خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في عملية وصفت بالأكبر منذ 2019، قامت “تركيا” بشنها قصفًا جويًا على أكراد “سوريا” و”العراق”؛ تحت عنوان: (المخلب-السيف)، قضت بها على: 89 هدفًا بذريعة الرد على عملية “إسطنبول” الإرهابية؛ التي وقعت الأسبوع الماضي.
إلا ويبدو أنهم لن يتوقفوا عند ذلك فقط، حيث قال الرئيس التركي؛ “رجب طيب إردوغان”، إن العمليات في شمال “سوريا” و”العراق” لا تقتصر على الحملة الجوية، و”سنُجري مناقشات حول مشاركة قوات بّرية”.
ونقلت قناة (خبر ترك) المحلية، عن “إردوغان” قوله لدى عودته من “قطر” أن: “هيئة الأركان العامة التركية ووزارة الدفاع ستُقرران معًا بشأن مشاركة قوات بّرية”.
وأكمل قائلاً: “من غير الوارد أن تقتصر العملية العسكرية على العملية الجوية؛ وسنتخذ القرار والخطوة بشأن حجم القوات البرية التي يجب أن تنضم للعملية”.
وأضاف “إردوغان”؛ أنه لم يُجرِّ محادثات مع الرئيسين الأميركي والروسي؛ بخصوص عملية (المخلب-السيف) الجوية، موضحًا أن السلطات الأمنية التركية تُقرر وتتخذ خطواتها. ولا ننتظر الإذن من أحد؛ وعلى “الولايات المتحدة” أن تعرفنا جيدًا بعد الآن.
وأكد “إردوغان” أن عملية (المخلب-السيف) مستمرة “وسنفعل ما يلزم جوًا وبرًا”.
تدمير 89 هدف..
وأعلنت “وزارة الدفاع” التركية، أمس تدمير: 89 هدفًا، شملت ملاجئ ومستودعات ذخيرة، في ضربات جوية على قواعد للأكراد في شمال “العراق” وشمال “سوريا”.
وذكرت الوزارة أن الضربات استهدفت: “قنديل وأسوس وهاكورك”؛ في “العراق”، و”كوباني وتل رفعت والجزيرة وديرك”؛ في شمال “سوريا”، وفقًا لـ (رويترز).
وأضافت أن: “من يُسّمون بقادة التنظيم الإرهابي؛ كانوا من بين الذين جرى تحيّيدهم”.
توعد بالرد من “قوات سوريا الديمقراطية”..
من جهتها؛ توعدت “قوات سوريا الديمقراطية”؛ (قسد)، التي يقودها الأكراد، بالرد على سلسلة الغارات التي شنتها الطائرات الحربية التركية على مناطق سيطرتها في شمال شرق “سوريا”.
وقالت (قسد)؛ المدعومة من “الولايات المتحدة”: “إن هذه الهجمات التي شنتها القوات التركية المحتلة؛ لن تمر دون رد”.
اتهام تركي ونفي كُردي..
وكانت الحكومة التركية قد اتهمت مسلحين أكرادًا بالمسؤولية عن الانفجار، الذي وقع في شارع “الاستقلال”؛ في “إسطنبول”، يوم 13 تشرين ثان/نوفمبر الجاري، وأدى لمقتل: 06 أشخاص وإصابة أكثر من: 80 آخرين.
بينما لم تُعلن أي جماعة مسؤوليتها عن الانفجار الذي وقع في الشارع المخصص للمشاة في “إسطنبول”. كما نفى حزب (العمال الكُردستاني) و”قوات سوريا الديمقراطية” مسؤوليتهما عنه.
العملية الأكبر منذ 2019..
ويُعتبر الهجوم التركي الكبير الذي نُفّذ بعشرات الطائرات الحربية والمُسّيرة على مناطق واسعة في شمال “العراق” و”سوريا”، هو الأكبر منذ عملية (نبع السلام) التركية؛ التي نُفّذت شمال “سوريا”؛ في تشرين أول/أكتوبر عام 2019.
وهو ما أعاد النقاش مجددًا؛ لدى بعض المراقبين، حول مدى إمكانية نجاح “تركيا” هذه المرة في وضع حدٍ: لـ”الخطر الكُردي عليها”، كما تقول، متسائلين لماذا لا تُجرب “أنقرة” طرقًا أخرى غير الخيار العسكري ؟
الحل العسكري لا يحسم المشكلة !
فيرى أستاذ العلاقات الدولية وفض النزاعات بالجامعة الأردنية؛ “حسن المومني”، أنه: “لا شك أن المشكلة الكُردية في الشرق الأوسط تتعلق أساسًا بهوية وتطلعات الشعب الكُردي القومية منذ إنهيار الدولة العثمانية، وهي مشكلة مستعصية منذ بدايات القرن الماضي”.
وأضاف: “ولهذا فالحل الأمني لم يؤدي؛ طيلة كل هذه العقود الطويلة، لإنهاء هذه المشكلة، وقد سبق في هذا السياق للدولة التركية انتهاج طريق الحوار السلمي مع المجموعات الكُردية، وهي قد حققت بعض النتائج في مسعاها هذا، لكن بعد ما سُمي: (الربيع العربي)، وما خّلفه من تداعيات وتحولات، أعيد على إثرها إنتاج الطموحات الكُردية في تحقيق الأحلام القومية في دولة أو كيان خاص، ولا ننسى أن تمتع أكراد العراق بإقليم فيدرالي ضمن الدولة العراقية قد شجع هذا التوجه لدى أكراد الدول الأخرى”.
وتابع: “وهكذا فالحل العسكري لا يحسم هذه المشكلة المزمنة، رغم أنها بالنسبة لتركيا مشكلة وجودية تتعلق بالمصالح القومية والأمنية التركية، لذلك فجوهر التدخلات التركية في كل من العراق وسوريا هو العامل الكُردي”.
وأبرز “المومني”: “المشكلة الكُردية أعقد من أن تكون خاصة ببلدٍ واحد فقط، وهي ذات أبعاد وتداعيات إقليمية ودولية واسعة، والاستقطابات الحادة حولها تُعمّقها، فتركيا مثلاً جربت خلال السنوات العشر الماضية التدخلات العسكرية في شمالي العراق وسوريا؛ والتي لم تؤدي لإنهاء هذه القضية، ولهذا فلا بد من بلورة حالة حوارية مع من يُمثل الأكراد”.
واستدرك: “كما وأن الأكراد بدورهم منقسمون سياسيًا وقبليًا فيما بينهم، مما يجعلهم عرضة للتجاذبات والاستقطابات الإقليمية والدولية، علاوة على خلافاتهم الإيديولوجية والسياسية الحادة، فمنهم مثلاً من يُقيم العلاقات مع تركيا ويتحاور معها، ومنهم من يُحاربها من وجهة نظرهم في سبيل تحقيق الحلم الكُردي”.
ويختم المتحدث بالقول: “هذه الجولة الجديدة من التصعيد بين الجانبين: التركي والكُردي، مردها هجوم إسطنبول الأخير، رغم نفي الجهات الكُردية المتهمة ضلوعها فيه، وثمة عمومًا التباس حول هوية الجهة المنفذة، خاصة وأن ثمة اتهامات وجهت لتنظيم (داعش) كذلك بارتكابه”.
رد على هجوم “إسطنبول”..
من جهته؛ يقول رئيس مركز (الأمصار) للدراسات الإستراتيجية؛ “رائد العزاوي”، أن: “العملية هي كما هو واضح محاولة للرد على ما جرى من هجوم إرهابي في إسطنبول، ولرد هيبة الحكومة التركية التي أهتزت أمام الرأي العام على وقع الهجوم، لكنها في المقابل تقوض مسار السلام الداخلي في البلاد، وستؤثر على علاقات تركيا مع العراق وسوريا كونها تنتهك سيادة البلدين”.
وأضاف: “فالعراق مثلاً يتفق مع تركيا في محاربة الإرهاب، لكنه يختلف معها في آليات حل الصراع (التركي-الكُردي)، حيث أن أكثر من: 04 عقود من المواجهة المسلحة بين أنقرة وحزب (العمال الكُردستاني) لم تُسفر عن نتيجة، وبالتالي فالمطلوب البحث عن حلول غير عسكرية”.
تحتاج لتضافر دولي وإقليمي..
ويُتابع “العزاوي”: “لا شك أن الهجوم في شارع الاستقلال بإسطنبول وسط المدنيين المارة مرفوض ومُدّان، لكن استخدام القوة العسكرية لحل الأزمات لا يُجّدي، وخاصة القضية الكُردية التي لا يمكن أن تُحل بالسلاح، وهكذا فسياسة أنقرة الحالية حيال الملف الكُردي لا يمكنها حل هذه المشكلة، حيث أن نصف قرن من التعاطي الأمني مع مشكلة الأكراد بتركيا كشف أنه لا حل عسكري للصراع، والبديل هو الحوار ووقف إطلاق نار حقيقي يُمهد للسلام، وبما يخدم تركيا ككل ويُعزز مكانتها كقوة إقليمية كبرى ومتصالحة داخليًا”.
ويوضح: “فالأكراد لديهم قدرات كبيرة؛ وخاصة في المناطق الجبلية الوعرة، التي يصعب على الجيوش النظامية التحرك فيها، ومن الطبيعي أن يتفوق مقاتلو حرب العصابات في مناطق نفوذهم المتمرسين فيها والعارفين بتضاريسها، ولهذا فحتى وفق المنظور العسكري المجرد، فإن المشكلة لن تُحسّم وفق فوهة المدافع”.
وختم المتحدث بالقول: “المسألة الكُردية معقدة جدًا؛ وهي متشابكة الخيوط مع جملة ملفات حساسة، ولهذا هي تحتاج لتضافر الجهدين الدولي والإقليمي لمعالجتها وتسويتها، والمهم هنا هو ضمان حل سلمي يُحقن دماء الأتراك والأكراد ويضمن الحقوق الكُردية داخل تركيا مع ضمان سلامة ووحدة أراضي الدولة التركية، وبما يضمن أمن واستقرار وسيادة العراق وسوريا المهددتين، مع تواصل الهجمات التركية والإيرانية كذلك على أراضي البلدين، بذريعة محاربة الجماعات الكُردية المعارضة”.