خاص: كتبت- نشوى الحفني:
سياسة مختلفة انتهجها الرئيس الأميركي؛ “دونالد ترمب”، منذ قدومه لـ”البيت الأبيض”، في كانون ثان/يناير الماضي، جعلت الخبراء يرون أن “واشنطن” تتخلى عن دورها كشرطي للعالم، بل وتنتهج ثورة جديدة ضد العالم بأكمله.
ففي الوقت الذي اعتقد فيه المسؤولون الأوروبيون أنهم أتقنوا فن التفاوض مع؛ “رجل الصفقات”، خلال ولايته الأولى، اكتشفوا أن نسخة “ترامب 2025”: “الأكثر تطرفًا”، تُعيّد تشكيل السياسة الخارجية بعيدًا عن التحالفات التقليدية، مُستبدلة إياها: بـ”أميركا أولًا”.
وكالة (بلومبيرغ) تقول أن هذا التحول لم يقتصّر على تغييّر التكتيكات، بل شمل تفكيكًا منهجيًا للبُنى التحتية الدبلوماسية التي تأسست منذ الحرب العالمية الثانية، مما أثار ارتباكًا عالميًا غير مسبَّوق.
سحب مفاتيح الدبلوماسية الخارجية..
وترى (بلومبيرغ)؛ إن “ترمب” سحب مفاتيح السياسة الخارجية من أيدي الدبلوماسيين المحترفين، مُفضلًا الاعتماد على قرارات مركزية تصدر عن “البيت الأبيض”، ما أدى بدوره إلى تكبيل “وزارة الخارجية”، حيث وجد الموظفون أنفسهم بلا توجيهات أو صلاحيات.
وقال “كاميل غراند”؛ المسؤول السابق في الـ (ناتو): “أصبح الموظفون الحكوميون مرعوبين وغير قادرين على تفسير سياسات واشنطن لأنهم بعيّدون عن دائرة صنع القرار”.
كما استقال عشرات السفراء والدبلوماسيين، تاركين مناصب حيوية شاغرة. ففي دول مثل “سورية وتركيا”، أصبحت السفارات الأميركية بيوت “أشباح” بلا وجود فاعل، مما فتح الباب لدول مثل “هولندا” لملء الفراغ في أدوار كانت “أميركا” تقودها.
استخدام سياسة التواصل المباشر..
وعلى نطاق الشرق الأوسط؛ وجدت حكومات أن التواصل المباشر مع “ترمب”، عبر قنوات غير رسمية، (مثل الملياردير ستيف ويتكوف)؛ أكثر فاعلية من القنوات الدبلوماسية التقليدية. وفي المقابل، فقدت دول أخرى مثل “جنوب إفريقيا” علاقاتها مع “واشنطن”، بعد إعلان سفيرها: “شخصًا غير مرغوب فيه”، إثر انتقاده لسياسة “ترمب” المناهضة للهجرة.
وأعلنت الإدارة تجميد (83%) من عقود “الوكالة الأميركية للتنمية”؛ (USAID)، في “إفريقيا”، مما قطع المساعدات عن مئات الشركاء المحليين الذين عملوا مع “واشنطن” لعقود.
ارتباكات واستعداد في “أوروبا” !
وأمام الفراغ الأميركي، وجدت “أوروبا” نفسها في مفترق طرق. واكتشف الدبلوماسيون الأوروبيون أن مناقشة قضايا مثل “غزة” أو “أوكرانيا” مع نظرائهم الأميركيين أصبحت ضربًا من العبث، بسبب غياب التوجيهات وانسحاب الخبراء.
حتى في اجتماعات “مجموعة السبع”، لم يعد يُعتد بسرية المناقشات، حيث تُنقل التفاصيل مباشرة إلى “ترمب”؛ عبر قنوات غير رسمية، مما دفع دولًا مثل “ألمانيا” إلى تشكيل تحالفات جانبية مع “اليابان وكندا”، لضمان استقرار التنسيق الأمني.
يُضاف إلى ذلك؛ خفض السفارات الأميركية حضورها في الفعاليات الثقافية، التي كانت أداة رئيسة لتعزيز النفوذ. وفي الوقت نفسه، بدأت دول أوروبية في تقييم مدى استمرارية تبادل المعلومات الاستخباراتية مع “واشنطن”.
صراع بين البيروقراطية والإيديولوجيا..
يأتي ذلك؛ فيما تدرس الإدارة الأميركية دمج إدارات حكومية أو إلغاء مكاتب تركز على قضايا مثل التغير المناخي أو حقوق الإنسان، التي لا تتماشى مع أجندة “أميركا أولًا”. ودعت مؤسسة (هيريتيدغ) المحافظة إلى “تطهير” وزارة الخارجية من الموظفين اليساريين.
كما واجه “ماركو روبيو”؛ (وزير الخارجية)، انتقادات لعدم قدرته على وقف التخلي عن الحلفاء، بينما أُجبر على إلغاء اجتماعات دولية في اللحظة الأخيرة، كما حدث مع “كاغا كالاس”؛ (المسؤولة الأوروبية)، في خطوة تعكس الفوضى الداخلية.
ترفض لعب دور الشرطي..
وخلص تقرير (بلومبيرغ)؛ إلى أن “الولايات المتحدة” تحت حكم “ترمب” أشبه: بـ”دولة منعزلة” ترفض لعب دور الشرطي العالمي، مما فتح الباب لقوى إقليمية ودولية لتعيد ترتيب التحالفات.
وبينما ترحب بعض الدول بالتحرر من الهيمنة الأميركية، يرى آخرون أن الفراغ الناتج قد يُغري بنزاعات جديدة في غياب نظام عالمي مستقر. مما أثار تساؤلا: هل يستطيع الحلفاء التأقلم مع عالمٍ تُحدده صفقات “ترمب” اليومية، أم أن الفوضى ستكون السمة الغالبة ؟
تدمير الإطار المؤسسي للتعاون العالمي..
وفي تحليل نشره موقع مؤسسة (كارنيغي للسلام الدولي)، يقول “ستيوارت باتريك”؛ الزميل البارز ومدير برنامج النظام العالمي والمؤسسات الدولية في المؤسسة، إن “الولايات المتحدة” بعد أن ظلت منذ عام 1945 تلعب دور المدافع والضامن الرائد لنظام عالمي مفتوح ملتزم بالقواعد، في ظل القانون الدولي، ترفض الآن منطق التعددية، بما في ذلك الالتزام بأي قيود على ممارسة نفوذها، أو تحمل مسؤوليات القيادة والاستقرار العالميين.
ويُشير “باتريك” الذي تركز أبحاثه على الأسس المتغيرة للنظام العالمي، ومستقبل الأممية الأميركية، ومتطلبات التعاون المتعدد الأطراف إلى أن السياسة الخارجية، لم تشهد مثل هذا التغيير الجذري بالنسبة لنطاقه وسرعته، إلا كرد فعل على أحداث كبرى مفاجئة مثل الهجوم الياباني على “بيرل هاربور” أثناء الحرب العالمية الثانية، أو هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001 على نيويورك وواشنطن.
وفي الوقت نفسه، كان التغيير الجذري في الحالات السابقة يستهدف بناء أطر للتعاون والعمل متعدد الأطراف، لاحتواء المخاطر التي تهدد المصالح العليا للولايات المتحدة. لكن مع ترامب يتجه هذا التغيير نحو تدمير الإطار المؤسسي للتعاون العالمي الذي طالما اعتبره العالم أمراً مسلماً به.
إطلاق ثورة ضد العالم..
ويقول باتريك إنه مع حلول الذكرى 250 لاستقلال الولايات المتحدة، ونجاح ثورتها الأولى ضد الاحتلال البريطاني، يبدو أن ترامب قد أطلق ثورة أميركا الثانية لكنها هذه المرة ضد العالم الذي صنعته واشنطن تقريباً منذ الحرب العالمية الثانية.
وتتردد أصداء هذه الثورة في السياسة الخارجية الأميركية عالمياً، إلى الدرجة التي أصابت حلفاء الولايات المتحدة القدامى بالذهول من تحولات إدارة ترامب، بدءاً من احتضانها لروسيا السلطوية، وانتهاء بتفكيك برامج ومؤسسات التنمية الدولية، مروراً بتجاهل حلفاء واشنطن من الدول الديمقراطية، حسب قول باتريك.
ويرصد باتريك مؤلف كتب “حروب السيادة: التوفيق بين أميركا والعالم”، وكتاب “الروابط الضعيفة”: الدول الهشة والتهديدات العالمية والأمن الدولي”، في تحليله 10 ملامح جوهرية تجسد سياسة ترامب الخارجية.
وأول هذه الملامح هو التخلي عن الدور القيادي لأميركا في النظام العالمي. ففي العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية، دافعت الإدارات الأميركية المتعاقبة عن نظام دولي منفتح وملتزم بالقواعد، واستثمرت فيه، ودافعت عنه، مع ترسيخ النفوذ الأميركي في المؤسسات متعددة الأطراف مثل الأمم المتحدة، وصندوق النقد الدولي، وحلف شمال الأطلسي (ناتو) ومنظمة الأمم الأميركية.
العالم صفقات تجارية..
وعلى النقيض من ذلك، يرى ترامب، بل ويرحب، بعالم لا قيمة فيه للأعراف والقواعد، حيث تكون جميع العلاقات عبارة عن صفقات تجارية، وتعكس نتائجها في نهاية المطاف ممارسة سافرة للسلطة. كما لم يقدم أي رؤية إيجابية لعلاقة الولايات المتحدة مع العالم، ولا المسؤولية الأميركية في الحفاظ على النظام العالمي والدفاع عنه، ولا يؤمن إلا بالمصالح الوطنية الضيفة، ولا بالقيادة الأميركية للعالم.
السيادة المطلقة على العالم..
والملمح الثاني هو الإيمان بفكرة السيادة المطلقة. فإدارة ترامب تتبنى تفسيراً دفاعياً ومشوها للسيادة، يشكك في المنظمات والمعاهدات الدولية. ويرفض الالتزامات متعددة الأطراف، مستنداً في ذلك إلى حجج واهية مفادها أنها تقيد حرية الولايات المتحدة في العمل وتعرض الحكم الدستوري للخطر، بينما تسمح للأطراف الأضعف بالتكتل ضدها.
وانطلاقاً من هذا التصور، وجه ترامب وزير خارجيته ماركو روبيو بمراجعة كل المعاهدات الدولية التي وقعتها الولايات المتحدة والمنظمات الدولية المنضمة إليها، وتقديم توصيات بالمعاهدات والمنظمات التي يجب الانسحاب منها بحلول أواخر تموز/يوليو المقبل.
تشويه الغرب وتحالفاته..
وثالث الملامح هو تشويه الغرب وتحالفاته مع الولايات المتحدة. ففي تناقض سافر مع كل الرؤساء الأمريكيين السابقين، لا يبدي ترامب أي تضامن مع الدول الديمقراطية المتقدمة الأخرى، التي تشكل مع الولايات المتحدة معسكر “الغرب”.
وعلى سبيل المثال، يتعامل ترامب مع حلف الناتو باعتباره لا يزيد على صاروخ حماية، متجاهلاً الهوية الجماعية التي شكلت ملمحاً لأنجح حلف في التاريخ.
وقد أثار استعداد ترامب لمهاجمة الغرب، في ضوء نهجه العدائي تجاه حلف الناتو ومجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى والاتحاد الأوروبي قلق الشركاء. ومع تآكل ثقة الأوروبيين في مدى التزام الولايات المتحدة بالدفاع المشترك بموجب المادة الخامسة من ميثاق الناتو، بدأت ألمانيا محادثات مع فرنسا وبريطانيا بشأن إقامة منظومة أسلحة نووية مشتركة. كما قالت ممثلة الاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية كايا كالاس، بعد اجتماع ترامب الكارثي في البيت الأبيض مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إن “العالم الحر بحاجة إلى قائد جديد”.
إحياء مناطق النفوذ..
ويتحدث الملمح الرابع لثورة ترامب المدمرة في السياسة الخارجية هو إحياء مناطق النفوذ. تتجلى رؤية ترامب للعالم، المركزة على القوة، جلياً في سعيه إلى إقامة منطقة امتياز حصري للولايات المتحدة في نصف الكرة الغربي. فتصميمه على ضم جزيرة غرينلاند وقناة بنما، وضم كندا إلى الولايات المتحدة لتصبح الولاية الـ 51، ونشر الجيش على حدود المكسيك، يحيي مبدأ مونرو. وهذه الممارسات تؤدي إلى نفور جيران وحلفاء الولايات المتحدة منها، في الوقت الذي تضفي فيه المشروعية على جهود مماثلة تبذلها موسكو وبكين، على التوالي، لإعادة تأكيد سيطرتهما على “الجوار القريب” لروسيا في شرق أوروبا، والهيمنة على بحر الصين الجنوبي بالنسبة لبكين.
تجاهل القانون الدولي..
ويقول ستيوارت إن خامس الملامح هو تجاهل القانون الدولي. فعلى عكس أسلافه، إذ يفضل ترامب شريعة الغاب على سيادة القانون في السياسة العالمية. وخلال ولايته الأولى، سعى الرئيس الأميركي عبثاً، إلى إضعاف النظام القانوني الدولي. لكن عودته إلى السلطة تتيح له فرصة أخرى لإنجاز هذه المهمة الخطيرة، سواء على صعيد تجاهل حقوق الإنسان أو السعي لتوسيع النفوذ الإقليمي.
وقد انحاز بالفعل إلى جانب نظيره الروسي فلاديمير بوتين في حربه العدوانية ضد أوكرانيا، كما يدافع وزير دفاعه بيت هيغسيث عن الجنود الأميركيين الذين ارتكبوا جرائم حرب، في حين يتبنى مستشاره للأمن القومي مايكل والتز، استخدام القوات المسلحة ضد عصابات المخدرات في المكسيك.
علاقات ثنائية قائمة على التنمر..
وأما سادس الملامح فهو تفضيل العلاقات الثنائية القائمة على التنمر. ففي ضوء نهجه القائم على منطق الصفقات التجارية في العلاقات الدبلوماسية وعقد الاتفاقات الدولية، يفضل ترامب، كما هو متوقع، التفاوض مع الدول الأخرى بشكل ثنائي، بدلاً من الأطر متعددة الأطراف التي تقل فيها أهمية القوة الأميركية.
وحيثما يتطلب الأمر عملاً جماعياً، يفضل ترامب ترتيبات محورية تضمن وجود زمام الأمور في قبضة الولايات المتحدة، كما هو الحال في اتفاقيات أرتميس لاستكشاف الفضاء. وهذا الملمح يفسر نفور الرئيس الأميركي من الاتحاد الأوروبي، وقوله المتكرر أنه “شكل لخداع الولايات المتحدة”. وبشكل أعم، يتجاهل ترامب أن العلاقات الدولية ليست لعبة أحادية، أشبه بصفقة عقارية، بل هي لعبة متكررة ، حيث يجب كسب السمعة والثقة والمصداقية، وموازنة الفوائد بمرور الوقت.
رفض التعددية الاقتصادية..
وإذا كان الملمح السادس هو تفضيل العلاقات الثنائية القائمة على التنمر، فإن الملمح السابع هو رفض التعددية الاقتصادية. فقد استند النظام العالمي بعد الحرب العالمية الثانية إلى ظهور نظام دولي متعدد الأطراف ومفتوح ويستند إلى القانون في التجارة والمدفوعات الدولية، تحكمه مؤسسات بيرتون وودز والاتقاقية العامة للتعريفة والتجارة “جات” ومنظمة التجارة العالمية.
وكان عدم التمييز والمعاملة بالمثل، أهم ركائز هذا النظام التجاري العالمي المتجسدة في مبدأ الدولة الأكثر رعاية، الذي ينص على أن أي تنازل يمنح لشريك تجاري واحد يجب أن يمتد إلى جميع الشركاء. ومع ذلك، على مدى العقدين الماضيين، لم تحقق منظمة التجارة العالمية وظائفها في تحرير التجارة أو حل النزاعات. وفي المقابل يبدو أن ترامب عازم على توقيع إعلان وفاتها، مع تبنيه للرسوم الجمركية ورفض مبدأ الدولة الأكثر رعاية لصالح المعاملة بالمثل الثنائية الصريحة. وعلى حد تعبير أحد خبراء التجارة البارزين، “منظمة التجارة العالمية في مهب الريح”.
التنكر للتنمية العالمية..
وأما ثامن الملامح فهو التنكر للتنمية العالمية. وقد فككت إدارة ترامب الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ودمجت بقاياها في وزارة الخارجية، وهو القرار الذي له تداعيات كارثية ليس فقط على المصالح الوطنية للولايات المتحدة وسمعتها، وإنما أيضاً على الجهود العالمية لمحاربة الفقر والجوع والمرض والاضطراب والكوارث المناخية وغير ذلك الكثير.
ولم تكتف الإدارة الأميركية بوقف تمويلها لهذه الجهود، وإنما أعلنت الحرب على أهداف التنمية المستدامة العالمية، وأعلنت اعتزامها رفض الإشارة إليها في قرارات ووثائق الأمم المتحدة على أساس أنها تهدد بشكل ما السيادة الأميركية. وتتزايد المخاوف داخل الأمم المتحدة من احتمال انسحاب الولايات المتحدة من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والبنوك التنموية متعددة الأطراف.
وثم يأتي الملمح التاسع وهو التخلي عن دعم الديمقراطية في العالم. فبميله إلى الحكام الأقوياء، تراجع ترامب عن السياسة الأميركية المستمرة منذ عقود، لدعم الديمقراطية في الخارج. وبعيداً عن وقف أنشطة دعم الديمقراطية الخاصة بوزارة الخارجية ووكالة التنمية الدولية الأميركية، دمر ترامب منظمات الصندوق الوطني للتنمية وفريدم هاوس والوكلة الأميركية للإعلام العالمي التي تدعم إذاعة صوت أميركا، وغيرها من المؤسسات الإعلامية الأميركية التي تروج للديمقراطية في الخارج.
ورغم أن الجهود الأميركية لدعم الديمقراطية كانت انتقائية غالباً، مما عرض الولايات المتحدة للاتهام بالنفاق، وكانت عرضة للتجاوزات كما حدث في قمة الديمقراطية التي عقدتها الإدارة الأميركية السابقة، فإنها قدمت المساعدة والأمل للكثيرين من المعارضين ونشطاء الديمقراطية في العالم. لكن تصرفات ترامب تبدد الإيمان العالمي بالولايات المتحدة كصديق للحرية.
رفض فكرة الفائدة العامة العالمية..
وأما الملمح العاشر والأخير، فهو رفض فكرة الفائدة العامة العالمية. وتنكر إدارة ترامب أي حاجة للمؤسسات متعددة الأطراف لتوفير فوائد عامة عالمية – أو التخفيف من “الآثار السلبية” العالمية. فالبيت الأبيض ينكر حقيقة تغير المناخ، ويتجاهل انهيار التنوع البيولوجي، ويقلل من خطورة أضرار التلوث، ويشكك في مبررات التعاون البيئي الدولي. وانسحب من منظمة الصحة العالمية بناء على افتراض وهمي بأن الولايات المتحدة قادرة على إعادة إنتاج وظائفها على أساس وطني مخصص.
كما رفض أي حاجة لوضع قيود دولية لمواجهة المخاطر المتزايدة على السلامة والأمن والاستقرار الجيوسياسي التي يشكلها الذكاء الاصطناعي، بهدف تحقيق هيمنة أميركية مطلقة اعتماداً على التفوق المأمول للولايات المتحدة في هذا المضمار.
وأخيراً يقول ستيوارت باتريك في تحليله إن “ترامب أطلق ثورته ضد نظام عالمي صناعة أميركية. في الوقت نفسه فإن انتشار هذه الثورة عالميا أو مقاومتها أو حتى إثارتها لثورة مضادة سيكون خارج سيطرته. فإلى جانب تقويضها لمصالح ومصداقية الولايات المتحدة طويلة المدى، فإن سياسات إدارة ترامب تخلق فراغاً في قيادة العالم، سيسعى الآخرون لملئه سواء أدى ذلك إلى الخير أو الشر للعالم. وفي كل الأحوال لن يكون النظام العالمي الجديد صناعة الولايات المتحدة بمفردهاً.