كتب – محمد بناية :
سقط مسجد “الخلافة الإسلامية” بالموصل في أيدي القوات العراقية، ولا توجد أخبار دقيقة حول مصير الخليفة “أبو بكر البغدادي”. في الوقت نفسه تحتدم الجهود الرامية إلى تحرير المناطق المحتلة شرقي الموصل وتدمر, إذ تراجع تنظيم “داعش” عن حلب بشكل كامل واكتمل حصار مدينة الرقة. ويعتقد الكثير من المحللين والخبراء أن انتهاء الخلافة الإسلامية لا يعني بالضرورة نهاية تنظيم “داعش”، وإنما سيتم إنتاج التنظيم في أشكال مختلفة. ووضع الخبراء أربع فرضيات وسيناريوهات حول مصير التنظيم بعد سقوط الخلافة. بحسب تقرير موقع “راديو زمان” التابع للمعارضة الإيرانية في هولندا.
سقوط مركز الخلافة..
أخيراً وبعد ثمانية أشهر من الحرب الدامية، نجح الجيش العراقي وحلفاءه في الاستيلاء على “مسجد النوري” بالجزء القديم من الموصل. ذلك المسجد الذي أعلن فيه “أبو بكر البغدادي” الخلافة الإسلامية وتشكيل “الدولة الإسلامية في العراق والشام” عام 2014.
وحالياً يرى المسؤولون العراقيون في استعادة السيطرة على المسجد نهاية “داعش”. وعلى الرغم من تصدع مركز الخلافة الإسلامية لا توجد أخبار مؤكدة عن مصير “البغدادي”. وكانت وسائل الإعلام الروسية قد أعلنت بتاريخ 16 حزيران/يونيو 2017، مقتل “أبو بكر البغدادي” في هجوم جوي للمقاتلات الروسية على “الرقة”، كما أكد “فيلق القدس” الإيراني خبر مقتل الخليفة الملقب بـ”الشيخ الشبح”.
والواقع أن “داعش” تواجه منذ فترة هزائم متكررة. وبحسب تقرير IHS Markit المنشور بتاريخ 29 حزيران/يونيو المنصرم، بالتزامن مع تواتر الأخبار عن سقوط مركز الخلافة الإسلامية، والذي نقله موقع “راديو زمان” الإيراني، خسر التنظيم خلال العامين الماضيين نسبة 60% من الأراضي التي يسيطر عليها في العراق وسوريا، وبالتالي خسارة 80% من مصادر دخل التنظيم والمتوقع تطهير باقي المناطق التي يحتلها “داعش” – باستثناء بعض المناطق الصغيرة – بنهاية العام 2017.
وطبقاً للتقرير كان التنظيم في كانون ثان/يناير 2015 يسيطر على حوالي تسعون ألف كيلو متر مربع، بينما تراجعت المساحة حالياً إلى ما دون 36 ألف كيلو متر مربع.
ومن المنظور المالي، تجاوزت عوائد التنظيم في الربع الثاني من العام 2015 حوالي (81) مليون دولار، لتصل في النصف الثاني من العام 2016 إلى (16) مليون دولار. وقد ساهمت خسارة التنظيم للمناطق النفطية بـ”العراق والرقة وحمص” في تراجع عوائده بنسبة 88% في الفترة 2015 – 2017.
ورغم الهزائم العسكرية المتكررة ينفي الكثير من المراقبين والمحللين، بالنظر إلى ماهية “داعش”، انتهاء التنظيم بسقوط الخلافة، محذرين من إعادة إنتاج التنظيم في أشكال مختلفة. وقد وضع المحللون والخبراء أربع فرضيات على النحو التالي:
“داعش” تجسيد للواقع المذهبي في القرون الوسطى..
تنظيم “داعش” ليس إطار مؤسسي أو نظام حكم، وإنما هو ظاهرة مذهبية وأيديولوجية واقعية كانت موجودة قبل قرون، ولا يمكن القضاء عليه والاحتفال بهزيمته قبل تجفيف جذور الحروب الطائفية – المذهبية في المنطقة والقضاء على مصدر الإسلام المتطرف، لا سيما الوهابي والسلفي.
ويعتقد عدد غير قليل من المحللين (خاصة مع الدعم العسكري والمالي السعودي للجماعات السلفية في سوريا)، أن محل ميلاد “داعش” ليس “الموصل” ولا “الرقة” وإنما هو منطقة “نجد” مسقط رأس الشيخ “محمد بن عبد الوهاب” مؤسس الوهابية.
والكاتب الجزائري “كمال داوود” من جملة المحللين الذين يؤكدون على الطبيعة الأيديولوجية للتنظيم ويعتقد في استمرار حياة وقوة “الفكر الداعشي” رغم هزيمة الدولة الإسلامية، وتوقع إعادة إحياء التنظيم مرة أخرى بمجرد توفر البيئة المناسبة.
ويمضي “داوود” بعيداً ويصنف إرهاب “داعش” إلى ثلاثة أقسام، هي: “داعش الأسود” الخاص بأبو بكر البغدادي، و”داعش الأبيض” (ممثلاً في المملكة العربية السعودية)، و”داعش الرمادي” (ممثلاً في الجمهورية الإيرانية).
ويضيف، في الحوار الذي نقله “راديو زمان” الإيراني المعارض: “داعش الأسود والأبيض يبدأ الأول بالضغط على الحلقوم، ثم القتل، فالرجم، فالقطع ثم تخريب الميراث البشري المشترك والنفور من الآثار القديمة والنساء وغير المسلمين. أما الثاني فيحظى بغطاء أفضل، وينفذ إرهاب أكثر نظافة لكنه يقوم بنفس العمل”.
“داعش” ظاهرة قبلية – صحراوية..
خرج المتمردون السنة من بغداد إلى الصحراء في كانون ثان/يناير 2007 بالتزامن مع إرسال الرئيس الأميركي، آنذاك، “جورج دبليو بوش” آلاف الجنود الأميركيين إلى العراق. وهذا ما أدى، بحسب مزاعم “داعش”، إلى اندلاع صحوة إسلامية بين القبائل وتأسيس الخلافة. لقد كانت “الصحاري” و”القبائل” الركيزتان الاستراتيجيتان للمتطرفين السنة خلال السنوات العشر الماضية، والآن يعتقد المراقبون والمحللون أن “داعش”، بعد سقوط الخلافة، سيعود إلى الصحاري ويقوم بترميم نفسه بين القبائل السنية المحرومة.
واستخلص المحلل السياسي “حسن حسن” في مقالة له بصحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية استراتيجية “داعش” بعد سقوط الموصل وهي: “الانتقال من بيوتنا إلى مكان آخر”. وهي استراتيجية اقرت بها قيادات “داعش” بشكل معلن, إذ أعلن “أبو محمد العدناني” المتحدث السابق للتنظيم: “إن الانسحاب لا يعني الهزيمة، لأن الدولة الإسلامية سوف تتجه إلى الصحراء لحين تجديد قواها. ليس فقط الصحاري العراقية والسورية وإنما المناطق الصحراوية في شمال إفريقيا”. لا سيما “ليبيا” بسبب الفراغ السياسي الذي أعقب سقوط “القذافي”.
كذا تعتقد “دومينيك جامه” الصحفية الفرنسية المعروفة: “أن ليبيا ستكون الخطة (باء) للتنظيم حال الهزيمة في سوريا والعراق”.
“داعش” بمثابة ظاهرة ما بعد حداثية..
“داعش” لا تنحصر في نطاق الدولة الإسلامية، وإنما هي شبكة عالمية تضم أتباع من “بلجيكا” حتى “أفغانستان” معظمهم شباب يائس فضل الانضمام إلى “داعش” في ظل غياب الخيارات الواقعية.
وقد لعبت “أفلام هوليوود” حول آخر الزمان والبطولة دوراً في فانتازيا إحياء الخلافة. من جملة المنظرين المؤمنين بحداثة داعش “أوليفييه روا” مؤلف كتاب “الجهاد والموت” وهو يرى أن “داعش حقيقة حداثية” تجمع جيل محبط، وتيار العدمية، وأصحاب الميل الخفي للانتحار تحت البرقع وبالسيف والشهادة.
وتركز رؤية “أوليفييه” بشكل أساسي على أنصار “داعش” من الأوربيين، ومعظمهم إما حديث العهد بالإسلام أو من الجيل الثالث للمسلمين في أوروبا، وهم يجيدون اللغات الأوربية بطلاقة، وأغلبهم يشرب الخمور، ظهرت ميولهم للإسلام المتطرف في الملاعب الرياضية والسجون.
وبحسب الموقع الإيراني، فلن ينتهي هذا اليأس والاحباط باقتلاع الخلافة الإسلامية، وإنما سوف تستمر الممارسات الإرهابية لهذا الفصيل بشكل متقطع ومتفرق في أرجاء أوروبا. والمتوقع بعد انتهاء الخلافة انتشار الجماعات المنفردة ذات الاكتفاء الذاتي على غرار “الذئاب المنفردة”. وقد تواتر في الفترة الأخيرة الأخبار والتقارير الإعلامية عن نمو ملحوظ لأنشطة “داعش” الإرهابية في جنوب شرق آسيا. لقد نجحت عناصر التنظيم وتحديداً في “الفلبين” من السيطرة على أجزاء من مدينة “مراوي”.
“داعش” رد فعل أعمى ضد الإمبريالية..
رغم أن الاقتتال الشيعي – السني، والذي تسبب في ضعف الحكومات المركزية بالعراق وسوريا، كان من العوامل المؤثرة في ظهور “داعش”، لكن يجب البحث عن الأسباب الأساسية لتلكم الظاهرة في المداخلات الاستعمارية للدول الغربية. هكذا صاغ بعض المحللين فكرتهم حول ظهور واستمرار “داعش” في قالب الإمبريالية.
لقد تسبب الهجوم الأميركي تحديداً على العراق عام 2001 في نثر بذور “داعش” في المنطقة. ينقل الموقع الإيراني، عن الباحث “سليمان مراد” في كتابه “فسيفساء الإسلام”: “تتلخص الأحداث المحركة اللازمة لتوطين الفكر السني المتطرف ورواج أفكار “سيد قطب وأبو الأعلى المودودي” في هجوم الاتحاد السوفياتي على أفغانستان عام 1979. بل تمتد جذور الأزمة إلى أبعد من ذلك، حيث التوقيع على اتفاقية سايكس بيكو عام 1916، وتقسيم الامبراطورية العثمانية إبان الحرب العالمية الأولى بين بريطانيا وفرنسا ومباركة روسية”.