وكالات – كتابات :
نشر مركز (ستراتفور) الأميركي تقريرًا؛ يستشرف السياسات المحتملة للحكومة الألمانية الجديدة؛ بعد توافق ثلاثة أحزاب على تشكيل حكومة تخلُف حكومة المستشارة، “أنغيلا ميركل”.
ويتوقع الموقع المتخصص في الشؤون الجيوسياسية والاستخباراتية؛ في مستهل تقريره؛ أن تدفع الحكومة الألمانية الجديدة نحو انتقال أسرع للطاقة النظيفة، وتوسيع الإنفاق على الرعاية الاجتماعية، وتعميق التكامل في “الاتحاد الأوروبي”، ولكنها قد تواجه معارضة داخلية بشأن السياسة المالية، والتي قد تُبطيء عملية صنع السياسات.
الاتفاق على حكومة جديدة..
وأشار التقرير إلى أن “الحزب الاشتراكي الديمقراطي”؛ الذي ينتمي إلى يسار الوسط، و”حزب الخضر”؛ المناصر للبيئة، و”الحزب الديمقراطي الحر”؛ المناصر للشركات التجارية، أعلنوا في 24 تشرين ثان/نوفمبر الجاري؛ التوصل إلى اتفاق لتشكيل حكومة بعد مفاوضات استغرقت ما يقرب من شهرين.
وسيُصدِّق كل حزب على الاتفاق داخليًّا، في الأيام المقبلة؛ بهدف إجراء تصويت في “البوندستاغ”، (البرلمان الألماني)، في الأسبوع الذي يبدأ في 06 كانون أول/ديسمبر؛ لتعيين زعيم (الحزب الاشتراكي الديمقراطي)، “أولاف شولتز”؛ مستشارًا جديدًا قبل مؤتمر القمة الختامي لـ”المجلس الأوروبي” في هذا العام، والذي سيُعقد في: 16 – 17 كانون أول/ديسمبر. وهذا التعيين يُسدل الستار على حقبة المستشارة، “أنغيلا ميركل”؛ بعد 16 عامًا من توليها المنصب.
وأجرت “ألمانيا” انتخابات فيدرالية، في 26 أيلول/سبتمبر 2021، حصل فيها (الحزب الاشتراكي الديمقراطي) على: 25.7% من الأصوات، تلاه (حزب الاتحاد الديمقراطي) المسيحي المحافظ؛ بنسبة: 24.1%، و(حزب الخضر) بنسبة: 14.8%، و(الحزب الديمقراطي الحر) بنسبة: 11.5%.
أهداف مُلِّحة..
وذهب التقرير إلى أن الهدف المباشر للحكومة الجديدة سيكون معالجة الزيادة الكبيرة في معدل الإصابات بجائحة (كوفيد-19) في الأسابيع الأخيرة. وستسعى الإدارة الجديدة في “برلين” إلى تحقيق توازن بين تقييد الأنشطة العامة مع محاولة تقليل التأثير السلبي على الاقتصاد. وفي الأسابيع الأخيرة أدَّى مزيج من اختناقات سلاسل التوريد، وارتفاع أسعار الطاقة، وتزايد التضخم، إلى تباطؤ النمو الاقتصادي في “ألمانيا”؛ بعد التوسع الكبير في الربعين الثاني والثالث من العام المالي الحالي.
ولتجنب إلحاق مزيد من الضرر بالاقتصاد، فمن المُرجح أن تُركز “برلين” أولًا على تنفيذ عمليات الإغلاق الجزئي في المناطق التي تشهد زيادة كبيرة في أعداد الإصابات، ولكن لا يمكن استبعاد عمليات الإغلاق الكلي على مستوى البلاد؛ إذا خرجت الإصابات عن السيطرة. وسيتعين كذلك على الحكومة الجديدة اتخاذ قرار بشأن القضية المثيرة للجدل المتمثلة في جعل اللقاح إلزاميًّا؛ مما قد يؤدي إلى احتجاجات، وربما بعض أعمال العنف المنخفض المستوى من الجماعات المناهضة للقاح.
وفي 24 تشرين ثان/نوفمبر الجاري؛ تجاوز معدل الإصابة بـ (كوفيد-19) لمدة سبعة أيام في “ألمانيا”، (والذي يُبين عدد الإصابات الجديدة في غضون أسبوع كامل لكل: 100 ألف نسمة): 400 إصابة للمرة الأولى منذ بداية الجائحة. وفي حين تتزايد الإصابات بـ (كوفيد-19) في جميع أنحاء البلاد، يزداد الوضع سوءًا في الشرق، حيث تنخفض معدلات التطعيم، ذلك أن الولايات الشرقية – مثل “ساكسونيا”، و”تورينغيا” – تشهد معدلات إصابة عالية للغاية.
ووفقًا لـ”المركز الأوروبي للوقاية من الأمراض ومكافحتها”، جرى تلقيح: 68% فقط من الألمان المؤهلين بالكامل، وهي نسبة تقل كثيرًا عن دول مثل “البرتغال”: (81%)؛ أو “إسبانيا”: (74%). كما دخلت قيود جديدة حيز التنفيذ، في 24 تشرين ثان/نوفمبر، والتي تتطلب من الألمان إظهار دليل على التطعيم أو التعافي أو إجراء اختبار سلبي لـ (كوفيد-19) لاستخدام وسائل النقل العام والذهاب إلى أماكن العمل.
سياسات محتملة..
يتابع التقرير أنه على الرغم من أن الاتفاق؛ يُفترض أن يجعل الائتلاف مستقرًا، فإن دفع الحكومة إلى توسيع الإنفاق العام مع الحفاظ على ميزانية متوازنة سوف يؤدي على الأرجح إلى معارضة داخلية. وكذلك من المُرجح أن تدفع “برلين” نحو انتقال أسرع للطاقة النظيفة، بما في ذلك دعم “الصفقة الخضراء”، لـ”الاتحاد الأوروبي”؛ التي تسعى إلى تحييد أثر (الكربون) في الكتلة الأوروبية؛ بحلول عام 2050.
وقد تعهد (حزب الخضر)؛ بأن تغطي قضية تغير المناخ جميع مجالات الاقتصاد الألماني، بما في ذلك التجارة، والصناعة، والبناء، والإسكان، والزراعة. وسيتَّبع (الحزب الاشتراكي الديمقراطي)، بدوره؛ خطة لتوسيع مزايا الرعاية الاجتماعية للأسر ذات الدخل المنخفض، ورفع الحد الأدنى للأجور، وزيادة فرص الحصول على سكن ميسور التكلفة.
وأخيرًا سيضغط (الحزب الديمقراطي الحر) لتقليل الإجراءات الروتينية، والبيروقراطية، ويقدم حوافز ضريبية لتحديث الاقتصاد الألماني. وفي حين وعدت الأحزاب الثلاثة بتنسيق سياساتها، فمن المحتمل أن تظهر الاختلافات الإيديولوجية بين (الحزب الاشتراكي الديمقراطي) و(حزب الخضر)، المستعدين لزيادة الضرائب لتمويل سياساتهما، و(الحزب الديمقراطي الحر)، الذي يُعارض زيادة العبء الضريبي على الأسر والشركات. ومن غير المُرجح أن تُهدد هذه المعارضة استمرارية التحالف، على الرغم من أنها قد تؤدي إلى تباطؤ المشهد السياسي، وفي بعض الحالات تجميده.
ويُرجِّح التقرير أن تدعم الحكومة الألمانية الجديدة فيدرالية “الاتحاد الأوروبي”؛ الأمر الذي سيفتح الباب أمام تعاون أكبر مع دول “البحر المتوسط”، مثل: “فرنسا وإيطاليا”. ومع ذلك سيقاوم (الحزب الديمقراطي الحر) على الأرجح؛ الإجراءات التي من شأنها أن تُزيد إلى حد كبير من تقاسم المخاطر المالية في منطقة “اليورو”، وهو ما قد يؤدي إلى تخفيف سياسات “الاتحاد الأوروبي”.
وأوضح التقرير أن الحفاظ على كبح جماح الديون الدستورية في “ألمانيا” وتجنب السياسات التي من شأنها أن تؤدي إلى ارتفاع العجز المالي تُشكل جوهر إيديولوجية (الحزب الديمقراطي الحر). ومن المُرجح أن يستخدم الحزب سيطرته على “وزارة المالية” لمحاولة تخفيف المقترحات المقدمة من (الحزب الاشتراكي الديمقراطي) و(حزب الخضر)، والتي من شأنها أن تؤدي إلى ارتفاع الديون السيادية أو تعميق العجز المالي في البلاد. ومن المُرجح أيضًا أن يُقاوم (الحزب الديمقراطي الحر) تدابير مماثلة على مستوى “الاتحاد الأوروبي”.
ولا يستبعد الموقع، في نهاية تقريره؛ أن تؤدي نزعة (حزب الخضر) المتشككة تجاه نشر قوات عسكرية في الخارج وزيادة الإنفاق الدفاعي إلى تقليص المجال أمام تعميق التكامل العسكري في “الاتحاد الأوروبي”، وهو أحد أهداف السياسة الخارجية الرئيسة لـ”فرنسا”. وقد يؤدي هذا إلى تعقيد التعاون بين “باريس” و”برلين” بشأن هذه القضية، على الرغم من أنه سيكون هناك توافق كبير بين البلدين بشأن مجالات سياسية أخرى، وخاصة إذا فاز مرشح معتدل بالانتخابات الرئاسية الفرنسية المقررة، في نيسان/إبريل المقبل.