على ما يبدو ان محاربة الفساد داخل العراق محاربة لأخطبوط مجرد محاولة لتقليص بعضاً من أذرعه مهمة صعبة ووظيفة لا تحظى بالعرفان، وهذا ما دفع برئيس هيئة النزاهة العراقية “حسن الياسري” يسعى، وعلى مدار عام كامل، إلى التخلي متنحياً عن مهام وظيفته الرسمية.
فبعد عام من توليه المسؤولية قدم الياسري استقالته لرئيس الوزراء العراقي “حيدر العبادي” في حزيران/يونيه 2016، لكن الاستقالة قوبلت بالرفض. وقبل حسن الياسري – على مضض – البقاء في منصبه لحين توفر البديل مع الإصرار على مبدأ الإستقاله. لذا واصل الياسري عمله محاولاً اقتلاع جذور الفساد داخل بلد يشار فيه إلى الرشوة ونهب موارد الدولة بأنهما السبب في كل شئ بدءاً من انخفاض مستويات المعيشة إلى انهيار الجيش أمام تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
اسباب الإستقالة
يقول رئيس هيئة النزاهة العراقية “حسن الياسري” – 47 عاماً – إن أحد أسباب رغبته في الاستقالة يعود إلى أن السلطات لم تتخذ إجراءات إلا في 15 بالمئة من 12 ألف قضية فساد أجرت الهيئة تحقيقات بشأنها وأحالتها إلى القضاء العام الماضي.
مضيفاً بان “العدد قليل جداً. نريد من القضاء أن يحسم القضايا بسرعة لمسايرة عمل الهيئة.. أنا متألم جداً”. لافتاً إلى أنه اتخذ خطوات جريئة وأرسل محققين لفتح ملفات في كل وزارة بحثاً عن أدنى مؤشرات على الفساد، وفرض حظر على سفر مسؤولين كبار لأول مرة. “واضطر كبار المسؤولين إلى الإلتزام بمزيد من الشفافية فيما يتعلق بشؤونهم المالية”.
“كوكتيل” فساد.. بأمر سياسي
رغم ذلك يؤكد الياسري على انه طوال الوقت يواجه انتقاداً مستمراً من التكتلات السياسية التي اعتادت استخدام سيطرتها على الوزارات لتقديم الخدمات لأنصارها. ونظراً لأن “الياسري” ينتمي للأغلبية الشيعية في العراق فكان هذا جديراً ان يتهم من قبل السنة والأكراد بمحاباة الشيعة من جهة واتهامه الشيعة أنفسهم بملاحقة الشيعة. على حد توصيفه.
ويتذكر حسن الياسري أن مسؤولاً عراقياً بارزاً سبق وزاره في مكتبه الواقع بمنطقة شديدة التحصين في بغداد، دون أن يحدد هوية المسؤول. متابعاً: “جاء ليخبرني بأن كل هؤلاء الذين أحلتهم إلى القضاء هم شيعة.. مطالباً بضرورة ان يكون هناك توازن.. يجب أن يكون هناك سنة وأكراد”. ليرد الياسري على المسؤول الكبير: “نحن لا نعمل هذا الكوكتيل”.
جدير بالذكر ان سبق لرئيس الوزراء العراقي “حيدر العبادي” وأعلن حرباً على الفساد لكنه واجه مقاومة شديدة من ساسة بينهم بعض المنتمين لكتلته السياسية، والذين يقاومون جهود الإطاحة بقادة فصائل سياسية من مناصب عليا وتعيين خبراء بدلاً منهم.
الفساد يتشعب إلى الجيش
وخلصت لجنة برلمانية إلى أن “الفساد داخل صفوف الضباط كان أحد أسباب فرار الجيش العراقي دون مقاومة التقدم الخاطف الذي حققته الدولة الإسلامية داعش في 2014”. وحينها كان ضباط الجيش يختلسون رواتب جنود وهميين.
يؤكد “الياسري” على ان المشكلة تقلصت من خلال تدقيق أكثر من وزارة الدفاع، لكن هناك حاجة لمزيد من العمل. ولا يزال بعض الضباط يتقاضون جزءاً من رواتب بعض الجنود مقابل السماح لهم بإجازة غير محددة المدة.
لافتاً إلى: ان “هناك مليون فرد في الجيش.. في كل الدول من الصعب القضاء على الفساد في ظل هذه الأعداد الكبيرة.. نحن نحاول تشديد الخناق حول الفاسدين لكن من الصعوبة القضاء على الفساد بين عشية وضحاها، نحتاج المزيد من الوقت”.