خاص : كتبت – نشوى الحفني :
ما بين “فرنسا” و”إيطاليا”، وصولًا إلى “برلين”؛ يطفو على السطح الملف الليبي من جديد، حيث قدم وزير الخارجية الفرنسي، “جان إيف لودريان”، أمس الأول الأربعاء، إحاطة استثنائية أمام لجنة الدفاع التابعة لـ”الجمعية الوطنية”؛ حول قضايا التوتر التي تشهدها المنطقة، والتي توليها “باريس” اهتمامًا، ولعل أبرزها الملف الليبي.
وأظهرت “فرنسا” مؤخرًا اهتمامًا مُتزايدًا بالملف الليبي، خاصة بعد الإعلان عن “مؤتمر برلين الدولي” حول “ليبيا”، والمُزمع عقده في تشرين ثان/نوفمبر المُقبل، بعد أن دعت له الدول السبع الكبار في ختام اجتماعها السنوي الأخير.
وأعقب الدعوة لـ”مؤتمر برلين الدولي” حراك (فرنسي-إيطالي) متسارع الوتيرة على المستويين المحلي والدولي، أعاد سباق “روما” و”باريس” على الملف الليبي إلى الواجهة، في الوقت التي تسعى فيه “ألمانيا” إلى توحيد الرؤى الدولية بشأن أزمة البلاد التي تفاقمت بشكل كبير مؤخرًا إثر الحرب المُشتعلة في “طرابلس”.
وكان “لودريان” قد كشف عن اجتماع مرتقب؛ على هامش اجتماعات “الجمعية العامة للأمم المتحدة”، يجمع وزراء خارجية الدول المعنية بالأزمة الليبية، واصفًا الاجتماع بأنه “أمر مُلحٍ وطاريء”.
تراهن على نجاح المؤتمر بدعم أميركي..
وتدخل “برلين”، هذه المرة، على خط المؤتمرات الدولية لحل الأزمة الليبية؛ فهي تراهن على إنجاح مؤتمرها الدولي حول “ليبيا”، معولة على دعم أميركي وعجز أطراف الأزمة عن حسم الصراع عسكريًا، لتتوجه الأنظار نحو التحرك الدبلوماسي الحاصل على أكثر من مستوى لضمان نجاح “مؤتمر برلين” باستضافة وفود دبلوماسية تمثل دول “فرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة والصين وتركيا ومصر والإمارات”؛ لوضع الخطوط العريضة لرؤوس الموضوعات التي ستتم مناقشتها في “مؤتمر برلين”، ولصياغة رؤية محددة ووضع البنود المهمة أمام قادة الدول.
فيما تستبعد بعض المصادر أن يرمي “مؤتمر برلين” إلى قرارات تلتزم التنفيذ من قِبل الأطراف المعنية، مُشيرة إلى أنه سيكون ملتقى لوضع خطة “حسن نوايا” فقط.
خطوة جيدة على طريق التوصل لاتفاق..
واعتبر رئيس جمهورية إيطاليا، “سيرغو ماتاريلا”، إن “مؤتمر برلين” حول “ليبيا”، خطوة جيدة على طريق التوصل لاتفاق بشأن وقف إطلاق النار في البلاد.
“ماتاريلا” أكد، أمس، أن المؤتمر الذي سينعقد هذا الخريف، يمثل حجر الزاوية في التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في “ليبيا”، بسبب إلتزام مشترك من جانب “الاتحاد الأوروبي”.
ورحب بإتخاذ “ألمانيا”، المبادرة لعقد مؤتمر دولي في “برلين”، في تشرين ثان/نوفمبر 2019، معربًا عن أمله في أن تكون مبادرة “فرنسا” و”إيطاليا”، الجانبية لـ”الجمعية العامة للأمم المتحدة” في الأسابيع المقبلة، خطوة مفيدة نحو “مؤتمر برلين”.
وأضاف؛ بأنه يمكن أن تكون المبادرة (الإيطالية-الفرنسية)، فرصة لإيجاد حلول تسمح أخيرًا لهذا البلد أن يجد الاستقرار والوقف الفوري لإطلاق النار، واستبعاد أي حل عسكري والتمكن من التوصل إلى تفاهمات بين الليبيين من خلال عمل ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، “غسان سلامة”.
وحول التوافق الأوروبي حول “ليبيا”، أشار إلى أن هذا المؤتمر يعني جهودًا متوافق عليها في “أوروبا” كي لا تؤدي الفوضى، التي اضطر المواطنون الليبيون لتحملها، إلى معاناتهم وإلى مساحات أكبر للمتاجرين بالبشر ومستوطنات لبؤر الإرهاب، مع مخاطر زعزعة الاستقرار لمنطقة شمال “إفريقيا” بأكملها.
يتوقف على منع التدخلات السلبية في الأزمة..
من جهته؛ قال “فتحي المجبري”، عضو المجلس الرئاسي بـ”حكومة الوفاق” السابق، إن: “الدعوة الألمانية تختلف عن الدعوات السابقة؛ كونها دعت لاجتماع الأطراف المعنية بالأزمة الليبية، وأعضاء المجتمع الدولي”.
وأضاف “المجبري” أن: “الليبيين غير مدعوين للاجتماع، وأن هذا التعاطي يتعامل مع التنافس الدولي والإقليمي مع ليبيا، وأن الآمال الليبية تُعقد على أن يخلص المؤتمر لمنع التدخلات السلبية في الأزمة الليبية”.
وأوضح أن معالجة الأثر السلبي للتدخلات في “ليبيا” ستكون بمثابة الخطوة الأولى على الطريق الصحيح، خاصة أن “اتفاق الصخيرات” السابق بحث توافق الأطراف الليبية، وترك قضية الاختلافات الدولية تجاه الأزمة الليبية.
وأضاف أن: “بعض الدول مثل: قطر وتركيا، تدعم بشكل مباشر الإرهاب والتطرف ليس في ليبيا فقط، بل في المنطقة، وحال تمكن المؤتمر من وضع حدود لهذه التدخلات، يمكن الحديث عن بداية جديدة ومفاوضات حقيقية بين الأطراف الليبية والتأسيس لحل دائم في ليبيا”.
وأكمل؛ إذا إنتهت الجهود الدولية إلى إقرار إخراج قوى الإرهاب والتطرف من المعادلة، ومنع الأطراف الداعمة لها من مساندتها، وضمان مشاركة لكافة الأطراف التي ترضى بالعملية السياسية في “ليبيا”، وفتح المجال لقيام مؤسسات الدولة؛ بما في ذلك الجيش والشرطة والقضاء، فإنه لا يوجد أي سبب لرفض هذه المخرجات، ولن يرفض ذلك إلا من يسعى لتحويل “ليبيا” إلى “أفغانستان” أخرى.
يعطي الفرصة للميليشيات الإرهابية في التنفس..
فيما أكد رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب، “طلال الميهوب”، إن البرلمان لم تصله أية دعوات بشأن “مؤتمر برلين” الذي يجري التحضير له.
“الميهوب”، وفي تصريحات خاصة لوكالة (سبوتنيك) الروسية للأنباء، أمس الخميس، قال: “ردنا في لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان؛ هو الرفض الذهاب للمؤتمر لأنه يعطي الفرصة وجرعة الأكسجين لميليشيات التطرف والإرهاب التي يقاتلها الجيش في طرابلس”.
وشدد على أنه لن يكتب النجاح لأي مؤتمر يُعقد؛ ما لم تجرد الميليشيات الإرهابية في “ليبيا” من سلاحها، ويتم القضاء على الإرهاب، وأن أية محاولات في هذا الإطار من شأنها إعطاء الفرصة للميليشيات لإعادة ترميم صفوفها.
أهمية التوافق الداخلي..
من ناحيته؛ قال القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير ليبيا، “عثمان بركة”، إن المجتمع الدولي لم يرتق إلى مستوى المسؤولية بعد، خاصة في دعوة الدول الداعمة للإرهاب في “ليبيا” إلى هذه المؤتمرات.
وأضاف “بركة”، في تصريحات خاصة إلى (سبوتنيك)، أمس، أن أي اتفاق لا تكون “مصر” أحد أطرافه الرئيسة لن يكون ذات جدية وأهمية، كما يتطلب ذلك اتفاق الأطراف الليبية على أية مخرجات؛ وإلا لن تكون ذات جدوى.
ويرى “عثمان” أن القضية الأهم هي إخراج الدول الداعمة للإرهاب من المشهد، ووقف دعمهم للجماعات الإرهابية، وأن ذلك ينعكس على الجماعات في “ليبيا”، ويؤدي إلى خروجها من المشهد.
وشدد على أن أي توافق دولي لا بد أن يحظى بالتوافق الداخلي، وإلا سيقاوم حال محاولة فرضه بالقوة.
وسبق لعدة دول أن استضافت الأطراف الليبية في إطار وضع الحلول السياسية، من بينها “فرنسا والإمارات العربية المتحدة ومصر”، إلا أن كل اللقاءات لم تستطع إنهاء أزمة الانقسام حتى اليوم.
وتدور في العاصمة الليبية، “طرابلس”، ومحيطها، منذ الرابع من نيسان/أبريل الماضي، معارك متواصلة بين قوات “الجيش الوطني الليبي”؛ بقيادة، “حفتر”، وقوات تابعة لـ”حكومة الوفاق”؛ برئاسة، “فايز السراج”، خلفت مئات القتلى وآلاف الجرحى حسب “منظمة الصحة العالمية”، فيما تقدر “المنظمة الدولية للهجرة” أعداد النازحين بعشرات الآلاف يفرون من ديارهم بسبب الاشتباكات المسلحة.
وتعاني “ليبيا”، منذ سقوط نظام العقيد، “معمر القذافي”، عام 2011، انقسامًا حادًا في مؤسسات الدولة بين الشرق، الذي يديره البرلمان الليبي بدعم من “الجيش الوطني”؛ بقيادة، المشير “خليفة حفتر”، والغرب الذي تتمركز فيه “حكومة الوفاق الوطني” المعترف بها دوليًا، والتي فشلت في الحصول على ثقة البرلمان.