وكالات – كتابات :
يبدو أن الغرب في مأزق؛ حيث تُغّريه “إيران” باقتراح: لـ”العودة للمفاوضات النووية بشروط أسهل من ذي قبل”، فلو قبل المسؤولون الغربيون ذلك، فسيُنقذون النظام اقتصاديًا ويُخّرجونه من أزمته الداخلية التي بلغت ذروتها في الاحتجاجات ضد قوانين فرض الحجاب، ولو رفضوا، فسيجعلون “طهران” توثّق تحالفها مع “موسكو”، وتقترب أكثر من القنبلة الذرية.
ففجأة، وبعد طرد “إيران” من “هيئة الأمم المتحدة للمرأة”؛ وتضامن المسؤولين الغربيين مع الاحتجاجات ضد الحجاب، والانتقادات الشديدة لإرسالها طائرات مُسيّرة لـ”روسيا”، تخرج تصريحات شديدة الاعتدال من “طهران”، وينعقد لقاء رفيع المستوى بين مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي؛ “جوزيب بوريل”، ووزير الخارجية الإيراني؛ “حسين أمير عبداللهيان”، في “الأردن”؛ لبحث العودة إلى المفاوضات النووية.
الغرب في مأزق بسبب العرض الإيراني..
وتواجه القوى الغربية الحّذرة معضلة بعد اقتراح مفاجيء من جانب “طهران” يُسّهل العودة للمفاوضات النووية عبر التلويح بإزالة آخر العقبات العالقة أمام إحياء “الاتفاق النووي” الإيراني، في وقتٍ تتواصل الشائعات بأن النظام على وشك إعدام عدد أكبر بكثير من المتظاهرين الذين تم إعدامهما حتى الآن، حسبما ورد في تقرير لصحيفة (الغارديان) البريطانية.
ومنذ أيلول/سبتمبر الماضي، توقفت المحادثات الرامية للعودة إلى “الاتفاق النووي”؛ الذي خرجت منه “واشنطن”؛ في عهد الرئيس السابق؛ “دونالد ترامب”.
وكان سبب توقفها اتهام القوى الغربية؛ لـ”إيران”، بتقديم طلبات مبّالغ فيها، تشمل وقف تحقيقات الوكالة الدولية بشأن أنشطة نووية مُرّيبة قديمة، وذلك بعد أن لاح في الأفق أن جميع الأطراف تقترب من التوصل لاتفاق.
وقد تؤدي العودة للمفاوضات النووية في هذا التوقيت، وما سيعقبها من رفع للعقوبات على “إيران”، لفتح الطريق للبلاد لجني مليارات الدولارات من صادرات “النفط”، الأمر الذي سيُمثل دعمًا للنظام؛ بحسب مزاعم الصحيفة البريطانية.
كما سينُظر له في الغرب على أنه خيانة فادحة للاحتجاجات المستمرة منذ 03 أشهر ضد قوانين إلزامية الحجاب، والتي تكتسب مغزى خاصًا في الغرب، الذي ينتفض عادة عندما تتعرض حقوق المرأة في التحرر لأية قيود، بينما يتجاهل أو يُشارك أحيانًا هو في فرض قيود على النساء المسّلمات المحجبات بإرادتهن.
وتُمثّل الاحتجاجات ضد قوانين فرض الحجاب فرصة لا تُعوض في الغرب لضرب “إيران” من الداخل، ومحاولة إعطاء دفعة للقوى المعادية للنظام في البلاد، بواجهة تبدو شديدة الإنسانية، خاصة أن القمع الذي قوبلت به الفتيات شكل ضربة كبيرة لشرعية النظام وأفقده القدرة على جمع الشعب وراء المواجهة مع الغرب والإحتفاء بالمشروع النووي أو انتشار النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط عبر الميليشيات الشيعية، باعتبارهما إنجازين قوميين عابرين للإيدولوجيات.
كما ستبدو العودة للمفاوضات النووية في هذا التوقيت، وكأنها مكافأة لـ”طهران” على ما يقول الغرب إنه دعم واسع لـ”روسيا” عبر تزويدها بمئات الطائرات المُسيّرة، بل تزعم تقارير غربية إن “طهران” تُرسل أيضًا صواريخ (باليستية).
وحثت الدول الغربية؛ “الأمم المتحدة”، على التحقيق فيما إذا كانت هذه الإمدادات تُمثل انتهاكًا لإلتزامات “إيران” بموجب قرارات “مجلس الأمن الدولي” الحالية.
لكن مفاوضي “الاتحاد الأوروبي” بشأن “إيران”؛ أصرّوا على ضرورة التعامل مع مسألة العودة للمفاوضات النووية بشكلٍ منفصل عن جميع القضايا الإيرانية الأخرى، بما في ذلك تسّليحها (المزعوم) لـ”روسيا” والقمع الداخلي للاحتجاجات.
“طهران” ترى عقبة وحيدة أمام إحياء المفاوضات النووية..
في نهاية الأسبوع؛ قال رئيس المجلس التوجيهي للعلاقات الخارجية في إيران؛ “كمال خرازي”، إن العقبة الوحيدة المتبقية أمام اتفاق نووي؛ هي تسوية النزاع طويل الأمد بين “إيران” ومفتشية “الأمم المتحدة للطاقة الذرية” بشأن أصول الجُسيّمات النووية وتفسيرها. تم العثور عليه في: 03 مواقع عام 2019. وهو أحد المسؤولين الإيرانيين القلائل الذين ادعوا أنه تم حل جميع القضايا الأخرى بين “الولايات المتحدة” و”إيران” بشأن إحياء الصفقة.
في الوقت نفسه؛ وبعد توقف دام عدة أشهر، قام مفتشو “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، بقيادة نائب مديرها العام للضمانات؛ “ماسيمو أبارو”، بزيارة “طهران”، للقاء “محمد إسلامي”، رئيس “منظمة الطاقة الذرية الإيرانية”.
ووصف وزير الخارجية الإيراني؛ “حسين أمير عبداللهيان”، الزيارة بأنها: “إيجابية وتطلعية”، ما يُعطي الانطباع العام بأن أجزاء من النظام تريد اتفاقًا.
وقال إن لقاء مع منّسق الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي؛ “جوزيب بوريل”، في “الأردن”؛ الأسبوع الماضي، أعطى فرصة: “لاستكمال المناقشات”.
هل تجذب “إيران” الغرب إلى فخ ؟
وغادر مفتشو “الأمم المتحدة”؛ “طهران”، دون أي تعليق على محادثاتهم، لكن التوقعات كانت منخفضة بالنظر إلى التاريخ الطويل من المحاولات الفاشلة لاستخراج تفسّيرات إيرانية معقولة لوجود الجزيئات النووية.
وتقول صحيفة (الغارديان) إنه من المحتمَل أن يكون تفاؤل “طهران” مجرد موقف انتهازي لمعرفة ما إذا كان بإمكان “طهران” فضح الانقسامات الغربية حول إمكانية العودة إلى “اتفاق نووي”؛ في وقتٍ تتهم فيه “إيران” بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وتسّليح “روسيا”.
لكن الأصوات داخل السلك الدبلوماسي الإيراني تعتقد حقًا أن الرئيس الإيراني؛ “إبراهيم رئيسي”، بحاجة إلى إحياء الصفقة، وإذا لم يفعل ذلك، فسيكون قد ارتكب خطأ تاريخيًا بدفع “إيران” المعزولة أصلاً إلى أحضان “موسكو”؛ التي باتت أكبر دولة معاقبة في التاريخ؛ بحسب تعبير التقرير البريطاني المضّلل.
فمنذ بدء الاحتجاجات، تراجعت قيمة “الريال الإيراني”؛ مقابل “الدولار”، قرابة: 20%، الأمر الذي أُجبر “أفشين خاني”، كبير مسؤولي الصرف الأجنبي في “البنك المركزي” للبلاد، على الاستقالة الأسبوع الماضي؛ وكانت هناك دعوات للمحافظ؛ “علي صلحبادي”، ليحذو حذوه.
ونفى المحافظ تقارير بأنه على وشك رفع أسعار الفائدة بنسبة: 5% لدعم العُملة. ولكن مع ارتفاع التضخم إلى ما يزيد قليلاً على: 50% هذا الصيف، يتم إلقاء اللوم على حكومة “رئيسي” غير الفعالة.
ولكن على الجانب الآخر؛ يُعتّقد على نطاقٍ واسع أن الجوانب الاقتصادية والعقوبات لم يكن لها تأثير على قرارات “إيران” الإستراتيجية، مثل تلك المتعلقة بالملف النووي، والتي يتخذها عادة المرشد و(الحرس الثوري).
كما أن اقتصاد البلاد تكيّف مع العقوبات، إضافة لأن أسعار “النفط” المرتفعة تُخفف من تأثير “العقوبات الأميركية”؛ التي تمنع أغلب دول العالم من استيراد “النفط الإيراني”.
البديل هو الحرب أو قنبلة نووية إيرانية..
على الجانب الآخر؛ فإن الغرب لديه سبب وجيه يدفعه لتلقي العرض الإيراني باهتمام، رغم كل الملابسات السابقة.
فـ”أوروبا” عازمة على عدم التخلي عن آمال إنقاذ “الاتفاق النووي”؛ على أساس أنه إذا بدأت “إيران” في التخصّيب حتى: 90%، فسيكون لديها ما يكفي من (اليورانيوم) المُخصّب لصُنع قنبلة حتى لو كانت تفتقر إلى الرؤوس الحربية الصاروخية.
وقال “بوريل”؛ الأسبوع الماضي: “على الرغم من حقيقة أن الاتفاق النووي لا يزال في طريق مسّدود، وأن تصعيد البرنامج النووي الإيراني يُشكل مصدر قلق كبير، فإن علينا أن نواصل الانخراط قدر الإمكان في محاولة إحياء هذه الصفقة”.
وأضاف: “ما زلت أعتقد أنه يتعين علينا فصل العقوبات المفروضة على حقوق الإنسان وتوفير الأسلحة لروسيا عن البرنامج النووي، الذي يُشّكل تصعيده مصدر قلق كبير”.
وفي “واشنطن”، قال منسّق الاتصالات الإستراتيجية بـ”مجلس الأمن القومي” الأميركي؛ “جون كيربي”، الثلاثاء، إن “الولايات المتحدة” لا تتوقع حدوث أي تقدم في “الاتفاق النووي” الإيراني في المستقبل.
وأضاف “كيربي”؛ في إحاطة صحافية، أن “الاتفاق النووي” مع “إيران”: “ليس محط تركيز الإدارة الأميركية الآن”.
ورحّب المسؤول الأميركي بأي محادثات يُجريها الحلفاء الأوروبيون مع “إيران” بشأن ما سّماها التحديات واسعة النطاق، لكنه قال من ناحية أخرى إن “إيران” ستحاسَب على دعمها “روسيا” في قتل أوكرانيين، وفق مزاعمه.
وكان يُشير بذلك إلى الاتهامات الغربية لـ”إيران”؛ بتزويد “روسيا” بطائرات مُسيّرة تستخدمها في حربها على “أوكرانيا”. وتقول “طهران” إنها زودت “روسيا” بمُسيّرات قبل اندلاع الحرب؛ في 24 شباط/فبراير الماضي.
ورغم ذلك فإنه يمكن النظر للموقف الأميركي الأقل اكتراثًا بالعرض الإيراني الأخير؛ أنه محاولة لتقسيم الأدوار بين “أوروبا” و”أميركا”، بحيث تقوم “بروكسيل” بدور الشرطي الطيب، وتقوم “واشنطن” بدور الشرطي السييء، لكن إدارة “بايدن” تعلم أن الوسيلة الأخرى لمنع “إيران” من امتلاك الأسلحة النووية غير التفاوض هو شن هجوم عسكري، قد يتصاعد لحرب.
وتعلم “واشنطن”، أكثر من غيرها، ومن تجربتها في “العراق” والتجربة التي تورطها بها “روسيا” في “أوكرانيا”، أنك مهما كنت قويًا تستطيع اتخاذ قرار الحرب بسهولة، ولكن قد لا تستطيع اتخاذ قرارها إنهائها؛ كما يستمر التقرير البريطاني في ترويج مزاعمه وخلط الأوراق بادعاءات مضللة.
ومن جهته؛ حذّر الأمين العام للأمم المتحدة؛ “أنطونيو غوتيريش”، من تداعيات سّلبية لخسارة “الاتفاق النووي”؛ بين “طهران” والمجتمع الدولي.
كان مجلس إدارة “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” قد أصدر؛ في 11 تشرين ثان/نوفمبر، قرارًا يقول إنه من الضروري والمُلحّ أن تتعاون “إيران” مع المجلس بشأن مصدر الجُسيّمات النووية، التي تُثيّر الريبة في وجود نشاط نووي عسكري إيراني سابق.
وتقع المواقع الثلاثة التي لم تُقدم “إيران” فيها: “إجابات مرضية”؛ لـ”الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، في (فارامين) و(توركوزاباد)؛ بالقرب من “طهران”، و(ماريفان)؛ في “إقليم كُردستان”. وقالت “إيران” إن الجُسّيمات ربما جاءت من الخارج.
وقدرت “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” أن “إيران” زادت مخزونها من (اليورانيوم) المُخّصب إلى: 60% – وهو مستوى أقل بقليل من المطلوب لإنتاج سلاح نووي – بمقدار: 6.7 كغم؛ منذ 21 آب/أغسطس.
وتُريد “إيران” من “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”؛ أن تحل مسألة المواقع بشكلٍ دائم قبل أن توقع على “الاتفاق النووي”؛ الذي تم إحياؤه، وبالتالي تقديم شهادة تبرئة لـ”طهران” قبل توقيعها على الاتفاق، فيما تقول الدول الغربية إن هذه مسألة فنية تتعلق بخرق “إيران” إلتزاماتها الدولية، لا يجوز تسيّيسها.