كان تقسيم العراق وظهور دولة كردية مستقلة على حدود تركيا سيناريو كابوسيا بالنسبة لأنقرة. وحذرت الأخيرة في مناسبات عديدة أنها لن تقف مكتوفة الأيدي فيما الولايات المتحدة أو أوروبا تقومان بدور القابلة المأذونة لولادة دولة من هذا القبيل.
فالمقترح الذي قدمه نائب الرئيس الأميركي جو بايدن ، عندما كان رئيسا للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، ومفاده أنه ينبغي تقسيم العراق إلى منطقة كردية واخرى سنية وثالثة شيعية لم تُقابل بالسخرية فحسب، وإنما اتخذها القوميون الأتراك المعادون للأكراد كدليل على ما تخطط له الولايات المتحدة حقا للمنطقة.
بايدن الآن أكثر حكمة، فيما تهدف جهود واشنطن للحفاظ على العراق موحدا من أجل تجنب أي نزاع إقليمي جديد. ولكن يبدو أنه ليست هناك حاجة لخطة اميركية كي يصل العراق الى حافة الانقسام. فالتناقضات في البلاد تبدو كفيلة بتحقق ذلك.
ترى انقرة الآن أن الصراع بين السنة والشيعة في العراق يزيد من احتمال تقسيم من هذا القبيل. في غضون ذلك ، فقدت تركيا كل نفوذها على بغداد ، نظرا للسجالات الحادة بين رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ونظيره العراقي نوري المالكي، الذي يقول ان انقرة تتدخل في شؤون بلاده.
وهكذا ، يبدو ان كابوس تركيا قد عاود حضوره، خصوصا مع تزايد التكهنات بأن أكراد العراق يستعدون لإعلان الاستقلال إذا سارت الأمور في ذلك البلد بشكل يجعلها خارج نطاق السيطرة. ولكن نظرا للأحداث الجارية في المنطقة، فان ما يثير الاهتمام هو أن هذا الاحتمال ليس مخيفا بالنسبة أنقرة كما كان في الماضي.
على العكس من ذلك ، ان وجود كردستان عراقية مستقرة ومزدهرة تتزايد صلاتها السياسية والاقتصادية مع تركيا سيكون على الأرجح في نهاية المطاف منطقة عازلة لأنقرة ضد الاضطراب المتزايد في أجزاء أخرى من العراق.
وكانت صحيفة وول ستريت جورنال قد نقلت يوم 2 من شباط الجاري، عن يوست هلترمان، وهو عضو بارز في مجموعة الأزمات الدولية وخبير في شؤون العراق، قوله إن “مشاركة تركيا يمكن أن تمهد الطريق للحكومة الكردية لتبادل علاقات متوترة مع بغداد سعيا لحماية تركية .”
وأضاف هيلترمان: “نحن يمكن أن نرى نشوء دولة كردية غنية بالنفط تابعة لتركيا في العراق.” وهو طرح يدفع الأمور إلى مديات أقصى بالطبع ، بيد أن هناك حقيقة مفادها أن الأحداث أجبرت كردستان العراق وتركيا ليكونا أقرب الى بعضهما من في أي وقت في الماضي.
ان حزب العمال الكردستاني المتمركز في جبال شمال العراق ما زال شوكة في هذه العلاقات، بطبيعة الحال، ولكن هذا الموضوع الحساس للغاية لا يتاح له تسميم الأجواء بين أنقرة واربيل. وفي الوقت نفسه من المفترض أن يتم إخبار كرد العراق بأنهم يمكن أن يكونوا في نهاية المطاف”أعوانا للأتراك ” ولاسيما أن من الواضح أن تعزيز العلاقات التركية الكردية سيكون مفيدا لكلا الجانبين.
من ناحية أخرى ، فإن تركيا ما زالت في خضم محاولتها لحل المشكلة الكردية داخل أراضيها مع استمرار الهجمات الإرهابية من قبل حزب العمال الكردستاني. ويمكن لكردستان العراق المستقلة سياسيا، والتي تعلن انها ليس لديها أطماع توسعية في تركيا ان تكون مفيدة أيضا في الجهود الرامية إلى حل هذه المشكلة.
تدرك القيادات الكردية العراقية من جانبها أيضا أنه لا جدوى في التفريط بالمكاسب التي نالتها للكرد خلال العقدين الماضيين باختيار التوتر مع تركيا، وبما ان لدى الكرد ما يكفي من المشاكل مع بغداد في الوقت الراهن.
ترى تركيا من ناحية أخرى أن التطورات في المنطقة لم تذهب بعيدا عما توقعه وزير الخارجية التركي داود أوغلو، وأنه لا يوجد أي معنى في التسبب بصداع إضافي عبر الاصطدام مع الأكراد العراقيين.
أظهر الربيع العربي أن الجانبين بحاجة إلى تعاون أكثر من حاجتهما للمواجهة.
عن صحيفة حريت التركية، ترجمة كتابات.