خاص: كتبت- نشوى الحفني:
بعدما عين الرئيس الفرنسي؛ “إيمانويل ماكرون”، لـ”ميشيل بارنييه”، رئيسًا للوزراء، في فرصة لخروجه من أزمة سقوط الحكومة، خرجت الأزمة السياسية في “فرنسا” من أروقة “الإليزيه” ومداولات السياسيين، إلى الشارع، وهو الأمر الذي يضعها: “خيارات مفتوحة”.
ووضع تعييّن “بارنييه” حدًا لستين يومًا من الترقب في أعقاب الانتخابات المبكرة التي لم تفرز غالبية صريحة، وأسفرت عن انقسام “الجمعية الوطنية” إلى ثلاث كتل هي اليسار، ويمين الوسط، وأقصى اليمين.
وتظاهر عشرات الآلاف؛ السبت الماضي، في “باريس” وعدة مدن فرنسية، تلبية لدعوة (الجبهة الشعبية الجديد)؛ (يسار)، والاتحادات الطلابية، احتجاجًا على قرار الرئيس الفرنسي؛ “إيمانويل ماكرون”، تعييّن “ميشيل بارنييه”؛ (منتمي إلى يمين الوسط)، رئيسًا للوزراء، رُغم فوز اليسار في الانتخابات التشريعية التي جرت في تموز/يوليو الماضي.
وكانت وسائل إعلام فرنسية توقعت ألا يتخطى عدد المتظاهرين: (80) ألفًا، إلا أن منظمي الاحتجاجات قالوا إن أكثر من: (300) ألف شاركوا فيها.
وحدد المنظمون نقاطًا لانطلاق (150) مسّيرة في مختلف أنحاء “فرنسا”، منها “ساحة باستيل” في “باريس”، التي قُدر عدد المتظاهرين فيها وحدها بأكثر من (150) ألفًا.
تحصن اليسار بأنصاره..
ولجأ اليسار الفرنسي إلى التحصن بأنصاره في صراعه مع “ماكرون”، في أعقاب استبعاد الأخير مرشحة تحالف (الجبهة الشعبية الجديدة)، الفائز في الانتخابات؛ “لوسي كاستيتس”، لرئاسة الوزراء، وتعيّينه “بارنييه”، المنتمي إلى تيار اليمين، رئيسًا للوزراء.
واقترحت (الجبهة)؛ “لوسي كاستيه”، الخبيرة الاقتصادية البالغة من العمر: (37 عامًا)، لتولي رئاسة الوزراء، لكن “ماكرون” رفض الفكرة بحجة أنها لن تحصل على الثقة في “الجمعية الوطنية” المنقسمة بشدة.
وكان “جان لوك ميلانشون”؛ زعيم حزب (فرنسا الآبية) اليساري الراديكالي، وحلفاؤه في (الجبهة الشعبية الجديدة) قد دعوا المواطنين إلى النزول إلى الشوارع للدفاع عن نتائج الانتخابات التي: “سُرقت من الفرنسيين”.
وحثّ الزعيم اليساري أنصاره؛ السبت، على الاستعداد للمعركة، قائلاً: “لن تكون هناك راحة”. وقال “ميلانشون”؛ خلال مسّيرة “باريس”: “الديمقراطية لا تعني فقط فنّ قبول الفوز، بل هي أيضًا التواضع المتمثّل في تقبّل الخسارة”.
سِمة الحياة السياسية في “فرنسا”..
وباتت الاحتجاجات سِمة مميزة للحياة السياسية في “فرنسا”؛ إذ دأب الشارع على ترجمة الخلافات السياسية أو الأمور المطلبية إلى تظاهرات شعبية عارمة وعنيفة في بعض الأحيان.
واندلعت احتجاجات عارمة عُرفت: بـ (السترات الصفراء) في العام 2018، تنديدًا بسياسات الحكومة فيما يخص الوقود، كما حركت إصلاحات “قانون التقاعد”، عدة جولات من التعبئة الشعبية.
وها هو الشارع الفرنسي يستجيب مُجددًا لدعوات اليسار للتظاهر احتجاجًا على تعيّين “بارنييه” رئيسًا للوزراء.
مخاوف من تخطي الاحتجاجات..
شعارات مظاهرات “فرنسا” اليوم؛ أظهرت أن الأزمة السياسية باتت أمام: “خيارات مفتوحة”، وربما تتخطى مسألة رئاسة الوزراء، في حال تصاعد الاحتجاجات، إذ رفع نواب في حزب (فرنسا الآبية)، الذي يتزعمه؛ “جان لوك ميلانشون”، أحد أبرز قيادات تحالف (الجبهة الشعبية الجديدة)، لافتات كُتب عليها: “استقالة ماكرون”؛ و”ضد استبداد ماكرون”، كما شوهدت لافتات في المظاهرات، رفعت شعار: “إنشاء جمهورية سادسة”.
كما أظهر حجم الاحتجاج الشعبي في “فرنسا”، أن محاولات “بارنييه” لتهدئة معارضيه، لم تجد أي صدى لدى تيار اليسار.
وكان “بارنييه” استبق مظاهرات السبت، بتأكيده علي انفتاحه على تسّمية وزراء من جميع التوجهات السياسية، بما في ذلك: “شخصيات من اليسار”.
“بارنييه” في مهمة شاقة !
وبانتقال الأزمة السياسية في “فرنسا” إلى مربع الشارع؛ بات “بارنييه” في مهمة شاقة، إذ تخطت أزمته مداولات تشكيل حكومة تنال ثقة المؤسسة التشريعية، أو حتى إقرار موازنة توافقية.
وبات لزامًا على “بارنييه” أن يبدأ عهده بمحاولة تهدئة شارع غاضب، فيما الوضع مُرشح لمزيد من التصعيد، في ظل عدم مشاركة الحزب الاشتراكي اليساري في المظاهرات بشكلٍ رسمي، إضافة إلى أن النقابة العمالية تعتزم تخصيص شهر تشرين أول/أكتوبر المقبل للاحتجاج، من أجل المطالبة برفع الأجور والمعاشات.
تحت المراقبة..
من جهتها؛ قالت “مارين لوبن”، التي تقود كتلة (التجمع الوطني)؛ (أقصى اليمين)، في “الجمعية الوطنية”، إن حزبها لن يكون جزءً من الحكومة الجديدة، وأنها ستنتظر خطاب “بارنييه” السياسي الأول في البرلمان قبل أن تنظر في خيار دعمه.
وقال رئيس (التجمع الوطني)؛ “جوردان بارديلا”، السبت، إن: “بارنييه؛ هو رئيس وزراء تحت المراقبة”.
تعليقًا على ذلك؛ قال “بارنييه” على هامش زيارة لمستشفى (نيكر) للأطفال في “باريس”: “أنا تحت مراقبة كل الفرنسيين”.
وسيكون رئيس الوزراء الجديد مسؤولاً عن الميزانية والأمن والهجرة والرعاية الصحية، وهي ملفات شديدة الحساسية.
وسيتعين عليه أن يأخذ في الاعتبار مصالح (التجمع الوطني)؛ إذا كان يُريد تجنب اقتراح بحجب الثقة في “الجمعية الوطنية”.
ويواجه “بارنييه”؛ الذي من المُرجّح أن يحظى بدعم أقلية فقط في “الجمعية الوطنية”، مهمة عاجلة تتمثل في تقديم ميزانية عام 2025 بحلول أوائل تشرين أول/أكتوبر.
أبرز مهام “بارنييه”..
ولد “ميشال بارنييه”؛ في 09 كانون ثان/يناير سنة 1951، في “لا ترونش”، إحدى ضواحي مدينة “غرونوبل” الفرنسية الألبية، حسّب وكالة (رويترز) للأنباء.
تخرج العام 1972 من (ESCP)؛ وهو معهد لإدارة الأعمال الأوروبية في “باريس”، وفق موقع “البرلمان الأوروبي”.
انتخب عضوًا في “البرلمان الفرنسي”؛ سنة 1978، وعمره آنذاك: (27 عامًا)، ممثلاً لمنطقة “سافوا” الديغولية التي تميل نحو يمين الوسط.
شارك عام 1992؛ في تنظيم دورة الألعاب الأولمبية الشتوية التي أقيمت في “ألبرتفيل” في دائرته الانتخابية، وهو الحدث الذي لا يزال محوريًا لصورته العامة، وفق (رويترز).
شغل منصب وزير البيئة بين العامين 1993 و1995، ووزير “فرنسا”؛ لـ”أوروبا”، بين 1995 و1997.
تولى منصب مفوّض السياسة الإقليمية لـ”الاتحاد الأوروبي” (1999-2004)، وهو منصب مسؤول عن المنح والإعانات التي تُمثّل ثُلث ميزانية الاتحاد.
تولى “وزارة الخارجية” الفرنسية (2004-2005)، ووزيرًا للزراعة (2007-2009)، وانتخب عضوًا في “البرلمان الأوروبي” (2009-2010).
شغل منصب مفوّض “الاتحاد الأوروبي” للسوق الداخلية والخدمات (2010-2014). تفاوض على تنظيم جديد واسع النطاق للأسواق المالية الأوروبية بعد الانهيار العالمي، بما في ذلك الإصلاحات غير الشعبية في مدينة “لندن”.
تم تعيينه عام 2016؛ مفاوضًا لـ”الاتحاد الأوروبي” بشأن خروج “بريطانيا” من “الاتحاد الأوروبي”، بعد استفتاء “بريطانيا” على الخروج من الكتلة فيما عُرف بـ (بريكست).
فشل سنة 2021؛ في محاولة الحصول على ترشيح حزبه المحافظ للانتخابات الرئاسية لعام 2022.
رئيس فريق العمل للعلاقات مع “المملكة المتحدة”؛ “ميشال بارنييه”، خلال جلسة تصوير في 11 آيار/مايو 2021، في “باريس” (أ. ف. ب).
بحسّب موقع “البرلمان الأوروبي”، من أبرز المناصب الأخرى التي تولاها “ميشال بارنييه”:
- رئيس “الجمعية الفرنسية لمجلس البلديات والمناطق الأوروبية”؛ (1997-1999).
- عضو في “مجلس الدولة” الفرنسي؛ (2005-2016).
- مستشار خاص لرئيس المفوضية الأوروبية؛ “خوسيه مانويل باروسو”. قدّم تقرير: “من أجل قوة حماية مدنية أوروبية: مساعدة أوروبا”.
- “ميشال بارنييه”؛ مستشار سياسي لحزب (الجمهوريين) منذ العام 2006. وتُجدر الإشارة إلى أنّ حزب (الجمهوريين)؛ محسوب على يمين الوسط.
- نائب رئيس حزب (الشعب الأوروبي)؛ (2006-2015).
- رئيس مجموعة حزب (الشعب الأوروبي)؛ المعنية بقضايا الدفاع والأمن الأوروبيين، (2015).
لـ”ميشال بارنييه”؛ (10) مؤلّفات في السياسة والبيئة والاقتصاد بين العامين 1985 و2014، بحسّب موقع “البرلمان الأوروبي”.
“ميشال بارنييه”؛ من حزب (الجمهوريين) الفرنسي المحافظ، يصل لحضور اجتماع طاريء دعا إليه زعماء حزب (الجمهوريين) في “باريس”؛ 12 حزيران/يونيو 2024 (رويترز).
طمأنة “بروكسل”..
كتبت صحيفة (لو موند) الفرنسية، الخميس الماضي، في تعريفها بـ”ميشال بارنييه”:
“أصبح (ميشال بارنييه) المفاوض السابق بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي رئيسًا للوزراء، عن عمر يناهز (73 عامًا)، في خضم أزمة سياسية، مع مهمة دقيقة تتمثل في إيجاد طريق في الجمعية الوطنية؛ (البرلمان)، المنقسمة إلى ثلاث كتل، في أعقاب الانتخابات التشريعية للبرلمان في 30 حزيران/يونيو و07 تموز/يوليو، ومن شأن خبرته الطويلة في ألغاز السلطة أن تساعده في مهمته”.
وأضاف التقرير: “ميشال بارنييه؛ الذي سيتعين عليه طمأنة بروكسل، في حين أن فرنسا مستهدفة منذ حزيران/يونيو بإجراءات العجز العام المفرط، يحظى باحترام على الساحة الأوروبية، التي عمل فيها لمدة خمسة عشر عامًا، حتى اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، الذي تم الحصول عليه بعد صراع شاق في كانون أول/ديسمبر 2020”.
وأشاد أعضاء اللجنة المفاوضة السبعة والعشرون بالمفوض الأوروبي السابق؛ “ميشال بارنييه”، مركّزين على مهارته في إيجاد التوافق، وصبره ومثابرته، عندما كان المفاوض المعيّن لإتمام اتفاق، وفق (لو موند)، حتى أنّ رئيس الوزراء المجري المثير للجدل؛ “فيكتور أوربان”، يُقدره. وقال عنه “كليمان بون”؛ وزير الدولة للشؤون الأوروبية آنذاك، في عام 2021: “إنه مفاوض جيد وشامل، وكان قريبًا جدًا منا”.