خاص : ترجمة – د. محمد بناية :
(بدون تاريخ بدون توقيع)؛ فيلم من تأليف “علي زرنجار”، وإخراج “وحيد جليلوند”. ويحكي قصة، “كاوه”، مدير الطب الشرعي. يتعرض لحادث سيارة مع أسرة، “موسى”، ويحاول حل الموضوع بشكل ودي بعيدًا عن قسم الشرطة بسبب إنتهاء مدة التأمين على سيارته.
وفي اليوم التالي يواجه “كاوه”، في محل عمله، جثمان “أمير علي”، نجل “موسى”. ويخفي القضية برمتها عن خطيبته، “سايه”، وهي زميلته بالعمل. ويبدأ في تشريح جثمان “أمير علي”، ويشخص الوفاة بالتسمم جراء تناول لحوم فاسدة. بينما المرجح أن تكون الوفاة بسبب الحادث. بحسب (راديو زمان)؛ إذاعة مستقلة باللغة الفاسية مقرها “أمستردام”.
بحثًا عن يقظة الضمير..
“كاوه”؛ طبيب متشدد، ويحاول أن يكون ملتزم ودقيق. كان دائمًا يتصيد أخطاء زملائه ويحيل الموضوع إلى اللجان المختصة على الفور، وحاليًا هو نفسه يواجه وضعًا حرجًا؛ وعليه أن يختار بين الصح والخطأ.
والفيلم يضع المشاهد في موقف يمكننا، في تحليله؛ أن نستفيد من (لو الذهبية)، للممثل والمخرج، “استانسلافيسكي”، وأن نسأل أنفسنا: ماذا كنا نصنع لو كنا في نفس موقف “كاوه” ؟.. هل كنا لنفعل مثله أم لا ؟.. هل كنا لنتحمل المسؤولية بعد الحادث، والاتصال، (رغم إنتهاء مهلة ضمان السيارة)، بالشرطة والإسعاف ؟
باختصار؛ الفيلم يدعو المشاهد إلى تحمل المسؤولية. إذ يُجدر تأمل سلوك “كاوه”، غير المسؤول ليلة الحادث، وما حدث لأسرة “موسى”، بعد وفاة “أمير علي”. لو كان “كاوه” قد حمل، بعد الحادث مباشرة، “أمير علي” إلى المستشفى، لكان بالإمكان القول إن الوفاة نتيجة الحادث، ولما كان “موسى” متهمًا بالقتل.
رثاء الفقراء..
يحكي الفيلم عن طبقة الفقراء في “إيران”، حيث يُصارع قطاع كبير من الإيرانيين، الفقر، (رغم ثراء الدولة)، بسبب فساد الطبقة الحاكمة.
إذ نشاهد في الفيلم؛ حياة طبقة من الإيرانيين تُقبل على شراء أحشاء الدجاج من شدة الفقر. لو أن أفراد مثل: “موسى” وأسرته؛ يعانون هكذا ألم، ولو لم ينحت الفقر والعوز جسد ابنهم النحيف، ولو كان فقراء “سيستان” و”بلوشستان” يشترون الخبز بالقسط، فالسبب في سياسات القيادة الإيرانية الفاسدة. وهذا الفيلم بالواقع هو بمثابة رثاء للطبقات الفقيرة بالمجتمع.
أولئك الذين يتعين عليهم تهديد حيواتهم للشعور بالشبع، وأن يلقوا مثل “موسى” حياتهم وأبناءهم في معرض الخطر.
الشعب هو المخطيء..
من الملاحظات الأخرى على الفيلم، يمكن الإشارة إلى صراع الفقراء مع بعضهم.
“حبيب”، الذي يعمل في مسلخ، يبيع أحشاء الدجاج الفاسد إلى “موسى” بأسعار زهيدة. والكارثة التي يقدمها الفيلم، تعكس الوضع المرعب، وأعني عداء الفقراء مع بعضهم.
فلقد تسبب القمع الدامي للمعارضة من جانب قوات الأمن؛ في يأس أمثال “حبيب” من الاحتجاج، والاستسلام للوضع الخاطيء بدلاً من الاتحاد ضد المستثمرين، ولو على حقوقهم المهضومة من فقراء آخرين.
وتسعى “الجمهورية الإيرانية”، عن طريق الإعلام الرقمي، إلى تحميل الشعب مسؤولية الوضع الحالي. وتستغل وسائل التواصل الاجتماعي في الترويج إلى فكرة أن الشعب هو السبب في الفقر.
والبديهي في ظل هكذا وضع؛ أن يلجأ “حبيب” وأمثاله إلى أي عمل من شأنه أن يُدر المال بدلاً من التفكير والمواجهة ضد فساد الطبقة الحاكمة.
التشاور مع النساء حرام..
عقب وفاة “أمير علي”؛ لم تفسح والدته، “ليلا”، المجال للعزاء خوفًا من لوم “موسى”. وهي نموذج عن كل الفقيرات اللائي تعرضن للعنف من أزواجهن، ويتعرضن للإحتقار وعدم السماح لهن بإبداء أراءهن.
وفي المشهد الذي تعترض فيه “ليلا”، على زوجها “موسى”، على خلفية أنه لم يخبرها بشراء أحشاء دجاج فاسدة، يطلب منها “موسى”، الذي لا يمتلك إجابة مقنعة، إلتزام الصمت. وتجيبه بالقول: “لماذا ؟.. ألا أملك عقلاً ؟.. ألا أفهم ؟”.
وهذا الديلوج يؤشر إلى سلوك “موسى” مع زوجته، خلال سنوات. ثم يتضح أن “موسى” كان يتهم زوجته بالغباء وعدم الفهم، ولذلك لا يستشيرها في الأمور المهمة.
لكن لو أنه سأله فيما يخص شراء أحشاء الدجاج الرخيص، لكان من الممكن الحد من الأضرار. وهذا الأسلوب مع الناس في بلادنا غير مستحدث. بل يمكن مشاهدة هذا الأسلوب أيضًاً في “كاوه”، الذي لا يتكلم مع خطيبته عن القضايا المهمة مثل الحادث، ثم يفكر في طرح المشكلة عليها بعد أن فقد الأمل.
الحقيقة أن، (بدون تاريخ بدون توقيع)، يخبرنا بضرورة أن نضع الهيكل الثقافي والاقتصادي الإيراني على سرير التشريح، وأن نفتح صدورنا للكشف عن أسباب كل هذا الألم.
وللقضاء على مشاكلنا الحالية؛ علينا البحث في جذور الداء أولاً ثم الدواء. هذا الفيلم يذكرنا أن علينا لإنقاذ الروح والبدن المجتمعي، الوقوف ضد أي خطأ حتى لو انتهى الأمر بتعرضنا للضرر.