بعد اتهامها بارتكاب جرائم ضد الأرمن .. “فورين بوليسي”: أوروبا تُدلل “باكو” طمعًا في غازها !

بعد اتهامها بارتكاب جرائم ضد الأرمن .. “فورين بوليسي”: أوروبا تُدلل “باكو” طمعًا في غازها !

وكالات – كتابات :

نشرت مجلة (فورين بوليسي) تحليلًا؛ لـ”غابريل غافين”، وهو صحافي بريطاني يُغطي السياسية والمجتمع في منطقة “أوراسيا”، تحدث فيه عن الفرصة المتاحة أمام “أذربيجان” لتوريد “الغاز” إلى “أوروبا” في أعقاب محاولات الدول الأوروبية التخلص من واردات الطاقة الروسية بسبب حرب “موسكو” في “أوكرانيا”.

ويستهل الكاتب تحليله بالقول: منذ إنهيار “الاتحاد السوفياتي”، حكمت غالبية سكان “ناغورنو قرة باغ” – من أصل أرميني – نفسها فعليًّا بوصفها “جمهورية أرتساخ”؛ غير المُعترف بها، على الرغم من كونها داخل حدود “أذربيجان”؛ المُعترف بها دوليًّا. وفي عام 2020، بعد حرب قصيرة؛ ولكنها دموية إنتهت باتفاق سلام بوساطة “موسكو”، أُجبر الانفصاليون في المنطقة؛ المدعومون من “أرمينيا”، على التخلي عن السيطرة على عدد من البلدات والمدن، لكن جوهر دولتهم المُعلنة من جانبهم، بما في ذلك “إقليم ستيباناكيرت”، لا يزال تحت سيطرتهم.

وعلى الرغم من إنتهاء الحرب، اتهم المسؤولون في “إقليم ستيباناكيرت”؛ المتنازع عليه، الحكومة الأذربيجانية، بمحاولة تجميدهم بقطع خط أنابيب “الغاز الطبيعي” الوحيد الذي يمر عبر الأراضي التي استولت “أذربيجان” عليها حديثًا. ومع انخفاض درجات الحرارة في المدينة الجبلية إلى ما دون درجة التجمد، وبدون أي تدفئة، تُرك أكثر من: 100 ألف شخص للتعامل مع البرد الشديد بما يستطيعون خلال الأسبوعين التاليين؛ حتى استعادة الإمدادات. وجمع العديد من السكان، مثل “إيرينا”، الحطب وأشعلوا النار داخل منازلهم، وطهوا اللحوم والخضراوات على النار بعد أن توقفت مواقدهم عن العمل. وتكدس آخرون في الأقبية طلبًا للدفء مع تساقط الثلوج، وكانوا يجرون أطفالهم معهم.

ويُضيف الكاتب: وصفت “باكو”؛ “مزاعم”، المسؤولين في “إقليم ستيباناكيرت” بقطع الإمدادات بأنها: “لا أساس لها من الصحة”، ولكن وسط سلسلة من الاشتباكات في الأسابيع الأخيرة، التي قيل إنها أدت إلى مقتل أفراد الخدمة الأرمينية، يبدو أن المواجهة المستمرة منذ عقود تدخل مرحلة جديدة خطيرة؛ حيث يمكن أن تُصبح الطاقة جزءًا من حرب الاستنزاف. ومع تزايد الضغط على السكان الأرمن في “ناغورنو قرة باغ”، يبدو أن “باكو” حريصة على حل قضية المنطقة المتنازع عليها بشكل نهائي، لتُثير مخاوف أن يؤدي القتال الجديد إلى خسارة الانفصاليين لمزيد من الأراضي ونزوح المدنيين عبر الحدود إلى “آرمينيا”.

مصدر الصورة: RT

“أذربيجان”: مزيد من الطاقة لـ”أوروبا”..

يُلفت الكاتب إلى أنه نظرًا إلى أن “أوروبا” تُخطط لفرض عقوبات على صادرات الطاقة من “روسيا” في أعقاب غزوها لـ”أوكرانيا”، تُخطط  “أذربيجان” بدورها لتصدير المزيد من “الغاز” إلى القارة. وعلى مدى عقود، اعتمدت “أوروبا” على “روسيا” للحصول على “الغاز” الرخيص، حتى بعد ضم شبه جزيرة “القِرم”؛ عام 2014. و”باكو” لديها حقول “غاز” ضخمة في “بحر قزوين”، ومتصلة بـ”إيطاليا واليونان”؛ عبر شبكة خطوط أنابيب ممر الغاز الجنوبي، وهي في موقع متميز للمساعدة في سد الفجوة التي خلفتها “موسكو”.

وفي الشهر الماضي، بينما كان سكان “ستيباناكيرت” يشعرون بالدفء بعد أيام من انقطاع التدفئة، أعلنت شركة النفط الأذربيجانية المملوكة للدولة؛ (سوكار-SOCAR)؛ أنها تُخطط لزيادة صادرات “الغاز الطبيعي” إلى “أوروبا” بنسبة: 30% هذا العام، وقد سلمت بالفعل: 2.6 مليار متر مكعب في الربع الأول وحده. وقال متحدث باسم (سوكار): “هذا يُضيف قيمة إلى اقتصاد أذربيجان، وفي الوقت نفسه يُعزز مكانة البلاد موردًا موثوقًا للغاز إلى أوروبا”.

ويقول الكاتب: بالنسبة لـ”بلجيكا”، من الصعب أن يأتي العرض في وقت أفضل، على الرغم من أن المفاوضات بين الدول الأعضاء في “الاتحاد الأوروبي”؛ البالغ عددها: 27 دولة، حول فرض حظر على جميع أنواع “الوقود الأحفوري” الروسي قد تعثرت، لأن دولًا مثل “المجر” تستمر في المطالبة بإعفاءات على واردات “النفط الخام” الرخيصة، فإن “الغاز”؛ هو أحد المجالات التي توافق كل دولة تقريبًا على أن الوقت قد حان للتخلص منه.

ويمضي الكاتب إلى أنه في: 18 آيار/مايو، قدمت “المفوضية الأوروبية” خطة؛ (REPowerEU)، لتزويد “أوروبا” بالطاقة لفطام شبكة الطاقة الخاصة بها عن الاعتماد على “موسكو” بشكل نهائي، معترفة بأن: “المبالغ الكبيرة المدفوعة مقابل الوقود الأحفوري الروسي تُساعد روسيا في مواصلة حربها ضد أوكرانيا”. وجزءًا من ذلك، تضغط “بروكسل” من أجل خفض استهلاك “الغاز” بنسبة: 30% بحلول عام 2030؛ عبر الدول الأعضاء، بينما تضاعف الجهود أيضًا لتأمين مزودين بديلين أثناء عملها المرحلي في مصادر الطاقة المتجددة.

متاعب اقتصادية في “أوروبا”..

يواصل الكاتب: وفي الوقت نفسه؛ تسبب الاضطراب بالفعل في حدوث نقص في الطاقة وزيادة في التكاليف على المستهلكين في جميع أنحاء “أوروبا”، مما أدى إلى موجة من الشعبوية والاحتجاجات والاضطرابات، فضلًا عن أزمة تكاليف المعيشة المتصاعدة. وأصبح نقص الإمدادات قضية حاسمة في الانتخابات الرئاسية الفرنسية؛ في نيسان/إبريل، حيث واجه الرئيس الحالي؛ “إيمانويل ماكرون”، انتقادات من منافسة اليمين المتطرف؛ “مارين لوبان”، بشأن الثمن الذي يدفعه الناس العاديون مقابل العقوبات المفروضة على “روسيا”.

وأجرى “النور سلطانوف”؛ نائب وزير الطاقة الأذربيجاني، هذا الشهر في اجتماع في “بروكسل”، محادثات مع “كريستينا لوبيلو بوريرو”؛ مديرة سياسة الطاقة بـ”الاتحاد الأوروبي”. واختُتم البيان الرسمي للمفوضية الأوروبية بأنه: “عقد اجتماع مخصص لمناقشة التعاون الجاري في مجال الغاز وآفاق زيادة حجم تصدير الغاز الأذربيجاني إلى الاتحاد الأوروبي”.

ويُشير الكاتب إلى الفوائد المحتملة لـ”باكو”، التي جعلتها الطاقة أسرع اقتصادات العالم نموًا في الفترة من: 2000 إلى 2014. فوفقًا لـ”مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف”؛ ومقره “فنلندا”، تلقت “موسكو” ما يقرب من: 25 مليار دولار من مدفوعات دول “الاتحاد الأوروبي” مقابل “الغاز” وحده في الأشهر التي تلت غزو الرئيس الروسي؛ “فلاديمير بوتين”؛ لـ”أوكرانيا”. وهذا المبلغ، المعروض الآن بشكل فعال على الدول الأخرى التي يمكنها تلبية الطلب، يُقارب: 10 أضعاف إجمالي عائدات “الغاز” في “أذربيجان”؛ في عام 2019.

وبحسب الكاتب؛ فمن غير المُرجح أن تكون الدولة قادرة على مجاراة الناتج الإجمالي الكبير لـ”روسيا”، وفقًا لـ”غوباد إيباد أوغلو”، الاقتصادي الأذربيجاني والباحث الزائر بكلية “لندن” للاقتصاد. وقال: “في أحسن الأحوال، في غضون خمس سنوات، ستكون البلاد قادرة على نقل: 20 مليار متر مكعب من الغاز إلى أوروبا في إطار المرحلة الثانية من ممر الغاز الجنوبي”. وهذا يُمثل ثُمن: الـ 155 مليار متر مكعب التي اشتراها “الاتحاد الأوروبي”؛ من “روسيا”، في عام 2021. ومع ذلك، فإن قدرة “باكو” على زيادة الإنتاج تُظهر أنها ستُزيد حصتها في السوق المُربح.

وقد يكون اتفاق الطاقة مفيدًا لكل من “أوروبا” و”أذربيجان”، ولكنه يأتي بعد شهرين فقط من تصويت “البرلمان الأوروبي”؛ لصالح قرار: “يُدين بشدة سياسة أذربيجان المستمرة في محو التراث الثقافي الأرمني؛ وإنكاره في ناغورنو قرة باغ وحولها”. وفقًا للتصويت، الذي جرى تمريره بأغلبية: 635 صوتًا مقابل: 02، يشمل ذلك: “المراجعة التاريخية والكراهية للأرمن؛ التي تروج لها السلطات الأذربيجانية، بما في ذلك نزع الإنسانية عنهم، وتمجيد العنف والمطالبات الإقليمية ضد جمهورية آرمينيا، وهو الأمر الذي يُهدد السلام والأمن في جنوب القوقاز”.

“أوروبا” تُزيد اعتمادها على “باكو”..

يقول الكاتب: غير أنه جرى تنحية تلك الإدانات السابقة الذكر؛ خلال الجولة الأخيرة من محادثات الطاقة هذا الشهر. وفي “ناغورنو قرة باغ” – حيث وصلت الاتهامات بأن “أذربيجان” تستخدم سيطرتها على الطاقة لدفع أولوياتها السياسية والضغط على خصومها إلى ذروتها في الأشهر الأخيرة – تُمثل فكرة أن “باكو” يمكن أن تُعزز نفوذها في الغرب مبعثًا للقلق.

وقال “أرتاك بيغلاريان”؛ وزير الدولة والقائد الفعلي لـ”جمهورية أرتساخ”؛ المُعلنة من جانب واحد، لمجلة (فورين بوليسي): “نشعر بالقلق من أن أوروبا تُعمق اعتمادها على أذربيجان الاستبدادية، التي ترتكب جرائم ضد الإنسانية”. وقال إنه من خلال الفشل في اتخاذ إجراء ضد “باكو” بسبب الإغلاق المزعوم لـ”الغاز” في “ناغورنو قرة باغ” (بحسب وصف الكاتب في تقريره المنحاز غير الموضوعي)، “غض المجتمع الدولي الطرف عن الانتهاكات المستمرة والقاسية لحقوق الإنسان والقانون الإنساني، حتى لا يواجه صعوبات تتعلق بإمدادات الغاز والنفط  لبلاده”.

قال “بيغلاريان”: “إذا كانت الديمقراطية وحقوق الإنسان، فضلًا عن الاستقرار الإقليمي، يُهمان الغرب، فيجب أن تكون هناك شروط جزءًا من مفاوضات الغاز مع أذربيجان”. واعترف بأن هذا قد يكون غير مُرجح بالنظر إلى الضغوط التي تواجهها الدول الأوروبية، لكنه يعتقد حتى خارج محادثات الطاقة أن: “الحد الأدنى يجب أن يكون لديه ضمانات دولية حقيقية لمنع الاعتداءات والجرائم الجديدة”.

وهذا الشهر؛ أجرى رئيس المجلس الأوروبي؛ “شارل ميشيل”، محادثات متجددة مع كل من “أذربيجان” و”آرمينيا”، حول آفاق معاهدة سلام تضع نهاية للصراع. وكتب على (تويتر)، إنه تم إحراز: “تقدم ملموس” في قضايا من بينها الوضع الإنساني. ومع ذلك، يأمل القليل في “ستيباناكيرت” أن تؤدي مثل هذه المحادثات إلى تسوية دائمة.

ميزانية الدفاع في “أذربيجان”..

ويُلفت الكاتب إلى أنه في الوقت الحالي، تمكن صادرات الطاقة؛ “أذربيجان”، من تمويل طموحاتها لتُصبح قوة إقليمية رئيسة. وبعد عام من الاستيلاء على مساحات من الأراضي في “ناورنو قرة باغ”، تواصل “باكو” ضخ الأموال إلى قواتها المسلحة، وخصصت نحو: 2.6 مليار دولار للدفاع والأمن القومي؛ في عام 2022. وهذا يُمثل أكثر من: 5% من الناتج المحلي الإجمالي – وهو خامس أعلى رقم في العالم. كما أصبحت مشتريًا رئيسًا للعتاد المتطور مثل طائرات (بيرقدار. تي. بي-2) التركية المُسيرة، والتي اكتسبت سمعة مخيفة في استهداف “أوكرانيا”؛ للقوات الروسية. ويُقابل هذا الإنفاق خطاب صارم على نحو متزايد حول حاجة “أذربيجان” إلى إيجاد حل لمشكلة حدودها مع “آرمينيا” والقضاء على: “الإرهابيين الانفصاليين” المسؤولين في “ستيباناكيرت”.

وقال “إيباد أوغلو”؛ الاقتصادي الأذربيجاني: “إنهم يُزيدون الأموال المخصصة للجيش من ميزانية الدولة للمساعدة في ترميم الأراضي المحررة وتعزيز القدرة الدفاعية”. ومع أن “الاتحاد الأوروبي” يُساعد في تمويل هذا التوسع، فإن “إيباد أوغلو” يشك في أنه سيُصبح معتمدًا كثيرًا على “الغاز الأذربيجاني”. وأضاف: “عندما يتعلق الأمر ببدائل لتقليل اعتماده على الغاز الروسي، تبدو قدرات أذربيجان ضعيفة؛ مقارنة بالولايات المتحدة وقطر والجزائر وحتى إيران”. وقائمة الدول التي يمكن أن تستفيد من إنهيار سمعة “روسيا”؛ بوصفها مزودًا موثوقًا للطاقة، آخذة في الإزدياد، ومثل “أذربيجان”، كان للعديد منها علاقات مضطربة مع الغرب في الماضي.

مصدر الصورة: آوراسيا دياري

ويختتم الكاتب تحليله بقوله: بينما أظهر (الكرملين) استعداده ورغبته في استخدام الطاقة كسلاح، فمن الواضح أنه قد لا يكون المصدر الوحيد لـ”الوقود الأحفوري”؛ الذي توصل إلى إستراتيجية الاستفادة من التبعية الغربية لإحباط منتقديه وتعزيز طموحاته العسكرية. كما يمكن أن يحدث مع حرب “أوكرانيا”، يمكن للسعي للوصول إلى الطاقة الرخيصة أن يقطع شوطًا طويلًا نحو جعل العالم يغض الطرف عن الطموحات الإقليمية وانتهاكات حقوق الإنسان. والآن، يخشى الكثيرون في “ناغورنو قرة باغ”؛ من حدوث الخطأ نفسه مرة أخرى.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة