كتب – أحمد محروس :
تشهد الحياة السياسية في “تونس” معركة ضارية حول قانون المصالحة الاقتصادية، المدفوع به من جهاز الرئاسة التونسية منذ العام 2015.
“لقد حان الوقت لتجاوز الماضي، ولابد من المصالحة الوطنية”.. هذا ما قاله “الباجى قائد السبسي” الرئيس التونسي ممهداً ومبرراً لطرح “قانون المصالحة الاقتصادية”، والذي يهدف إلى نسيان الماضي وإغلاق كل الملفات المتعلقة بالفساد المالي والسطو على المال العام.
وتزعم الحكومة التونسية أن المصالحة من شأنها إصلاح الوضع الإقتصادى المتدهور من خلال التحالف مع رجال الأعمال، لإقامة مشاريع تساهم في إنعاش التنمية، وقد علق “السبسي” على المشروع قائلاً: بأن “الهدف الأساسي من المشروع أنه يرمي إلى اتخاذ تدابير خاصة بالانتهاكات المتعلقة بالفساد المالي والاعتداء على المال العام تفضي إلى غلق الملفات نهائياً، تحقيقاً للمصالحة باعتبارها الغاية السامية للوفاق الوطني”.
هذا وقد كانت مناقشة المشروع في البرلمان التونسي قد توقفت بسبب عدم بلوغه الأغلبية المطلوبة، ثم طلبت رئاسة الجمهورية مراجعة فصوله، وإحداث تعديلات عليه وأعادت تقديمه للبرلمان الأسبوع الماضي بعد تنقيحه، ونشرت وثيقة مسرّبة صادرة عن الرئاسة التونسية تم إعدادها خلال اجتماع الديوان الرئاسي في 29 آذار/مارس الماضي، بها خطة عمل لتمرير نسخة جديدة من القانون الذي اقترحه الرئيس، وبرنامج تكفل به عشرة من أعضاء الديوان الرئاسي، تتوزع مهامهم بين عقد لقاءات مع شخصيات حزبية وأخرى ناشطة في المجتمع المدني، إضافة إلى الاتصال بعدد من خبراء القانون والاقتصاد، كما تشير الوثيقة إلى وجود خطة إعلامية للدعاية للقانون في صيغته الجديدة، يجري خلالها عقد لقاءات مع عدد من مالكي وسائل الإعلام وبعض الشخصيات الإعلامية المؤثرة في الرأي العام.
وقد انبثق من خلال هذا الصراع الدائر بين الرئاسة والإرادة الشعبية، حركة مناوئه للاقتراح الحكومي تسمى “ما نيش مسامح”، معبرة عن المطالب الشعبية بعدم التهاون مع الفاسدين والذين أهدروا ثروات الوطن وتسببوا في إفقار الشعب، وقد أعلن ما لا يقل عن 2 مليون تونسي خلال تظاهرات كبيرة رفضهم لمشروع القانون ككل واصفين إياه بالفاسد مع إصرار غريب من الحكومة لتمرير القانون.
المصالحة في مصر..
المثير للدهشة أن “المصالحة الوطنية المصرية” كانت قد اقتصرت على بعض المطالبات من السياسيين السابقين ورجال الأعمال، بالسماح لهم بمزاولة أنشطتهم والاندماج في المجتمع، وقد قوبل طلبهم ذلك بالرفض القاطع على المستوى الشعبي ولم تتدخل الحكومة في تلك القضية إلا على استحياء، حيث أبدت توافقها مع المطلب الشعبي دون اتخاذ أى قرارات رسمية أو قانون يحدد موقف الحكومة الرسمي من تلك القضية، وعلى عكس المتوقع صدرت عدة أحكام بالبراءة لعدد كبير من المتورطين في قضايا فساد مالي وسياسي، وبالفعل استرجع عدد كبير من الفاسدين مكانتهم الاجتماعية واندمجوا في كل الأنشطة السياسية وإدارة الأعمال والمشاريع والاستثمار وحتى أن العديد من موظفي الدولة السابقين، والذين قد ثبتت إدانتهم في قضايا فساد وثبت تورطهم بالفعل، هؤلاء منهم من عاد إلى منصبة أو شغل منصب أخر لا يقل أهمية بل يزيد عن مناصبهم السابقة، ولعل أوضح مثال على فساد معايير “المصالحة الوطنية المصرية” عندما خرج الرئيس السابق “حسني مبارك” من سجنه وهو يحمل عدة براءات من عدة قضايا بعضها يصل عقوبتها إلى الإعدام، فضلاً عن براءة وزير داخليته من عدة قضايا مماثلة أشهرها على الإطلاق قتل المتظاهرين عمداً أثناء الثورة المصرية، وقد عقدت الحكومة المصرية عدة تسويات مالية مع عدة أشخاص كانوا قد تربحوا من مناصبهم أو من سياسات الاحتكار والتي مكنتهم من تكوين ثروات طائلة على حساب تدمير الاقتصاد والسوق المصري.
الوضع في ليبيا..
في 17 كانون أول/ديسمبر عام 2015، تم التوقيع على اتفاق سياسي، أشرفت عليه بعثة من الأمم المتحدة، في مدينة الصخيرات المغربية، وأعلن عن أسماء وزراء حكومة “الوفاق الوطني” وذلك بعد عامين من الاقتتال بين عدة مجموعات مسلحة.
جذور الأزمة تكمن في الصراع الدائر بين أربع منظمات تسعى كلاً منها للسيطرة على الحكم في ليبيا، أولها الحكومة المعترف بها دولياً والتي ترأست البلاد بعد ثورة 2011، وقد اتخذت من مدينة طبرق مقراً لها وهذه الحكومة يدعمها “النظام المصري والإمارات العربية المتحدة”، ثم حكومة الإنقاذ الوطني من الإخوان المسلمين والتي تكونت بعد الانتخابات البرلمانية عام 2014، وهذه تتلقى الدعم من دولة “قطر وتركيا والسودان”، ثم جماعة أنصار الشريعة وأخيراً تنظيم الدولة الإسلامية بالإضافة إلى هؤلاء هناك عدة جماعات وميلشيات مسلحة وإن كانت صغيرة إلا أنها تشكل جزءاً من التناحر هناك، وحتى الآن ولعدة أسباب طائفية أو قبلية أو أطماع غير معلنة في الاستيلاء على مقدرات البلد، لم يتوصل “مجلس الوفاق الوطني الليبي” إلى أية نتائج ايجابية في الحد من الاقتتال الدائر في ليبيا.