وكالات – كتابات :
انقلبت الخطوط التحريرية للمنصات والقنوات المملوكة للمليشيات والفصائل المسّلحة العراقية، وأخرى لأحزاب دينية قريبة من “إيران”، من داعمة للحكومة العراقية برئاسة؛ “محمد شيّاع السوداني”، إلى مناوئة ومعارضة لها، بعد قرار حظر تطبيق (تليغرام)، فيما شّرعت القنوات المعروفة بتبعيتها للمليشيات، وأبرزها: (صابرين نيوز) و(حناطة) و(أبو مزيعل)، في تأسيس حسابات على (X)؛ تويتر سابقًا، لكنها مترددة في تفعيل هذه الحسابات على المنصة التي تُفرض قوانين صارمة على المحتوى، منها حظر مفردات عدة، إضافة إلى حظر نشر صور لقادة المليشيات وشخصيات من (الحشد الشعبي) وأخرى إيرانية معاقبة أميركيًا، مثل: “قيس الخزعلي” و”أبو مهدي المهندس” و”قاسم سليماني”.
التغزل بـ”الصدر” !
وأعادت هذه المنصات والقنوات فتح حساباتها على (تليغرام) عبّر الشبكات الافتراضية الخاصة؛ (في. بي. إن)، وقد تراجعت نسّبة المشاهدات فيها كثيرًا، إذ بدأت بمهاجمة حكومة “السوداني” وأداء وزاراتها ومؤسساتها، كما تحوّلت من ناقم على الحراك المدني الذين كان يحتج ويتظاهر ضد النظام الحاكم في البلاد، إلى التلميح بأهمية الاحتجاجات لمنع التعدي على حرية الرأي والتعبير والصحافة، كما أن قنوات “الولائية”، وهو الاسم الذي يُطلق على المقربين أو الموالين لـ”إيران”، تغزلت بـ (التيار الصدري)؛ وزعيمه “مقتدى الصدر”، الذي يُعارض الائتلاف الحاكم للدولة حاليًا، وهو تحالف (الإطار التنسّيقي)، رغم الخلاف الكبير بين الجانبين.
في السادس من آب/أغسطس الحالي؛ أعلنت “وزارة الاتصالات” العراقية حظر (تليغرام) لمحددات: “تتعلق بالأمن الوطني، وحفاظًا على البيانات الشخصية للمواطنين، التي خرق التطبيق المذكور سلامة التعامل بها، خلافًا للقانون”.
وقالت الوزارة، في بيان؛ إن: “مؤسسات الدولة ذات العلاقة قد طلبت مرارًا من الشركة المعّنية بإدارة التطبيق المذكور؛ التعاون في إغلاق المنصات التي تتسّبب في تسّريب بيانات مؤسسات الدولة الرسّمية والبيانات الشخصية للمواطنين، ما يُشّكل خطرًا على الأمن القومي العراقي والسّلم المجتمعي، إلا أن الشركة لم تسّتجب، ولم تتفاعل مع أيٍّ من تلك الطلبات”، مؤكدة: “احترامها حقوق المواطنين في حرية التعبير والاتصال، من دون المسّاس بأمن الدولة ومؤسساتها”، معربة عن ثقتها: “في تفهم المواطنين لهذا الإجراء”.
لكن الوزارة أفادت، السبت الماضي، بأنها رفعت الحجب عن التطبيق. وأوضح بيان صادر عن الوزارة أن هذا القرار جاء نتيجة لتجاوب الشركة المالكة لـ (تليغرام) مع متطلبات الأمان الوطني، بما في ذلك كشف الجهات المعنية بتسّريب بيانات المواطنين. كما أبدت الشركة استعدادها الكامل للتعاون مع الجهات الأمنية المختصة، والتزامها بإنشاء قنوات رسّمية تُسهّل التواصل المباشر مع الحكومة العراقية، وفقًا للبيان.
وشّددت “وزارة الاتصالات”، في البيان، على أن هذه الخطوة: “لا تهدف إلى قمع حرية التعبير، بل تأتي في إطار ضمان احترام شركات وتطبيقات التواصل الاجتماعي للقوانين واللوائح المحلية، وضمان سلامة البيانات الشخصية للمستخدمين”.
“العامري” يتجاهل غضب الفصائل..
خلال فترة الحظر القصيرة؛ كشفت مصادر لوسائل إعلام عربية، أن: “معظم قادة المليشيات والفصائل المسّلحة الغاضبين من القرار تواصلوا مع رئيس منظمة (بدر)؛ هادي العامري، الذي يقود الوزارة عبر الوزيرة: هيام الياسري، إلا أنه لم يسّتجب لنداءاتهم، ووجّه إليهم رسائل، ذكر فيها أن قرار الحظر ضروري من أجل خلق الاستقرار السياسي”.
وبينّت المصادر نفسها أن: “أطراف عدة تضررت من هذا القرار، والإعلام الولائي هو الأكثر تضررًا. لكن (التيار الصدري) أيضًا تضّرر، لا سيما أنه اختار خلال الأشهر الماضية استغلال التطبيق وتأسيس عدد من المنصات لمهاجمة الولائيين عبره”.
وأضافت المصادر أن: “أطرافًا حكومية وأخرى من وزارة الاتصالات أكدت، كما بعض الشخصيات السياسية والحزبية وأخرى من الفصائل المسّلحة، أن قرار الحظر مؤقت، ونقلت مخاوف السوداني وفريقه السياسي من أن تتفشى ظاهرة الابتزاز الانتخابي خلال الفترة المقبلة، كما أن هذه القنوات تمكنت خلال الفترات الماضية من اختراق قواعد بيانات أمنية وشخصية، لذلك فإن هناك احتمالاً بأن تقوم بالتأثير في نتائج الانتخابات بطريقة أو بأخرى”.
تسّريب الأخبار الحكومية الحساسة..
في السّياق نفسه؛ قال الصحافي العراقي القريب من إعلام المليشيات العراقية؛ “حيدر الموسوي”، إن: “قرار الحظر أثر كثيرًا على الفصائل المسّلحة التي اعتمدت خلال الأعوام الماضية على (تليغرام) لنشر أفكارها وأخبار سياسية وأمنية حصرية، خصوصًا وأن هذه القنوات تمتلك مصادر واسّعة، وبعض هذه المصادر نواب وزعماء أحزاب ومليشيات وموظفون في مكاتب رؤساء الجمهورية والنواب والحكومة، ورئاسة مجلس القضاء الأعلى، وللأسف فإن هذه القنوات لم يكن في حساباتها أن نشر الأخبار الحسّاسة والحصرية بهذا الشكل المكثف سيؤدي إلى نهايتها”.
وأضاف “الموسوي”؛ لموقع (العربي الجديد)، أن: “المنصات التابعة للمليشيات باتت تهاجم السوداني وحكومته بشكلٍ كبير، بعضها بأوامر من قادة المليشيات أنفسهم، لا سيما وأن بعضهم يعتقد أن هذا الإجراء بداية لسلسلة إجراءات لتحجيم دور الفصائل المسّلحة في الوضع الإعلامي والسياسي”، معتبرًا أن: “الإعلام الولائي كثف جهوده عبر المحطات الفضائية، لمحاولة تعويض النقص في متابعة تطبيق (تليغرام)، وقد تلجأ المليشيات قريبًا إلى التوجه نحو تطبيق غير أميركي، ويخدم توجهاتها”.
ابتزاز السياسيين..
من جهة ثانية؛ قال مصدر أمني مقرب من مكتب رئيس الوزراء العراقي إن: “المنصات والقنوات المملوكة للمليشيات والفصائل المسّلحة مارسّت أدوارًا مختلفة؛ كان آخرها الإعلام المهني، فقد أقدمت على ابتزاز سياسيين وقادة أحزاب في سبيل تغيير مواقفهم، كما حرضت على الناشطين والصحافيين والنازحين وغيرهم، وخلال السنوات الماضية مثلت صداعًا حقيقيًا بالنسبة للحكومة السابقة؛ (مصطفى الكاظمي)، والأخير لم يستطع إيقافها، لكن السوداني رأى أن إيقافها عبر حظر التطبيق كاملاً يعني إنهاء هذه الفوضى”.
ولفت المصدر؛ الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، إلى أن: “المنصات لم تُحذف من قبل مالكيها، كما لم يقلّ نشاطها على مسّتوى النشر، لكنها باتت بلا شعبية، وما تحصل عليها من مشاهدات حاليًا مصدرها جمهورها من خارج العراق أو الذين يسّكنون في إقليم كُردستان”، موضحًا أن: “هذه القنوات والمنصات استغلت الموارد البشرية في هيئة (الحشد الشعبي)، وأن معظم المحررين والعاملين فيها هم أصلاً موظفون لدى الدولة، فيما يقومون بمهاجمة وقرصنة حواسّيب الدولة، واستخدام بياناتها، وكل هذه الأمور شاخصة وواضحة لدى رئيس الحكومة”.
انقسام الفصائل..
من جانبه، بيَّن الباحث العراقي؛ “أيهم رشاد”، أن: “المليشيات منقسّمة في ما بينها بشأن هذه القنوات على (تليغرام)، وهذا الانقسام جاء بعد الانقسام السياسي والانتخابي الذي حصل في تحالف (الإطار التنسّيقي)، وأن السوداني والمقربين منه من حزب ائتلاف (دولة القانون)، بقيادة نوري المالكي، انسّجموا مع فكرة حظر هذا التطبيق الذي لا يملكون حضورًا فيه، في حين ثارت الفصائل، ومنها (عصائب أهل الحق) التي تمتلك نحو: 07 قنوات كبيرة، إضافة إلى حركة (حقوق)؛ التابعة لـ (كتائب حزب الله)”.
وأضاف “رشاد”؛ أن: “المرحلة المقبلة قد تشهد إشكالاً تحريريًا في الإعلام التابع للفصائل المسّلحة، وقد يزداد الهجوم على حكومة السوداني”، موضحًا أن: “هذه المنصات لعبت دورًا طائفيًا ومناطقيًا وتحريضيًا، وسّاهمت في إرباك الوضع الأمني، من خلال بث الأخبار الكاذبة، كما أسّهمت في تضليل الرأي العام العراقي والعربي في أكثر من مناسبة”.