24 أبريل، 2024 10:03 م
Search
Close this search box.

بريطانيا تعوض إقتصادها من إمبراطوريتها السابقة .. والتفجيرات تدعم الإنفصال

Facebook
Twitter
LinkedIn

يراه البعض خروجاً عادياً لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي لإثبات ذاتها بعيداً عن الضغوط والقيود الأوروبية.. بينما يراه آخرون تخلياً من المملكة المتحدة عن دول أوروبا، لبناء مستقبلها منفردة اقتصادياً وسياسياً خلال العقد المقبل على الأقل للسيطرة على التمويل العالمي.

تعزيز التفاوض بانتخابات تشريعية مبكرة..

فبعد نحو عام من التصويت المفاجئ بنسبة 52% للبريطانيين، بالموافقة على الخروج من الاتحاد الأوروبي – البريكست -، تستعد بريطانيا للانتخابات التشريعية “البرلمانية” المبكرة التي دعت إليها رئيس الوزراء “تيريزا ماي” في الثامن من حزيران/يونيو 2017 في محاولة لرفع عدد النواب الممثلين لحزب المحافظين – الذي تتزعمه هي – لتقوية موقفها في المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي حول الخروج بأقل الخسائر.

في المقابل يسعى “حزب العمال” المعارض بزعامة “جيريمي كوربن” إلى تحقيق أي مكسب في هذه الانتخابات لتغيير ما يعمل عليه “حزب المحافظين” من الانفصال عن أوروبا، رغم أن الانتخابات المحلية الأخيرة لا تمنحه تلك الفرصة.

مخاوف من تداعيات الإنفصال عن أوروبا..

ففي سبيل ذلك عمل “حزب العمال” ورجال أعمال وشخصيات نافذة في بريطانية، طوال هذا العام على “تخويف” البريطانيين من تبعات الانفصال عن الاتحاد الأوروبي, كتخفيض العملة المحلية – الجنيه الإسترليني – التي انخفضت في اليوم التالي على الاستفتاء إلى أدنى مستوى منذ عقود، واضطرابات اقتصادية وقعت فور التصويت لصالح الخروج.

إذ إنه في غضون أسابيع، كانت بنوك مثل مجموعة “جولدمان ساكس” و”جي. بي. مورجان” تحضر قائمة بالموظفين الذين سيتوجب عليهم الانتقال إلى “فرانكفورت” أو “دبلن”، وهو ما رآه محللون تهديداً لمحرك اقتصاد العاصمة لندن البالغ قيمته 490 مليار دولار.

فخروج مؤسسة كـ”جولدمان ساكس”، تقدم خدمات مالية واستثمارية وبحثية – أميركية متعددة الجنسيات -، وتعد من أشهر المؤسسات المصرفية في الولايات المتحدة والعالم وتعمل في “إدارة الثروات العالمية والخدمات المالية المؤسسية والاستثمار”، بالإضافة إلى “خدمات عمليات الاندماج والاستحواذ، خدمات التأمين، إدارة الأصول، والوساطات المالية الكبرى لعملائها من الشركات والحكومات والأفراد”، كما أنها تشارك في صناعة السوق وصفقات الأسهم الخاصة، بالإضافة إلى كونها مُضارب رئيس في سوق الأوراق المالية التابع للخزانة الأميركية، سيؤثر بالتأكيد على أسواق لندن.

كذلك كانت التخوفات من خروج “جي. بي. مورجان”، البنك الأميركي متعدد الجنسيات للخدمات المالية المصرفية، أكبر بنك في الولايات المتحدة، وأحد أكبر الشركات المساهمة في العالم.

إرتباك في حركة السفر والدراسة وسوق العقارات..

تداعيات القرار البريطاني طالت كذلك حركة السفر، إذ خفضت الخطوط الجوية رحلات الطيران، وقالت الجامعات البريطانية التي تحظى بأهمية كبيرة عند كثير من الأوروبيين إنها شهدت انخفاضاً في الطلبات الأوروبية المقدمة للدراسة بها، وتأثر أيضاً السوق العقاري الذي شهد انخفاضاً في أسعار المنازل، ما شكل صدمة حقيقية للمضاربين فيه.

إختفاء عاصمة العالم وتهديد أشهر منطقة مال وأعمال.. 

إن المعارضين للخروج من الاتحاد الأوروبي في بريطانيا – وهم كثر -، يرون أن مفهوم لندن “عاصمة العالم”، أضحى غير موجود مع التصويت بالانفصال عن أوروبا وهو ما يهدد المنطقة المالية بلندن التي انتظر البريطانيون كثيراً أن تنافس “نيويورك” كمركز للتمويل العالمي بأبراج وناطحات سحاب بها شركات وبنوك دولية، بحسب تقارير اقتصادية غربية.

إذ يقولون إن “كناري وارف”، التي تعد جزيرة وسط المياه وأحد أهم وأشهر منطقة مال وأعمال في لندن والتي تضم بنوكاً ومجموعات اقتصادية استثمارية ضخمة كـ”باركليز، إتش. إس. بي. سي، جي. بي. مورجان، سيتي جروب، مورجان ستانلي، كي. بي. إم. جي، كريديه سويس والمجموعة الإعلامية الأضخم “رويترز”، ستتأثر كثيراً مع سريان الانفصال عن أوروبا وتعمقه ولن تصبح كما كانت قبلة المستثمرين الأوروبيين وغيرهم في أوروبا !

إن أسوأ الآراء المتشائمة ترى في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أن لندن ستكون محظوظة لو ظلت حتى عاصمة للمملكة المتحدة مع تهديدات الاسكتلنديين المتجددة للانفصال عن الإمبراطورية العظمى !

العمليات الإرهابية لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي !

في المقابل تقول وجهة النظر الداعمة للانفصال عن أوروبا إن الهجومين الارهابيين الأخيرين – اعتداء بسيارة على “جسر وستمنستر” وانفجار انتحاري يوم 22 آيار/مايو 2017 في “مانشستر ارينا”، والذي تسبب في مقتل 22 شخصاً – أعطى لندن سبباً قوياً آخر للخروج وتدعيم “حزب المحافظين” بضرورة غلق، أو على الأقل تدقيق، دخول القادمين من بقاع شتى في أوروبا للندن.

يقود الداعمون للانفصال عن أوروبا، مجموعة كبيرة مؤثرة من رجال الأعمال والسياسيين في لندن، مؤكدين على أنه مع مزيج من السياسات التصحيحية، يمكن للاقتصاد في المدينة أن يزدهر رغم الخروج.

مجموعات ضغط تروج للانفصال لمدة جيل واحد..

في وقت سابق من عام 2017، دعت “ذا سيتي يو ك – The city UK “، وهي مجموعة الضغط الرئيسة للصناعة المالية الهامة في لندن، إلى ترك الاتحاد الاوروبي – ولو لجيل واحد – من أجل إعادة توجيه الروابط التجارية والاستثمارية إلى اسواق جديدة.

يرى المستثمرون ورجال المال والنافذون البريطانيون أنه، وبحلول عام 2002، كانت لندن المركز الاقتصادي لأوروبا، ما أدى إلى استقبال المصرفيين الاسكندنافيين الطموحين والمهندسين المعماريين الألمان والمحاميين الإيطاليين وغيرهم بأعداد كبيرة, لقدرتهم على الانتقال إلى المملكة المتحدة دون ملء أي استمارات أو قيود وذلك بفضل قواعد حرية الحركة للاتحاد الاوروبى.

لندن لغير البريطانيين.. مقصداً للروس والعرب والفرنسيين..

للدرجة التي جعلت عمدة لندن السابق عن حزب المحافظين “بوريس جونسون” – عمدة لندن من 2008 إلى آيار/مايو 2016 حتى تولى “صادق خان” من حزب العمال -، يعلن عن أن هناك ربع مليون مواطن فرنسي في العاصمة البريطانية، أكثر من مدينة “بوردو” الفرنسية، وهو بالتأكيد ما أخذ من حصة ورصيد البريطانيين وفرصهم في التجارة والعمل في بلدهم !

كما توسعت لندن في الوقت نفسه، في الأسواق الصاعدة، حيث جاء مستثمرون من روسيا والسعودية وقطر والهند وأماكن أخرى لقضاء أموالهم وتعليم أبنائهم وبدء الاستثمار في خطوط الأزياء وعالم الموضة والجمال والعقارات وغيرها من الاستثمارات، ومنهم من يتفاخر ويتسابق بالسيارات الفارهة مسبباً الإزعاج والقلق في شوارع حي “نايتس بريدج” الراقي.

نقطة إنطلاق دون استثمارات حقيقية في الداخل..

كلها مظاهر يقول عنها رجال الساسة والمال إنها جعلت من لندن بعيدة عن فكرة الحدود الوطنية، إذ يقول “جون براون”، الرئيس التنفيذي السابق لشركة “بي. بي. سي”، الذي يقود الآن صندوق الاستثمار العالمي المدعوم من روسيا: إن العديد من رجال الأعمال يستخدمون المملكة المتحدة “كمكان للقيام بأعمال تجارية منه كنقطة انطلاق للعالم بأن له مقر في بريطانيا، وليس بالضرورة للقيام بأعمال تجارية والاستثمار فيه”.

اللغة والتعليم.. عوامل جذب مؤثرة..

إن أهم الأسباب التي جعلت لندن قبلة المستثمرين ورجال الأعمال من دول أوروبا ومناطق أخرى في العالم، أولها اللغة الإنكليزية التي يتحدثها أغلب رجال المال، فضلاً عن وجود نظام قانوني للمحاكم المحايدة والعقود القابلة للتنفيذ دون أي تأثير من ذوي النفوذ أو المماراسات الاحتكارية الموجودة في بلدان كثيرة.

كذلك الجامعات التي لها تاريخ وسمعة طيبة على مستوى العالم كجامعة “كامبريدج” التي تأسست في العام 1209 ميلادية وتخرج منها 89 عالماً نال جائزة “نوبل”، ويكفي أنها خرجت العالم “إسحاق نيوتن” صاحب نظرية الجاذبية، و”تشارلز داروين” صاحب نظرية التطور وغيرهم الكثيرين.

تتمتع بريطانيا كذلك بموقف متسامح تجاه الأجانب يعود لقرون، إذ إن لندن هي التي أعطت “كارل ماركس” الفيلسوف والمؤرخ والاقتصادي الاشتراكي مؤسس علم الاجتماع الأهم – ولد في آيار/مايو عام 1818 وتوفي في آذار/مارس 1883 -، مكاناً بعد أن طردته ألمانيا وبلجيكا وفرنسا.

أميركا تنتقد سماحة البريطانيين.. لامبالاة متعمدة..

على جانب آخر تنتقد تقارير اقتصادية أميركية سماحة لندن في التعامل مع المستثمرين الروس والعرب وغيرهم، دون تدقيق لمصادر الأموال القادمة من تلك الدول، بل ترى ان هناك درجة من اللامبالاة شبه المتعمدة من الحكومة البريطانية تجاههم وهو ما لا يمكن حدوثه أو تصوره في الولايات المتحدة، لكن على العكس، تراه لندن سبباً رئيساً لجذب الاستثمارات لها.

بريطانيا بدورها، وضعت خطوطاً رئيسية حتى لا يتأثر اقتصادها بالانفصال عن الاتحاد الأوروبي، الذي يشكل الوجهة الأساسية لنصف صادرات المملكة المتحدة تقريباً ومصدر نفس النسبة من الاستثمار الأجنبي المباشر، إذ يسمح قانون الاتحاد الأوروبي للبنك الذي أنشئ في أي دولة عضو، بالعمل بحرية في أي من الدول الأخرى، وهي ميزة جعلت البنوك الأميركية والآسيوية تتخذ مقرها الأوروبي بأغلبية ساحقة في المملكة المتحدة، رغم كونهم خارج منطقة اليورو.

فهي تعلم أن وظائف وهيئات مالية ستنتقل خارج حدودها تلبية للمتطلبات التنظيمية للاتحاد الأوروبي، كما أن البنوك وضعت خطط طواريء لتداعيات لا يتوقعها حتى خبراء المصارف والبورصة لحين اعتماد تسوية نهائية مع بروكسل ببلجيكا “عاصمة الاتحاد الأوروبي”.

خطة معلنة بتخفيض الضرائب..

إن الخطة البريطانية التي وضعت لاحتواء آثار الانفصال من الاتحاد الأوروبي المتوقع، تتمثل، كما هو معلن، في خفض أكثر للضرائب عن أميركا وفرنسا وألمانيا، بما يحافظ على جذب المستثمرين دون إلتزامات لأوروبا وكذلك جذب أغلب شركات الصيد الكبرى من البلدان المجاورة، على أن تعود العائدات لصالح المملكة وحدها، وقد تعهدت رئيس الوزراء في كانون ثان/يناير 2017 للمستثمرين والمديرين التنفيذيين في المنتدى الاقتصادي العالمي في “دافوس”، بأن تصبح المملكة المتحدة “أقوى وأشد المدافعين عن الأعمال التجارية والأسواق الحرة والتجارة الحرة في أي مكان في العالم”.

الإنفصال تم بعد تأمين الموارد والسيطرة على دول الإمبراطورية السابقة..

أما ما هو غير معلن يتمثل في استدراج حنين المواطنين البريطانيين إلى العهد القديم للإمبراطورية البريطانية، إذ إنه مع الركود الاقتصادي الأوروبي، ستتجه بريطانيا – أو وضعت قدمها بالفعل – إلى الدول التي طالما اعتبرتها جزءً من إمبراطوريتها السابقة مثل “الهند وماليزيا” في آسيا و”نيجيريا” الغنية بالنفط في إفريقيا، ومؤخراً الاستفادة من استكشافات الغاز والطاقة في “مصر” واستغلالها عبر ذراعها النفطي القوي شركة “بريتش بيتروليوم”، التي تعمل أيضاً على استكشافات بترولية بحقول الرميلة بالبصرة جنوب “العراق”.

أنظمة تحتاج لحماية بريطانيا وعليها أن تدفع !

فهي دول لا تزال بريطانيا تتمتع بعلاقات ثقافية وسياسية وثيقة معها وتسيطر عليها بطريقة أو بأخرى بحجة أن اقتصادات هذه الدول تحتاج إلى لندن كقوة راسخة “نووية” في أوروبا والعالم و”مجلس الأمن”، لإجراء الصفقات وحماية الأصول وأنظمة الحكم من أي كيانات أو مهددات قد تظهر في الأفق، وهو منطق يتعامل به الرئيس الأميركي “على من يرغب في الحماية أن يدفع المقابل” !

بموازاة تلك التطمينات، هناك اقتراح بإنشاء “تأشيرة لندن”، التي تمنح للأجنبي مع عرض عمل من شركة محلية تسمح بالعيش والعمل في العاصمة وليس في أي مكان آخر في المملكة المتحدة، وهو نظام متبع في “”كندا وأستراليا” يطلق عليه “التأشيرات الإقليمية” لبعض المهاجرين، على أن تمنح التأشيرة للأشخاص أصحاب العقول الجيدة المبدعة البعيدة عن أي عنف والانفتاح على المواهب الدولية.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب