بعد إعلان “بوتفليقة” استقالته .. “الجزائر” على مفترق طرق !

بعد إعلان “بوتفليقة” استقالته .. “الجزائر” على مفترق طرق !

خاص : كتبت – نشوي الحفني :

بعد احتجاجات استمرت لأكثر من شهر، قدم الرئيس الجزائري، “عبدالعزيز بوتفليقة”، استقالته، الثلاثاء الماضي، بعد أن أمضى نحو عشرين عامًا في الحكم، مستسلمًا أمام ضغط الشارع؛ وبعد أن تخلى الجيش عنه، حيث نقلت وسائل الإعلام الجزائرية أن “بوتفليقة” قد أبلغ “المجلس الدستوري” باستقالته “إبتداءً من تاريخ اليوم”.

وعلى الفور نزل مئات الجزائريين إلى وسط العاصمة احتفالًا بإعلان “بوتفليقة” استقالته من منصبه، قبل إنقضاء عهدته في 28 نيسان/أبريل الحالي. وتجمع المئات بساحة “البريد المركزي” بوسط العاصمة، “الجزائر”، حاملين الأعلام الجزائرية ومرددين شعارات تمجد الجيش والشعب معًا، فيما أطلق سائقو السيارات العنان لأبواق سياراتهم احتفالًا بانتصار “الحراك الشعبي”، الذي إنطلق في 22 شباط/فبراير الماضي. وشهدت مدن جزائرية عدة مظاهر مماثلة.

وكانت الرئاسة الجزائرية قد أصدرت بيانًا، الاثنين، جاء فيه أن “بوتفليقة” سيتنحى قبل إنتهاء مدة ولايته الحالية، في الثامن والعشرين من نيسان/أبريل 2019، وبأنه سيقوم بـ”إصدار قرارات هامة؛ طبقًا للأحكام الدستورية، قصد ضمان استمرارية سير الدولة أثناء الفترة الانتقالية التي ستنطلق اعتبارًا من التاريخ الذي سيعلن فيه استقالته”.

بيان الجيش يحسم الموقف..

وجاءت الاستقالة عقب مطالبة رئيس أركان الجيش، الفريق “قايد صالح”، بإتخاذ إجراءات دستورية فورية لعزل “بوتفليقة”، (82 عامًا)، الذي أقعده المرض منذ أعوام. وقال “صالح”، في بيان: “لا مجال للمزيد من تضييع الوقت؛ وأنه يجب التطبيق الفوري للحل الدستوري المقترح المتمثل في تفعيل المواد السابعة والثامنة و102، ومباشرة المسار الذي يضمن تسيير شؤون الدولة في إطار الشرعية الدستورية”.

مضيفًا “صالح”: “قرارنا واضح ولا رجعة فيه، إذ أننا نقف مع الشعب حتى تتحقق مطالبه كاملة غير منقوصة”. وتابع البيان: “نؤكد أن أي قرار يتخذ خارج الإطار الدستوري مرفوض جملة وتفصيلًا”، في تلميح إلى أن الجيش قد يتوقف عن التقيد بقرارات صادرة عن الرئاسة.

إجراءات ما بعد الاستقالة..

وطبقًا للمادة 102 من الدستور الجزائري؛ سيتولى رئيس مجلس الأمة الجزائري، “عبدالقادر بن صالح”، مهام رئيس الدولة لمدة أقصاها تسعون يومًا، تنظم خلالها انتخابات رئاسية. ولا يحق لرئيس الدولة، المُعين بهذه الطريقة، أن يترشح لرئاسة الجمهورية.

فيما يعرب العديد من المراقبين عن شكوكهم في أن هذا السيناريو سيمر بسلاسة، نظرًا لأن “بن صالح” من المقربين جدًا من “بوتفليقة”؛ ولا يحظى بقبول لدى المحتجين وقوى المعارضة.

ردود الفعل الدولية..

في ردود الفعل الخارجيّة؛ اعتبرت “الولايات المتحدة” أن مستقبل “الجزائر” يقرّره شعبها. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، “روبرت بالادينو”، إن: “الشعب الجزائري هو من يقرر كيفية إدارة هذه الفترة الانتقالية”.

من جهته؛ أعلن وزير الخارجية الفرنسي، “غان-إيف لودريان”، أنّ “فرنسا” واثقة من أنّ الجزائريين سيُواصلون السعي إلى “انتقال ديموقراطي”.

وقال في بيان: “نحن واثقون من قدرة الجزائريين على مواصلة هذا التحوّل الديموقراطي بنفس روح الهدوء والمسؤولية” التي سادت خلال الأسابيع الفائتة.

معتبرًا أنّ: “صفحة مهمّة من تاريخ الجزائر تُطوى” مع استقالة “بوتفليقة”.

من جانبه؛ دعا “الكرملين” إلى الانتقال السياسي في “الجزائر” من “دون تدخل” من بلدان أخرى، غداة استقالة الرئيس، “عبدالعزيز بوتفليقة”، وقال المتحدث باسم الكرملين، “ديمتري بيسكوف”: “نأمل، مهما حدث، أن تجري العمليات الداخلية في هذا البلد؛ والتي هي شؤون داخلية جزائرية حصرًا، دون تدخل من دول أخرى”، مضيفًا أن “موسكو” تأمل كذلك؛ ألا يكون للانتقال المقبل “أي تأثير على الطبيعة الودية لعلاقاتنا الثنائية”.

يفتح رحيل “بوتفليقة” المجال أمام لاعبَين؛ هما “المؤسسة العسكرية” و”الشارع الجزائري”. وهو يظهر قطيعة بين الجيش والقطب الرئاسي بعد سنوات طويلة من دعم الجيش لـ”بوتفليقة” ودعم الشعب للجيش.

لهذا يواجه الجيش خطر خسارة هيبته في حال إرتكب خطوات ناقصة خلال العملية الانتقالية، بل إن “المؤسسة العسكرية” ترغب في البقاء فوق التجاذبات وليس لديها المقومات اللازمة لكي تدير، (بنفسها)، العملية الانتقالية السياسية، لكن في الوقت نفسه يمكن لإرادة سياسية صلبة أن تقود إلى رئيس منتخب بالإقتراع العام وإلى انتخابات حرة ونزيهة.

سيناريوهات الفترة المقبلة..

تعليقًا على استقالة “بوتفليقة”؛ قال نائب مدير “المركز الدولي للدراسات الأمنية والجيوسياسية” والباحث في جامعة “الجزائر” الثالثة، “صهيب خزّار”، أن تأخر “بوتفليقة” عن الاستقالة؛ كان محاولة منه لكسب المزيد من الوقت لترشيح شخصية تمثل ما وصفها بـ”الدولة العميقة”، التي كانت تستخدم اسم الرئيس لتمرير مشروعها في السيطرة على مقاليد الحكم.

وحول السيناريوهات المحتملة في الفترة اللاحقة، قال “خزار” إن: “المرحلة القادمة يمكن أن تشهد تغيرًا حكوميًا يضم مجموعة من الوزراء والكفاءات الذين يحظون بإجماع وطني يتولون الحكم في المرحلة الانتقالية. كما ويمكن أن يحتدم الصراع السياسي بين شخصيات سياسية متقاربة من حيث القوة السياسية، ويبقى الجيش الوطني صمام الأمان لمنع أي تدخل خارجي في العملية السياسية أو حدوث أي فراغ أمني”.

من جهتها؛ قالت الكاتبة الصحافية والخبيرة بالشأن السياسي، “شريفة عياد”، إن القرار لاقى إرتياحًا شعبيًا جزئيًا؛ وخرج الشعب الجزائري مرحبًا بقرار الاستقالة، رغم أن هناك بعض الفئات المهنية والاجتماعية ما زالت تطالب ببعض التغيير.

عن موقف الجيش، قالت “عياد” إن: “موقف الجيش كان الإنحياز للأغلبية الساحقة من الشعب؛ وهو يقوم بدوره بالكامل لتأمين المرحلة الإنتقالية التي ستشهدها البلاد”.

فترة إنتقالية صعبة للغاية..

ووفقًا للدكتور “هشام البقلي”، الخبير في الشؤون العربية، إن: “القرار الأخير، الذي جاء نتيجة ضغط شعبي كبير؛ وإنحياز القوات المسلحة للمحتجين، والدعوات المتكررة بتطبيق المادة رقم (102) من الدستور الجزائري، التي تنص على إقالة رئيس الجمهورية لمانع طبي، وهو ما كان سببًا رئيسًا في دفع بوتفليقة لإتخاذ ذلك القرار، كون أي نظام حكم يحتاج لظهير شعبي وأمني”.

وتقول المادة (102) من الدستور المعدل عام 2016: “إذا إستحال على رئيس الجمهوريّة أن يمارس مهامه بسبب مرض خطير ومزمن، يجتمع المجلس الدستوري وجوبًا، وبعد أن يتثبّت من حقيقة هذا المانع بكل الوسائل الملائمة، يقترح بالإجماع على البرلمان التصريح بثبوت المانع”، وتشير المادة، في بقية فقراتها، إلى أن “رئيس مجلس الأمة” يتولى رئاسة الدولة بالنيابة، لمدة لا تزيد عن 45 يومًا، بعد إعلان البرلمان ثبوت المانع، أما في حالة استمرار مرض رئيس الدولة بعد ذلك، فذلك يعني استقالته ثم شغور منصبه الذي يتولاه “رئيس مجلس الأمة” من جديد؛ لمدة لا تزيد عن 90 يومًا، تنظم خلالها انتخابات رئاسية لانتخاب رئيس جديد.

وأضاف “البقلي”؛ أن الأوضاع، خلال الفترة الإنتقالية المقبلة، بـ”الجزائر” ستكون صعبة للغاية، نظرًا لسيطرة الحزب الحاكم على مفاصل الدولة بشكل كبير، مؤكدًا على أن الشعب الجزائري لديه حالة من الوعي بضرورة محاسبة المتورطين في قضايا الفساد وأهمية وجود وجوه جديدة عن النظام الماضي، ما يعني أنه تعلم من الدروس السابقة من ثورات البلدان العربية.

محاولات للتيار الإسلامي..

ويرى أن: “محاربة الفساد ستحتاج لوقت طويل حتى إتمام الأمر بشكل جيد”، مشيرًا إلى أنه، في خضم ذلك، من الممكن أن تشهد البلاد محاولات من التيار ال‘سلامي ليكون له دور؛ مثلما حدث بعدد من البلدان.

وفيما يخص الانتخابات الرئاسية، أوضح أنه لم يتم تحديدها حتى الآن، حيث لا يوجد توافق حول شخصيات محددة، ما من الممكن أن يُولد صراعًا قويًا بين الأحزاب السياسية، ليظل المنصب شاغرًا، وإتخاذ الإجراء الدستوري اللازم بذلك الشأن، مرجحًا تأجيلها لحين استقرار الأوضاع بـ”الجزائر”.

فترة إنتقالية لمدة 3 أشهر..

ومن ناحيته؛ أكد السفير، “رخا حسن”، مساعد وزير الخارجية الأسبق، على أن إعلان الرئيس الجزائري ليس استقالة؛ وإنما هو تأكيدًا لتركه منصبه في الموعد المحدد وعدم ترشحه لولاية جديدة، موضحًا أنه وفقًا للقراءات الداخلية بالبلاد، يوجد عدة سيناريوهات محتملة، أولها أن يوكل “بوتفليقة” لرئيس البرلمان السلطة، مشيرًا إلى أنه من المرجح إجراء انتخابات برلمانية لعدم التوافق على رئيسه حاليًا.

وأردف “حسن”؛ أنه يوجد سيناريو آخر بأن يتم تشكيل لجنة ائتلافية من بعض قيادات المظاهرات وأحزاب المعارضة وممثلين للحكومة تشرف على الانتخابات لفترة انتقالية محددة بمدة تتراوح بين 3 أشهر وحتى عام، كون الشارع الجزائري رافضًا أن يتولى أيًا من رجال “بوتفليقة” السلطة، مؤكدًا على أن ذلك هو السيناريو الأرجح، خاصة بعد تعلم الشعب من أخطاء الثورات بعدد من البلدان العربية، ومن ثم لن يترك الأمر سوى بتنفيذ مطالب الاحتجاجات.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة