بعد النجاح الجزئي .. “أين ذهبوا ؟” هل يصبح السؤال القادم لتظاهرات حاشدة بعد “من قتلني” ؟

بعد النجاح الجزئي .. “أين ذهبوا ؟” هل يصبح السؤال القادم لتظاهرات حاشدة بعد “من قتلني” ؟

وكالات – كتابات :

كلها حكايا تتشابه في الألم.. عشرات الحكايات مصائر أبطالها مجهولة؛ ويبدو وقعها على أهلهم أشدّ من القتل.

في الباحة الخلفية لـ”مدينة الطب”، في العاصمة العراقية، “بغداد”، اجتمعت مسنات وشابات، توحّد حزنهنّ العباءات السود. وفيما شرعت نساء باللطم على وجوههن، صرخت إحداهن وهي تمسك صورة ولدها بشدة وتضمها إلى صدرها: “ما زال صغيرًا، لم يبلغ الثامنة عشرة حتى، قالوا إنه أصيب برصاص أثناء التظاهرات، ولم يستطع الفرار بينما كانوا يلاحقونهم، يفترض أن أجد جثمانه هنا، لقد بحثت في كل المستشفيات ولم أجد أي أثر له”.

في محاولة البحث عن أولادهم المغيبين، في تظاهرات تشرين أول/أكتوبر 2019، يكمل ذوو المفقودين والمخفيين قسرًا مسيرة والد المحامي المغيب، “علي جاسب”، الذي بقي يحمل صورة ابنه، ويطالب جميع الجهات بالكشف عن مصيره لعامين كاملين، إلى أن اغتالته فصائل مسلحة، قبل أن يعرف مصير ابنه.

أيضًا تسمع من ذوي المخفيين قسرًا، حكاية شاب آخر؛ يدعى: “عبدالمسيح روميو”، تم اختطافه في “ساحة الخلاني”، وسط “بغداد”، بعد إنضمامه إلى احتجاجات تشرين أول/أكتوبر، قبل عام ونصف العام، واعتقلته قوات الشغب مع مجموعة أخرى، بحسب مجموعة من المحتجين، الذين شهدوا عملية توقيفه، فيما حاولت عائلته البحث عنه في جميع السجون الحكومية من دون جدوى.

في الأول من شباط/فبراير 2020، اختطف الصحافي والباحث، “مازن لطيف”، بعدها بأيام تم اختطاف الصحافي، “توفيق التميمي”، ولم يتم التوصل إلى مكان أي منهما إلى هذا الوقت.

خطف الرجال وأبتزاز عوائلهم..

في مدينة “الصقلاوية”، غرب “العراق”، بعد خمس سنوات من تحرير المناطق، التي كانت تحت سيطرة تنظيم (داعش) الإرهابي، وسيطرة ميليشيات (الحشد الشعبي)، وبعض الفصائل الموالية لـ”إيران”، كانت عائلة المغيب، “عامر فاضل”، (35 سنة)، قد باعت منزلها مقابل الدفع لأحد الأشخاص، الذي وعدها بمعرفة مصير ابنها، الذي اختطفته الجماعات المسلحة الموالية لـ”إيران”، عندما قدم عناصر منها، بملابس عسكرية، إلى مدينتهم، مساء أحد الأيام قبل خمس سنوات، وطالبت النساء والأطفال بالخروج من المدينة بعذر تطهيرها من عصابات (داعش)؛ فيما اعتُقل الرجال فوق الستة عشر عامًا.

تعيش “مهى”، زوجة “عامر”، في غرفة صغيرة في إحدى الأراضي الزراعية، وفرها لها أحد الأشخاص في مدينتها؛ للبقاء فيها إلى حين عودة زوجها، بعدما خسرت منزلها. كان النقاب يغطي وجهها فيما بقي أولادها ينظرون بترقب خوفًا من أن يتسبب حضورنا بمجيء عناصر الفصائل المسلحة، لأنهم أعتادوا على جولات التفتيش الدورية.

تقول “مهى”: “في كل مرة كان يأتي إلينا شخص ما؛ ويعدنا بمعرفة مكان زوجي ويأخذ الأموال، وحين نذهب إلى السجن الذي يذكره لا نجد أي أثر له، إلى أن اضطررنا إلى بيع المنزل من أجل البحث عن زوجي، ربما هو في أحد سجون الميليشيات؛ هكذا قالوا لنا في المرة الأخيرة، لكن من يستطيع الوصول إليهم ؟.. أنا أرفض حقيقة أنه قُتل، طالما لم نرَ جثة، فهو على قيد الحياة”.

في مدينة “الأنبار”، غرب “العراق”، ينتظر، “سعيد كاظم”، عودة أولاده الثلاثة، أصغرهم يبلغ: (17 سنة)، كانوا اختطفوا قبل أربع سنوات؛ على يد أفراد في (الحشد الشعبي)، بعد تعرض فصيلهم لهجوم في المنطقة، قاموا على إثره باعتقال جميع رجال المنطقة، من بينهم أولاد “سعيد”: “منذ ذلك الوقت؛ لم أترك مستشفى أو سجنًا، لم أبحث فيه عن أولادي، أحدهم كان يعاني صعوبة في التنفس ولا أعلم إذا كانوا ما زالوا على قيد الحياة، أنا مستعد للتضحية بحياتي مقابل رؤيتهم أو حتى سماع أي خبر عنهم”.

تغرورق عينا “سعيد” بالدموع؛ بينما يتحدث وهو ينظر إلى أطفال ابنه الأكبر: “كانت هناك جهات من الفصائل المسلحة لا أعلم إذا كانت من قوات (الحشد الشعبي) أو (حزب الله)، طلبت مبالغ مالية مقابل تحرير أولادي من السجن. قال لي أحدهم إن أولادي في سجن الحوت؛ وهم متهمون بالإنتماء إلى تنظيم (داعش)، وسيقوم بالتعاون مع أحد الضباط لتغيير القضية، ومنذ ذلك الوقت لم أتمكن من الحصول على أي معلومات عنهم، ولا معرفة إذا كانوا في السجن أو لا”.

في ظهيرة يوم صيفي لاهب، تجمعت مجموعة من أمهات المخفيين قسرًا أمام سجن “الحوت”، في “الناصرية”، جنوب “العراق”، على أمل العثور على ذويهن بين السجناء. وقفن على الأرض المواجهة للسجن، حيث كانت حرارة الأسفلت كافية للسع أقدامهن، وركضت إحداهن لتتوسل حرس السجن البحث عن اسم ولدها بين السجناء.

أرقام وإحصاءات مرعبة..

توثق “المفوضية العُليا لحقوق الإنسان” في “العراق”؛ 75 حالة تغييب، منذ إنطلاق تظاهرات تشرين أول/أكتوبر في أواخر عام 2019، تم إطلاق سراح عدد منهم، فيما لم يتم التوصل إلى مصير 50 منهم.

ووفقًا لـ”اللجنة الدولية للصليب الأحمر”، يُعتبر “العراق” أحد أكثر البلدان التي تُسجل أشخاصًا مفقودين عالميًا، إذ تُقدّر اللجنة الدولية المعنية بهم، والتي تعمل بالشراكة مع الحكومة العراقية للمساعدة في كشف مصيرهم، أن عدد المفقودين في “العراق”، منذ ما قبل سقوط نظام “صدام حسين”، يتراوح بين: 250 ألفًا ومليون شخص.

يكشف “عمر فرحان”، رئيس “مركز توثيق جرائم الحرب”، إبان الأيام الأولى من تحرير ناحية “القيارة”، في “الموصل”، عن إنشاء سجن تابع لـ”مكافحة إرهاب نينوى”، قام عناصره والمسؤولون عنه: بـ”إجراءات تعسفية تجاه المواطنين من سكان الناحية والقرى التابعة لها؛ لدرجة أنهم قاموا بتسهيل إجراءات تبرئة أفراد من (داعش)، مقابل مبالغ فاقت الملياري دينار؛ على شكل عقارات وعمارات تجارية، وفي الوقت ذاته، كانوا يساومون أهالي الأبرياء على دفع مبالغ كبيرة لقاء إطلاق سراح أبنائهم، ومن لا يستطيع الدفع من ذوي الموقوفين؛ كان يُهمل ويُعذب حتى الموت أو يُقتل عمدًا، ويتم ذلك بدون أي أوراق تحقيقية”.

يؤكد “فرحان”؛ أنه خلال فترة سيطرة الميليشيات على المناطق المحررة، قُتِل أبرياء غير مطلوبين في قاعدة بيانات “وزارة الداخلية” و”الدفاع”، وما من أوراق رسمية حول وفاتهم. واستمرت هذه الانتهاكات منذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا؛ وأثناء العمليات العسكرية في محافظات: “الأنبار وصلاح الدين ونينوى”، تم توثيق أكثر من: 23000 حالة تغييب.

مع إنطلاق تظاهرات، “انتفاضة تشرين”، في “بغداد” ومحافظات الجنوب، وثق المركز أكثر من 75 حالة إخفاء قسري لنشطاء ومدنيين من ساحات التظاهر، غير معروفي المصير ولا الجهة التي اختطفتهم، وتعجز الحكومة، في “بغداد”، عن العمل على إطلاق سراحهم. مجددًا يشهد العراقيون، بأقسى الطرق، حجم نفوذ قوى الميليشيات التابعة لـ”إيران”، وكم أنه أكبر من “الدولة” وأقوى منها.

في “السوق” الانتخابية..

الصحافي، “عمر الجنابي”، يقول إن الأحزاب السُنية كانت اتفقت على تبني قضية النازحين والمغيبين، قبل انتخابات عام 2018، كما استخدمت هذه الملفات لإرساء تسوية سياسية مع الأحزاب الشيعية التي عملت على التغييب القسري والتهجير بقوة السلاح، وبعد التحالف بين الجانبين وتشكيل الحكومة و”مجلس النواب” وتقسيم الوزارات، تم ركن هذه الملفات وتجاهلها، فيما تفتح من جديد على أبواب الانتخابات لإبتزاز الخصوم وكسب التأييد الشعبي.

بين عامي: 2015 و2020، سجلت “المفوضية العُليا لحقوق الإنسان” في “العراق”: 8615 حالة اختفاء قسري و12 ألف مغيب، وأكثر من 8000، بين عامي: 2017 و2020 فقط.

“سجاد العراقي”، أحد المغيبين، تم اختطافه بسبب نشاطه وآرائه المناهضة للميليشيات، بعد احتجاجات “تشرين”، وكتابته منشورات تُدين عنف الميليشيات ضد المتظاهرين. وبحسب ما يذكر أحد أصدقائه، نُقل “سجاد” إلى مناطق مختلفة بعد اختطافه، وتم تغييبه في سجون سرية غير خاضعة لـ”وزارة العدل”، وتقع هذه السجون في بعض المناطق الخاضعة للفصائل المسلحة والبعيدة من المناطق السكنية، مثل المزارع التابعة للفصائل المسلحة؛ أو في الصحراء، فيما لا تزال الحكومة العراقية تنفي وجود هذه السجون، مع ورود معلومات لم يتم التأكد منها عن سجون سرية للميليشيات الإيرانية في مناطق: “جرف الصخر”، العصية على أي حضور للدولة منذ أعوام.

بين مقابر الإهمال والمقابر الجماعية..

بحسب مصدر من “دائرة الطب العدلي”، قامت الدائرة بدفن: 491 جثة مجهولة الهوية؛ يُعتقد أنها عائدة لمغيبين ماتوا في السجون لدى الفصائل المسلحة، خلال عام 2020 فقط، في “بغداد والنجف وكربلاء”، جنوب “العراق”، من دون التحقق من هويتهم أو أسباب القتل.

في الفترة الأخيرة، تم اكتشاف مقبرة في “الأنبار”، غرب “العراق”، تضم رفات عدد من الأشخاص، وكانت عبارة عن عظام وملابس مدنية تدل على أن الضحايا مدنيون، كما تظهر على الجماجم آثار ثقوب يُرجح أنها لعمليات إعدام جماعي بالرصاص. مسؤول أمني أكد أن موقع المقبرة كان سابقًا تجمعًاً لميليشيات تابعة لـ (الحشد الشعبي)، بين 2014 و2015.

وفيما يُفترض أن تقوم الدولة بالتعويض على ذوي المفقودين، بمبالغ مالية، يكشف عضو “المفوضية العُليا لحقوق الإنسان”، “علي البياتي”؛ أن الحكومة تفتقد لقاعدة البيانات التي تُمكنها من تسجيل البحث عن مصير المفقودين ومحاسبة الجناة، حتى إن الحكومة تُسجل جميع من اختفى أثناء العمليات الإرهابية ومواقع النزوح كمغيبين، من دون التحقق من سجلاتهم ومواقعهم؛ فيما إذا كانوا قد اعتقلوا أو قتلوا أو إنضموا إلى التنظيمات المسلحة.

وكانت اللجنة الدولية لمراقبة إلتزامات “العراق” حول الإخفاء القسري، والتي تمتلك صلاحية إستلام شكاوى ذوي المفقودين، قد طالبت “وزارة العدل”؛ بتفسير حول هذه القضايا، لكن الوزارة أمتنعت عن تقديم أي تفسيرات.

المصدر: داراج

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة