خاص : كتبت – نشوى الحفني :
مع التكرار الدائم لرئيس الوزراء الإسرائيلي، “بنيامين نتانياهو”، بأن سياسة إسرائيل ثابتة تجاه منع أعدائها من حيازة أسلحة نووية، اعترف الجيش الإسرائيلي للمرة الأولي، الأربعاء 21 آذار/مارس 2018، بقصف مفاعل نووي في بلدة “دير الزور” السورية. وهو مفاعل نووي كان قيد الإنشاء عام 2007، حيث قامت 8 طائرات مقاتلة وطائرة حرب إلكترونية بإسقاط أطنان من المتفجرات على المفاعل، وتم تدميره في الوقت الذي كان المفاعل في مراحله الأخيرة من البناء.
رسالة لأعداء إسرائيل..
وصف وزير الدفاع الإسرائيلي، “أفيغدور ليبرمان”، أنها عملية تمت بقرار “تاريخي وشجاع”، مشيراً إلى أنه: “على المنطقة بأكملها إستيعاب الدرس من القصف والضربة”.
معلناً “ليبرمان” أن الغارة على المفاعل النووي كانت لتوجيه رسالة إلى “أعداء” إسرائيل.
وصرح “ليبرمان”، في بيان: “دوافع أعداؤنا إزدادت في السنوات الأخيرة، لكن قوة جيشنا وسلاحنا الجوي وقدراتنا الاستخباراتية إزدادت بالمقارنة مع قدراتنا في 2007″، مضيفاً: أن “على الجميع في الشرق الأوسط أخذ المعادلة في الاعتبار”.
في المقابل، كان وزير الاستخبارات، “إسرائيل كاتس”، أكثر وضوحاً، وأشار إلى “إيران” بالاسم، قائلاً في تغريدة له؛ أن “القرار الشجاع للحكومة الإسرائيلية، قبل 11 عاماً تقريباً، بتدمير المفاعل النووي في سوريا والعملية الناجحة التي تلته يوجهان رسالة واضحة: إسرائيل لن تسمح أبداً بحيازة دول تهدد وجودها مثل إيران للسلاح النووي”.
ويأتي الإقرار بقصف المفاعل؛ في الوقت الذي تكثف فيه إسرائيل تحذيراتها حول الوجود الإيراني في سوريا.
كما دعا رئيس الوزراء الاسرائيلي، “بنيامين نتانياهو”، مرات عدة إلى تغيير الاتفاق النووي بين إيران والقوى العظمى أو حتى إلغائه.
وليل الخامس إلى السادس من أيلول/سبتمبر 2007؛ أسفرت غارة جوية في منطقة “الكُبر” بمحافظة “دير الزور” السورية عن تدمير منشأة صحراوية؛ قالت الولايات المتحدة لاحقاً أنها كانت تضم مفاعلاً نووياً يبنيه النظام السوري سراً بمساعدة من “كوريا الشمالية”، في اتهام نفته دمشق مؤكدة على أن المنشأة المستهدفة ليست سوى قاعدة عسكرية مهجورة.
يحمل العديد من الرسائل الأمنية..
حول أسباب الاعتراف الإسرائيلي في هذا التوقيت بتدمير المفاعل النووي، قال المحلل السياسي اللبناني، “نضال السبع”، إن اعتراف إسرائيل، بعد 10 سنوات من التكتم، يحمل العديد من الرسائل الأمنية لسوريا وإيران و”حزب الله”.
ولفت “السبع”، إلى أن أغلب العمليات الأمنية والعسكرية، التي تقوم بها إسرائيل ضد العرب، تبقى طي الكتمان داخل أرشيف المؤسسات الأمنية الإسرائيلية، ويحظر على الإعلام الإسرائيلي تداولها أو الحديث عنها لاعتبارات أمنية.
وتابع المحلل السياسي اللبناني المتخصص في الشأن السوري: “لكن ما نلاحظه اليوم، أن المؤسسات الأمنية والعسكرية توافقت على الإعلان عن مسوؤلية إسرائيل عن استهداف المفاعل النووي السوري في دير الزور، وهذا ما يطرح العديد من التساؤلات حول هدف الإعلان عن ذلك في الوقت الحالي، خاصة بعد إسقاط المضادات الأرضية السورية لطائرة إسرائيلية بين “شفا عمرو” و”الناصرة”، وضغوط رئيس الوزراء الإسرائيلي على الإدارة الأميركية لإلغاء الاتفاق النووي الإيراني”.
وأوضح “نضال السبع” أن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي، “الموساد”، نفذ خلال 14 شهراً، الممتدة من النصف الأول من عام 1972، وحتى تموز/يوليو من عام 1973، (55) عملية أمنية استهدفت قادة العمل الوطني الفلسطيني، ولم تعلن إسرائيل إلا عن 25 عملية منها، رغم مرور أكثر من 45 عاماً على تنفيذها، حسبما ذكر “رونين بيرغمان”، الخبير المقرب من الأجهزة الأمنية الإسرائيلية.
ولفت “السبع” إلى أن هناك شواهد كثيرة على تلك العمليات، التي لم تفصح عنها إسرائيل لضرورات أمنية، مثل “عملية الموساد في طرابلس” عام 1973، التي لم تعترف بها إسرائيل، رغم اعتقال ضابط إسرائيلي برتبة نقيب يدعى، “حاييم روفائيل”، بواسطة قائد شرطة مدينة طرابلس اللبنانية النقيب، “عصام أبو زكي”.
يخدم أهداف إسرائيلية عليا..
أستطرد قائلاً: “إسرائيل لا تعطي معلومات بالمجان، ولا تعترف بعملياتها الأمنية لمجرد الاعتراف، ولا يمكن أن يكون هذا الإعلان في إطار الصراع على الأدوار داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، أو بهدف تقزيم أدوار الآخرين، كما تحدث اليوم مدير الموساد السابق “تامير باردو”، بل إن هذا الإعلان جاء ليخدم أهدافاً إسرائيلية عليا، حتمت على المؤسسة الأمنية الإعلان عن استهداف مفاعل “الكٌبر” السوري في ديرالزور عام 2007″.
مؤكداً “السبع” على أن هذا الإعلان هو محاولة من جانب قادة إسرائيل ليدعوا أنهم قادرون على توفير الأمن للمجتمع الإسرائيلي، الذي أصيب بالصدمة بعد إسقاط الطائرة الإسرائيلية في شمال فلسطين قبل شهر ونصف تقريباً، بجانب سعي إسرائيل إلى إبراز التعاون بين سوريا وكوريا الشمالية في المجال النووي.
محاولة لدعم أميركا لصب النيران على الأزمة السورية..
قال السياسي السوري، والأمين العام المساعد لاتحاد القوى السورية، الدكتور “سعد القصير”، تعليقاً على ما وصفه بـ”الاعترافات الإسرائيلية”، إن الأمر لا يتجاوز محاولة لدعم الرغبات الأميركية في صب مزيد من النيران على الأزمة السورية المشتعلة، لذلك يأتي الإعلان عن جريمتها في 2007 في هذا التوقيت بالذات.
وأوضح “القصير”، أن إسرائيل تبحث مع الولايات المتحدة عن مخرج لأزمة تقييد أميركا بعدم توجيه ضربة جديدة لمناطق سيطرة الجيش السوري، حيث ستكون المرحلة المقبلة هي الزعم بوجود بقايا أسلحة نووية، وحشد الرأي العام للبحث عنها، وإلا فلماذا يتم فتح هذا الملف الآن.
لا تريد لدول المقاومة أن تمتلك أسلحة إستراتيجية..
من جانبه، علق عضو مجلس الشعب السوري، الدكتور “جمال الزعبي”، على الإعلان الإسرائيلي، قائلاً: إنه ليس جديداً ولا مستغرباً عن إسرائيل “هذه العربدة القديمة الجديدة وأعمال القرصنة”، ففي بداية الثمانينيات من القرن الماضي قصفت المفاعل النووي العراقي الذي كان في طور البناء.
وأضاف أنه منذ 10 سنوات قصفت إسرائيل مجمعاً سورياً للاختبارات العلمية، كان نواة لمفاعل نووي بحثي، في منطقة “دير الزور”، وأنكرت صلتها أو علاقتها بالعدوان، آنذاك، وكنا على يقين بأن إسرائيل هي من قامت بهذا العدوان.
وتابع: “إسرائيل لا تريد أن يمتلك أي من الدول المقاومة لأي نوع من الأسلحة الإستراتيجية، أو أن تمتلك مقومات التطور العلمي، حتى ولو كانت للأغراض السلمية، فهي تريد من العرب أن يبقوا تابعين لها، وللأسف يساعدها في ذلك بعض قادة دول عربية”.
وأردف النائب السوري: “نحن أمام عدو لئيم وحاقد، لذلك علينا أن نطور قدراتنا الدفاعية والوقوف بوجهه، ونحن في سوريا وصلنا إلى خلق نوع من توازن الرعب مع هذا الكيان المارق، ولا أعتقد أن إسرائيل ممكن أن تحاول الضرب مرة أخرى فوق الأراضي السورية”.
الصحف العربية، أيضاً، علقت هي الأخرى على اعتراف إسرائيل بتدمير ما يشتبه بأنه مفاعل نووي سوري في “دير الزور” عام 2007.
وتساءل كثير من الكُتّاب عن مغزى توقيت هذا الاعتراف بعد أحد عشر عاماً، واعتبر بعضهم أن إيران هي المعنية برسالة إسرائيل من وراء هذا الكشف في هذا التوقيت، إضافة إلى هدفٍ آخر هو إضعاف الروح المعنوية العربية أمام التفوّق الإسرائيلي.
إيران هي المعنية بالدرجة الأولى..
فقالت جريدة (الحياة) اللندنية؛ إن هذا الإعلان هو “رسالة إسرائيلية إلى أميركا وإيران”، مستشهدة بقول الخبير العسكري الإسرائيلي البارز، “رونن برغمان”، بأن “إسرائيل أثبتت للولايات المتحدة أنها حرّة التصرف في ما يتعلق بأمنها، وأنه إذا لم تنفذ الولايات المتحدة عمليات تضمن أمن الدولة العبرية، فإن الأخيرة ستقوم بذلك”.
وبالمثل قالت (العرب) اللندنية؛ إن “إقرار إسرائيل بالوقوف خلف الغارة الجوية التي استهدفت مفاعلاً نووياً مفترضاً لسوريا في العام 2007، والتصريحات التي أعقبت هذا الإعلان يؤكدان أن إيران هي المعنية بالدرجة الأولى بالخطوة الإسرائيلية”.
إتعاب الروح المعنوية للمنطقة..
كتب “ماهر أبو طير”؛ في جريدة (الدستور) الأردنية، يقول إن إعلان إسرائيل في هذا التوقيت “لم يجر لمجرد إيصال رسالة إلى دول عربية وإقليمية، بل لغايات استعراض القوة في هذا التوقيت بالذات، ضد المنطقة، وتحديداً ضد دول عربية، إضافة إلى إيران”.
وأضاف: “لكن هذه الرسائل في المجمل قد لا تحط في بريد الدول، بالطريقة التي تتوقعها إسرائيل، لأن كل المنطقة مفتوحة على صراعات أوسع، قد لا تضمن ذات إسرائيل إلى الأبد”.
وأشار إلى أن “المؤسف أن كل الممارسات الإسرائيلية، سواء العسكرية، أو حتى تسريب المعلومات، يراد منها في المحصلة، إتعاب الروح المعنوية للمنطقة، والقول لشعوبها، إنهم ضعفاء، لا وزن لهم ولا اعتبار أمام إسرائيل وقوتها، وإن إسرائيل متفوقة، بما يستهدف تعميق اليأس والإنهاك والتراجع والتخلي عن الأهداف”.
ثلاث نقاط للإعلان عن الضربة..
أشارت صحيفة (رأي اليوم) الإلكترونية اللندنية، في افتتاحيتها، إلى ثلاث نقاط إستخلصتها من إعلان إسرائيل عن هذه الضربة في هذا التوقيت.
النقطة الأولى: “توجيه إنذار “مبطن” إلى إيران؛ تقول مفرداته إن مفاعلاتها وبرامجها النووية قد تكون هدفاً لغارات مماثلة ربما وشيكة”.
وتضيف أن النقطة الثانية هي: أنه “تتواتر تقارير عدة تفيد بأن هناك اتفاقاً سرياً جرى التوصل إليه بين رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتانياهو”، مع الرئيس الأميركي “دونالد ترامب” وإدارته، أثناء زيارة الأول، (نتانياهو)، الأخيرة لواشنطن قبل أسبوعين، يقضي برفع مستوى التهديد بتوجيه ضربات لإيران، وسوريا أيضاً، بعد الإلغاء المتوقع من قبل ترامب للاتفاق النووي في أيار/مايو المقبل”.
النقطة الثالثة – بحسب الصحيفة – أن هذا الكشف “يأتي في إطار الحرب النفسية التي تشنها إسرائيل ضد حلف المقاومة، وللتغطية على عجزها، ورغم تهديداتها الكثيرة، عن القيام بأي عمل عسكري حقيقي وفاعل في سوريا ولبنان، بعد إسقاط طائرتها من طراز (إف-16) بصاروخ سوري من صنع روسي”.
وفي الصحيفة نفسها، قال “زهير أندراوس”: “لا نستبعد البتة أن يكون السماح بنشر تفاصيل العملية، بحسب الرواية الإسرائيلية، في هذا التوقيت بالذات، هو بمثابة حلقة إضافية في مسلسل الحرب النفسية الشرسة التي تخوضها دولة الاحتلال ضد الأمة العربية بهدف إستدخال الهزيمة، والتأكيد على فوقية الصهيوني وغطرسته وإستكباره، مقابل الدونية العربية وتخلف أمة الناطقين بالضاد”.
خلافات داخل الأوساط السياسية الإسرائيلية بسبب الكشف عن العملية..
رغم كل التكهنات والتحليلات التي تلت الاعتراف الإسرائيلي، كشفت (القناة الثانية) العبرية، عن وجود خلافات حادة في الأوساط السياسية “الإسرائيلية” حول قضية السماح بالكشف عن ما سمي عملية تفجير المفاعل النووي السوري، في العام 2007.
وأضافت: أن “قرار تدمير المفاعل النووي السوري في دير الزور” ظل طي الكتمان، بموجب قرار المستويين السياسي والعسكري، وأن الكشف عنه فتح مجالاً للكشف عن حجم الخلافات والصراعات بين أقطاب المستوى السياسي والعسكري.
وقالت القناة العبرية، إن أول من بدأ الإنتقادات، كان وزير الحرب آنذاك، “إيهود باراك”، حيث هاجم رئيس الوزراء، آنذاك، “إيهود أولمرت”، قائلاً: “لم يكن له دور كبير في العملية، ولقد حاول صناعة أمجاد لنفسه”، مضيفاً أن “أولمرت” نفذ الهجوم لتحقيق نجاح بعد خروجه من حرب فاشلة في لبنان”.
وذكرت (القناة الثانية)، أنه وبعد ظهور بعض الخلافات حول القضية، صرح وزير الحرب، “أفيغدور ليبرمان”، أنه “نادم على السماح بنشر معلومات الهجوم على المفاعل السوري”، مشيراً إلى أن الكشف عن هذه المعلومات “سيتسبب الضرر الكبير للأمن القومي الإسرائيلي”.
ووفقاً للقناة العبرية، إنتقد رئيس الموساد السابق، “تمير باردو”، السماح بنشر معلومات عن العملية، مضيفاً: “ليس من الضروري الكشف عن هذه العملية الآن”.