خاص: كتبت- نشوى الحفني:
خلال تجمع صاخب في العاصمة؛ “واشنطن”، وأثناء مراسم تسَّلمه الرئاسة، تعهد الرئيس الأميركي المنتخب؛ “دونالد ترمب”، بإجراء تغيّيرات بعيدة المدى في ولايته الثانية، ووعد بالإشراف على عمليات الترحيل الجماعي للمهاجرين، وتحدي الثقافة التقدمية، وخفض الإنفاق الحكومي.
وقال “ترمب”؛ بحسّب ما أوردت صحيفة (وول ستريت جورنال) الأميركية: “بدءًا من الغد، سأعمل بسرعة وقوة غير مسّبوقة وأصلح كل أزمة تواجه بلادنا”.
العودة الأكثر صخبًا !
وتوّج تجمع “ترمب” قبل التنصيب عودة سياسية من بين الأكثر صخبًا وغير متوقعة في التاريخ الأميركي، من خلال احتفال على بُعد أقل من ميل من المكان الذي سيؤدي فيه اليمين الدستورية كرئيس البلاد؛ السابع والأربعين، وقال “ترمبط وهو يصعد على منصة التجمع: “لقد فُزنا”.
وكان خطاب الرئيس المنتخب؛ الذي استغرق حوالي ساعة، أمام الآلاف من المؤيدين في ساحة (كابيتال وان)، يُذكرنا بالتجمعات التي غذّت صعوده السياسي. “ترمب”، الذي يُمنع دستوريًا من الترشح لولاية ثالثة، يستمتع بالتحدث أمام حشود كبيرة، ومن المُرجّح أن يستمر في تنظيم مسّيرات حاشدة طوال فترة رئاسته.
ما حققه قبل تولي الرئاسة..
زعم الرئيس المنتخب أنه كان يُغيّر البلاد بالفعل؛ حتى قبل أن يخطو إلى “المكتب البيضاوي”، مروجًا لما سماه “تأثير ترمب”، وقال إن الشركات تصطف لتوسّيع عملياتها في “أميركا”، مضيفًا أن الرئيس التنفيذي لشركة (آبل)؛ “تيم كوك”، أخبره بأنه يُخطط: “لاستثمارات ضخمة” في “الولايات المتحدة”، فيما رفضت (آبل) التعليق.
كما يُنسّب إليه الفضل في إحياء (تيك توك)؛ بعد ساعات فقط من توقف الشركة عن العمل في “الولايات المتحدة”، ووقف إطلاق النار في “قطاع غزة”، وقد قال: “لقد حققّنا، قبل أن تسَّلم الرئاسة، أكثر مما حققوه في (04) سنوات”.
أكبر عملية ترحيل..
واستعرض “ترمب” يومه الأول في منصبه؛ مؤكدًا أنه سيوقّع أوامر تنفيذية تُركز على الحد من الهجرة غير الشرعية، قائلًا: “ستّرون أوامر تنفيذية ستجعلكم سُعداء للغاية. الكثير منها”، ووعدّ بأكبر عملية ترحيل جماعي في تاريخ “أميركا”.
وقال “ترمب” عن أولئك الذين حوكموا لمشاركتهم في أعمال الشغب في مبنى (الكابيتول) الأميركي؛ في 06 كانون ثان/يناير 2021: “ستكونون سعُداء جدًا بقراراتي بشأن رهائن 06 كانون ثان/يناير”.
ولكن “ترمب” سيواجه تحديات كبيرة بمجرد توليه منصبه، بما في ذلك الأغلبية الضيقة في “الكونغرس”، والتي قد تجعل تنفيذ أجندته الشاملة أمرًا صعبًا. سيتّعين عليه أن يُقرر كيفية التعامل مع الحرب المستمرة في “أوكرانيا”، والتي قال خلال الحملة الرئاسية إنه سينُهيها على الفور.
خفض الإنفاق..
كما وعدّ “ترمب” بخفض الإنفاق الحكومي وتبسّيط البيروقراطية الفيدرالية من خلال لجنة استشارية يقودها الملياردير؛ “إيلون ماسك”، تسَّمى “وزارة كفاءة الحكومة”، حيث خفف “ماسك” مؤخرًا من التوقعات بشأن مقدار التكاليف التي يُمكن خفضها، قائلًا إن تعهده الأولي بخفض الإنفاق بمقدار (02) تريليون دولار كان: “أفضل نتيجة”.
وقال “ماسك”: “هذا النصر هو البداية، وما يُهم في المستقبل هو إجراء تغييّرات كبيرة، وتعزيز تلك التغييّرات ووضع الأساس لأميركا لتكون قوية لقرون، وإلى الأبد”، بحسّب الصحيفة.
كيف سيتعامل مع “بريطانيا” ؟
وفي صحيفة (تليغراف)؛ ذكر بعض الخبراء توقعات عن كيف سيتُرك بصمته على الساحة العالمية ؟.
فيرى المحلل السياسي؛ “بن رايلي سميث”، أن الديناميكيات الشخصية بين “ترمب” و”كير ستارمر”؛ ستكون مفتاح العلاقة. إذ يرّوج “ترمب”؛ في السنوات الأخيرة، إلا لعدد قليل من السياسات المتعلقة بـ”بريطانيا”، مثل دعمه الفطري لـ (بريكسيت)، والعلاقة “الأميركية-البريطانية”، والعائلة المالكة.
وأهم التأثيرات المَّحتملة لولاية “ترمب” الثانية على “المملكة المتحدة”؛ قد تكون نتيجة دفعه نحو فرض تعريفات جديدة، واتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه “الصين”، أو الوصول إلى اتفاق سلام في “أوكرانيا”.
من جهته؛ سير “كير ستارمر”، على الأرجح، سيُعلن عن زيادة الإنفاق الدفاعي بنسبة: (2.5%) من الناتج المحلي الإجمالي في الربيع – وهي خطوة ستُعرض على “البيت الأبيض” كإشارة لجدية التماشي مع أجندة “ترمب”. ومع ذلك، هناك تردد في المضي قدمًا أكثر، مما قد يُسبب نقاط توتر.
وسيكون هناك العديد من المواقف غير المتوقعة من الرئيس الأميركي تجاه الأمور البريطانية، غالبًا عبر منصته (تروث سوشيال)، والتي سيكون على (داونينغ ستريت) التعامل معها.
رسالة “ترمب” في بداية العام الجديد؛ التي يُحثّ فيها “كير ستارمر” على السماح بالتنقيب في “بحر الشمال”، تتعارض مباشرة مع سياسة حزب (العمال) الحالية، ومن غير المتوقع حدوث تغييّر قريب في هذا الشأن.
الكثير سيعتمد على الديناميكيات الشخصية بين “ترمب” و”كير”. فهل سيتجاوز الرئيس الجديد ما قد يراه إهانات سابقة من وزراء حكومة “كير”؛ مثل “ديفيد لامي” ؟ الحكومة البريطانية تأمل ذلك.
تركيز على خطط الإنفاق المستقبلي..
توقع تركيزًا متجدَّدًا على خطط الإنفاق المستقبلي؛ ويرى “جو بارنز”، مراسل الصحيفة في “بروكسل”، أن “ترمب” سيُركز أكثر على خطط الإنفاق المستقبلي.
فريق “ترمب” حذر المسؤولين الأوروبيين من أنه سيُطالب دولهم بزيادة إنفاقها الدفاعي ليصل إلى ما يُعادل: (5%) على الأقل من الناتج المحلي الإجمالي.
خلال حملته لإعادة انتخابه، هدد بعدم تقديم المساعدة لدول الـ (ناتو)؛ التي تتعرض لهجوم من “روسيا”، إذا لم تُلبِ معايير الإنفاق التي وضعها التحالف العسكري بقيادة “الولايات المتحدة”.
مثل معظم القادة الأميركيين؛ يُريد “ترمب” من “أوروبا” أن تتحمل مزيدًا من المسؤولية عن الدفاع عن نفسها، بينما تُركز “واشنطن” جهودها ومواردها المالية على مواجهة التهديد المتزايد من “الصين”.
حتى قبل فوزه في الانتخابات؛ في تشرين ثان/نوفمبر، شَّرع حلفاء الـ (ناتو) الأوروبيون في عملية وصفوها: بـ”حماية الـ (ناتو) من ترمب” للسنوات الأربع المُقبلة.
تتضمن العملية إقناع المزيد من الدول بإنفاق ما يُعادل: (2%) على الأقل من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، وهو هدف حددته المنظمة ولم يتحقق إلا في (23) دولة من أصل: (31).
مع أن الإنفاق الدفاعي بدأ فقط في الوصول إلى الحد الأدنى بعد أكثر من عقد من تحديده، إلا أن “ترمب” سيجد صعوبة في إقناع الدول بالمُضي قُدمًا أبعد من ذلك، حتى مع التهديدات المتجدَّدة بالانسحاب العسكري الأميركي من “أوروبا”.
التعريفات الجمركية..
“ترمب” سيُحاول إعادة ضبط الساحة باستخدام التعريفات الجمركية، أما الصحفية الاقتصادية؛ (ميليسا لوفورد)، فتقول إن “ترمب” سيُحاول إعادة ضبط الساحة باستخدام التعريفات.
إعلان التعريفات الجمركية؛ كان على الأرجّح أبرز وعود حملة “ترمب” الانتخابية. قال في تشرين أول/أكتوبر: “بالنسبة ليّ، أجمل كلمة في القاموس هي التعريفة. إنها كلمتي المفضلة”.
على طريق حملته الانتخابية؛ ناقش “ترمب” خططًا لفرض تعريفات شاملة بنسبة: (10-20%) على جميع السلع التي تدخل “الولايات المتحدة”، وتعريفات تصل إلى: (60%) على المنتجات القادمة من “الصين”.
بحلول نهاية تشرين ثان/نوفمبر، فاجأ “ترمب” المحللين بإعلانه أنه سيستخدم يومه الأول في المنصب لفرض تعريفات بنسبة (25%) على السلع الكندية والمكسيكية (أقرب شركاء أميركا التجاريين)، بالإضافة إلى رسوم إضافية بنسبة: (10%) على السلع الصينية.
ويدعي “ترمب” أنه يُريد استخدام التعريفات لإعادة ضبط الساحة التجارية. كانت التعريفات مصدر دخل رئيس لـ”الولايات المتحدة” حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، عندما تم رفعها لدعم التعافي بعد الحرب.
يُحمّل “ترمب”؛ الواردات الأجنبية الرخيصة، مسؤولية تدهور الصناعات المحلية.
هناك سببان آخران وراء حُبه للتعريفات: أولًا؛ يُمكنه فرضها بسرعة دون الرجوع إلى “الكونغرس”، وثانيًا؛ يُمكنه استخدامها كأداة للتفاوض مع الدول الأخرى.
تصاعد التوترات مع “الصين”..
يرى مراسل الصحيفة في “واشنطن”؛ “نيك ألين”، أن التوترات مع “الصين” ستتصاعد. وأوضح أن العلاقة بين “الولايات المتحدة” و”الصين” هي واحدة من أكثر العلاقات حسّاسية وخطورة على مستوى العالم، ومن المتوقع أن تتوتر بشكلٍ أكبر إذا عاد “ترمب” إلى السلطة.
خلال ولايته الأولى؛ شّن “ترمب” حربًا تجارية مع “الصين”، فّرض تعريفات جمركية على مئات المليارات من الدولارات من الواردات الصينية.
كما اتهم “الصين” بالتلاعب بعُملتها؛ وسّن سياسات موجهة ضد شركات التكنولوجيا الصينية مثل (هواوي).
في حملته الحالية؛ شدّد “ترمب” على أن “الصين” تُمثل التهديد الأكبر لـ”أميركا”، ووعدّ باتخاذ موقف أكثر صرامة تجاهها، قائلًا: “سنجعل الصين تدفع الثمن”.
من المتوقع أن يواصل “ترمب” الضغط على “الصين” اقتصاديًا، ليس فقط من خلال فرض تعريفات جمركية جديدة، ولكن أيضًا عبر تعزيز القيود المفروضة على صادرات التكنولوجيا الأميركية إلى “بكين”.
إنهاء الحرب “الروسية-الأوكرانية”..
خبير السياسة الخارجية؛ “نيكولاس إيكلش”، قال إن “ترمب” قد يوقف الدعم لـ”أوكرانيا”. فخلال حملته الانتخابية، أشار “ترمب” إلى أنه سيوقّف الدعم العسكري الأميركي لـ”أوكرانيا”؛ إذا انتخب مرة أخرى، بحُجة أن “واشنطن” لا ينبغي أن تكون: “صرافة العالم”.
كما وعدّ بالتفاوض على: “صفقة سلام” لإنهاء الحرب “الروسية-الأوكرانية”؛ في غضون (24) ساعة، رغم أن التفاصيل حول كيفية تحقيق ذلك كانت قليلة.
من المتوقع أن تكون سياسة “ترمب”؛ تجاه “روسيا”، أكثر لينًا مقارنة بالإدارة الحالية، مما قد يؤدي إلى تخفيف الضغط الدولي على “موسكو”.
ومع ذلك؛ فإن تقليص الدعم لـ”أوكرانيا” قد يُثير انتقادات واسعة النطاق من حلفاء “الولايات المتحدة” في “أوروبا”، الذين يرون في الصراع تهديدًا وجوديًا للأمن الإقليمي.
إعادة التركيز على “إيران” و”إسرائيل”..
أما المحلل “كامبل ماكديرميد”؛ فيرى أن تركيز “ترمب” وإدارته الجديدة في الشرق الأوسط، سيتم عبر إعادة التركيز على “إيران” و”إسرائيل”.
في الشرق الأوسط؛ من المُرجّح أن يسّعى “ترمب” إلى استئناف سياساته السابقة التي ركزت على احتواء “إيران” وتعزيز العلاقات مع “إسرائيل”.
خلال ولايته الأولى؛ انسّحب “ترمب” من “الاتفاق النووي” الإيراني؛ وفرض عقوبات شديدة على “طهران”، مما أدى إلى تصاعد التوترات في المنطقة.
كما أشرف على توقيع “اتفاقيات إبراهام”، التي أدت إلى تطبيع العلاقات بين “إسرائيل” وعدة دول عربية.
إذا عاد “ترمب” إلى السلطة؛ قد يُحاول توسيّع هذه الاتفاقيات لتشمل دولًا أخرى. سيواجه العالم تحديات متعدَّدة حول عودة “ترمب” إلى “البيت الأبيض”. بينما قد يؤدي تركيزه على سياسة “أميركا أولًا” إلى تقليل التدخلات الأميركية في بعض القضايا العالمية، فإنه قد يتسبب أيضًا في تصّعيد التوترات مع خصوم “الولايات المتحدة” وتقويض التحالفات الدولية.
إن فترة رئاسته الثانية ستعتمد إلى حدٍ كبير على مدى قدرته على تحقيق توازن بين أجندته الوطنية وطموحاته على الساحة العالمية.