وكالات- كتابات:
في موقف تاريخي طال انتظاره لـ”العراق” والعراقيين؛ أعلنت “بغداد” و”واشنطن”، عن موعد انتهاء المهمة العسكرية لـ”التحالف الدولي” في “العراق”.
وجاء بحسّب بيان مشترك لـ”بغداد” و”واشنطن”؛ أن: “العراق والولايات المتحدة الأميركية تربطهما علاقة استراتيجية، ونتيجة للمشاورات والمناقشات مع قيادة التحالف الدولي لهزيمة (داعش) والدول الأعضاء الصديقة، والمناقشات المكثفة داخل اللجنة العسكرية العليا (الأميركية-العراقية)، التي عملت بجد ومهنية في اجتماعات مكثفة على مدى الأشهر التسعة الماضية، وبعد دراسة وتقييم الوضع العسكري والأمني في العراق والمنطقة، تُعلن ما يلي:
أولاً: إنهاء المهمة العسكرية للتحالف في العراق خلال الاثني عشر شهرًا القادمة، وفي موعد أقصاه نهاية أيلول/سبتمبر 2025، والانتقال إلى شراكات أمنية ثنائية بما يدعم القوات العراقية ويُحافظ على الضغط على (داعش).
ثانيًا: وحيث أن العراق عضو أساس في التحالف، ولمنع عودة التهديد الإرهابي لـ (داعش) من شمال شرق سورية، وتبعًا للظروف الميدانية والمشاورات بين العراق والولايات المتحدة وأعضاء التحالف، فإن المهمة العسكرية للتحالف العاملة في سورية من منصة يتم تحديدها في الهيئة العسكرية العُليا ستستمر حتى أيلول/سبتمبر 2026.
ثالثًا: تلتزم الهيئة العسكرية العُليا بصياغة الإجراءات اللازمة لتحقيق ما ورد في الفقرات أعلاه، والتوقيتات، والآليات لتنفيذها، بما في ذلك الإجراءات لضمان الحماية الجسدية لمستشاري التحالف المتواجدين في العراق خلال الفترة الانتقالية، بما يتفق مع الدستور والقوانين العراقية. وقد بدأت الخطوات العملية لتنفيذ هذه الالتزامات”.
وبحسّب البيان فإن “العراق” قدم شكره للتحالف على الدعم والمساندة التي قدمها للقوات الأمنية العراقية لمواجهة هذا التهديد المشترك وتأمين هزيمة (داعش) على الأرض في “العراق”، وفي مقدمة هذه الدول “الولايات المتحدة الأميركية”؛ التي وقفت مع “العراق” في ظروف صعبة.
فيما ثمّن التحالف: “دور العراق والتضحيات الكبيرة التي قدمتها كافة القوات الأمنية العراقية في محاربة هذا التنظيم الإرهابي؛ الذي شكل تهديدًا للعالم أجمع”، مؤكدًا: “على ضرورة مواصلة كافة الجهود لضمان عدم عودة التهديد من هذا التنظيم الإرهابي بأي شكل من الأشكال”.
وسيتم وفقًا للبيان تعزيز العلاقات بين “العراق” و”الولايات المتحدة”، حيث تسعى الدولتان إلى تعزيز المساعدة الأمنية والتعاون على أساس الاحترام المتبادل، بما يتفق مع “اتفاقية الإطار الاستراتيجي”؛ بين “الولايات المتحدة” و”العراق” والدستور العراقي، وتعزيز شراكة ثنائية دائمة بما يتفق مع البيان المشترك بين “الولايات المتحدة” و”العراق” الصادر خلال زيارة رئيس الوزراء؛ “محمد شيّاع السوداني”، إلى “واشنطن” العاصمة، يومي 15 و16 نيسان/إبريل 2024، والبيان المشترك بين “الولايات المتحدة” و”العراق” في أعقاب الحوار الثاني للتعاون الأمني المشترك بين “الولايات المتحدة” و”العراق”؛ الذي عقد في “واشنطن” العاصمة يومي 22 و23 تموز/يوليو 2024.
ويُمثل هذا التحول التاريخي مرور عقد من الزمان منذ تشكيل البعثة العسكرية للتحالف في “العراق”، ويواصل “العراق” التعاون مع “الولايات المتحدة” وأعضاء آخرين في التحالف؛ لإقامة علاقات أمنية ثنائية حيثما كان ذلك مناسبًا.
وتعزيزًا لاختتام المهمة العسكرية لـ”التحالف الدولي” بشكلٍ آمن ومنظم، تؤكد: “حكومة العراق التزامها، بما يتفق مع التزاماتها الدولية، بحماية المستشارين الدوليين المتواجدين في العراق بدعوة من الحكومة العراقية”.
ويُعد هذا الاتفاق مهم في ظل وضع سياسي وأمني حساس لـ”العراق” والمنطقة بعد سنوات من وجود القوات الأجنبية في البلاد، ومواجهة العديد من التحديات الأمنية المترتبة على تنظيم (داعش) وغيره من الجماعات المسلحة، حيث سعت الحكومة العراقية إلى ضمان سيادتها واستقلالها، وفي الوقت نفسه، تأمين الاستقرار الداخلي.
يُعتبر هذا الاتفاق تطورًا مهمًا في العلاقة بين “بغداد وواشنطن”، ويتماشى مع الأولويات العراقية.
خلفية الاتفاق..
ومنذ غزو “العراق”؛ عام 2003، والقوات الأميركية تلعب دورًا محوريًا في المشهد الأمني والسياسي العراقي. ومع ذلك، شهدت العلاقة تطورات عديدة، بدءًا من انسحاب القوات الأميركية في 2011، ثم عودتها مجددًا في 2014 مع صعود تنظيم (داعش)، وسيطرته على مساحات شاسعة من الأراضي العراقية.
وعلى مدار السنوات، ومع الانتصار على (داعش)، تصاعدت الضغوط الشعبية والسياسية داخل “العراق” لإنهاء وجود القوات الأجنبية.
وقد زادت هذه الضغوط بعد اغتيال قائد (الحرس الثوري) الإيراني؛ “قاسم سليماني”، ونائب رئيس (الحشد الشعبي)؛ “أبومهدي المهندس”، في هجوم أميركي بطائرة مُسيّرة؛ في كانون ثان/يناير 2020، مما أثار احتجاجات غاضبة ومطالبات رسمية بخروج القوات الأجنبية.
بدايات الاتفاق..
ومنذ تسّنم “محمد شيّاع السوداني”؛ منصب رئيس الوزراء، في تشرين أول/أكتوبر 2022، في ظل أجواء سياسية متوترة وضغوط متزايدة لإخراج كامل للقوات الأميركية.
عمل “السوداني” على التوصل إلى اتفاق يُحافظ على مصالح “العراق” وسيّادته، وفي الوقت ذاته يضمن استمرار الدعم الدولي للقوات العراقية في مواجهة الإرهاب.
النقاط الرئيسة في الاتفاق..
- انسحاب القوات القتالية: يتضمن الاتفاق مواصلة تنفيذ قرار سحب القوات القتالية التابعة لـ”التحالف الدولي”، مع تركيز وجود مستشارين على مهام استشارية وتدريبية.
ويسعى الاتفاق إلى ضمان ألا تكون هناك قوات أجنبية تشارك في العمليات القتالية المباشرة داخل “العراق”.
- تعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي: يُركز الاتفاق على التعاون بين “العراق” و”الولايات المتحدة” في مجالات الاستخبارات والتنسيق الأمني لمواجهة التهديدات المتبقية من تنظيم (داعش) وخلاياها النائمة.
- التعاون الاقتصادي والتنموي: بالإضافة إلى الجانب الأمني، يتناول الاتفاق سُبل تعزيز التعاون في مجالات الاقتصاد، الطاقة، وتطوير البُنية التحتية، بما يُسهم في دعم الاقتصاد العراقي وتعزيز فرص الاستثمار.
- احترام السيّادة العراقية: يؤكد الاتفاق على احترام سيّادة “العراق” وعدم اتخاذ أي إجراءات من شأنها المساس بالقرارات السيّادية للدولة العراقية.
ويُعد هذا البند حساسًا للغاية نظرًا للضغوط المحلية التي تدعو لإنهاء النفوذ الأجنبي في “العراق”.
ردود الأفعال العراقية..
ولاقى الاتفاق ترحيبًا نسبيًا في الأوساط العراقية المختلفة، حيث أكد رئيس الوزراء؛ “محمد شيّاع السوداني”، في عدة مناسبات، أن الاتفاق جاء ليحفظ سيّادة “العراق” ويُعزز من قدرة القوات الأمنية على حماية البلاد من أي تهديدات مستقبلية.
الموقف الأميركي..
من الجانب الأميركي؛ أبدت إدارة الرئيس؛ “جو بايدن”، استعدادها للالتزام بالاتفاق والمساعدة في تعزيز قدرات القوات العراقية.
وتعتبر “الولايات المتحدة” أن الشراكة مع “العراق” لا تقتصر على الجوانب العسكرية فقط، بل تشمل أيضًا التعاون الاقتصادي والتنموي، وهو ما يُسهم في تحقيق استقرار طويل الأمد في البلاد.
ويُعد الاتفاق بين رئيس الوزراء؛ “محمد شيّاع السوداني”، و”الولايات المتحدة”، بشأن انسحاب قوات “التحالف الدولي”، من “العراق”، خطوة مهمة نحو تحقيق الاستقرار والسيّادة العراقية.
ويهدف هذا الاتفاق للحفاظ على استمرار التعاون في مجالات الأمن، الاستخبارات، والاقتصاد، وهو يُمثل فرصة لـ”العراق” لتعزيز قدراته الوطنية والتوازن بين القوى الإقليمية والدولية.
هل يتضمن انسحابًا أميركيًا ؟
في خضم الأوضاع المتوترة بالشرق الأوسط، جاء الإعلان “العراقي-الأميركي” المشترك، عن إنهاء مهمة “التحالف الدولي” في توقيت من غير المعروف كم سيكون مناسبًا مع ما يجري من أوضاع تُشير معطياتها الى احتمالية نشوب حربٍ واسعة و”العراق” جزءٍ منها.
ليس التوقيت فحسّب؛ بل المضامين أيضًا، ربما لا تتُيح أن يكون هناك: “احتفال” من قبل الجهات وأجنحة (المقاومة)؛ التي لطالما طالبت بإخراج القوات الأميركية من “العراق”، فالبيان المشترك لم يُشير إلى أي انسحاب بشكلٍ مباشر، بل تغيّير وانتقال المهمة من مهمة عسكرية إلى أخرى.
لكن مع ذلك؛ هناك مؤشران على أن مقرات وقواعد سيتم إخلاءها بالفعل، وذلك في قراءة للنقطة الثالثة من البيان المشترك الذي جاء فيه بوضوح أنه: “تلتزم اللجنة العسكرية العُليا بإجراءات تامين وحماية مستشاري التحالف المتواجدين في العراق خلال الفترة الانتقالية، وفقًا للدستور والقوانين العراقية، وقد بدأت الخطوات العملية لتنفيذ هذه الالتزامات”.
من المهم التركيز على: “الفترة الانتقالية”، أي أنه خلال الفترة الانتقالية البالغة (12) شهرًا حتى نهاية أيلول/سبتمبر 2025، ستكون القوات الأميركية في مواقعها الحالية كما هي، لذلك تلتزم اللجنة العسكرية المشتركة لتأمين الحماية لها، بما أنها تسُّمى: “فترة انتقالية” توجب الحماية للقوات أو المستشارين الأميركيين، فهذا يعني أن ما بعد: “الفترة الانتقالية” سيكون هناك إخلاء وتغييّر لمواقع تواجد المستشارين، وهي إشارة مثيرة للانتباه.
أما الإشارة الأخرى المهمة في البيان؛ هو الاتفاق مع “العراق”: “لاستمرار المهمة العسكرية للتحالف الدولي في سورية”، وهذا الجزء يطرح تساؤلاً عن: “ما علاقة العراق بمهمة التحالف في سورية”، حيث يوحي البيان إلى أن “العراق” طرف في القصة، أما كيفية كونه طرف، فهو ما يوضح البيان في لمحة، حيث نص البيان على: “لكون العراق عضوًا أساسيًا في التحالف ولمنع عودة التهديد الإرهابي لـ (داعش) من شمال شرق سورية، ووفقًا للظروف على الأرض والمشاورات بين العراق والولايات المتحدة وأعضاء التحالف، ستستمر المهمة العسكرية للتحالف العاملة في سورية انطلاقًا من منصة تم تحديدها من قبل اللجنة العسكرية العُليا حتى أيلول/سبتمبر 2026”.
هنا تفرض جملة: “منصة تم تحديدها من قبل اللجنة العسكرية العُليا”، نفسها على أهمية الفقرة، حيث أن “العراق” سيكون طرفًا في تواجد التحالف في “سورية” عبر تهيئة مقر عمليات في “العراق” مختص بتنفيذ مهام “التحالف الدولي” في “سورية”.
من جانب آخر؛ نقلت (الحرة) الأميركية؛ عن مسؤول أميركي قوله، إن “الولايات المتحدة” لن تنسحب من “العراق”؛ بموجب هذا الاتفاق الذي يُشكل تطورًا للمهمة العسكرية في “العراق”، ويُمهد لعلاقة أمنية طويلة الأمد على غرار علاقات “واشنطن” الأمنية مع مختلف شركائها حول العالم.
واكد المسؤول أن تغييّرًا سيطرأ لا شك على عدد القوات الأميركية، وتموضعها، ولكن هذه التفاصيل لم تُحسم بعد، ولا تزال تحت المراجعة وستكون محور المباحثات مع حكومة “العراق” حول تطور علاقة البلدين الثنائية.