خاص : ترجمة – د. محمد بناية :
هناك من البشر من لا يشعر بالسعادة، حتى من يعيش في رفاهية يعاني من التعاسة، ولذلك يجب السؤال عن معنى السعادة ؟.. وما المعيار الذي من خلاله يمكننا الحكم بالسعادة على الشخص من عدمه ؟..
والبعض يبحث عن السعادة في ثنايا المفاهيم الاجتماعية. ويعتقدون بوجود علاقة وطيدة بين السعادة الفردية والمكونات الاجتماعية.
ولعل هذه الرؤية كانت سببًا في انكباب الباحثين في العلوم الاجتماعية، (مع الأخذ في الاعتبار للعديد من المؤشرات)، على دراسة المفاهيم الاجتماعية وترجمتها في شكل أعداد وأرقام يمكنهم من خلالها إدعاء وجود أحساسات كالثقة، والسعادة في مجتمع ما من عدمه. بحسب “مظاهر كودرزي”، في صحيفة (همدلي) الإيرانية.
تدرج “إيران” على مؤشر السعادة الأممي..
واستنادًا لتلكم المساعي التي بدأت، من العام 2012م؛ وحتى اليوم، تقدم “منظمة الأمم المتحدة” تقريرًا سنويًا عن ترتيب الدول الأكثر سعادة حول العالم. وصنف تقرير المنظمة، في أحدث إصداراته عن عام 2021م، دولة “إيران” في المرتبة (118) بين 149 دولة، وهي مرتبة متدنية مثل: “مالي ونيجيريا وموزنبيق”، وفق تقرير (يورو نيوز).
وفي هذا الصدد؛ يقول “آمان الله قرايي مقدم”، خبير علم الاجتماع: “بعقيدتي إن نتائج هذه الدراسة، (مع الأخذ في الاعتبار للمؤشرات المجتمعية)، صحيحة. والآن إذا أثبتت التحقيقات أن مجتمعنا سعيد، فأنا متأكد أن النتائج غير صحيحة”.
وبالرجوع إلى تقارير تقييم “مؤسسة التنمية المستدامة”، بـ”الأمم المتحدة”، عن السعادة، سوف ندرك أن مكانة “إيران”، في التقرير الأخير، لم تختلف كثيرًا عن التقارير السابقة.
فقد احتلت “إيران”، في العام 2017م، المرتبة (108)، بينما أرتقت درجتين فقط، في العام 2018م، وتحتل المرتبة (106)، وقد كانت أفضل مرتبة بلغتها “إيران” في ترتيب دول العالم من حيث الشعور بالسعادة.
لكن سرعان ما تغير الوضع واحتلت “إيران”، في العام 2019م، المرتبة (117)؛ بين دول العالم. وحاليًا تحتل “إيران” المرتبة (118)؛ على “مؤشر السعادة”، في العام 2021م.
عوامل سعادة الأفرد والمجتمعات..
وتنطوي مؤشرات التقييم وإعلان النتائج على أهمية بالغة. يقول “قرايي مقدم”: “السرور والشعور بالسعادة إنما يرتبط بالكثير من القضايا، من مثل التناقضات المجتمعية المأخوذة عن المكونات الجمعية إلى معدل الزواج والطلاق.. ومن منظور علم الاجتماعي فالفرد والجماعة ليستا، (وفق غورفيتش)، كرتا بلياردو تصطدمان ثم تبتعدان، وإنما علاقة إلزامية، وعليه فإن ما يثير شعور سعادة الفرد؛ أو اللذة بالحياة، يرتبط بالأسس المجتمعية. فالفرد كالذرة تكتسب معنى مع المجموعة”.
من ثم تنطوي مؤشرات تقييم “السعادة” على جوانب اجتماعية. وبحسب تقرير (يورو نيوز)؛ يتم ترتيب الدول وفق المعايير؛ مثل: الحريات الشخصية والمدنية، والأمل في الحياة، والعائد السنوي، وحجم الفساد والخدمات الاجتماعية وكذلك السخاء، والصداقة والثقة بين الأفراد والحكومة، ومعدل المساواة الاجتماعية، وكلها من عوامل الدراسة.
واستنادًا إلى تقرير “الأمم المتحدة”؛ نلحظ اختلاف طفيف في التقرير الأخير عن التقارير السابقة، حيث روعي؛ بالإضافة إلى العوامل السابقة، ردود الفعل العاطفية للأفراد تجاه وباء (كورونا)، وكيفية تفاعل الحكومات مع الأزمة، وثقة المواطن في الحكومة.
ويشبه “قرايي مقدم”؛ تأثير هذه العوامل على رفع مستويات السعادة بحقل القوى؛ ويقول: “بشكل عام يجب الإلتفات إلى أننا في حقل من القوى الجاذبة والدافعة، بحيث لو اختل التوازن بين هذه القوى فسوف تتغير الأجواء المعيشية للأفراد، ونحن في هذا الحقل أو الفضاء الحياتي، كما يحلو للبعض من علماء الاجتماع محل صدام هذه القوى، ولو تزداد قوة القوى التدميرية فسوف يستسلم الفرد، وعليه تؤثر قضايا كالفقر في المجتمع، والبطالة، والتضخم، والغلاء، والأمل في المستقبل، والموسيقى، بل والبرامج التليفزيونية، والأمن في شعور الأفراد بالسعادة”.
وتعليقًا على دور الحكومة، يضيف: “يتعين على المسؤولين الإجابة على: ماذا فعلوا حتى لا يكون المجتمع سعيدًا ؟!.. هل سيطروا على الفجوة الطبقية ؟!.. في حين يعيش حوالي 30 مليون شخص تحت خط الفقر، بل إن البعض ينام في مصارف المياه. وأنت حين ترى هذه الممارسات لا يمكنك أن تكون سعيدًا، وكأن السماء تمطر عليك حزنًا.. وفي مثل هذه الأجواء لا يشعر حتى الأثرياء بالسعادة، لأن مثل هذه الأجواء منتجة للحزن. وعليه أعتقد أن الفرد بمثابة صفحة بيضاء تتأثر بالمجتمع”.