خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في انتصار بطعم الهزيمة.. ورغم إثبات النتائج الأولية فوز الرئيس التركي، “رجب طيب إردوغان”، بالانتخابات المحلية، إلا أن النتائج أثبتت خسارة تحالف “الشعب”، المبرم بين حزبي “العدالة والتنمية” الحاكم و”حزب الحركة القومية”، 10 مدن كانت في قبضته لصالح المعارضة.
صحيفة (زمان) التركية؛ ذكرت أن “حزب العدالة والتنمية” خسر بلديات؛ “إسطنبول” و”أنقرة” و”أزمير” و”أنطاليا” و”أرداهان” و”أرتفين” و”بيلاغيك” و”بولو” و”كيرشهير”، فيما خسر “حزب الحركة القومية” بلديات؛ “أضنة” و”مرسين”، لصالح “حزب الشعب الجمهوري” المعارض.
وفاز “حزب الحركة القومية”، الذي تنافس مع حليفه الحاكم، ببلديات “أماسيا” و”بايبورت” و”شانكيري” و”أرزينغان” و”كارامان” و”كاستامونو”، والتي فاز بها من قبل “حزب العدالة والتنمية”، خلال الانتخابات المحلية السابقة في عام 2014.
وخسر “حزب الشعوب الديمقراطي” الكُردي بلديات؛ أغري” و”شرناق” و”بيتليس”، لصالح “حزب العدالة والتنمية”، ومدينة “إغدير”، لصالح “حزب الحركة القومية”، وبلدة “دارسيم”، لصالح “الحزب الشيوعي”، غير أنه اقتنص بلدية “كارس” من “حزب الحركة القومية”.
وخسر “حزب الشعب الجمهوري” بلديات؛ “زوغولداك” و”غيراسون”، اللتين فاز بهما من قبل، في عام 2014، وذلك لصالح “حزب العدالة والتنمية”.
وفاز “محمد سيام كاسيم أوغلو”، المرشح المستقيل من “حزب الشعب الجمهوري”، ببلدية “كيركلارالي”.
وبهذا خسر “العدالة والتنمية”، 9 بلديات، من بين 48 بلدية؛ فاز بها خلال الانتخابات الماضية في عام 2014، ليحصل خلال هذه الانتخابات 39 بلدية فقط.
ورفع “حزب الشعب الجمهوري” رصيده خلال هذه الانتخابات إلى 21 بلدية، بعدما فاز بـ 14 بلدية في انتخابات عام 2014، وانتقلت إدارة ثلاث مدن كبرى، وهي “إسطنبول” و”أنقرة” و”إزمير”، إلى “حزب الشعب الجمهوري”.
وتراجع رصيد “حزب الشعوب الديمقراطي” الكُردي، من 11 بلدية إلى 7 بلديات، والواقع أنه دعم الأحزاب المعارضة في بعض المدن.
وأصبح “حزب الحركة القومية” هو الفائز من “تحالف الشعب”، حيث رفع رصيده هذه المرة من 8 بلديات إلى 12 بلدية.
وكانت هذه الانتخابات قد حظيت بأهمية كبيرة لدى حزب “العدالة والتنمية”، حيث شارك “إردوغان” بنفسه في الحملة الانتخابية، وعقد أكثر من 100 مهرجان انتخابي، وألقى ما لا يقل عن 14 خطابًا خلال عطلة نهاية الأسبوع الفائت في “إسطنبول”.
وتمثل المدن الكبرى في “تركيا” ثقلًا جغرافيًا وديمغرافيًا هائلًا، وهو ما يجعلها دومًا الهدف الأول في أي سباق سياسي، بحيث يستطيع من يفوز بمفاتيحها أن يبني لنفسه زخمًا سياسيًا كبيرًا، بينما تشكل خسارتها نهاية غير سعيدة.
ولقي “حزب العدالة والتنمية”، الحاكم، هزيمة موجعة في أكبر 3 مدن تضم أكثر من ربع عدد سكان البلاد البالغ 82 مليون نسمة، وهي العاصمة، “أنقرة” و”إزمير”، بالإضافة إلى “إسطنبول”.
صفعة من العيار الثقيل..
وتمثل خسارة العاصمة صفعة من العيار الثقيل للحزب الحاكم والرئيس، “إردوغان”، فرمزية المدينة سياسيًا تجعلها الأهم على الإطلاق في كل الاستحقاقات الانتخابية.
ولا يمكن تصور المدينة التي يتركز فيها النشاط السياسي والدبلوماسي ورمز “تركيا” الحديثة، وهي خارجة عن سيطرة الحزب الحاكم، مما يشير إلى تراجع كبير في معقله.
وتمثل “إسطنبول” الرئة الاقتصادية وأكبر مدينة من حيث عدد السكان، بتعداد يصل إلى أكثر من 15 مليون نسمة.
وينظر إلى “إسطنبول” على أنها مركز “تركيا” الثقافي والاقتصادي والمالي، ورمزها الحضاري، وهي الجسر الذي يربط “آسيا” مع “أوروبا”.
وتُعد خسارة الحزب الحاكم في هذه المدينة، في حال أعلنت بشكل رسمي، أكبر علامة على تراجعه شعبيًا بعدما اعتبرها المعقل الطبيعي له على مدار نحو ربع قرن.
وكانت “إسطنبول”، المحطة الرئيسة، التي فتحت الباب لـ”إردوغان” للصعود بسرعة الصاروخ، بعدما فاز في الانتخابات البلدية، عام 1994، وتولى رئاستها حتى 1998.
ويعني ذلك أن المدينة “صانعة الحكام” قد تقلب الموازين في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة.
وتُعد “إزمير”، التي لقي فيها الحزب الحاكم هزيمة كبيرة لصالح “حزب الشعب الجمهوري”، المدينة الثالثة الأكثر إكتظاظًا بالسكان في “تركيا”، بعد “إسطنبول” و”أنقرة”، وهي ميناء التصدير الرئيس والمدينة الصناعية الثانية، بعد “إسطنبول”.
وتُعد “إزمير” معقل “حزب الشعب الجمهوري”، والمدينة المتمردة دائمًا على “حزب العدالة والتنمية”، علمًا أن عدد سكانها يبلغ عدد سكانها يبلغ نحو مليوني و800 ألف نسمة.
وتمتلك المدينة العديد من مناطق الجذب السياحي والترفيهي، إضافة إلى الشواطيء والمراكز الثقافية المختلفة.
وبخسارة “إردوغان”، هذه المدن الرئيسة، أثيرت العديد من التساؤلات حول مستقبل “إردوغان” السياسي وحزبه ؟.. وكيف سيواجه هذه الهزيمة ؟
نسبة مرضية..
في هذا الصدد؛ يرى المحلل السياسي المؤيد للحزب الحاكم في تركيا، “يوسف كاتب أوغلو”، أنه لا يزال “حزب العدالة والتنمية” فائزًا بالأغلبية رغم خسارته هذه في بعض البلديات الهامة، خاصة “أنقرة” نتيجة للشحن والضغط النفسي الذي تعرض له الحزب الحاكم قبل الانتخابات.
وذهب “أوغلو” إلى ما يراه البعض من أن هذه الانتخابات المحلية تُعد بمثابة استفتاء على شعبية الرئيس التركي، “رجب طيب إردوغان”، وحزبه، مؤكدًا على أنها نسبة مرضية ولم تختلف كثيرًا عن مثيلتها قبل عام.
مشيرًا إلى أن هذه النتيجة هي أكبر رد على من يتهمون الرئيس، “إردوغان”، بالديكتاتورية.
ويرى “أوغلو”؛ أن “رجب طيب إردوغان” لا يزال رئيس “تركيا” لمدة أربع سنوات مقبلة؛ كفيلة بأن يصحح فيها المسار الداخلي للحزب ويحافظ على مكتسباته.
فوز ساحق للمعارضة..
من جانبه؛ يرى الكاتب والمحلل السياسي، “دانيال عبدالفتاح”، أن هذه النتيجة تُعد فوزًا ساحقًا للمعارضة التركية، التي ظلت على مدار خمسة عشر عامًا تُمنى بالهزائم رغم الثقل الذي يتمتع به “حزب العدالة والتنمية” ورئيسه، “رجب طيب إردوغان”، الذي قاد الحملة الانتخابية بنفسه.
وحول أسباب خسارة الحزب الحاكم لهذه الانتخابات في بلدات مثل، “أنقرة” و”إزمير” و”أنطاليا” و”أضنة”، على حد قوله، وقرب حسم نتيجة “إسطنبول”، التي لم تحسم بعد. قال “دانيال”: “إن الدعم الكُردي ودعم الحزب القومي لحزب المعارضة، إضافة إلى أسباب أخرى أدت إلى فوز حزب الجمهورية المعارض بهذه النتيجة”.
وردًا على نسبة التصويت التي فاز فيها “حزب العدالة والتنمية” بـ 52 في المئة من الأصوات، قال “عبدالفتاح”؛ إن كانت العبرة بالأرقام فعلى الرئيس التركي أن يعود إلى تصريحه بأن من يحصل على بلدية “إسطنبول” فقد حصل على كل “تركيا”، ولولا “إسطنبول” لما وصل “إردوغان” إلى سُدة الحكم، حسب قوله.
فكيف ستؤثر هذه النتيجة على المستقبل السياسي للحزب الحاكم في “تركيا”، وما هي أسباب خسارته في بلدات مهمة كـ”أنقرة”، من وجهة نظر المؤيد والمعارض ؟.. وكيف تستغل المعارضة هذه النتيجة ؟
دليل على تهاوي شعبية “إردوغان”..
الدكتور “خالد رفعت”، مدير “مركز طيبة للدراسات والأبحاث السياسية”، أكد على أن هذه النتائج تُعد دليلًا على تهاوي شعبية “إردوغان” وإنكشاف حقيقة الوعود التي روجها لأنصاره طوال الفترات الماضية.
مضيفًا أن ذلك يُعد مؤشر خطير على مستقبل “حزب العدالة” التركي، الذي يترأسه “إردوغان”، وعليه أن يدرك ذلك؛ خاصة وأنه خسر تقريبًا نصف أصوات المحليات في محافظات كبرى رئيسة، كان يسيطر عليها فترة طويلة، مثل “أنقرة”، التي كانت معقلًا له.
المعارضة خرجت من محبسها وقادرة على المنافسة..
الدكتور “بشير عبدالفتاح”، الخبير بـ”مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتجية”، وبالشأن التركي، فسر نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة في “تركيا” وخسارة “إردوغان” أصواتًا كثيرة؛ بأنها مؤشر على تطور الأوضاع السياسية في “تركيا”، وأن المعارضة بدأت تخرج من محبسها وأصبحت قادرة على المنافسة، حسب تعبيره.
حول مصير “إردوغان”، وحزبه الحاكم، في الفترات المقبلة بعد تراجع شعبيته في انتخابات المحليات، قال “عبدالفتاح”؛ إن أداء المعارضة هو من سيحدد هذا الأمر في الفترات المقبلة، فإذا نجحوا في القضاء على الفساد واستجابة مطالب المواطنين قد يكونوا بديلًا ناجحًا لـ”إردوغان”.
وأشار إلى أن “إردوغان” من المؤكد أنه سيسعى إلى تصحيح سياساته الخاطئة في الفترة المقبلة لحين موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة.
دفع ثمن لعبته السياسية..
من جانبها؛ وصفت شبكة (يورو نيوز) الإخبارية الأوروبية، أن الهزيمة القوية التي تعرض لها “إردوغان”، في الانتخابات المحلية، في “أنقرة”، بمثابة دفعه لثمن “لعبته السياسية”، بتحويل هذه الانتخابات لما يشبه “رهان وطني”.
وتابعت الشبكة بالقول أنه؛ رغم أن النتائج لا تزال جزئية، إلا أن الحزب الحاكم واجه صفعتين قويتين في “أنقرة” و”إسطنبول”، موضحة أن هذين الهزيمتين تعدان سقوط قوي لرمزية الحزب الذي يسيطر على العاصمة، قلب الاقتصاد النابض منذ 25 عامًا.
ولفتت الشبكة إلى أن التحالف الحاكم بين “العدالة والتنمية” و”حزب الحركة القومية”، اليميني المتطرف، خسر مدنًا كبرى أخرى، مثل “أنطاليا” و”أضنة”.
وتشير الشبكة إلى أن “إردوغان” أقحم نفسه بشدة في حملة حزبه خلال الانتخابات، كما عقد حوالي مئة اجتماع حول البلاد، لكن في النهاية تعرض لإنتكاسات حادة، جراء سياسات فاقمت من الأزمة الاقتصادية ورفعت من البطالة وتسجيل التضخم أرقام قياسية، إضافة إلى ركود غير مسبوق.
تحذير عن عدم الرضا عن السياسة الاقتصادية..
وذكرت وكالة (بلومبرغ) الإخبارية الأميركية، أن المدن التركية الكبرى إنقلبت ضد “إردوغان” لأول مرة، منذ 1994، في رفض لاذع في صناديق الاقتراع لسياساته إنتهى لصالح المعارضة التي اقتنصت مسقط رأس “إردوغان” في “إسطنبول”.
وأشارت الوكالة الأميركية إلى أن العاصمة، “أنقرة”، والمدن الأخرى على ساحل البحر المتوسط خرجت من سيطرة “تحالف الشعب”، الذي يقوده حزبا “العدالة والتنمية”، الحاكم، و”الحركة القومية”، خلال الانتخابات المحلية التي جرت، أمس الأول، نتيجة حالة الكساد التي ضربت الاقتصاد التركي وفقد العملة التركية، “الليرة”، لأكثر من 30% من قيمتها، وتمكن التحالف الذي يتزعمه “إردوغان” من النجاح في المناطق الريفية.
ولم يستسلم “إردوغان”، حتى الآن، ويعترف بالهزيمة، على الرغم من إعتراف حليفه ومرشح حزبه، “بن علي يلدريم”، بخسارة الانتخابات في “إسطنبول”؛ بفارق 25 ألف صوت.
ونقلت الوكالة الأميركية، عن “نورا نيوتبوم”، الخبيرة الاقتصادية في شركة “إيه. بي. إن أمور” في “أمستردام”، قولها؛ إن التحالف فقد السيطرة على المدن الكبرى، وهو ما يمثل تحذيرًا واضحًا على عدم رضا الأتراك عن السياسة الاقتصادية الحالية التي يتبعها النظام التركي.
مشيرًة إلى أنه: “من المحتمل أن تكون لدى الحكومة الحالية شهية محدودة للإصلاحات، وقد تركز بدلًا من ذلك على الحلول السريعة، مثل إغراق الاقتصاد بمزيد من القروض المنخفضة الفائدة”.
قتل أسطورة “إردوغان”..
ونقلت عن “وولفانغو بيشولي”، الرئيس المشارك في شركة “تينيو إنتليغينس”؛ إن خسارة حزب “إردوغان” الأصوات المهمة في المعاقل الاقتصادية التركية مؤشر لافت للنظر، مشيرًا إلى أن تراجع الاقتصاد التركي “قتل أسطورة إردوغان الذي لا يقهر”.