خاص : ترجمة – آية حسين علي :
يُعد الاهتمام بغسل اليدين بالماء والصابون، والحفاظ على مسافة لا تقل عن متر بين كل شخص وآخر؛ من التوصيات الأساسية لتجنب الإصابة بعدوى فيروس “كورونا”، لكنها مستحيلة في ظل الواقع الذي يعيشه آلاف المهاجرين في مخيم (موريا)، على أعتاب “أوروبا”؛ إذ يسكنه نحو 20 ألف شخص في مساحة تتسع لثلاثة آلاف فقط.
وصل الوضع إلى قمة التأزم قبل تفشي وباء فيروس “كورونا”، لكن مع انتشار الوباء تُطالب منظمات دولية بضرورة إخلاء المخيم بشكل عاجل؛ إذ يتزامن تفشي المرض مع تعمق التوترات على الحدود الشرقية لقارة “أوروبا”، بسبب القرار التركي بفتح الحدود مع “اليونان”، ومحاولات آلاف المهاجرين الوصول إلى أعتاب القارة العجوز.
وبينما يُحاول العالم مواجهة الوباء، تتفاقم أزمة اللاجئين والمهاجرين في المخيمات، وصرح أمين عام المجلس النرويجي للاجئين، “جان إيغلاند”، بأن: “هناك ملايين المتضررين من المعارك يعيشون في مخيمات مكتظة في ظل غياب معايير النظافة والرعاية الصحية، وعندما يصل الفيروس إلى مخيمات إيران وبنغلاديش وأفغانستان واليونان؛ سوف تصبح العواقب مدمرة”.
واعتبر المجلس، في بيان؛ أن: “استمرار ترك اللاجئين في ظروف غير صحية وغير آمنة لا يُعد فقط إنتهاكًا لحقوق الإنسان، وإنما يتيح إمكانية حدوث أزمة صحية مدمرة إذا وصل (كوفيد-19) إلى هذه المخيمات، لذا يجب إخلاءها فورًا”.
وباء لا يعرف الحدود..
من جانبها؛ دعت “مفوضية اللاجئين”، التابعة لـ”الأمم المتحدة”، الدول، إلى ضم المهاجرين إلى الخطط الوطنية للحماية من (كوفيد-19)، وقالت الناطقة الرسمية باسم المنظمة في إسبانيا، “ماريا خيسوس فيغا”، إن: “الفيروس لا يعرف الحدود ولا الوثائق أو وضع اللجوء”، وأضافت: “من المهم عدم إغفال أي شخص، لأنه عند حماية المهاجر واللاجيء فإننا نحمي جميع السكان”، واضطرت “مفوضية اللاجئين” و”المنظمة الدولية للهجرة”، هذا الأسبوع، إلى تعليق عمليات إعادة التوطين على مستوى العالم، وهي إحدى الطرق الأساسية لاستقبال العزل الذين يفرون من الحرب أو الملاحقة في بلاد أخرى.
وخلال عام 2019؛ تمت إعاة توطين ما يقارب 64 ألف لاجيء فقط، من بين 1.4 مليونًا؛ كانوا يحتاجون إلى ذلك بشكل عاجل، أغلبهم قدموا من “سوريا” و”جمهورية الكونغو الديموقراطية” و”أفغانستان”، وتم نقلهم إلى “الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا”، بعد سنوات من الانتظار.
وأشارت المفوضية إلى أن قرار التعليق يشمل أيضًا المهاجرين الذين تمت الموافقة على إعادة توطينهم ولم يصلوا بعد إلى بلد المقصد، كما حذرت من أن القرارات المرتبطة بالسيطرة على الحدود من أجل وقف تفشي الوباء لا يجب أن تؤدي إلى إغلاق الطرق أمام حركة الهجرة أو إجبار الأشخاص على العودة في ظروف خطيرة.
مخيم “موريا” في اليونان..
بينما تحولت “أوروبا” إلى بؤرة للعدوى وتتزايد بها أعداد الإصابات بشكل مخيف، لا يزال الخطر الأكبر يواجهه اللاجئين الذين ينتظرون النظر في طلبات لجوءهم بمخيم (موريا)، إذ تعيش أسر مكونة من 5 أو 6 أفراد في 4 متر مربع فقط، وأشار مساعد المنسق الطبي لمنظمة “أطباء بلا حدود”، “جورج ماركس”، إلى أن سكان المخيم يشعرون بالقلق ويسألون الأطباء عما يمكنهم فعله لتجنب العدوى، وأضاف أنهم: “يحيكون الأقنعة الواقية بأنفسهم”، وأوضح أنه من المستحيل إتباع توصيات الأطباء للنظافة الشخصية بسبب نقص الصابون وإمدادات المياه، كما أنه من الصعب تطبيق العزل الذاتي لمن تظهر عليه الأعراض.
وفي بعض أجزاء المخيم المكتظ يوجد حمام واحد يخدم 240 شخصًا، وحوض ماء واحد لكل 170 شخصًا، بينما يُعد الوضع في أجزاء أخرى أكثر قتامة؛ إذ يُعاني 5 آلاف شخص من عدم توافر المياه أو المراحيض أو التيار الكهربائي، بحسب بيانات منظمة “أطباء بلا حدود”.
وحتى الآن لم تُسجل أية حالات إصابة داخل المخيم، ويوجد شخص واحد فقط مصاب في جزيرة “ليسبوس”، لكن في حالة وصول الوباء إلى سكان المخيم؛ فإنه سوف يتفشى بسرعة كبيرة.
وإلى جانب المخاطر المتعلقة بإفتقار المخيم للاحتياجات الأساسية من أجل النظافة الشخصية، بات المستشفى الوحيد الموجود في الجزيرة مكتظًا بالمرضى، وليس جاهزًا لاستقبال حالات جديدة، كما باتت قدرات المنظمات الإغاثية على تقديم الخدمات لطالبي اللجوء، محدودة خلال الأيام العشر الأخيرة، خاصة بعد الإعتداءات العنصرية التي تعرض لها اللاجئين وأطقم المنظمات.
وفي محاولة لتجنب تفشي الفيروس في المخيم، أعلنت “اليونان”، الثلاثاء الماضي، حزمة من الإجراءات المقيدة للحركة؛ ووفقًا للقرارات الجديدة يُسمح لشخص واحد من كل عائلة بالخروج للضرورة القسوى في الفترة من السابعة صباحًا حتى السابعة مساءً، ويتنقلون فقط بحافلات تحت رقابة الشرطة، كما حظرت الزيارات لمدة 14 يومًا وألغت جميع الأنشطة الجماعية داخل المخيم، لكن تبقى المعضلة في الزحام الشديد بداية من الطوابير التي يجب الانتظار فيها من أجل الحصول على الوجبات أو دخول دورة المياه.
كما حرمت السلطات اللاجئين الذين وصلوا إلى الجزيرة، بعد الأول من آذار/مارس الجاري، أي منذ أعلنت “تركيا” فتح الحدود مع “اليونان”، من الحق في تقديم طلب للحصول على اللجوء.
ويُخشى على القُصر الذين جاءوا بشكل منفرد أو فقدوا أحد أبويهم أو الإثنين في رحلة الهجرة، وكانت الحكومة الألمانية قد وافقت، أوائل الشهر الجاري، على استقبال ما بين ألف و1500 طفل أعمارهم دون الـ 14 عامًا.
مخيمات سوريا وليبيا وآسيا..
بعيدًا عن “أوروبا”؛ يواجه الآلاف من اللاجئين في مخيمات أخرى نفس المصير؛ إذ يعيش نحو 3.5 آلاف لاجيء في المخيمات الواقعة في محافظة “إدلب”، التي يُسيطر عليها الجيش السوري، في أوضاع مأساوية، إذ لا تتوفر لهم موارد للمياه، لذا تنتشر بها الكثير من أمراض الجهاز الهضمي والتنفسي، وأوضح رئيس بعثة “أطباء بلا حدود” إلى سوريا، “مانويل لوبيز إغليسياس”، أنه: “لا توجد إمكانية لاكتشاف الحالات المصابة بفيروس كورونا، ونحاول الاستعداد لما يمكن حدوثه”.
تُعد معضلة عدم توافر المستشفيات جوهرية أمام الاستعدادات لمواجهة “كورونا”، خاصة بعدما دُمر أكثر من 70 مركزًا طبيًا في غارات روسية وسورية، وأصبح عدد الأسرة المتاحة في المستشفيات ضئيل للغاية، كما لا توجد غرفة رعاية مركزة، ومن الصعب للغاية ضمان عزل المصابين، ومع ذلك، لا يُعتبر الوضع في مخيمات “سوريا” مختلفًا كثيرًا عن الأوضاع في المدن التي تضاعفت بها أعداد السكان.
وفي “ليبيا”، التي تُعد أحد الطرق الرئيسة للعبور إلى “أوروبا”، يقبع الآلاف ممن أخفقوا في الوصول إلى أعتاب قارة الأحلام في مراكز احتجاز تفتقر إلى الشروط الأساسية للنظافة، كما تُشير المنظمات الإنسانية إلى المخاطر الجمة التي قد يجرها “كورونا” إذا ما تفشى في مخيمات اللاجئين بقارة “آسيا”، وبعضها يقع في مدينة “كوكس بازار” في “بنغلاديش”، ويسكنها نحو 700 ألف شخص من أقلية “الروهينغا” المسلمة، الذين يتعرضون للملاحقة من جانب السلطات في “بورما”.