خاص : كتبت – هانم التمساح :
لم يشهد “العراق”، طوال تاريخه، رئيسًا متلونًا غامضًا، لا تستطيع أن تحدد وجهته كالرئيس الحالي، “برهم صالح”، تارة يدعي حرصه على المتظاهرين ومشروعية مطالبهم؛ وتارة يدعم، “عادل عبدالمهدي”، الذي قدم للأكراد أكثر مما قدمه أي رئيس وزراء قبله، تارة يدعو لحصر السلاح في يد الدولة وتارة يشيد بدعم “إيران” للميليشيات من أجل محاربة (داعش).
لا تستطيع أن تجزم إذاً لمن كان إخلاصه وولائه، لـ”الولايات المتحدة” أم لـ”إيران” ؟.. لكنه لم يُضبط متلبسًا في يوم من الأيام حريص على تقديم مصلحة “العراق” قبل الجميع، شأنه شأن سائر الطغمة السياسية الحاكمة، آلاف التغريدات من العراقيين والسياسيين على مواقع التواصل الاجتماعي بدأت تهاجم، “صالح”، وتتهمه بالمماطلة في حسم اختيار رئيس الوزراء لخلق أزمة سياسية وللمراهنة على ملل المتظاهرين من البقاء في الشارع؛ وليثبت للجميع أن غياب “عبدالمهدي”، بهذه الصورة، أحدث فراغًا سياسيًا.
وحذر الرئيس العراقي، “برهم صالح”، في خطاب له؛ من إنفلات أمني في البلاد يؤدي لإقتتال بين فصائل مسلحة، مشددًا على حصر السلاح بيد الدولة، وأكد كرئيس للجمهورية: “سأوافق على انتخابات مبكرة بعد الموافقة على قانون الانتخابات”، طالبًا من الكتل السياسية التفاهم على بديل مقبول، وذلك في ظل الإلتزام بالسياقات الدستورية والقانونية؛ وبما يمنع حدوث فراق دستوري.
“سائرون” : يريد تأجيج الأزمة..
من جانبه؛ اتهم تحالف (سائرون)، الرئيس “صالح”، بأنه يريد الرجوع للخلف بإلقاء الكرة في ملعب الكتل السياسية لاختيار رئيس الوزراء؛ عندما طلب من البرلمان أن يخبره من هي الكتلة الأكبر، ورد “الحلبوسي”، على “صالح”؛ بأنه سبق وأخبر الرئيس بالكتلة الكبرى منذ البداية !
واتهم القيادي في تحالف (سائرون) النائب، “بدر الزيادي”، رئيس الجمهورية، “برهم صالح”، بمحاولة “تأجيج الأزمة” والمماطلة في اختيار رئيس الوزراء الجديد، محذرًا من أن عودة المشهد إلى الكتلة الأكبر سوف تفتح باب خلافات مجددًا.
وقال “الزيادي”، في تصريحًا له؛ إن: “برهم صالح وبعض الكتل السياسية، يريدون إعادة المشهد السياسي إلى الصراع والخلاف بشأن الكتلة الأكبر”، متسائلًا: “لماذا لم يسأل، صالح، عن ذلك عند إستلامه الكتاب من مجلس النواب، لماذا انتظر إنتهاء مهلة الـ 15 يومًا ؟”.
وأضاف؛ أن: “رئيس الجمهورية، بهذا الكتاب، يريد تأجيج الأزمة، خصوصًا أنه يعلم بأنه لا يوجد شيء رسمي حتى الساعة داخل البرلمان، من هي الكتلة الأكبر ؟”، محذرًا من أن: “عودة المشهد إلى الكتلة الأكبر سوف تفتح باب خلافات جديدًا وتستلزم وقتًا لتسمية رئيس الوزراء الجديد، وهنا سوف يتم عبور المدد الدستورية، وربما تظهر مشاكل جديدة نحن في غنى عنها”.
ولفت “الزيادي” إلى أن: “هذا الأمر مقصود؛ والهدف منه التسويف والمماطلة بقضية اختيار رئيس الوزراءالجديد، وهذا الشيء مشترك فيه رئيس الجمهورية، برهم صالح، وبعض القوى السياسية”.
البرلمان يضع الكرة بملعب الرئيس !
من جانه؛ أجاب “مجلس النواب” العراقي، أمس، على طلب رئيس الجمهورية، “برهم صالح”، بشأن تحديد الكتلة الأكبر عددًا لتكليف رئيس الوزراء.
وذكر كتاب صدر عن المجلس وقعه نائب رئيس المجلس، “حسن الكعبي”، أن: “مجلس النواب أجاب سابقًا عن اسم الكتلة الأكبر؛ والتي تم على أساسها تكليف رئيس الوزراء المستقيل، عادل عبدالمهدي، بتشكيل الحكومة”.
وكان رئيس الجمهورية قد طلب من “مجلس النواب”، في كتاب أرسلة للبرلمان، تسمية الكتلة الأكبر التي ترشح رئيس الوزراء.
من ناحية أخرى؛ بعث السياسي، “إبراهيم الصميدعي”، رسالة عاجلة إلى الرئيس، “برهم صالح”، لإحاطته حول إشتراطات تكليف رئيس الحكومة المؤقتة.
رسالة “الصميدعي” جاءت على وقع أزمة سياسية، غير معهودة” تشهدها البلاد تتمثل بتظاهرات واحتجاجات أدت إلى إسقاط أول حكومة، للمرة الأولى في ما بعد نظام 2003، القائم على التجربة البرلمانية.
وقال “الصميدعي”، في رسالته: “فخامة الرئيس، أرجو إحاطتكم علمًا أن الدستور العراقي يشترط تكليف مرشح الكتلة الأكبر، (الأكثر عددًا)، في التكليف الأول بعد الانتخابات فقط، بموجب نص المادة 76\أولًا، ولم يشترط أن يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة الأكبر في التكليف الثاني 76\ثالثًا، ولا في التكليف الثالث 76\خامسًا”.
وأضاف: “بذلك يكون لرئيس الجمهورية مرونة أكبر في التشاور لاختيار المكلف الثاني أو الثالث مع الكتل السياسية والقوى الفاعلة، (المتظاهرون الآن)”.
وتفتح رسالة “الصميدعي” الباب أمام الرئيس لأن يقوم هو بالتكليف دون انتظار ترشيح من الكتلة الأكبر، وهو ما يمكن قدوم شخصية وطنية ترأس إحدى المؤسسات لأن يتولى منصب رئيس مجلس الوزراء.
نشطاء سياسيون : خطابه المخيب للآمال يدفعنا للتمسك باستمرار التظاهرات..
خطابات “صالح”؛ التي جاءت كلها بدون موقف حاسم، جعلت النشطاء السياسيين يطلقون حملة هجوم شرس عليه بهاشتاغات عديدة، وتحت عنوان: (#العراق_ينتفض) و(#نازل_أخذ_حقي)، عبر الشعب العراقي عن عدم إقناعه بخطاب الرئيس العراقي، “برهم صالح”.
ووصف النشطاء، كلام الرئيس العراقي في تصريحاته، منذ بدأت الانتفاضة، بالمماطلة والتي تهدف فقط لتهدأت الأوضاع ولكسب مزيدًا من الوقت، حيث أنه يراهن على يأس وملل المتظاهرين، لكنهم أكدواعلى إستحالة حدوث هذا الشيء وأنهم مستمرون بالاحتجاجات حتى تنفيذ جميع مطالبهم.
وکانت أغلب التغریدات تؤكد أن خطابه لم يكن بالمستوى المطلوب وكان إستفزازيًا، حيث أعطى للمتظاهرين دافعًا أكثر لتواصل الاحتجاجات.
وأنه جاء مخيبًا للآمال وبعيدًا عن طموح وآمال الشعب العراقي؛ ودون أي محتوى مما يدل على عمق الفجوة بين الحكم وبين الشعب، وطالبت معظم التغريدات برحيله مع باقي الطبقة السياسية.
وکتب الدكتور “ثائر النعيمي”، الباحث القانوني والسياسي المهتم بالشأن العراقي، أن خطاب رئيس الجمهورية، “برهم صالح”، لم يقدم أي حلول لما يجري من تحديات، رغم أن الكثير من المثقفين كانوا يرون فيه شخصية مثقفة واعية، لكن ما قاله ينفي كل التوقعات ويهبط به إلى مستوى عدم الفهم لما يجري في “العراق” والأمة ويضع عليه ألف علامة إستفهام.
وکتب الناشط العراقي، “محمد الحياني”، أمام “برهم صالح” فرصة كي يُكتب اسمه خارج قائمة المفسدين في “العراق” إذا قرر أن يستخدم صلاحياته بحل البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة بقانون جديد ولجنة نزيهة، حيث تمتلك شرف الموقف والنزاهة الوطنية.
لکن كتب دكتور “جاسم محمد البياتي”، وزير الشباب والرياضة، بنظرة تفائلية عن حديث “برهم صالح” قائلًا، كان في خطابه إيجابيات، حيث حدد قضايا مهمة تتطابق مع متطلبات المتظاهرين، ولكنه أخفق بوضع جدول زمني لتنفيذها.
رجل إيران المخلص.. العراق ساحة لتلاقي مصالح الدول !
وينتقد مراقبون، السياسة المستمرة لرئيس الجمهورية، “برهم صالح”، طوال فترة حكمه ودفاعه المستميت عن “إيران”، وسخروا من هذا الآداء التابع لـ”طهران” بسبب وبدون سبب.
وكان رئيس الجمهورية، “برهم صالح”، قد أكد للسفير الإيراني لدى بغداد، “إيرج مسجدي”، أن “العراق” يرفض أن يكون منطلقًا لإيذاء جيرانه، مشيرًا إلى أن العراق “ساحة لتلاقي مصالح دول وشعوب المنطقة”، مشيدًا بـ”الدعم الإيراني للقوات العراقية في حربها ضد (داعش) الإرهابي”.
و”صالح” يعلم جيدًا أن هذا الدعم كان موجهًا بالأساس لميليشيات، هي في الأصل زراع “إيران” الممتدة داخل “العراق”، والتي صنعت على عين “قاسم سليماني”، وهي من كرست الطائفية والمحاصصة.
ثم يعود الرئيس في تناقض غريب لينتقد “المحاصصة”، حيث يقول، “برهم صالح”: “التنوع المذهبي والإثني والقومي هو ميزة العراق وقوته، والمحاصصة لا تمثل ذلك مطلقًا. فهي الترجمة السياسية السيئة التي جاءت نتيجة ظروف معينة، وترسّخت للأسف لمصالح ضيقة، فهي لا تمثل الحقيقة المجتمعية العراقية الأصيلة. هناك إدراك ووعي وطني كبير تجاه ذلك ولَم يعد للشعارات الطائفية أو العرقية أثر مسموع لدى شعبنا، هناك متغيرات جديدة وهناك وعي وإدراك أكبر”.
ولفت مراقبون وخبراء أن تصريحات “برهم صالح”، الداعم لـ”إيران” أو التي تسير في سكة “طهران”، قد زادت عن حدها وأنه آن الآوان للتخلي عن هذه السياسة لمصلحة “العراق”.
عاد مع الدبابات الأميركية ليتقلد مناصب سياسية !
وجرى العرف، في “العراق”، أن يكون رئيس الجمهورية كرديًا ورئيس البرلمان عربيًا سنيًا، ورئيس الحكومة شيعيًا. وكان حزب “الاتحاد الوطني” الكُردستاني وحزب “الديمقراطي” الكُردستاني، اتفقا على أن تكون رئاسة الإقليم من نصيب “الديمقراطي”؛ ورئاسة الجمهورية من حصة “الاتحاد الوطني”، لكن الحزبين تقدما بمرشح لكل منهما هذه المرة.
ولد “برهم صالح”، في مدينة “السليمانية”، في “إقليم كُردستان العراق”، عام 1960، في أسرة متعلمة ميسورة الحال، حيث كان والده قاضيًا.
اعتقل “صالح”، عام 1979، من قِبل الحكومة العراقية مرتين بتهمة المشاركة في الحركة السياسية الكُردية، وبقي “صالح” في السجن أكثر من شهر، وبعد إطلاق سراحه أنهى دراسته الثانوية بتفوق وسافر إلى “المملكة المتحدة” هربًا من الملاحقة الأمنية.
أنضم “صالح” إلى “حزب الاتحاد الوطني”، عام 1976، وخلال وجوده في “المملكة المتحدة”، استمر في العمل ضمن صفوف الحزب حتى تولى مسؤولية العلاقات الخارجية في الحزب بـ”بريطانيا”.
أصبح “صالح” عضوًا في قيادة الحزب، خلال المؤتمر الذي عُقد في “كُردستان”، عقب خروج الإقليم عن سيطرة الحكومة العراقية، في أعقاب حرب الخيلج الأولى، عام 1993، وتولى مسؤولية تمثيل الحزب في “الولايات المتحدة”؛ وبقي في هذا المنصب لمدة تتجاوز عشر سنوات، حيث نجح في إقامة علاقات مع عدد كبير من الساسة الأميركيين من الحزبين، “الجمهوري” و”الديمقراطي”.
وفي أعقاب سقوط نظام حكم، “صدام حسين”، عام 2003، عاد “صالح” إلى “العراق” وتولى منصب “وزير التخطيط” في الحكومة الانتقالية، عام 2005، كما تولى منصب “نائب رئيس الوزراء” في حكومة، “نوري المالكي”، الأولى عام 2006. وأسس “صالح”، “الجامعة الأميركية” في “العراق-السليمانية”، وشغل منصب رئيس مجلس أمنائها.
تولى “صالح” زعامة القائمة الكُردستانية في انتخابات برلمان “إقليم كُردستان”، عام 2009، وحصدت أكبر عدد من الأصوات؛ بنيلها 59 مقعدًا من أصل 111، وتولى منصب رئاسة حكومة “إقليم كُردستان”. شهد الإقليم، خلال فترة رئاسته للحكومة، صعود المعارضة المتمثلة بحركة التغيير، (غوران)، بينما عانى حزبه، “الاتحاد الوطني الكُردستاني”، من تراجع شعبيته ومكانته بسبب انشقاق عدد كبير من قادته وتشكيلهم “حزب حركة التغيير”، (غوران)، الذي تكمن من السيطرة على معقل الحزب التاريخي، مدينة “السليمانية”.
تخلى “صالح” عن رئاسة حكومة الإقليم لصالح، “نغيرفان بارزاني”، في إطار الاتفاق بين الحزبين، “الديمقراطي” و”الاتحاد الوطني”، في 2012.
عام 2017؛ أعلن “صالح” عن خروجه من “حزب الاتحاد الوطني الكُردستاني”؛ وتشكيله حزبًا جديدًا لخوض انتخابات برلمان “العراق” تحت اسم “التحالف من أجل الديمقراطية والعدالة”، لينافس حزبه السابق، الذي فقد زعيمه ورئيس “العراق” السابق، “جلال طالباني”، و”حركة التغيير”، التي فقدت أيضًا قائدها، “نوشروان مصطفى”.
وكان الائتلاف يأمل في أن يحصد أصوات جميع المعارضين لهيمنة الحزبين الكُردييين التقليديين على الحياة السياسية في الإقليم؛ بما في ذلك أصوات أنصار “حركة التغيير” أو “حزب كوملة”، لكن أداء الائتلاف كان متواضعًا ولم يُحصد سوى مقعدين في البرلمان.