11 أغسطس، 2025 11:17 م

بعد “جونسون” في بريطانيا .. “دراغي” ضحية جديدة للحرب الأوكرانية استقالته تُثير الفوضى في أوروبا !

بعد “جونسون” في بريطانيا .. “دراغي” ضحية جديدة للحرب الأوكرانية استقالته تُثير الفوضى في أوروبا !

وكالات – كتابات :

خلال الشهر الجاري شهدت “إيطاليا”؛ ثالث أكبر اقتصاد في “الاتحاد الأوروبي” و”منطقة اليورو”، فوضى سياسية كبيرة، بدأت مع إعلان رئيس الوزراء الإيطالي؛ “ماريو دراغي”، الذي تولى منصبه منذ شباط/فبراير من عام 2021، عن اعتزامه تقديم استقالته؛ في يوم 14 تموز/يوليو الجاري، بعد مقاطعة (حركة خمسة نجوم)، وهي من أهم شركاء الائتلاف الحكومي، تصويتًا هامًا في “مجلس الشيوخ”.

وقد قوبلت الاستقالة بالرفض من جانب الرئيس الإيطالي؛ “سيرغيو ماتاريلا”، فيما طالبته الأحزاب والقيادات البارزة في المجتمع الإيطالي بوجوب التمسك بمنصبه وحساسية التوقيت الذي يعتزم فيه فعل ذلك؛ كما استهل التقرير التحليلي الذي أعده مركز (إنترريغونال) للتحليلات الإستراتيجية.

ورغم إقتناعه بتلك المناشدات، عاد وقدم الاستقالة رسميًا، يوم 21 تموز/يوليو الجاري، إلى الرئيس الإيطالي؛ “سيرغيو ماتاريلا”، في “قصر كويرينال” الرئاسي في “روما”؛ ما دفع الرئيس الإيطالي إلى حل البرلمان بمجلسيه: النواب والشيوخ، في توقيت لاحق من اليوم ذاته، في خطوة باتت حتمية بعد قرار استقالة رئيس الوزراء وحكومته، علاوة على الإعلان عن انتخابات برلمانية مبكرة؛ في الخامس والعشرين من أيلول/سبتمبر المقبل.

سياق الأزمة..

جاء غياب الدعم والمؤازرة لرئيس الوزراء الإيطالي السابق؛ “دراغي”، من جانب الأحزاب المشاركة في الائتلاف، وهي: حزب (فورزا إيطاليا) – يمين وسط – وحزب (الرابطة) وحركة (خمسة نجوم) الشعبوية، في صورة رفض للتصويت على اقتراع الثقة الذي قدمه “دراغي”، في يوم 20 تموز/يوليو الجاري، رغم ما يتمتع به من شعبية بين الكثيرين داخل الدولة وخارجها، وهو ما يُنظر إليه باعتباره صوتًا أوروبيًا هامًا في مواجهة الرئيس الروسي؛ “فلاديمير بوتين”، وحربه في “أوكرانيا”.

وربما يرجع ذلك الرفض وغياب الدعم إلى عدد من العوامل السياسية والاقتصادية، نستعرضها فيما يأتي:

01 – تراجع القدرة على إدارة أزمة الطاقة: في سياق الأزمة الاقتصادية والجيوسياسية، التي تشهدها “أوروبا”؛ في الوقت الراهن، والتوقعات بأن تشهد “إيطاليا” أزمة طاقة قد تصل إلى ذروتها هذا الشتاء في ظل الضغط الروسي المتنامي بورقة “الغاز”؛ على دول “الاتحاد الاوروبي” الداعمة لـ”أوكرانيا”؛ وفي مقدمتها “إيطاليا”؛ رأت الأحزاب الرئيسة في الائتلاف الحكومي أن “دراغي” أخفق في ذلك الملف.

فقد أفضت تداعيات الحرب الروسية في “أوكرانيا” إلى حالة طواريء جديدة عقب الوباء، وفرضت على “دراغي” ضرورة إيجاد الحلول لها، ورغم محاولاته حتى اللحظة الأخيرة للتعامل مع ذلك الملف – وهو ما بدا من زيارته إلى “الجزائر” العاصمة؛ يوم 18 تموز/يوليو الجاري، للبحث على نحوٍ عاجل عن مصادر طاقة بديلة لـ”الغاز الروسي” – فإن ذلك لم يُغير من موقف الأحزاب المعارضة له، ربما لغياب ثقة تلك الأحزاب بقدرة “دراغي” على إدارة ذلك الملف الاقتصادي الهام.

02 – التخوف من تكلفة دعم “دراغي” الواسع لـ”أوكرانيا”: بالرغم من تركيز “دراغي” الكبير على التخفيضات الضريبية والخطاب المؤيد للأعمال التجارية، فإن الضائقة الاقتصادية في “إيطاليا” باتت مستوطنة، خاصةً مع ارتفاع تكاليف الاقتراض في الدولة بحدة.

وقد زاد تعقيدَ الأزمة؛ تداعيات الحرب الروسية في “أوكرانيا”، خاصة مع دعم “دراغي” الضخم لـ”أوكرانيا” على حساب “روسيا”، وتولد إعتقاد جازم في الداخل الإيطالي، بأن ما “إيطاليا” بصدده هو نتيجة لضخ أموال طائلة لـ”أوكرانيا”؛ رغم كون “إيطاليا” في أمس الحاجة إليها، كما أن سياسات “دراغي” هذه قد أدت إلى زيادة الضغط الروسي في غير صالح “إيطاليا”.

03 – التباينات بشأن السياسات الاقتصادية والمهاجرين: أدى ارتفاع الدين العام إلى تباطؤ النمو الاقتصادي في “إيطاليا” على مدار العقدين الماضيين، ومن ثم إعاقة الجهود المبذولة لإنعاش ثروات الدولة، علاوة على ارتفاع معدلات البطالة.

تلك الضغوط الاقتصادية بدأت تّولد قناعة لدى الأحزاب اليمينية المشاركة في الائتلاف، التي تسللت أفكارها شيئًا فشيئًا إلى المواطنين العاديين، بنبذ المهاجرين باعتبار ذلك سبيل الخلاص الوطني، وهي السياسات التي يرفض “دراغي” دعمها.

04 – الخلافات حول إصلاحات قضائية جديدة:من المحتمل أن يكون الإصلاح القضائي؛ المُثير للجدل خلال فترة رئاسة “دراغي” للوزراء كذلك، الذي يهدف إلى تقليص مدة المحاكمات بنسبة: 25% على مدار خمس سنوات في القضايا الجنائية؛ وبنسبة: 40% في القضايا المدنية، هو أحد المحركات التي دفعت تلك الأحزاب نحو رفض الاقتراع على الثقة بالحكومة؛ حيث يرى المنتقدون أن تلك الإصلاحات تُخاطر بالسماح لآلاف المجرمين بالإفلات من العدالة؛ وذلك بإسقاط القضايا عندما تطول إجراءات الاستئناف.

تداعيات محتملة..

سيكون لاستقالة “دراغي” عدد من التداعيات المحتملة على الداخل الإيطالي وعلى الخارج، يمكن تناولها على النحو الآتي:

01 – تعطل برامج اقتصادية مهمة بالنسبة إلى المواطن الإيطالي: مع استقالة “دراغي” وحل حكومته، سيتعين على “إيطاليا” انتظار الانتخابات من أجل الموافقة على أي إصلاحات اقتصادية وتمرير ميزانيتها لعام 2023؛ الأمر الذي سيؤثر بالتأكيد على المواطنين العاديين؛ لأنه بدون حكومة نشطة سيتم تعطيل إجراءات حصول “إيطاليا” على أكثر من: 200 مليار يورو من “صندوق التعافي بعد الوباء”؛ التابع لـ”الاتحاد الأوروبي”، حتى عام 2026، الذي يشترط لضمان استمرار تدفقه، تمرير سلسلة من الإصلاحات الإضافية، كاتخاذ خطوات لتعزيز المنافسة في أسواق المنتجات والخدمات.

كما أن ضمن الإجراءات التي من الممكن أن تتأثر بأزمة الحكومة في “إيطاليا” قبل موعد الانتخابات، تعطيل حزمة تحفيز جديدة بقيمة: 10 مليارات يورو، كانت تعمل “وزارة الخزانة” الإيطالية عليها بهدف مساعدة العائلات والشركات على مواجهة ارتفاع تكاليف الطاقة.

02 – احتمالية تراجع الدعم الإيطالي لـ”أوكرانيا”: مثل “ماريو دراغي”؛ شخصية محورية في رد فعل الغرب على الحرب الروسية في “أوكرانيا”؛ إذ كان من أوائل القادة الأوروبيين الذين اقترحوا توقيع عقوبات ضد “روسيا”، بما في ذلك استهداف الأوليغاركية الروسية لزيادة الضغط على “روسيا”.

وفي شهر حزيران/يونيو الماضي، كان “دراغي” قد التقى الرئيس الأوكراني؛ “فولوديمير زيلينسكي”، في “كييف”؛ لتأكيد دعمه لـ”أوكرانيا”، بجانب المستشار الألماني؛ “أولاف شولتس”، والرئيس الفرنسي؛ “إيمانويل ماكرون”، والرئيس الروماني؛ “كلاوس يوهانيس”.

ومن ثم؛ فإن استقالة “دراغي” ربما تعني تراجعًا في الموقف الإيطالي من الحرب في “أوكرانيا”؛ ففي خطاب “دراغي” الأخير قبل استقالته، حذر “مجلس الشيوخ” من أن تؤدي الاضطرابات في السياسة الإيطالية إلى خلق فرصة أمام “روسيا” لتغيير الموقف الإيطالي من “أوكرانيا”؛ إذ من الممكن أن يتغير موقف “روما”؛ تجاه “موسكو”، بعد الانتخابات؛ حيث يتنافس المتعاطفون مع “بوتين” على السلطة.

03 – الإضرار بمصالح “الاتحاد الأوروبي” في توقيت حاسم: تأتي استقالة “دراغي”؛ في الوقت الذي تواجه فيه “أوروبا” بعض أكبر تحدياتها منذ سنوات؛ حيث تُكافح خطر الركود بعد قفز معدل التضخم السنوي في “الاتحاد الأوروبي” إلى: 9.6%؛ في حزيران/يونيو الماضي، فيما بلغ: 8.6% في “منطقة اليورو”؛ المُكّونة من: 19 دولة أوروبية.

وتزداد المخاوف من احتمالية حصول الفصائل اليمينية على دعم متزايد في صناديق الاقتراع، خاصة مع تشكيك تلك الأحزاب في جدوى “الاتحاد الأوروبي”؛ ما يُثير تساؤلات حول تماسك الكتلة الأوروبية في منعطف مهم؛ فبالرغم من اتخاذ بعض الأحزاب في الائتلاف موقفًا أكثر ليونة من “الاتحاد الأوروبي”، فإن حركة (خمسة نجوم)؛ على سبيل المثال، لا تزال من أبرز المشككين في الكتلة الأوروبية وداعميها.

04 – توتر محتمل في أسواق الديون: تواجه “إيطاليا” حالة من عدم اليقين السياسي غير المسبوق بعد توقيع “دراغي” استقالته؛ يوم 21 تموز/يوليو الجاري؛ ما أثار مخاوف أسواق الديون حول مدى قدرة “إيطاليا” على الوفاء بإلتزاماتها في ظل الأزمة السياسية والاقتصادية الراهنة، وهو ما يجعل “إيطاليا” تُخاطر بخسارة المليارات من “اليورو” من أموال “الاتحاد الأوروبي” للتعافي بعد (كوفيد)، إذا تأخر تنفيذ الإصلاحات الهيكلية الرئيسة.

05 – تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية داخل “إيطاليا”: من المُرجح أن يُفاقم قرار الاستقالة العلل الاجتماعية في ظل التضخم المتفشي وتأخير الميزانية وتهديد أموال “الاتحاد الأوروبي” للتعافي بعد الوباء، ودفع الأسواق المتوترة إلى حالة من الإنهيار؛ فقد تزامن مع إنهيار حكومة الوحدة الوطنية، استعداد “البنك المركزي الأوروبي” لتقديم أول زيادة في أسعار الفائدة منذ 11 عامًا.

وهي خطوة وإن كان غرضها في الأساس احتواء التضخم وتقليل السيولة ورفع تكاليف الاقتراض، فإن ذلك ربما يُزيد الأعباء على عاتق “إيطاليا”؛ المثقلة بالديون فعليًا.

وفي تلك الأجواء تزداد مخاوف المستثمرين في ظل حالة عدم اليقين السياسي والاقتصادي؛ فبعدما ارتفع طلب المستثمرين على الاحتفاظ بالسندات الإيطالية لتُصبح الأعلى تصنيفًا في “ألمانيا”، إلى ما يقرب من: 245 نقطة أساس؛ يوم الخميس الموافق 21 من تموز/يوليو الجاري، عاودت التراجع من جديد، في مؤشر يوحي بكم التوتر في سوق الأسهم الإيطالية ومدى تأثرها بالوضع السياسي الراهن.

فرص اليمين..

يتنافس كل من أحزاب اليمن واليسار والوسط في الانتخابات البرلمانية المقبلة؛ المُزمع عقدها في الخامس والعشرين من أيلول/سبتمبر المقبل، وتبقى هناك فرص مواتية لقوى اليمين المتطرف لتعزيز نفوذها السياسي؛ فقد أظهرت دراسات استطلاع للرأي مؤخرًا أن كتلة من الأحزاب المحافظة، بقيادة حزب (إخوة إيطاليا) اليميني المتطرف، من المُرجح أن يكتب لها الفوز بأغلبية واضحة في الانتخابات المقبلة.

ووفقًا لهذه الاستطلاعات، فإن فرص التحالف اليميني بقيادة؛ “غورغيا ميلوني”، زعيمة حزب (إخوة إيطاليا)، وحزب يمين الوسط (فورزا إيطاليا)؛ وحزب (الرابطة) الشعبوي، لتشكيل حكومة يمينية تزداد، مع زيادة احتمالية الفوز في الانتخابات المبكرة بمعدل كبير، إذا تمكنت الأحزاب الثلاثة من تحقيق التوافق فيما بينها.

وتُشير الاستطلاعات إلى أن حزب (إخوة إيطاليا)؛ يأتي في مقدمة الأحزاب اليمينية بنسبة: 24% من الأصوات، ليُصبح الحزب بذلك في موقع قوي وقريب من رئاسة الحكومة الإيطالية المقبلة، غير أن بقية الأحزاب اليمنية لم تتجاوز: الـ 10%.

ليبقى في حال فوز اليمين في الانتخابات المقبلة، سيناريوهان قابلان للتحقق: إما التوصل إلى اتفاق ائتلاف في غضون أسابيع، وإما أن يمتد ذلك لأمد أطول.

وبالرغم من هذه المؤشرات، فإن القوى اليسارية قد تسعى إلى تقويض فرص اليمين، وخاصةً أن نتائج استطلاعات الرأي ليست ثابتة؛ وربما تشهد تغيرًا كبيرًا خلال الفترة المقبلة، ما يجعل نتيجة الانتخابات البرلمانية المقبلة مختلفة تمامًا عما هو متوقع؛ إذ لا يزال هناك وقت كافٍ قبل الانتخابات، قد تتغير فيه شكل وطبيعة التحالفات ومحتوى البرامج الانتخابية؛ فقد يضطر الحزب (الديموقراطي) اليساري إلى التحالف مع حزب (خمسة نجوم)؛ من أجل ضرب الكتلة اليمينية، خاصةً أن الحزب (الديموقراطي)، وفق استطلاع الرأي الذي أجراه معهد (SWG)، يوم 18 تموز/يوليو الماضي، قد حصل على نسبة: 22%، وهو معدل مقارب لما حصل عليه (إخوة إيطاليا)، فيما حصدت حركة (خمسة نجوم) نحو: 11%.

إجمالاً.. فإن الأزمة السياسية ليست غريبة على “إيطاليا”؛ فحكومتها القادمة ستكون هي الحكومة السبعين منذ الحرب العالمية الثانية، غير أن الخريطة السياسية في الوقت الراهن، وفي ظل التوترات والأزمات الاقتصادية والجيوسياسية، تجعل من الأحداث تسير بوتيرة سريعة، بما يفرض على كاهل الحكومة المقبلة تحديات جمة تستوجب التعامل بمرونة وعلى نحو أسرع من المعتاد، لتلافي تكرر مثل الخلافات والفوضى السياسية في وقت قصير.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة