بعد صفعة “موازنة 2018” .. ما مصير العلاقات بين بغداد وأربيل ؟

بعد صفعة “موازنة 2018” .. ما مصير العلاقات بين بغداد وأربيل ؟

خاص : كتبت – نشوى الحفني :

في ضربة جديدة لسلطات “إقليم كردستان العراق”، وفي أول إجراء من نوعه بعد هزيمة تنظيم “داعش” الإرهابي، قرر البرلمان العراقي التصويت على ميزانية العام الحالي بالأغلبية دون اعتبار لمبدأ التوافق بين الأطراف السياسية، رغم مقاطعة البرلمانيين الأكراد للتصويت احتجاجاً على خفض المخصصات المالية للإقليم.

وقلصت الميزانية حصة حكومة “إقليم كردستان” إلى 12.67 في المئة، مقابل 17 في المئة كان يحصل عليها الإقليم منذ سقوط نظام “صدام حسين”.

وأقر مجلس النواب العراقي، السبت 3 آذار/مارس 2018، “قانون الموازنة الاتحادية العامة”، (60 مادة)، بقيمة 77,5 مليار دولار بعجز بلغ 11 مليار دولار.

ومن بين مجموع الإيرادات البالغة 104 تريليونات و158 مليار دينار، بلغت حصة الإقليم منها ستة تريليونات و597 مليار دينار، رغم اتفاق اجتماع الرئاسات الثلاث على زيادة تريليون دينار إضافية لحصة الإقليم دون أن يتحقق ذلك واقعياً.

إجحاف بحق الإقليم..

الكتل الكردية، التي قاطعت الجلسة، رأت في الميزانية الجديدة إجحافاً بحق “إقليم كردستان”، بعدما خُفّضت حصته بنحو خمسة في المئة، في الوقت الذي يؤكد فيه رئيس مجلس النواب، “سليم الجبوري”، على أن الموازنة عالجت مطالب الإقليم بشأن رواتب الموظفين وقوات “البيشمركة”، حيث كشف نوابٌ أكراد عن مشاورات بين كتلهم السياسية للإنسحاب من العملية السياسية.

قرار بالإنسحاب من العملية السياسية..

وهو ما أعلن عنه النائب عن “التحالف الكردستاني”، في البرلمان العراقي، “شاخه وان عبدالله”، عن إتخاذ القوى الكردية قراراً بالإنسحاب من العملية السياسية، والعودة إلى الإقليم.

موضحاً “عبدالله”، وهو مقرر لجنة الأمن والدفاع البرلمانية، قائلاً: “هناك جملة من الآراء طرحت، منها الإنسحاب من العملية السياسية، لأنه لم يبق شيء يربطنا مع الحكومة الاتحادية، بعد أزمة كركوك، وتخفيض موازنة الإقليم، دون وجه، وأي سند قانوني”.

وأضاف “عبدالله”: “نحن كنواب التحالف الكردستاني بكل كتله، وصلنا إلى قناعة أن الاستمرار والمضي مع الحكومة العراقية دون جدوى، لذلك أحد الخيارات التي طلبنا من القيادة السياسية أن تأمرنا بالإنسحاب من رئاسة الجمهورية، ومجلس الوزراء، والنواب، والعودة إلى الإقليم مرفوعي الرأس وأن نبقى مع شعبنا في معاناتهم ونبدأ صفحة جديدة”.

مقاطعة الانتخابات المقبلة..

كما طالب النائب، “سيروان سيريني”، في بيان: “رئيس الجمهورية والقيادات السياسية في إقليم كردستان بمقاطعة الانتخابات المقبلة والعملية السياسية”، وبحسب البيان اقترح “سيريني”: “عقد مؤتمر دولي في إقليم كردستان تحت رعاية الأمم المتحدة وأميركا والمجتمع الدولي لإيجاد نموذج آخر للحكم في العراق”.

تعرب عن أسفها..

رغم محاولات التصعيد من جانب النواب، جاء الرد الرسمي الكردي هشاً، حيث أعربت حكومة “إقليم كردستان العراق”، عن أسفها لإقرار البرلمان العراقي للموازنة الجديدة لعام 2018 دون الأخذ بمطالب الأكراد.

وقال رئيس الحكومة، “نيجرفان بارزاني”، في مؤتمر صحافي، إن “حكومة الإقليم تأسف لإقرار الموازنة دون الأخذ بمطالب الكرد”.

كما دعا، “بارزاني”، الرئيس العراقي، “فؤاد معصوم”، لبيان موقفه من الموازنة، مشيراً إلى أنه يحمل بغداد مسؤولية عدم تطبيق الدستور.

الحوار لا يزال مستمر مع “العبادي”..

أضاف رئيس الإقليم: “الحصة المقررة للإقليم في الموازنة لا تكفي لتسديد رواتب الموظفين”، لافتاً إلى أن “الحوارات لا تزال مستمرة مع العبادي لم تنقطع، وحتى هذه اللحظة لدينا أمل بالتوصل إلى نتيجة إيجابية مع بغداد”.

وحذر “بارزاني” من أن “إهمال حقوق الأكراد سيؤدي إلى عدم استقرار العراق”.

وتابع: “نستبعد حل المشاكل قبل انتخابات إقليم كردستان، وسنحدد موعدها بعد الحوار مع الأطراف السياسية”.

خرق واضح لمبادئ الشراكة..

دعا “مسعود البارزاني”، القوى السياسية الكردية إلى “موقف موحّد”، من قرار البرلمان تمرير الموازنة من دون الاهتمام بمطالب الأكراد.

قائلاً: إن “ما حصل باسم إقرار الموازنة خرق واضح لمبادئ الشراكة والتوافق والتوازن ومبادئ الدستور وإضطهاد مخطط له ضد شعب كردستان”.

رغبة في عدم تصعيد الموقف مع بغداد..

حول التقاطع في المواقف داخل البيت الكردي، يفسرها المراقبون على أنها تأتي بسبب رغبة “أربيل” في عدم تصعيد الموقف مع “بغداد” في ظل المعاناة الاقتصادية الشديدة التي اختبرها الإقليم الكردي منذ العام 2013، عندما أوقفت الحكومة الاتحادية دفع حصة “كردستان” من الموازنة، بسبب خلافات بشأن إدارة الملف النفطي.

ويوضح المراقبون إن القيادة السياسية الكردية فتحت الباب أمام عدد من أعضائها لتوجيه الانتقادات الحادة لبغداد، والتلويح بالإنسحاب من العملية السياسية، لكنها أوكلت مهمة الحفاظ على خطوط التواصل مع “العبادي” إلى “نيجرفان البارزاني”.

ويضيف هؤلاء أن “إقليم كردستان” يمكنه أن يسد جزءاً كبيراً من احتياجاته المالية بالاعتماد على تصدير نفطه بشكل مستقل عن بغداد، لكن المشكلة التي تعيق اللجوء إلى هذه الخطة تتعلق بقدرة الحكومة العراقية على ملاحقة أي شركات أجنبية تشتري هذا النفط أو تسوّقه.

التفاهم هو السبيل الوحيد..

وفقاً لذلك فإن السبيل الوحيد أمام “كردستان” حالياً هو التفاهم مع بغداد للحصول على عائد مالي يكفي لسدّ احتياجات الإقليم مقابل منحها حق إدارة النفط في المناطق الكردية.

ويرى مراقبون أنّ ضعف الإدارة السياسية لإقليم كردستان إزاء الحكومة المركزية العراقية عائد إلى خلافات داخلية شديدة وصلت حدّ الصراع والتناحر بين الفرقاء السياسيين داخل الإقليم، وإلى أخطاء جوهرية وقعت فيها قيادته، لكنّهم في المقابل ينبّهون إلى أن “أربيل” فقدت السند الدولي الكبير الذي كان متمثّلاً بشكل رئيس في الولايات المتحدة، التي لم تستطع بفعل حساباتها المعقّدة في المنطقة ومصالحها مع بغداد وأنقرة أن تقف مع “مسعود البارزاني” في قضية الاستفتاء وتركته يتحوّل إلى “لقمة” سهلة على بغداد المدعومة من إيران وتركيا إبتلاعها، بينما شهيتها لا تزال مفتوحة لمزيد إضعاف الإقليم وتقليص حجمه ووزنه السياسي.

يؤدي إلى إبقاء حالة الشد والجذب..

المحلل السياسي، “محمد الفيصل”، يقول بهذا الصدد: “إن إقرار الموازنة ربما يؤدي إلى إبقاء حالة الشد والجذب بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان، حيث هناك ضغط من الإقليم على بغداد من أجل الإبقاء على حصة كردستان البالغة 17٪ من الموازنة، مع العلم أن هذه النسبة أقرت في السابق بدوافع سياسية، واليوم الحكومة العراقية أعادت حساباتها وذهبت إلى قرار مفاده إن نسبة إقليم كردستان يجب أن تخضع إلى معايير جديدة تتمثل بإحتساب النسبة والتناسب في عدد السكان، وهو موضوع يقع ضمن الأطر الدستورية والقانونية، وعلى هذا الأساس قدرت نسبة الإقليم من الموازنة 12.6% إضافة إلى مواضيع تصدير النفط والمنافذ الحدودية، التي هي الأخرى مختلف عليها”.

مضيفاً أنه بعد “مؤتمر الكويت للمانحين” تعرضت الحكومة العراقية إلى ضغط شديد؛ هدفه تسيير الأمور الاقتصادية في البلد، لذا ذهبت الحكومة إلى عدة خيارات من أجل سرعة إقرار الموازنة، فحاورت جميع الكتل السياسية وبددت مخاوفها، وهذه الموازنة إذا لم تقر فإن الدولة ستصاب بعجز كبير، يؤدي إلى إيقاف عجلة الاستثمار في العراق، لذا فقد ضغط البنك الدولي والدول المانحة بإتجاه تفعيل دور الاقتصاد والإصلاح المالي، وتشجيع الشركات والدول في عملية الدخول في السوق العراقي”.

ربما تؤدي إلى عرقلة المباحثات..

أوضح “الفيصل”: أن “البعض يعتقد إن إقرار الموازنة سيسهم في تعميق الخلافات بين الحكومة المركزية وكردستان، أنا أعتقد أن بغداد وأربيل توصلوا إلى نتائج مهمة من أجل حل جميع الإشكالات، ذلك أن رئيس الوزراء أصر على أن يكون الحل قائماً على أسس دستورية وقانونية، ربما الموازنة قد تعرقل المباحثات بين الطرفين، لكنها ستفضي إلى نتائج تؤدي إلى حصول أربيل على حقوقها، فهناك إلتزامات على الحكومة العراقية، منها دفع رواتب الموظفين والبيشمركة في الإقليم وغيرها من الاستحقاقات الأخرى”.

الإنسحاب من العملية السياسية سابق لأوانه..

حول تهديد الأكراد بالإنسحاب من العملية السياسية، قال الكاتب والباحث السياسي الكردي، “كفاح محمود”، إن الإنسحاب من العملية السياسية ليس من صلاحية نائب أو مجموعة نواب، والمعروف أن النواب يمثلون أحزاب سياسية في الإقليم؛ وبالتالي سيعودون لتلك الأحزاب والتي ستجتمع بدورها للبت في هذا الموضوع.

وأضاف “كفاح”: “في اعتقادي أن الإنسحاب من العملية السياسية سابق لأوانه ويحتاج إلى اجتماعات معمقة للبت في هذا الأمر، ومن جانبي لا أتوقع أن يكون هناك إنسحاب من العملية السياسية، وربما ما صدر عن النائب الكردي يعبر عن رأيه الشخصي وبشكل خاص أن الشارع يضغط في هذا الإتجاة «الإنسحاب من العملية السياسية بالكامل» بما فيهم إنسحاب رئيس الجمهورية والوزراء ووكلاء الوزارات وكل التنفيذيين الذين يمثلون الإقليم في الجهات التنفيذية أو التشريعية العراقية”.

وحول تأثير تلك الأوضاع على الانتخابات البرلمانية القادمة، قال الباحث السياسي، إذا “صدر قرار حكومي من الإقليم والبرلمان بالإنسحاب من العملية السياسية مع بغداد، في تلك الحالة لن يشارك الإقليم في الانتخابات العامة المزمع عقدها في آيار/مايو من العام الجاري، رغم أن بعض المراقبين يذهبون إلى إتجاه آخر وهو أن تكون هناك سيناريوهات أخرى للتعامل مع الحكومة المركزية في بغداد بخلاف الإنسحاب من العملية السياسية، على سبيل المثال البقاء في السلطة التنفيذية في بغداد وعدم المشاركة في الانتخابات العامة”.

وأوضح الباحث الكردي، أن “القرار السياسي في اعتقادي سوف يتم إتخاذه على مراحل من جانب الأحزاب السياسية والتي وحدت موقفها في أعقاب تلك الأزمات، (تم توحيد الصف السياسي الكردستاني)، بمعنى أن الخلافات التي كانت حادة بين حركة التغيير وبين الديموقراطي الكردستاني أصبحوا اليوم متقاربين جداً، وهذا سيدفع الكثير من الأمور لصالح البيت الكردي، والمراحل الأخرى تتمثل في مواقف الحكومة والبرلمان، حيث أن هذا الأمر سيخضع للكثير من النقاشات والآراء السياسية والحزبية للوصول لموقف موحد يخدم قضية كردستان خلال المرحلة القادمة”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة