أنهى البرلمان العراقي السبت سنته التشريعية الأولى دون إقرار القوانين المهمة، فالخلافات السياسية وغياب التوافق وعدم الاكتراث بوجود تنظيم “الدولة الاسلامية” الذي يلتهم المدن يوماً بعد آخر هي من أبرز ملامح عامه الأول.
في الأول من تموز بدأ البرلمان أعماله بخلاف كبير بين الكتل السياسية الشيعية والكردية والسنية حول اختيار الرئيس ونائبيه وانتهت سنته الأولى بخلافات بين الكتل أيضاً حول المشهد السياسي والأمني.
وعقد البرلمان أولى جلساته مطلع تموز وكان من المفترض أن يتم اختيار رئيس له ونائبيه على أن يعقبها اختيار رئيس الجمهورية وبعدها رئيس الوزراء، ولكن كل ذلك لم يحصل في الوقت المطلوب وحدثت خروقات عدة للمواعيد التي حددها الدستور حول اختيار جميع هذه المناصب.
تقويم أداء البرلمان خلال سنته التشريعية الأولى يتناول شقين، الأول يتعلق بدوره الرقابي على أداء الحكومة والمسؤولين في الدولة ودوره في استجوابهم عند ارتكابهم الأخطاء، أما الثاني فيمثل الجانب التشريعي الخاص بإقرار القوانين.
وفي الجانب التشريعي ناقش البرلمان خلال عامه الأول ( 140 قانوناً) وأقرّ ثلاثين قانوناً منها فقط طبقاً للموقع الالكتروني الرسمي للبرلمان.
وتزداد المفاجئة عندما تكشف قائمة القوانين التي أقرها البرلمان بعدم تضمنها أي قانون مهم يتعلق بالأمن والدفاع رغم إن البلاد تخوض حرباً شرسة ضد تنظيم “الدولة الاسلامية”، كما إنه لم يقر قوانين سياسية مهمة اتفقت عليها جميع الكتل ضمن البرنامج الحكومي لرئيس الوزراء حيدر العبادي.
من القوانين المهمة التي فشل البرلمان في إقرارها هو قانون “الحرس الوطني” الذي ينص على تشكيل قوة أمنية جديدة في كل محافظة من سكانها تقوم بمهمة محاربة تنظيم “الدولة الاسلامية”، لكن الخلافات بين الأحزاب الشيعية والسنيّة عرقلت إقرار القانون.
ومن أبرز الخلافات حول ذلك القانون هو مطالبة الأحزاب السنية بأن تكون هذه القوة تحت إمرة مجالس المحافظات، فيما ترفض الأحزاب الشيعية ذلك بشكل قاطع وتطالب أن يكون رئيس الوزراء هو المسؤول عنها بحسب النائب عن كتلة “الوطنية” حامد المطلك.
وبسبب هذا الخلاف فشل البرلمان في تشكيل قوة أمنية كان من الممكن أن تساهم في وقف زحف التنظيم المتطرف نحو المزيد من المدن العراقية.
قانون “المحكمة الاتحادية” من القوانين الأخرى التي فشل البرلمان في إقرارها، وهذه المحكمة هي أعلى سلطة قضائية في البلاد وتفصل بين خلافات السياسيين في البرلمان والحكومة ولهذا تسعى كل كتلة سياسية إلى وضع القانون وفق مصالحها.
أبرز الخلافات حول قانون “المحكمة الاتحادية” هو عدد أعضاء المحكمة من رجال الدين إذ تتوافق الأحزاب الشيعية والسنية على عددهم المقترح وهو أربعة أعضاء، فيما ترفض الأحزاب الكردية هذا الأمر وتخشى من سيطرة رجال الدين على القرارات القضائية.
قانون الأحزاب الذي تهرّبت جميع الكتل السياسية من إقراره منذ عام 2005 قرر البرلمان الحالي عند بداية عمله الإسراع في التصويت عليه لإيقاف فوضى العمل الحزبي ومعرفة تمويل الأحزاب ومنعها من امتلاك السلاح، ولكن البرلمان لم ينجز تلك المهمة أيضاً.
ومن القوانين الأخرى المهمة التي كانت ضمن شروط الأحزاب السنيّة للتصويت على حكومة العبادي، هو قانون “المسائلة والعدالة” الذي يتعلق بمنع أعضاء حزب البعث السابقين من ممارسة العمل السياسي أو الحصول على مناصب عُليا في الدولة، إذ وافقت الأحزاب الشيعية أخيراً على إجراء تعديلات على هذا القانون، وجرت مفاوضات طويلة مع الأحزاب السنية والكردية حول ذلك، لكن التعديلات التي قامت بها الحكومة لم ترضِ البرلمان، وبقي القانون معلّقاً دون حسم.
هذه القوانين الأربعة تتضمن إصلاحات سياسية وأمنية كبيرة من الممكن أن توّحد القوى السياسية في العراق ضد الحرب على تنظيم “الدولة الاسلامية”، ولكن فشل البرلمان في إقرارها عزز الخلافات السياسية وانعكس على فشل المؤسسة العسكرية في صد التنظيم المتشدد كما يقول النائب عن كتلة “اتحاد القوى الوطنية” محمد الكربولي.
ويعد اختيار البرلمان للحكومة مطلع أيلول/سبتمبر والتصويت على إقرار الموازنة المالية للبلاد في كانون الثاني/يناير من أهم إنجازاته خلال العام التشريعي الأول.
في الجانب الرقابي للبرلمان شهدت السنة الأولى من عمل النواب أمور ايجابية في مراقبة عمل الحكومة والمسؤولين، ونجح البرلمان في استضافة العديد من المسؤولين والقادة الأمنيين في البلاد بينهم رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي أبدى تعاوناً كبيراً أثناء جلسات استضافته على النقيض من سلفه نوري المالكي.
ولكن الواقع يشير إلى ان البرلمان لم يتخد أي إجراءات لمعالجة الأخطاء واكتفى فقط باستضافة المسؤولين دون محاسبتهم، وعلى سبيل المثال فإن البرلمان لم يمارس حقه في التصويت على اختيار القادة الأمنيين ولم يحاسب المقصرين منهم.
وجاء في المادة (61) من الدستور العراقي إن من صلاحية البرلمان الموافقة على تعيين “رئيس أركان الجيش ومعاونيه، ومن هم بمنصب قائد فرقة فما فوق ورئيس جهاز المخابرات”.
وهذا الشرط الدستوري لم يتم تطبيقه وما زال القادة الأمنيين يمارسون أعمالهم خارج الدستور، ولم يتم محاسبة أي منهم رغم الهزائم التي تعرض لها الجيش على يد تنظيم “الدولة الاسلامية” في الأسابيع الماضية في الأنبار.
السجالات بين النواب كانت حاضرة بقوة خلال جلسات السنة التشريعية الأولى للبرلمان وهي سجالات أخذت طابع المشاجرة والتشابك بالأيدي بين النواب في بعض الأحيان، آخرها التي جرت الأسبوع الماضي بين النائب عن “دولة القانون” كاظم الصيادي وبين النائبين عن كتلة “الأحرار” غسان الشيباني وعواد العوادي بسبب خلاف على مرشح “الأحرار” لوزارة الصناعة.
السنة التشريعية المنتهية أفرزت خلافات حتى داخل الأحزاب الشيعية والسنية والكردية إذ بدت مواقف الشيعة والسنة متباينة إزاء العديد من القضايا، ويقول صحفيون موفدون من قبل وسائل إعلام محلية لتغطية جلسات البرلمان إن “ما ميّز السنة التشريعية الأولى هو كثرة المؤتمرات الصحافية للنواب التي تتناول مواقف لكتل سياسية متعددة حول قضية واحدة”.
ويقولون أيضا إن غالبية هذه المؤتمرات تضمنت التسقيط السياسي وتوجيه الاتهامات وتشويه سمعة بعضهم للبعض الآخر، دون الاكتراث بتهديدات “الدولة الاسلامية” للبلاد الذي تمكن قبل أكثر من أسبوعين من السيطرة على مدينة الرمادي في الأنبار والقريبة من بغداد.(نقاش)