خاص: كتبت- نشوى الحفني:
للمرة الأولى منذ بدء الحرب في “أوكرانيا”؛ يتحدث الرئيس الروسي؛ “فلاديمير بوتين”، عن شروطه لإنهاء الحرب، قائلاً إن: “بلاده لن تنُهي الحرب في أوكرانيا إلا إذا تخلت كييف عن طموحاتها بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، وتنازلت عن (04) مناطق تُطالب بها موسكو”، وهي مطالب رفضتها سريعًا؛ “كييف”، واعتبرتها بمثابة استسلام.
وعشية مؤتمر في “سويسرا”؛ لم تتم دعوة “روسيا” إليه، وضع “بوتين” شروطًا تتعارض تمامًا مع الشروط التي تضعها “أوكرانيا”، وهو ما يعكس على ما يبدو ثقة “موسكو” المتزايدة في أن قواتها لها اليد العُليا في الحرب.
وكرر مطلبه بنزع سلاح “أوكرانيا”؛ وهو موقف لم يتغيّر منذ أن أرسل القوات الروسية لـ”أوكرانيا”؛ في 24 شباط/فبراير 2022، وقال إن إنهاء العقوبات الغربية يجب أن يكون أيضًا جزءًا من اتفاق السلام.
وكرر أيضًا دعوته إلى: “تطهيّر أوكرانيا من النازية”؛ وهو ما تصّفه “كييف” بأنه افتراء لا أساس له من الصحة ضد قيادتها.
اعتراف بالهزيمة..
وقال مستشار الرئيس الأوكراني؛ “ميخايلو بودولياك”، لـ (رويترز)، إن شروط “بوتين” بمثابة مقترح تعترف بموجبه “أوكرانيا” بالهزيمة وتتنازل عن سيّادتها.
وأضاف أنه: “لا توجد إمكانية للتوصل إلى حلٍ وسّط” على أساس ما اقترحه “بوتين”.
ومن الواضح أن توقيت الخطاب يهدف إلى استبّاق القمة السويسرية؛ التي توصّف بأنها “مؤتمر سلام” على الرُغم من استبعاد “روسيا”، ويسّعى من خلالها الرئيس الأوكراني؛ “فولوديمير زيلينسكي”، إلى إظهار الدعم الدولي لشروط “كييف” لإنهاء الحرب.
شروط “بوتين”..
وقال “بوتين”: “الشروط بسّيطة للغاية”، موضحًا أنها تتمّثل في الانسّحاب الكامل للقوات الأوكرانية من مناطق “دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزابوريغيا”؛ في شرق وجنوب “أوكرانيا”.
وتابع: “بمجرد أن تُعلن كييف استعدادها لاتخاذ مثل هذا القرار والبدء في انسّحاب حقيقي للقوات من هذه المناطق، وأيضًا أن تُعلن رسّميًا تنازلها عن خطط الانضمام إلى حلف الشمال الأطلسي، سيُّصدر أمر من جانبنا، في التو واللحظة، بوقف إطلاق النار وبدء المفاوضات”.
وأردف قائلاً: “أكرر، سنتخذ هذا الإجراء بشكلٍ فوري وسنضمن في الوقت ذاته انسّحابًا سّلسًا وآمنًا للوحدات والتجمعات العسكرية الأوكرانية”.
وتسُّيطر “روسيا” تقريبًا على خُمس الأراضي الأوكرانية في السنة الثالثة من الحرب. وتقول “أوكرانيا” إن السلام لن يتحقق إلا بانسّحاب القوات الروسية بشكلٍ كامل من مناطقها واستعادة سيّادة أراضيها.
ومن المتوقع أن تُركز القمة؛ التي ستنّعقد مطلع الأسبوع في “سويسرا” وسيّحضرها ممثلون عن أكثر من (90) دولة ومنظمة، على موضوعات أخرى بخلاف القضايا الإقليمية؛ من بينها الأمن الغذائي والسلامة النووية في “أوكرانيا”.
ويقول (الكرملين) إن المؤتمر: “لن يُجدي نفعًا” دون وجود ممثلين عن “روسيا”.
رفض أميركي..
من جانبه؛ أكد وزير الدفاع الأميركي؛ “لويد أوستن”، الجمعة، في “بروكسل”، أنّ الرئيس الروسي لا يمكنه أن: “يُمليّ” شروط السلام.
وقال أمام الصحافة بعد اجتماع لوزراء دفاع “حلف شمال الأطلسي”؛ إنّ “بوتين” ليس: “في وضع يسمح له بأن يُمليّ على أوكرانيا ما يجب عليها فعله لتحقيق السلام، هذا بالضبط نوع السلوك الذي لا نُريد رؤيته”.
اتفاق وقف إطلاق النار..
وبعد أكثر من سنتين من الموت والدمار؛ لا يبدو أن أيًا من طرفي الحرب في “أوكرانيا” يقترب من النصر: فـ”روسيا” لن تتمكن من إنجاز غزوها الإمبراطوري لـ”أوكرانيا”، ومن المؤكد أن “أوكرانيا” لن تكون قادرة على استعادة السيّطرة على كل الأراضي التي احتلتها “روسيا”. بحسب الآلة الدعائية الأميركية والغربية.
ويقول أستاذ الدراسات الحربية في الكلية الملكية العسكرية في أونتاريو؛ “وولتر دورن”، في مقاله بـ (نيويورك تايمز)، إنه: “عاجلاً أم آجلاً، سيتّعين على الجانبين الاتفاق على وقف إطلاق النار، والتوصل إلى اتفاق سلام”.
ويرى أن التوصل إلى اتفاق لن يؤدي إلى الحد من القتل والمعاناة والتكاليف الباهظة للحرب فحسّب، بل إنه سيجعل “أوكرانيا” أيضًا، على المدى الطويل، أقوى وأكثر قدرة على الدفاع عن نفسها وعن ديمقراطيتها. والأهم من ذلك أنه سيُقلل من فرصة حدوث تصعيد خطير.
ويرى كثيرون في الغرب أن تقديم التنازلات لـ”روسيا” من أجل التوصل إلى اتفاق سلام من شأنه أن يرقّى إلى مستوى استّرضاء المعتدي، ولن يؤدي إلا إلى تشّجيع المزيد من الهجمات. لكنها ليست استّرضاءً، إن إنهاء الحرب من شأنه أن يسمح لـ”أوكرانيا” بإعادة تسّليحها، والاندماج بشكلٍ أكبر في “أوروبا” والغرب، وهو ما من شأنه أن يُزيد من قوة الردع في واقع الأمر، وخصوصًا أن “روسيا” فشلت بالفعل في تحقيق أهدافها الحربية الأولية، وستحتاج إلى تقديم تنازلات كبيرة من جانبها، كجزء من أي اتفاق.
مؤتمر سلام سويسرا..
ويقول الكاتب؛ إنه من الممكن أن يوفر مؤتمر السلام في “سويسرا”؛ نهاية هذا الأسبوع، والذي عقدته “أوكرانيا” لحشّد الدعم الدبلوماسي لقضيتها، الفرصة التي تشّتد الحاجة إليها لدراسة ما إذا كان الاتفاق معقولاً وقابلاً للتحقيق. وأبدت “روسيا” استعدادها للتفاوض، رُغم أنها لم تتم دعوتها لحضور المؤتمر لأن “أوكرانيا” تشُّتبه في أن “موسكو” سوف تستخدم الاجتماع للاستعراض فقط. لكن الدولة المضيفة، “سويسرا”، تتوقع أن تكون “روسيا” حاضرة في المؤتمرات المستقبلية.
ولن يعرف أحد كيف ستسّير مفاوضات السلام ما لم تبدأ العملية. فعند مقارنتها بالحرب التي لا تنتهي، والتي تبتلع الأرواح والموارد بمعدل ينُّذر بالخطر، فإن حتى التسّوية غير الكاملة ستكون أفضل. وبناءً عليه، يتساءل الكاتب: “ما الذي يمكن لأوكرانيا أن تأمل في تحقيقه بشكلٍ معقول، وما هو نوع التنازلات التي يتعين عليها تقديمها ؟”.
وتعهدت “أوكرانيا” بعدم التنازل قط عن أراضيها. ويدعم هذا القانون الدولي الذي يحظر الاستيلاء على الأراضي بالقوة، ولا ينبغي لـ”أوكرانيا” أن تتنازل عن مطالبتها المشروعة بأرضها. ولكن لتأمين وقف دائم لإطلاق النار، ربما تحتاج إلى الاعتراف بأن “روسيا” تسُّيطر، (ولكن لا تملك السيّادة)، على أجزاء من (04) مناطق أوكرانية و”شّبه جزيرة القِرم” ـ ووقف سّعيها لاستعادة المناطق المحتلة بالقوة.
تنازل صعب ومشّروط..
ومن المسُّلم به أن هذا سيكون تنازلاً صعبًا ومؤلمًا ويجب أن يكون مشروطًا بعدم شّن “روسيا” أي هجمات كبيرة. وإذا ظلت “روسيا” مسُّالمة، فقد تحتاج “أوكرانيا” إلى انتظار فرصة أفضل لاستعادة كل أراضيها، مثل تلك التي وجدتها “ألمانيا” في عام 1989، عندما فتح سقوط “سور برلين” الطريق أمام إعادة توحيد شطري “ألمانيا”.
وكجزء من اتفاقية السلام، قد تضطر “أوكرانيا” أيضًا إلى إيقاف طلبها للانضمام إلى الـ (ناتو) والتعّهد بعدم الانضمام لعدد من السنوات، على سبيل المثال من: (05 إلى 10 سنوات). وقد أصبح هذا أسّهل لأن أعضاء الـ (ناتو) لا يزالون بعيدين عن الاتفاق على السماح بانضمام أمة في حالة حرب.
توقيع معاهدات ثنائية..
ولكن لا يزال بوسّع “أوكرانيا” أن توقّع معاهدات ثنائية مع أعضاء في الـ (ناتو) للحصول على الدعم الأمني، وهو ما بدأت تفعله بالفعل، على سبيل المثال، مع “فرنسا وألمانيا وبريطانيا”. وسوف تحتاج الضمانات الأمنية المستقبلية إلى تضمين أحكام قوية لتزويد “أوكرانيا” بالأسلحة والمعلومات الاستخبارية، والمساعدة في منع الهجمات السيبرانية. ومع ذلك، ربما لن يُسمح لحلفاء “أوكرانيا” بوضع قواعد عسكرية على أراضيها.
وسيحتاج أي اتفاق سلام أيضًا إلى اتخاذ إجراءات قوية لمنع اندلاع صراع آخر. وقد يشمل ذلك إنشاء منطقة منزوعة السلاح وإخطارات متبادلة بالتدريبات والمناورات العسكرية. أصبح الإنذار المبكر والمراقبة المسّتمرة والشفافية أسهل كثيرًا في عصر المراقبة عبر الأقمار الاصطناعية، وخاصة من النوع الذي توفره “الولايات المتحدة” حاليًا. ومن شأن عمليات التفتيش الدولية وقوة عازلة تابعة لـ”الأمم المتحدة”، مؤلفة من قوات من دول غير أعضاء في “حلف شمال الأطلسي”، أن تُزيد من صعوبة شّن عمليات التوغل في المستقبل.
أهمية اتفاق السلام..
ولا شك في أن التوصل إلى هدنة أو اتفاق سلام من شأنه أن يمنح “روسيا” الوقت لإعادة تجميع صفوفها وإعادة تسّليح قواتها. ولكن “أوكرانيا” تستطيع أن تفعل الشيء نفسه. ويعني ذلك أيضًا إمكانية إعادة جميع أسرى الحرب، وليس فقط في المجموعات الصغيرة التي تفاوضت عليها الأطراف حتى الآن. ومع ذلك، ستستمر التحقيقات والمحاكمات المتعلقة بجرائم الحرب.
والأمر الأكثر أهمية هو أن السلام المبدئي، حتى لو توقف بسبب الانتهاكات، من شأنه أن يمنح للأوكرانيين في النهاية الوقت لإعادة بناء حياتهم وبلدهم. ويمكن لملايين اللاجئين العودة إلى ديارهم. ويمكن لـ”الولايات المتحدة” أن ترعى جهود إعادة الإعمار على غِرار “خطة مارشال”. وبوسّع “أوروبا” أن تقود جهود إعادة البناء والتكامل. ومن شأن السلام أن يسُّهل على “أوكرانيا” الانضمام إلى “الاتحاد الأوروبي”.
وهناك فوائد أخرى أيضًا؛ وسوف تستمر “أوكرانيا” في حربها ضد الفساد، بعد أن وضعت بالفعل حدًا للدور المهيُّمن الذي تلعبه حكومة القِلة الأوكرانية. ومن الممكن أن تسّتأنف الحياة الديمقراطية بعد انتهاء الأحكام العُرفية. وفي نهاية المطاف، سوف تثُّبت عملية إعادة البناء الناجحة للروس وجود بديل أفضل للديكتاتورية التي يعيشون فيها. وقد يكون هذا أعظم انتصار لـ”أوكرانيا” والغرب. بحسب التصورات الغربية.
ولجعل اتفاق السلام أكثر قبولاً بالنسبة لـ”روسيا”، يقول “وولتر دورن”؛ إنه من الممكن أن يُعرض عليها تخفيف العقوبات، بشرط الالتزام بالاتفاق. ويمكن لـ”روسيا” بعد ذلك مقايضة نفطها وغازها بأسعار السوق، على الرُغم من أن الدول الغربية يمكن أن تضع آليات لإعادة فرض العقوبات على الفور ـ ما يسُّمى العودة السّريعة ـ للعقوبات إذا لزم الأمر. وسوف تسّتعيد “روسيا” إمكانية الوصول إلى احتياطياتها من الذهب والعُملات الأجنبية المحتجزة في الغرب. كما يتكهن الكاتب الغربي في مزاعمه الدعائية.