بعد استقراره بـ”الإليزيه” لخمس سنوات جديدة .. تنافس “ماكرون” و”شولتز” يهدد الوحدة الأوروبية المزعومة !

بعد استقراره بـ”الإليزيه” لخمس سنوات جديدة .. تنافس “ماكرون” و”شولتز” يهدد الوحدة الأوروبية المزعومة !

وكالات – كتابات :

سيسعى “ماكرون”؛ خلال فترته الثانية، إلى تحقيق طموحه المتمثل في تحويل “الاتحاد الأوروبي” إلى قوة عظمى بقيادة “فرنسا”، فكيف يؤدي ذلك إلى تعميق الانقسام مع “شولتز ألمانيا”، وما دخل “بوتين” بالقصة ؟

رغم كل ما تروج له آلة الدعاية الغربية والأميركية منذ بدء العملية الروسية العسكرية الخاصة في “أوكرانيا”؛ من مزاعم الوحدة الأوروبية بين الدول الغربية، فإن الجوهر والتفاصيل تبدو مختلفة إلى حدٍ كبير، ونشرت مجلة (فورين بوليسي) الأميركية؛ تقريرًا عنوانه: “عودة الانقسام (الفرنسي-الألماني)”، ألقى الضوء على العلاقة بين “برلين” و”باريس”، بعد فوز “ماكرون” بفترة ثانية.

إذ شهد العالم بأسره ما بدا وكأنه روحٌ جديدة من الوحدة بين “فرنسا” و”ألمانيا”، وذلك لفترةٍ وجيزة في أعقاب الهجوم الروسي على “أوكرانيا”، الذي تصفه “موسكو” بأنه: “عملية عسكرية خاصة” لمنع عسكرة “كييف”، بينما يصفه الغرب بأنه: “غزو”، وكان خطاب “نقطة التحول”؛ الذي أدلى به المستشار الألماني؛ “أولاف شولتز”، في الـ 27 من شباط/فبراير، أشبه بإعادة إحياءٍ لفكرة الغرب المتحد، وحشدٍ لـ”الاتحاد الأوروبي” على أساس الإحساس بوجود غرضٍ أكبر. ولا شك أن هذا التجديد هو ما كان يُطالب به الرئيس الفرنسي؛ “إيمانويل ماكرون”، منذ سنوات.

ماذا يعني فوز “ماكرون” لطموحاته الأوروبية ؟

الأحداث الجارية على مدار الأيام الماضية؛ تُهدد بتبديد مثل هذه الآمال، إذ حقق “ماكرون”، في يوم الأحد 24 نيسان/إبريل، فوزًا ساحقًا على المرشحة اليمينية؛ “مارين لوبان”. ومن شبه المؤكد أن “ماكرون” سيستغل فترته الثانية في مطاردة حلمه من أجل بناء “أوروبا مستقلة”، ومتحدة بحق، وتتحدث بصوتٍ واحد، خاصةً في مواجهة “روسيا”.

لكن “شولتز”؛ وحزبه (الديمقراطي الاشتراكي) الحاكم، ربما يسلكون اتجاهًا مختلفًا في الوقت الراهن. فرغم الدعوات الملحة لـ”ألمانيا” بتخفيض أو إلغاء اعتمادها على “روسيا”؛ عقب هجوم “فلاديمير بوتين”، خرج “شولتز” ليُصرّح بوضوحٍ مؤخرًا أن هذا الأمر لن يحدث قريبًا.

ولا شك أن العالم يشهد عودةً من البلدين إلى سابق عهدهما، حيث سعى “ماكرون”؛ لخمس سنوات، من أجل تجنيد “ألمانيا” المترددة، تحت حكم المستشارة السابقة؛ “أنغيلا ميركل”، في حملته الطموحة من أجل تحويل “الاتحاد الأوروبي” إلى ما هو أكثر من مجرد كونفيدرالية ضعيفة. بينما تباهى مكتب “شولتز” بكون المستشار أول مُهنئي “ماكرون” على إعادة انتخابه، وأن الثنائي: “أكّدا نيتهما مواصلة علاقة الثقة الوثيقة بين ألمانيا وفرنسا”، وهي الفكرة التي تبدو مستبعدةً اليوم أكثر فأكثر.

حيث إن سعي “ماكرون” لتنصيب نفسه زعيمًا على “أوروبا” دفعه لمحاولة التواصل مع “بوتين”؛ خلال الأسابيع الأولى من الهجوم الروسي، من أجل التوصل إلى ترتيبات مرضية، لكنه غير موقفه مؤخرًا بالانضمام إلى الرئيس الأميركي؛ “جو بايدن”، في زيادة الدعم العسكري المتجه إلى “أوكرانيا” على نطاقٍ واسع، وذلك عن طريق إرسال مدفعيةٍ ثقيلة تتضمن مدافع (قيصر هاوتزر) فرنسية الصنع.

وفي الوقت ذاته، أرسل: 50 عضوًا في “البرلمان الأوروبي” خطابًا إلى “شولتز”؛ لحثه على أن: “يأخذ موقفًا في صف الجانب الصحيح من التاريخ”. كما وجه أعضاء “البرلمان الأوروبي”، المنحدرون من: 13 دولة عضو في الاتحاد، الانتقادات لـ”ألمانيا” بسبب عرقلتها قرار “البرلمان الأوروبي”، الصادر في السابع من نيسان/إبريل – الذي مُرّر بأغلبيةٍ كبيرة – من أجل الدعوة لفرض: “حظر فوري وشامل على الواردات الروسية من النفط، والفحم، والوقود النووي، والغاز الطبيعي”.

“ألمانيا” في مرمى النيران..

ويُواجه “شولتز” الانتقادات من داخل “ألمانيا” أيضًا بسبب تردده، ناهيك عن الانتقادات الأوكرانية، حيث أشار السفير الأوكراني في ألمانيا؛ “أندري ميلنيك”، خلال مقابلةٍ أجراها الشهر الجاري، إلى أن رفض حزب “شولتز”، (الديمقراطي الاشتراكي)، إرسال أسلحةٍ ثقيلة أو فرض حظرٍ على واردات الطاقة، يُمكن أن يُنسب إلى التاريخ الطويل لساسة الحزب: “ذوي التقارب المُثير للشكوك مع روسيا”.

إذ تشمل القائمة الرئيس الألماني؛ “فرانك فالتر شتاينماير”، الذي اتهمه؛ “ميلنيك”، بامتلاك: “شبكة اتصالات” مع “موسكو”. فضلاً عن المستشار الأسبق؛ “غيرهارد شرودر”، الذي سافر بعد تقاعده من السياسة ليعمل في شركات النفط الروسية، ومن بينها شركة (Nord Stream)، مالكة خط أنابيب (نورد ستريم-1)، الذي ينقل “الغاز” من “روسيا” إلى “ألمانيا”، والذي أذن بإنشائه حين كان مستشارًا للبلاد.

فيما قال “هارولد جيمس”، أستاذ التاريخ الأوروبي بجامعة “برنستون”؛ لمجلة (فورين بوليسي): “هذا أسوأ توقيت للتردد بشأن أوكرانيا، ونحن بحاجةٍ لأشد قدرٍ من الحزم في هذه الفترة تحديدًا، لأن تفكيك أوكرانيا سيعني نهاية الحلم الأوروبي، ويُدرك ماكرون ذلك بوضوح”.

وربما يتفق “ماكرون” و”شولتز” الآن على أن دول حلف الـ (ناتو) الأوروبية لا يجب أن تُشارك في الحرب بشكلٍ مباشر، وأن هجوم “بوتين” يجب أن يتوقف. كما اتفقت “فرنسا” و”ألمانيا”؛ من قبل، في العديد من القضايا الأخرى المرتبطة بـ”روسيا”.

لكن الخطوات الأخيرة لحكومة “شولتز” تُشير إلى أن “برلين” تتحسس طريقها نحو شكلٍ جديد من أشكال سياسة الشرق الجديدة، وهي سياسة الوفاق مع “موسكو”؛ التي دشّنها المستشار الألماني الأسبق؛ “ويلي براندت”، إبان ذروة “الحرب الباردة”، أواخر الستينيات، وكان عضوًا في الحزب (الديمقراطي الاشتراكي) أيضًا، وقد أعلن “شولتز” صراحةً أنه يسعى لفعل ذلك قبل تنصيبه مستشارًا، في مطلع كانون أول/ديسمبر، وأكد على أن “برلين” يجب أن تبقي باب المداولات مع “موسكو” مفتوحًا دائمًا.

وحين طُلِبَ من “شولتز” التعليق على ضم “بوتين”؛ لـ”القِرم”، وتحركاته في “أوكرانيا الشرقية” خلال مقابلةٍ أجراها الخريف الماضي؛ أجاب قائلاً إنه: “مُلتزمٌ بحقيقة أن حدود أوروبا لا يجب أن تتغير باستخدام القوة”، لكن بعض المنتقدين أشاروا إلى أنه يتجه عائدًا على ما يبدو إلى نفس السياج الجيوسياسي الذي احتلته “ميركل” غالبية سنواتها: الـ 16 في حكم البلاد، وهو سياج السعي لإرضاء “بوتين” مع مواجهته دبلوماسيًا بالتناوب.

إلى أين تتجه علاقات “برلين” و”باريس” ؟

وإذا تبيّن أن “شولتز” يُريد إعادة تبني سياسة “ميركل” الخارجية؛ شديدة الحذر، فستكون هذه أنباءٌ سيئة لـ”ماكرون” أيضًا، حيث يحلم “ماكرون”؛ منذ وقتٍ بعيد، بـ”اتحادٍ أوروبي” له نفوذٌ مُعزّز وسياسةٌ متكاملة بحق على صعيد الدفاع، والاقتصاد، والطاقة.

كان “ماكرون” يُمثل القوة الدافعة وراء إعادة إحياء فكرة تشكيل ما يمكن وصفه بالجناح العسكري لـ”الاتحاد الأوروبي”، بعد أن كان قد عبّر علنًا عن رغبته في تفكيك حلف الـ (ناتو)، الحلف العسكري الذي وصفه الرئيس الفرنسي بأنه: “ميت دماغيًا”.

ونجحت جهود “ماكرون” بالفعل في موافقة “الاتحاد الأوروبي”؛ مؤخرًا، على تشكيل قوة عسكرية للتدخل السريع، بغرض نشرها بشكل مبكر في الأزمات الدولية، وستكون عبارة عن كتيبة قوامها: 05 آلاف جندي، مدعومة بسفن وطائرات حربية بغرض مساعدة الحكومات الأجنبية الديمقراطية التي تكون بحاجة لدعم عسكري عاجل.

وكان الهجوم الروسي على “أوكرانيا” السبب المباشر وراء توصل وزراء الخارجية والدفاع في “الاتحاد الأوروبي”، الإثنين 21 آذار/مارس، إلى اتفاق يهدف لتأسيس قوة رد سريع يصل قوامها إلى: 05 آلاف جندي، يمكن نشرهم بسرعة وقت الأزمات، إذ أعاد للواجهة فكرة تأسيس “الاتحاد الأوروبي” جناحًا عسكريًا خاصًا به؛ بعيدًا عن حلف الـ (ناتو).

لكن حقيقة الأمر هي أن الألمان يتبنون “الاتحاد الأوروبي” أكثر من الفرنسيين، إذ لا تزال الشكوك الأوروبية عاملاً فارقًا في السياسة الفرنسية، لكنها غير موجودة تقريبًا في “ألمانيا”. ومع ذلك، يُمكن القول إن كبار الساسة الألمان – ومن بينهم “شولتز” – سعداء بالوضع الراهن للاتحاد، الذي يُسمح بموجبه لدول “الاتحاد الأوروبي” بأن تُحدد سياساتها الأمنية والاقتصادية الخاصة.

لكن المشكلة التي ستواجه “شولتز” مستقبلاً هي أن استمرار الوضع الراهن لم يُعد ممكنًا بعد الآن على الأرجح. إذ لم يُعد من المستساغ سياسيًا الآن أن يعثر الساسة الألمان على سُبلٍ للتعامل مع “بوتين”. كما بات على “ألمانيا” أن تواجه أخيرًا الواقع الذي حاولت تجنبه لوقتٍ طويل، وهو أن بناء محطات الطاقة النووية يُمثل الطريقة الوحيدة الممكنة لتحقيق أكبر قدرٍ ممكن من الاستقلال على صعيد الطاقة.

وربما يُدرك “ماكرون”؛ هو الآخر، أنه بصدد مشكلةٍ أخرى أيضًا، إذ اكتسح منافسته؛ “مارين”، بفارق: 17%، لكنه خرج في تجمع النصر ليُعلن أن “فرنسا”: “يجب أن تعثر على حلول للاستياء والخلافات التي دفعت بالعديد من مواطنينا إلى التصويت لليمين المتطرف”. ولا شك أن أحد تلك الحلول سيشمل وضع سياسيةٍ جديدة للتعامل مع “روسيا” العدائية.

فيما قال “كونستانز ستلزنمولر”، من معهد (Brookings Institution): “تحتاج فرنسا إلى سياسة شرقٍ جديدة أفضل، بينما يبدو أن ألمانيا التي يقودها؛ شولتز، ليست لديها سياسة أوروبية من الأساس. ويبدو أن كلاهما لم يستوعب فعليًا ما يعنيه الهجوم الروسي على أوكرانيا بالنسبة لمستقبل نظام الأمن الأوروبي”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة