خاص : كتبت – نشوى الحفني :
يبدو أن شهر العسل، بين “الولايات المتحدة الأميركية” و”المملكة العربية السعودية”، في طريقه للإنتهاء؛ وذلك بعد صدور تصريحات بدأ بها الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، تكاد تصل إلى حد الإهانة لنظيره السعودي، الملك “سلمان”، فكان “ترامب” قد حذر العاهل السعودي، الملك “سلمان”، من أنه لن يبقى في السلطة “لأسبوعين” من دون دعم “الجيش الأميركي”.
وقد أدلى الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، بهذا التصريح، غير الدبلوماسي، بشأن “السعودية” الحليف الوثيق لبلاده، يوم الثلاثاء 2 تشرين أول/أكتوبر 2018.
وقال “ترامب”، أمام تجمع انتخابي في “ساوثافن” في “مسيسبي”: “نحن نحمي السعودية. ستقولون إنهم أغنياء. وأنا أحب الملك، الملك سلمان. لكني قلت: أيها الملك نحن نحميك؛ ربما لا تتمكن من البقاء لأسبوعين بدوننا، عليك أن تدفع لجيشك”. ولم يذكر “ترامب” متى قال ذلك للعاهل السعودي.
حصن ضد “إيران”..
وبرغم الكلام الخشن؛ فقد أقامت إدارة “ترامب” علاقة وثيقة مع “السعودية”، التي تعتبرها حصنًا في مواجهة طموح “إيران” بالمنطقة.
وكانت “السعودية” المحطة الأولى في أولى رحلاته الدولية، بعد توليه الرئاسة العام الماضي.
وقالت (وكالة الأنباء السعودية) إن “ترامب” اتصل بالملك “سلمان”، يوم السبت 29 أيلول/سبتمبر 2018، وإنهما بحثا الجهود الرامية للحفاظ على إمدادات “النفط” لدعم استقرار سوق الخام ونمو الاقتصاد العالمي.
و”السعودية” أكبر مصدر للنفط الخام في العالم والزعيم الفعلي لمنظمة البلدان المصدرة للبترول، (أوبك)، التي انتقدها “ترامب” بسبب ارتفاع أسعار النفط.
وكان “ترامب” قد قال، في حديث بـ”الجمعية العامة للأمم المتحدة” في “نيويورك”، في شهر أيلول/سبتمبر 2018، إن أعضاء (أوبك) “كالعادة ينهبون باقي العالم”.
وقال “ترامب”: “نحن ندافع عن كثير من تلك الدول دون مقابل، وبعد ذلك يستغلوننا ويرفعون أسعار النفط. هذا ليس جيدًا. نريدهم أن يتوقفوا عن رفع الأسعار”.
وضغط أيضًا على حلفاء آخرين لـ”الولايات المتحدة”، منهم “اليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا”، لتحمل جزء أكبر من العبء المالي للدفاع عنهم.
سبق وأن طلب المقابل..
وكانت صحيفة (واشنطن بوست)، قد كشفت مؤخرًا، أن “ترامب” سبق أن طلب 4 مليارات دولار في مقابل الموافقة على طلب الملك “سلمان” دعم حملة عسكرية “سرّية للغاية” لبلاده.
وسبق أن تحدّث “ترامب” بهذه اللهجة؛ وطالب “السعودية” مرارًا بالدفع لبلاده في مقابل حمايتها، وكان في أثناء حملته الانتخابية، عام 2016، وصف المملكة بـ”البقرة الحلوب”، ليعود لإبتزازها ماليًا مجدّدًا من باب الخدمات العسكرية.
وكشف “ترامب” أيضًا عن حديث دار بينه وبين الملك “سلمان”؛ في الدفع مقابل الجيش فرد عليه الأخير قائلاً بأنه لم يطلب منه أحد ذلك من قبل، متسائلاً إن كان يتكلم بجدية، فأجابه “ترامب” بـ”نعم أنا جاد للغاية”.
أشترينا الأسلحة بالمال..
ردًا على تصريحات “ترامب”، قال ولي العهد السعودي، “محمد بن سلمان”، إن “السعودية” تسبق “الولايات المتحدة”، لذلك فلا يخشى على بلاده.
وأكد ولي العهد السعودي، في حواره مع مجلة (بلومبيرغ) الاقتصادية الأميركية، أن “السعودية” تسعى إلى تصنيع أسلحتها بذاتها وعدم الاعتماد على “الولايات المتحدة” بشكل كامل، مشددًا على أن “السعودية” أشترت الأسلحة من “أميركا” ولم تقدم لها بالمجان.
وأوضح “بن سلمان”: “السعودية كانت موجودة قبل الولايات المتحدة الأميركية، إنها موجودة منذ عام 1744، أعتقد قبل أكثر من 30 عامًا من وجود الولايات المتحدة الأميركية. في تقديري، وأعتذر إذا أساء أحد فهم ذلك، أن الرئيس أوباما خلال فترة رئاسته التي دامت 8 أعوام قد عمل ضد أغلب أجندتنا؛ ليس فقط في السعودية، وإنما في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة عملت ضد أجندتنا، إلا أننا كنا قادرين على حماية مصالحنا”.
وأضاف “بن سلمان”: “نعتقد بأن جميع الأسلحة التي حصلنا عليها من الولايات المتحدة الأميركية؛ قد دفعنا من أجلها، إنها ليست أسلحة مجانية، فمنذ أن بدأت العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة الأميركية؛ قمنا بشراء كل شيء بالمال. فقبل عامين، كانت لدينا إستراتيجية لتحويل معظم تسلحنا إلى دول أخرى، ولكن عندما أصبح ترامب رئيسًا قمنا بتغيير إستراتيجيتنا للتسلح مرة أخرى لـ 10 أعوام القادمة لنجعل أكثر من 60% منها مع الولايات المتحدة الأميركية، ولهذا السبب خلقنا فرصًا من مبلغ الـ 400 مليار دولار، وفرصًا للتسلح والاستثمار، وفرصًا تجارية أخرى”، واعتبر ذلك إنجاز لـ”ترامب”، كونه يخلق فرص عمل في “السعودية” و”أميركا”، مشيرًا إلى أن الاتفاق يشمل تصنيع جزء من الأسلحة في “السعودية”.. ولذلك فإن هذا يُعد إنجازًا جيدًا للرئيس “ترامب” ولـ”السعودية”.
صديق للسعودية..
وأكد “بن سلمان” على أنه يتقبل أقوال الرئيس الأميركي؛ كونه صديقًا لـ”السعودية”، وذلك ردًا على سؤال حول إمكانية نشوب خلاف بين البلدين الحليفين في ظل هذه التصريحات المهينة، فقال: “حسنًا أنتم تعلمون أنه يجب عليك تقبل مسألة أن أي صديق سيقول أمورًا جيدة وسيئة، لذلك لا يمكنك أن تحظى بأصدقاء يقولون أمورًا جيدة عنك بنسبة 100% حتى داخل عائلتك. سيكون هناك سوء الفهم، لذا نحن نضع ذلك ضمن هذا الإطار”.
وأكد “بن سلمان” على أنه يحب التعامل والعمل مع الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”. وقال: “أنا حقًا أحب العمل معه، ولقد حققنا الكثير في الشرق الأوسط، خصوصًا ضد التطرف والإيديولوجيات المتطرفة، والإرهاب واختفاء (داعش) في فترة قصيرة جدًّا في العراق وسوريا، كما أن العديد من الروايات المتطرفة قد تم هدمها في العامين الماضيين، لذلك فإن هذه مبادرة قوية”.
وأشار إلى أن قرابة 50 دولة تتفق مع إستراتيجية “السعودية” و”الولايات المتحدة” لدحر الإرهاب وكبح جماح “إيران” في الشرق الأوسط.
تاريخ طويل من الإهانات..
تعليقًا على التصريحات؛ حدد مسؤول أمني سابق، ثلاثة أسباب لعدم رد “السعودية” على الإهانات والإبتزازات المستمرة من قِبل الرئيس الأميركي تجاه المملكة، قائلاً الدكتور “حكيم غريب”، الخبير في الشؤون الأمنية والإستراتيجية، المسؤول السابق في جهاز الأمن الوطني الجزائري، إن هناك تاريخ طويل من الإهانات التي وجهها “ترامب” لـ”السعودية”، باعتبارها الدولة الغنية التي لا تدفع ثمن حمايتها، رغم أن زيارة الرئيس الأميركي الخارجية الأولى، بعد دخوله “البيت الأبيض” كانت لـ”السعودية”، ووقع خلالها اتفاقيات مشتركة قيمتها 280 مليار دولار، بالإضافة إلى 11 مليار دولار للسلاح.
استعراض إعلامي..
وكشف “غريب” أن تصريحات “ترامب” المهينة لـ”السعودية” تدخل في إطار الاستعراض الإعلامي قبل الانتخابات الرئاسية النصفية المرتقبة، ومن الناحية السعودية والعربية، “ترامب” بالنسبة لرؤساء الدول العربية حليف وثيق، ولكن في الوقت نفسه تعلم السلطات السعودية في “الرياض” أن هذا الرجل لا يمكن التنبؤ بتصرفاته وتصريحاته الجنونية، لذلك هم يعلمون أن عليهم التعامل مع مطالبه.
ستستجيب لطلبات “ترامب”..
وتوقع الخبير الأمني الجزائري؛ أن تستجب “السعودية” في النهاية لمطالب “ترامب”، الذي يتعامل معه الجميع بوصفه رجل أعمال يخلط بين مصطلحات المال والسياسة، موضحًا أنه بالرغم من مليارات الدولارات التي تدفعها “الرياض” لـ”واشنطن”، على شكل صفقات جلها من الأسلحة، لا يزال نهم الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، للمال السعودي قويًا، لدرجة أنه تناسى سريعًا تلك الصور التي جمعته بولي العهد السعودي الأمير، “محمد بن سلمان”، نهاية آيار/مايو الماضي، وهما يبتسمان خلال التوقيع على صفقات تسّلح بقيمة 12.5 مليار دولار.
واستبعد المسؤول الأمني السابق في الجزائر؛ أن ترد “السعودية” على حديث “ترامب”، الذي يظهرها كدولة غير قادرة على الدفاع عن حدودها وأمنها دون مساعدة أميركية، وحدد “غريب” ثلاثة أسباب لذلك:
أولها: أن “السعودية” تدرك جيدًا، من خلال التصورات الأميركية المبنية على آراء إسرائيلية، أن هناك عدوًا إيرانيًا يتربص بها على الدوام، وهو ما ظهر في تضاعف صفقات الأسلحة السعودية في السنوات الأخيرة، وإقتناع “السعودية” بوصول التهديد الإيراني إلى حدودها الجنوبية، متمثلاً في المتمرّدين “الحوثيين”، الذين استولوا على العاصمة اليمنية، “صنعاء”.
والسبب الثاني؛ لتقبل “السعودية” إهانات “ترامب”، وفقًا للخبير الأمني الجزائري، هو قدرة “ترامب” على كبح جماح تيار داخل “أميركا” يحمل مسؤولين سعوديين مسؤولية أحداث 11 أيلول/سبتمبر الإرهابية، وهو ما ظهر في قانون “غاستا”.
أما الورقة الثالثة لـ”ترامب”، وفقًا لـ”غريب”؛ فهي “الأزمة السورية”، التي يسوق “ترامب” من خلالها أسلحته لـ”ألسعودية”، موضحًا أنه خلال “القمة الأميركية الإسلامية” في “الرياض”، في آيار/مايو 2017، أعلنت “السعودية” أنها تكلفت مئات المليارات من الدولارات لشراء الأسلحة، والمعدات والذخائر.
خطابات شعبوية..
المحلل السياسي السعودي، “سعود الريس”، يرى أن خطابات الرئيس الأميركي في الفترة الحالية شعبوية، تجاه كل الدول وليس “السعودية” فقط، من أجل حشد الأصوات قبل انتخابات التجديد النصفي، مؤكدًا على أن الجميع يدفع لـ”أميركا” ثمن ما تقدمه، موضحًا أن مفهوم “الحماية” الذي تحدث عنه “ترامب” غير صحيح، حيث لا يوجد حماية عسكرية أميركية للمملكة، بالطريقة التي تحدث عنها.
مؤكدًا على أن هناك مفارقة في حديث “ترامب” عن “حماية المملكة”، فالعدو الحقيقي هو “إسرائيل” وبعده “إيران”، إذًا كيف يقدم “ترامب” الحماية و”أميركا” تدعم عدونا الأول، وفي مرحلة ثانية دعمت “أميركا”، إيران، وهرولت إلى “الاتفاق النووي”.
شخص غير متوقع..
في سياق متصل؛ قال المحلل السياسي والمتخصص في الشأن الأميركي، “إيميل أمين”، إن الرئيس “ترامب” شخص غير متوقع، وليس له أي دال على الفكر السياسي، بل هو رجل عقارات وصانع صفقات، معتبرًا أن حديثه عن سقوط “المملكة العربية السعودية”، خلال أسبوعين، حال رفع الحماية الأميركية؛ يجافي وينافي الصحة واللباقة الدبلوماسية.
موضحًا أن “السعودية” حليف إستراتيجي لـ”الولايات المتحدة”، وهذا لا يعني التطابق الكامل في المواقف، مضيفًا: ” ترامب لا يعي ما يقول، ولذلك سارع، مايك بومبيو، وزير الخارجية إلى الاتصال بالأمير، محمد بن سلمان، وبدى الموقف وكأنه نوع من الاعتذار المبطن”.
وحول تهديد “أميركا”، ضمنيًا، بإسقاط الأنظمة، أكد “أمين” على أن الدبلوماسية الأميركية أخطأت خلال العقديين الآخريين، وأثبتت أنها حليف غير موثوق، كما أنها وسيط غير نزيه، مما أدى لانفتاح الملعب السياسي على “روسيا الاتحادية”، ومن المتوقع عقد لقاء بين الرئيس، “بوتين”، وولي العهد السعودي، على هامش “قمة العشرين”، فضلًا عن زيارة قريبة سيقوم بها الرئيس الروسي إلى “الرياض”.