال سنوات الغزو، وأعمال العنف التي أعقبته حتى يومنا هذا، وأكثر من 5 ملايين مُهجّر في الداخل والخارج، بالإضافة إلى مئات الآلاف من المعتقلين والمغيبين، إضافة إلى خسائر غير مرئية تمثلت بتربع العراق في صدارة الشعوب الأكثر توترًا وحزنًا بسبب الاضطرابات، فللحروب تأثيرات طويلة الأمد تؤثر على الصحة البدنية والعقلية للفرد.
إنهيار “الدولة”..
بينما تأثر الوضع الإقليمي كله في منطقة الشرق الأوسط، من الناحية الأمنية والاقتصادية والسياسية؛ بغزو العراق، ناهيك عن الوضع داخل “العراق”، بعد 18 عامًا، كما يقول الكاتب والمحلل السياسي، “بهاء خليل”.
وفي حديثه؛ اعتبر “خليل”؛ أن “غزو العراق” من الأخطاء الإستراتيجية الجسيمة التي ارتكبتها “الولايات المتحدة”؛ ويكاد يكون أسوأ من قرار “حرب فيتنام”، والسبب ليس في خسائرها البشرية والمادية في “العراق”، وإنما لفقدان السيطرة على المجاميع وعلى المنطقة بشكل كامل.
ويوضح أن “أميركا”، عندما جعلت “العراق” بؤرة للمجاميع الإرهابية والميليشيات؛ فإنها سمحت بالتدخل الروسي في المنطقة، وإنزال قواتها في “سوريا”، وبذلك فقدت “واشنطن” الكثير من هيمنتها على المنطقة.
ويلفت “خليل” إلى أن: “العراق قبل الغزو؛ كان دولة، أما بعد الغزو وحتى بعد الانسحاب الأميركي، عام 2011، لا توجد دولة حقيقية، لأن أميركا جاءت بأشخاص غير مؤهلين لقيادة العراق، وبالتالي وضعوا البلد في طاحونة دمرته اقتصاديًا وأمنيًا وسياسيًا”.
ويتحدث عن تداعيات كثيرة؛ منها: انفلات السلاح والتدهور الاقتصادي والصحي والخدمي والتعليمي والبيئي، إضافة إلى تدخل بعض الدول في الشأن العراقي.
ويُشير “خليل” إلى أن تفشي الفساد واعتماد “العراق” الكلي على “النفط”، وإنهيار أسعاره بالفترة الأخيرة، أدى إلى إفلاس الدولة العراقية، واضطرارها لاقتراض أموال طائلة، مع ارتفاع الفقر بنحو 40%.
من جانبه؛ يعتقد “بلال حسين”، أن “غزو العراق” أدى إلى تفكيك المجتمع، من خلال بناء نظام سياسي يعتمد على المحاصصة الطائفية لغرض بث روح العداء والتفرقة بين أبناء الشعب الواحد.
تأثر الخريطة الإقليمية..
أحدثت عملية “غزو العراق” متغيرات جوهرية على واقع المنطقة الإقليمية، بما اتصل بهذه العملية من انعكاسات متباينة الشدة والتأثير حاقت بواقع ومستقبل الدول الإقليمية المحيطة بـ”العراق”، بحسب الباحث في الشؤون الدولية الأستاذ، “وليد محمود النجّو”.
ويضيف لـ (الجزيرة نت)، أن المنطقة تأثرت بنتائج الغزو باتجاهين مختلفين، الأول عمل لصالح استقرار أنظمتها السياسية؛ رغبة في الإبقاء على تماسكها الاجتماعي، مثلما الحال في “الأردن”، في حين دفع الاتجاه الثاني إلى ضرورة تبني خطوات ديمقراطية أولية لتجنب الذهاب إلى شرخ اجتماعي سياسي، مثلما هو الأمر في: “الكويت” و”السعودية”.
لكن الأمر اختلف، في الحالة السورية؛ التي لا يلقى نظامها السياسي رضى الغرب، لذا كانت أكثر الدول الإقليمية تأثرًا بنتائج الغزو وتداعياته.
ويتابع “النجّو”، أن عملية الغزو أفرزت تداعيات ملموسة على دول المنطقة الإقليمية، منها ما اتصل بمسألة توازن القوى الإقليمي لصالح تسيد قوتين إقليميتين غير عربيتين، فضلاً عن ذلك فقد حدثت تبدلات في العلاقات السياسية التي حكمت دول المنطقة.
ويردف أن “غزو العراق” أخرج القوة العراقية من معادلة التوازن المكافيء للقوة الإسرائيلية، وهي في طريقها للهيمنة إقليميًا بما يضمن تفوقها المطلق.
ويحذر الباحث العراقي؛ من أن استمرار حالة التشظي السياسي والاجتماعي في “العراق”؛ لها انعكاسات إقليمية تتبع بالضرورة طبيعة الاتجاه الفكري للرؤية السياسية العراقية، والتي قد تتبنى توجهات مختلفة وربما تكون متناقضة.
لكن هذا لا يعفي الدول الإقليمية من تلقيها انعكاسات التشظي العراقي، بما قد يفضي إلى تأثيرات على توجهات نخبها السياسية ونسيجها الاجتماعي، وبما يرسم أدوارًا سياسية جديدة لدول المنطقة، ربما لا تكون متناغمة مع اتجاهاتها السابقة.