وكالات – كتابات :
أنباء متضاربة نُشرت أخيرًا؛ حول إحياء المفاوضات النووية بين “إيران” و”الولايات المتحدة الأميركية”. وفيما تحدّث موقع (أكسيوس) الأميركي عن مفاوضات غير مباشرة؛ أقامها وفد من الدبلوماسيين الأميركيين والإيرانيين في “سلطنة عُمان”، إلا أنّ الطرفين نفيا؛ حتى الآن، قرب التوصل إلى اتفاق، وذلك لكثرة نقاط الخلاف بينهما.
فيما ينفي الجانب الإيراني أصل وجود المفاوضات حول الملف النووي. وحدها “إسرائيل” تؤكد أن الاتفاق وشيك. وفي الوقت عينه، يجري الإفراج عن أموال إيرانية محتجزة في الخارج، مع تسّريب معلومات عن قرب إفراج متبادل عن سجناء، بالتزامن مع تهديدات عسكرية وتوترات بحرية.
رغم اختلاف السناريوهات السّاعية إلى شرح ما يجري، يبقى الثابت الوحيد أن “الولايات المتحدة الأميركية” طلبت من “إيران”، عبر وسّطاء، العودة إلى طاولة المفاوضات، وبدأت تقدّم لـ”إيران” ما كانت ترفضه على مدى أشهر وسنوات؛ (الإفراج عن الأموال وتبادل السجناء).
فما هي دوافع “واشنطن” للعودة إلى التفاوض ؟
ماذا تُريد “واشنطن” ؟
زيادة نسّبة تخصيّب (اليورانيوم)؛ في “إيران”، هو ما يؤرق “واشنطن” و”تل أبيب”، وهو ما دفع بالإدارة الأميركية إلى جولة المحادثات هذه؛ (وهذا ما أكدته “نيويورك تايمز” يوم 14/06/2023).
ففي شهر شباط/فبراير الفائت، نشرت وكالة (بلومبيرغ) الأميركية، تقريرًا قالت فيه إن “طهران” خصّبت (اليورانيوم) بنسّبة: 84%.
وأضافت الوكالة أن: “هذا يُعتبر أعلى مسّتوى حتى الآن، ويقلّ: بـ 6% فقط عما هو مطلوب لإنتاج قنبلة نووية”. ويحتاج صنع القنبلة النووية إلى نقاوة تخصّيب بين: 90 و95%؛ بكمية: 25 كيلوغرام.
غير أنّ “إيران” نفّت هذه التقارير، وأكدت عبر مسؤول رفيع المسّتوى أن “طهران” لم تقّم بإجراء لتخصّيب (اليورانيوم) بنسّبة تتجاوز: الـ 60%.
وبحسّب مصادر دبلوماسية إيرانية، طلبت “واشنطن” من “طهران”، عبر “سلطنة عُمان”، العودة إلى طاولة المفاوضات، بسبب الخشية الأميركية والإسرائيلية من وصول “إيران” إلى تخصيّب (اليورانيوم) بنسّبة: 90 في المئة. فهذه النسّبة هي الخط الأحمر الإسرائيلي والأميركي، كونها النسّبة التي تمكّن أي دولة من صناعة قنبلة نووية.
وتؤكد مصادر معنية بالمفاوضات؛ أن “تل أبيب” أبلغت “واشنطن” أنها ستقصف “إيران”، مهما كان الثمن، في حال وصلت نسّبة التخصّيب إلى هذه الدرجة. وبعدما كان التقدير الإسرائيلي يُشير إلى حاجة “إيران” لأكثر من سنتين للتمكّن تقنيًا من صنع قنبلة نووية، فاجأها التقدير الأخير الذي أعلنه رئيس أركان الجيش الأميركي؛ “مارك ميلي”، في آذار/مارس الماضي، حين قال إن “إيران” قادرة على إنتاج مواد كافية لصنع قنبلة نووية في غضون أسبوعين، وأنها بحاجة لأشهر قليلة إضافية لصنع القنبلة.
وفي هذا المجال، أكد المحلل الإيراني؛ “أمين برتو”، في حديثٍ مع (ذا كرايدل)؛ أن: “الشيء الوحيد الذي تُريده الولايات المتحدة الآن هو وقف زيادة نسّبة تخصيّب (اليورانيوم) في إيران، من دون صراع عسكري، لأن الولايات المتحدة متورطة في أزمة روسيا وأوكرانيا والتوتر مع الصين”.
وهي لا تُريد صراعًا إضافيًا في “غرب آسيا”؛ (اعتداء إسرائيلي على إيران؛ يؤدي إلى حرب ستكون الولايات المتحدة طرفًا فيه)، كما أنه ليس من مصلحتها تحوّل “إيران” إلى دولة: “عتبة نووية”؛ (دولة قادرة على إنتاج قنبلة في أي وقتٍ تشاء، من دون أن تُقدِم على تلك الخطوة).
ففي حال وصول “طهران” إلى نسّبة تخصّيب: 90 في المئة، لن يكون أمام “إسرائيل” و”الولايات المتحدة الأميركية” سوى خيارين: إما الحرب؛ أو التعايش مع الواقع الجديد ومحاولة تخريب البرنامج النووي وتشّديد العقوبات ومحاولة إحداث قلاقل داخلية في “إيران”. وكل هذه الخيارات اختُبِرَت سابقًا ولم تُغيّر: “سلوك طهران”.
أمام هذا الواقع؛ تجد “الولايات المتحدة الأميركية” نفسها مضطرة لمفاوضة “إيران”، والسّعي إلى التوصل إلى اتفاق ما معها يضمن عدم وصول نسّبة التخصيّب إلى: 90 في المئة، لتفادي الحرب التي ستكون مضرّة بالمصالح الأميركية والإسرائيلية في المنطقة، كما للحؤول دون الاضطرار إلى التعامل مع دولة: “عتبة نووية” في “إيران”، مع ما لذلك من تداعيات ردعية إقليمية. أما تشّديد العقوبات، فسيدفع “إيران” إلى المزيد من تعميق علاقاتها مع “روسيا” و”الصين” والدول الخاضعة لعقوبات أميركية.
وبحسّب مصادر مطلعة على المفاوضات؛ فإن المطروح على الطاولة في “عُمان” حاليًا هو تفاهم جديد، جزئي، لا اتفاق شبّيه بما عُقِد عام 2015. ويقضي التفاهم أولاً بالإفراج عن أموال “إيران” في الخارج، مقابل توقف “إيران” عن زيادة نسّبة التخصيّب.
وقد بدأ فعلاً الإفراج عن أموالٍ إيرانية، بينها أكثر من: 06 مليار دولار من حقوق السّحب الخاصة لدى “صندوق النقد الدولي”، وأكثر من: 03 مليارات دولار من أموال “إيران” في “العراق”. وفيما يُنتظر أن تشهد الأيام المقبلة إفراجًا متبادلاً عن السجناء، تُشير المصادر إلى أن ما يُعرقل التوصل إلى حل نهائي هو الاتفاق على نسّبة التخصيّب الأعلى التي تلتزم بها “إيران”، وما إذا كانت: 60% أو 20%، في مقابل تجميد العقوبات المفروضة على “إيران” بذريعة ملفها النووي.
لماذا التفاهم الجزئي لا الاتفاق ؟
تُجيب مصادر سياسية مطلعة في “طهران”؛ أن اتفاقًا شاملاً ربما يحتاج إلى سنوات من المفاوضات، و”واشنطن” عاجزة عن تقديم ضمانات بعدم التراجع عن الاتفاق مجددًا. ولأجل ذلك، يأتي التفاهم الجزئي كحل وسط يضمن عدم زيادة نسّبة التخصيّب في “إيران”، وتبادل السجناء بين الدولتين، في مقابل حصول “طهران” على أموالها المحجوزة ورفع العقوبات المفروضة عليها.
تصعيد يسّبق التفاوض..
بعد تصريح الجنرال “ميلي”، بدأت مرحلة التصّعيد الأميركي الميداني.
صادرت البحرية الأميركية؛ في “بحر العرب” نفطًا إيرانيًا على متن ناقلة كانت في طريقها إلى “الصين”. ردًا على الخطوة، احتجزت “إيران” في “خليج عُمان”، ناقلة كانت تحمل نفطًا أميركيًا في طريقها من “الكويت” إلى “الولايات المتحدة”. وبعد أقل من أسبوع، احتجزت “إيران” أيضًا ناقلة نفط أثناء عبورها “مضيق هرمز” نحو “ميناء الفجيرة”؛ في “الإمارات العربية المتحدة”.
يأتي ذلك بعد تصريحات للمتحدث باسم البيت الأبيض؛ “جون كيربي”، أكد فيها أن بلاده رصدت تهديدات إيرانية متكررة للشحن التجاري في الخليج، وأن “وزارة الدفاع” الأميركية ستبدأ في تعّزيز تمركزها الدفاعي في المنطقة.
كانت تلك الجولة أشبه باختبار ميداني لزيادة الضغوط قبل العودة إلى طاولة المفاوضات، لكن الرد الإيراني، بحسّب مصادر سياسية في “طهران”، أحبط الضغوط الأميركية.
بعد هذا التصعيد العلني، طلبت “واشنطن” سرًا – عبر “سلطنة عُمان” – بدء المفاوضات مع “إيران”. مصادر أميركية مطلعة على المحادثات قالت لموقع (أكسيوس)؛ إن: “الهدف من التفاوض هو الوصول إلى تفاهم حول طرق خفض تصعيد برنامج إيران النووي، وسلوكها في المنطقة، إضافة إلى تدخلها في الصراع في أوكرانيا”.
المفاوضات لا تلغي التهديدات..
في الوقت عينه؛ يستمر التهديد الأميركي لـ”إيران”، وتوجيه الرسائل إلى حلفاء “الولايات المتحدة الأميركية” بأنها لن تتخلى عنهم، ولن تُخلي السّاحة في “غرب آسيا”.
يوم 08 حزيران/يونيو؛ كان محشوًا بالرسائل الأميركية. وزير الخارجية؛ “آنتوني بلينكن”، اختتم زيارة إلى “السعودية” شارك خلالها في اجتماع وزاري بين “الولايات المتحدة” ودول “مجلس التعاون الخليجي”. أعلن “بلينكن” أن: “الدبلوماسية والردع القائم على الضغوطات؛ هي أفضل السّبل للتصدي لإيران”.
وفي اليوم نفسه؛ أعلن قائد القوات الجوية في قيادة المنطقة الوسطى الأميركية؛ الجنرال “أليكس غرينكويتش”، أن قواته شاركت إلى جانب: “قوات التحالف في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك إسرائيل، في مهمة قاذفة قنابل”.
تزامن ذلك؛ مع اختتام مناورات جوية “أميركية-خليجية” مشتركة، ونشر الجيش الأميركي مقاتلات (F-22) في “غرب آسيا”؛ بذريعة السلوك: “غير المهني” الذي تُمارسّه المقاتلات الروسية في الأجواء السورية، بعد إعلان “واشنطن” نقل قنابل خارقة للتحصيّنات إلى المنطقة، بذريعة أخرى هي استهداف الفصائل المسّلحة التي تقصف القواعد الأميركية في “سوريا”.
هذه الرسائل كانت معطوفة على التهديدات الإسرائيلية العلنية، وأخرى سّرية نقلها مسؤولون خليجيون إلى “طهران”، بحسّب مصادر سياسية إيرانية.
تُدرك “إيران” جيدًا أن المفاوضات القائمة ربما ستفشل، ما سيضطرها إلى زيادة نسّبة التخصّيب، واحتمال نشوب حرب. أمام هذه التقديرات، قررت “الجمهورية الإسلامية” رفع مسّتوى الردع في مواجهة أعدائها، فأعلن (الحرس الثوري) امتلاكه صاروخًا باليستيًا فرط صوتي محلي الصنع، أطلق عليه اسم: (فتّاح). وهو صاروخ: “قادر على التغلب على كافة الأنظمة الدفاعية الجوية التابعة للأعداء”، بحسّب ما ذكرت وكالة (إرنا) الإيرانية.
كانت هذه الرسالة المضادة التي يقول عبرها الإيرانيون إنهم جاهزون للمواجهة متى فُرِضت عليهم.
ماذا تُريد “إيران” ؟
تبدو “إيران” منفتحة على التوصل إلى تفاهم جديد، يُحقق لها رفع العقوبات عنها، للحصول على أموالها المحجوزة في الخارج، ولتعّزيز فرصها الاقتصادية. ويُشكّل هذا التفاهم بديلاً جزئياً عن “الاتفاق النووي” السابق، الذي فسّخته “واشنطن” في عهد الرئيس الأميركي السابق؛ “دونالد ترامب”.
غير أن هذا الانفتاح لا يعني أن “طهران” ستقبل بكافة الشروط الأميركية. فهي تُريد رفع العقوبات الأميركية عنها، مقابل الالتزام بمحددات معينة بشأن نسّبة التخصيّب والنشاطات النووية في البلاد.
وقد شرحت ذلك تصريحات المرشد الأعلى للثورة الإسلامية؛ السيد “علي خامنئي”، إذ أكد (يوم 11/06/2023)، إمكان التوصل إلى اتفاق مع الغرب حول أنشطة “طهران” النووية إذا ظلت: “البنية التحتية النووية للبلاد من دون مسّاس”.
غير أن “خامنئي” أكد أنه: “لا يمكننا أن نثق بالأطراف المقابلة، وقد تلقينا العديد من الضربات بسبب ثقتنا بوعود واهية”. وشّدد المرشد الأعلى على أن بلاده: “لم تسعَ أبدًا لصنع قنبلة نووية”، مضيفًا أن: “الحديث عن أسلحة طهران النووية كذبة والغرب يعرف ذلك”.
واللافت أنّ تصريحات المرشد الأعلى أتت بعد يومٍ من حديث رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية؛ “محمد إسلامي”، الذي قال إن: “هدف طهران من تخصيّب (اليورانيوم) هو رفع العقوبات الأميركية”. وبالفعل، وبملاحظة أرقام التخصّيب يظهر أن “إيران” كانت في الأعوام السابقة: (2018 ـ 2022)، ترفع نسّبة التخصيّب ردًا على الأعمال العدائية الإسرائيلية؛ (بمباركة أميركية)، ضد بنيتها التحتية النووية، أو ردًا على اغتيال علماء نوويين، مثل “محسن فخري زاده”؛ عام 2020.
ماذا عن “إسرائيل” ؟
على الرغم من أن “طهران” و”واشنطن” نفتا؛ حتّى الآن، إحراز أي تقدم نحو إعادة إحياء “الاتفاق النووي”، إلا أن لدى “إسرائيل” شكوكًا في هذا السّياق، ترجمها تصريح رئيس حكومة الاحتلال؛ “بنيامين نتانياهو”، في مكالمة هاتفية مع “بلينكن”، بعد اختتامه زيارته إلى “السعودية”، بالقول إن: “إسرائيل تُعارض أي اتفاق أميركي مع إيران”، وأن: “مثل هذا الاتفاق لن يكون مُلزمًا لإسرائيل”.
وبحسّب تقرير نشره موقع “مركز القدس للشؤون العامة” الإسرائيلي، فإن أي اتفاق نووي جديد بين “واشنطن” و”طهران” سينعكس خطرًا على “إسرائيل” من خلال عدة عوامل، أبرزها أنه: “من المُرجّح أن تواصل إيران تطوير تكنولوجيا الأسلحة النووية وبرامج الصواريخ الباليستية”؛ وأن الاتفاق سيوفر لـ”إيران” عشرات مليارات الدولارات؛ ما سيمُكّنها من تعّزيز قدراتها العسكرية وقدرات حلفائها في الشرق الأوسط.
ونوّه الموقع بالقلق الكبير الذي يعيشه مسؤولو الكيان لناحية عدم قدرتهم على التأثير على إدارة “بايدن” و”الكونغرس”.
غير أن الموقع ذكر أن بعض كبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية يعتقدون أن اتفاقية نووية جديدة مؤقتة بين “إيران” والقوى الكبرى قد تكون: “أهون الشرين مقارنة بالوضع الحالي، أي مواصلة إيران السّعي وراء طموحاتها النووية من دون رادع”.
والنقطة الأخيرة هي؛ ما يدفع بـ”واشنطن” إلى محاولة التوصل إلى تفاهم ما مع “إيران” تمتنع فيه الأخيرة عن زيادة نسّبة التخصّيب.