بداية من تركيا إلى إسرائيل .. “ميدل إيست آي” تكشف أسباب تصاعد الأزمة “الإيرانية-الآذربيجانية” الأخيرة !

بداية من تركيا إلى إسرائيل .. “ميدل إيست آي” تكشف أسباب تصاعد الأزمة “الإيرانية-الآذربيجانية” الأخيرة !

وكالات – كتابات :

نشر موقع (ميدل إيست آي) الإخباري البريطاني؛ تقريرًا سلَّط فيه الضوء على أسباب تصاعد التوترات في الأسابيع الأخيرة بين: “إيران” و”آذربيجان”، اللتين تشتركان في حدود طولها: 700 كيلومتر، (430 ميلًا). وكانت “طهران” قد أجرت مناورات عسكرية واسعة النطاق على طول حدودها مع جارتها القوقازية، (آذربيجان)، في بداية تشرين أول/أكتوبر 2021؛ بعد أسابيع فقط من إجراء “آذربيجان” وحليفتيها؛ “تركيا” و”باكستان”، مناورات عسكرية مشتركة في العاصمة، “باكو”.

يُوضح التقرير أن المناورات العسكرية نُفِّذت وسط مزاعم إيرانية بأن الجيش الإسرائيلي منتشر على الأراضي الآذربيجانية. وخلال حرب العام الماضي؛ التي اندلعت في إقليم “ناغورني قره باغ” ضد “أرمينيا”، كانت “آذربيجان” قد نشرت طائرات إسرائيلية من دون طيار من طراز (كاميكازي) في ساحة المعركة، بينما حصلت على أسلحة ومساعدات فنية من “تركيا”، مما أسهم في تحقيق انتصارها العسكري على “أرمينيا”.

وفي حين أن التوترات الراهنة بين “آذربيجان” و”إيران”؛ اقتصرت، حتى الآن؛ على نشوب حرب كلامية بين الطرفين وإجراء مناورات عسكرية على طول حدودهما، فإن ثمة مخاوف بشأن إمكانية تصاعد هذه التوترات إلى صراع شامل. ويعيش في منطقة شمال “إيران”، على الحدود الجنوبية لـ”آذربيجان”، عدد كبير من الآذريين الذين يُمثلون أكبر أقلية في “إيران”، مما يعني أن التصعيد قد يكون له عواقب كارثية.

جذور الأزمة..

يُؤكد التقرير أن جزءًا كبيرًا من المشكلات بين: “إيران” و”آذربيجان”؛ تعود جذورها إلى الحرب التي اندلعت، العام الماضي، في إقليم “ناغورني قره باغ”؛ بين “آذربيجان” و”أرمينيا”، موضحًا أن إقليم “ناغورني قره باغ”؛ منطقة جبلية مُتنازع عليها في “آذربيجان”؛ كانت تحت سيطرة القوات الأرمينية طيلة ثلاثة عقود تقريبًا، قبل حرب عام 2020. وفي تسعينيات القرن العشرين، انفصلت المنطقة عن “آذربيجان”، لكن لم تعترف بها أي دولة في العالم حتى الآن.

ويُشير التقرير إلى أن الأرمن الانفصاليين، المدعومين من حكومة “أرمينيا”، في العاصمة، “يريفان”، يسعون منذ أمد طويل للانفصال عن “آذربيجان”، وأن يصبحوا جزءًا من “أرمينيا”، ولكن لم يُكتب لهم النجاح في ذلك. وفي أعقاب حرب العام الماضي؛ والتي استمرت: 44 يومًا وانتهت بعد اتفاق وقف إطلاق النار بوساطة من “روسيا”، أعلنت “آذربيجان” أنها استعادت جزءًا كبيرًا من الأراضي في “ناغورني قره باغ” وما حولها، والتي فقدتها خلال الصراع المسلح، الذي اندلع خلال المدة: من عام 1991 إلى عام 1994؛ وأودت بحياة نحو: 30 ألف شخص.

وظلت “إيران”، المتاخمة لكلا البلدين، صامتة إلى حد كبير خلال الأعمال العدائية، لكنها اعترفت في نهاية الحرب بأن المنطقة المتنازع عليها كانت أراضي آذربيجانية، على الرغم من كونها حليفًا تقليديًّا لـ”أرمينيا”، بعدما تيقنت أن موازين القوى لم تُعد لصالح حليفتها التقليدية.

مناورات عسكرية..

يُلقي التقرير الضوء على السبب الثاني وراء تصاعد التوترات، وهو استضافة أراضي “آذربيجان” مناورات عسكرية مشتركة مع: “تركيا” و”باكستان”، في يوم 12 أيلول/سبتمبر الماضي، مرجِّحًا أن تكون هذه خطوة أدَّت إلى استفزاز “طهران” على ما يبدو.

وصرَّحت “وزارة الخارجية” الإيرانية؛ بأن المناورات الثلاثية التي أُطلِق عليها اسم مناورة: “الأخوة الثلاثة 2021″؛ انتهكت أحكام اتفاقية الوضع القانوني لـ”بحر قزوين”، التي تنص على أن أي قوات مسلَّحة غير تابعة لـ”آذربيجان وإيران وكازاخستان والاتحاد الروسي وتُركمانستان”؛ ممنوعة من الانتشار في “بحر قزوين”؛ (ينص أحد بنود الاتفاقية على: منع وجود قوات مسلحة للقوى الأجنبية الإقليمية والدولية في بحر قزوين). لكن الاتفاق لم يدخل حيز التنفيذ بسبب عدم مصادقة “إيران” عليه بعد.

وكان الهدف المعلن للمناورات العسكرية هو تعزيز العلاقات الثنائية القائمة وتعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب. وفي حفل تدشين المناورات، أقرَّ الفريق “حكمت ميرزاييف”، قائد القوات الخاصة الآذربيجانية، بدعم: “تركيا وباكستان”، لـ”آذربيجان”؛ في حربها التي استمرت: 44 يومًا ضد “أرمينيا”.

الأمن التجاري..

أما عن السبب الثاني، فقد نوَّه التقرير إلى أنه بعد أيام قليلة من إنطلاق المناورات العسكرية، أظهرت تقارير أن “آذربيجان” كانت تفرض قيودًا على الشاحنات الإيرانية؛ التي تستخدم طريقًا كان يربط سابقًا بين: “أرمينيا” و”إيران”، والذي استولت عليه “آذربيجان”، بعد انتهاء حرب 2020.

وفي السابق، كانت “إيران” تستخدم، هذا الطريق؛ للوصول إلى “روسيا” ومنطقة غرب آسيا من دون قيود. وشملت القيود الجديدة التي فرضتها “آذربيجان”؛ إقامة بعض نقاط التفتيش وتحصيل ضريبة طرق من السائقين الإيرانيين، بالإضافة إلى احتجاز عدد من السائقين، وهو ما يتناقض بوضوح مع أحكام اتفاق وقف إطلاق النار، الذي توسَّطت فيه “روسيا”، والذي يضمن التدفق الحر لحركة المرور في المنطقة.

وكان “إلهام علييف”، رئيس جمهورية “آذربيجان”، قد تطرق إلى هذه القضية في مقابلة أجرتها معه وكالة أنباء (الأناضول) التركية مؤخرًا، مدَّعيًا أن الشاحنات الإيرانية كانت تدخل “قره باغ”، “بطريقة غير قانونية”، قبل حرب 2020. وأوضح أن نحو: 60 شاحنة إيرانية دخلت منطقة “قره باغ” الآذربيجانية من دون الحصول على تصاريح، في المدة من 11 آب/أغسطس حتى 11 أيلول/سبتمبر، وأن الضوابط والقيود الجديدة التي فرضتها البلاد جاءت ردًّا على هذا الانتهاك.

ويُضيف “علييف” موضحًا أنه: “بعد ذلك، بدأت آذربيجان في السيطرة على الطريق المار عبر الأراضي الآذربيجانية، لينخفض عدد الشاحنات القادمة من إيران إلى قره باغ؛ حتى يصل إلى الصفر”، مؤكدًا ضرورة دفع الشاحنات الإيرانية ضرائب عند دخولها إلى الأراضي الآذربيجانية.

وفي الوقت نفسه، زعمت وسائل إعلام إيرانية أن “أرمينيا” تعتزم التنازل لـ”آذربيجان”؛ عن مقاطعة “سيونيك” الإستراتيجية، والتي تقع في أقصى جنوب “أرمينيا”؛ بين جمهورية “ناخيتشيفان”، (نَخجَوان)، الآذربيجانية الذاتية الحكم من الغرب، و”آذربيجان” من الشرق، و”إيران” من الجنوب، بالإضافة إلى أن مقاطعة “سيونيك” ترسم حدود “أرمينيا” مع “إيران”.

وفي هذا الصدد، ينقل التقرير عن الباحث الإيراني، “فاردين أفتخاري”؛ أنه في الوقت الذي ضمنت فيه اتفاقية وقف إطلاق النار، التي أُبرِمت في عام 2020، لـ”آذربيجان” ممرًا يربط “ناخيتشيفان” بسائر “آذربيجان” عبر مقاطعة “سيونيك”، فإن “باكو”: “غير راضية عن هذا المخطط”. ويُجادل الباحث الإيراني بأن “باكو”: “تتمسك بتحقيق هدف طموح يتمثل في الاستيلاء على كل مقاطعة سيونيك؛ مما قد يضع إيران في موقف جيوسياسي ضار”.

طموح تركي يُفاقم الأزمة !

ويشرح “أفتخاري”؛ ذلك بأن: “طهران ستفقد ارتباطها بأرمينيا؛ وسهولة الوصول إلى المنطقة، بينما ستضطر للتعامل مع قوة إقليمية متحفزة حديثًا ومدعومة بقوة من إسرائيل، عدو إيران اللدود”.

ومن جهة أخرى، أكدَّت الدكتورة “شيرين هنتر”، الباحثة الإيرانية/الأميركية والدبلوماسية السابقة، أن “تركيا”، التي لا تشترك في حدود مع “آذربيجان”، تحاول منذ مدة طويلة إنشاء رابط مباشر مع “آذربيجان”، من خلال منع وصول “إيران” إلى “أرمينيا”. وقالت “شيرين”، لموقع (ميدل إيست آي)؛ إن: “تركيا؛ لطالما أرادت أن يكون لها طريق بري يربطها بآذربيجان ومن هناك إلى شمال إيران ومنطقة آسيا الوسطى”.

وأضافت الدبلوماسية الإيرانية السابقة أنه: “إذا قررت تركيا المضي في الطموح الطويل الأمد المتمثل في إنشاء رابط مباشر مع جمهورية آذربيجان، من خلال منع إيران من الوصول إلى أرمينيا، فإن خطر التصعيد سوف يتفاقم”.

الوجود العسكري الإسرائيلي في “آذربيجان”..

ألمح التقرير إلى أن “إسرائيل”، العدو الإقليمي لـ”إيران”، كانت أحد الداعمين الأساسيين لـ”آذربيجان” في صراع “ناغورني قره باغ”، بالإضافة إلى أنها ثاني أكبر مورِّد للأسلحة لـ”باكو”، بعد “روسيا”. وأفاد “معهد ستوكهولم الدولي” لأبحاث السلام، (معهد مستقل مكرس للبحث في الصراعات والتسلح ومراقبة الأسلحة ونزع السلاح)، أنه على مدار السنوات القليلة الماضية؛ كانت “إسرائيل” أكبر مورِّد للأسلحة إلى “آذربيجان”، وبلغت قيمة مبيعات الأسلحة نحو: 825 مليون دولار؛ بين عامي: 2006 و2019.

وفي يوم 06 تشرين أول/أكتوبر الجاري، أعرب كبير الدبلوماسيين الإيرانيين عن: “مخاوف خطيرة” بشأن الوجود الإسرائيلي المزعوم في “منطقة القوقاز”. وأكد وزير الخارجية الإيراني، “حسين أمير عبداللهيان”، لوسائل الإعلام في “موسكو”؛ أن “إيران”: “لن تتسامح مع أي تغيير جيوسياسي وتغيير للخريطة في منطقة القوقاز”. مشيرًا إلى: “ما تشعر به من مخاوف خطيرة؛ بسبب وجود إرهابيين وصهاينة في هذه المنطقة”.

بيد أن “باكو” نفَت مزاعم الوجود العسكري الإسرائيلي بالقرب من الحدود الإيرانية؛ ووصفت هذه المزاعم بأنها: “لا أساس لها من الصحة”. وفي أعقاب المناورات الثلاثية، بدأت “إيران” مناورات عسكرية بالقرب من معبريّ: “بولداشت” و”غولفا”، الحدوديين مع “آذربيجان”. وتضمنت المناورات وحدات مدرعة ومدفعية وطائرات من دون طيار وطائرات مروحية.

من جهته؛ أعرب الرئيس الآذربيجاني، “إلهام علييف”؛ عن استغرابه من التدريبات العسكرية الإيرانية على حدودها الشمالية. وصرَّح “علييف”، لوكالة (الأناضول)؛ قائلًا إن: “هذا حدث فريد من نوعه. ويمكن القول إن كل دولة لديها الحق في إجراء أي مناورات عسكرية على أراضيها؛ فهذا حقها السيادي، لكن لماذا الآن، ولماذا على حدودنا ؟.. ولماذا لم تُجرَ التدريبات عندما كان الأرمن في مناطق: جبرائيل وفيزولي وزانغيلان ؟.. لماذا لم تجرَ المناورات الآن بعد أن حررنا هذه الأراضي، بعد 30 عامًا من الاحتلال” ؟

وأبرز التقرير أن “علييف” أوضح، في يوم 05 تشرين أول/أكتوبر؛ أن “باكو”: “لن تترك اتهامات طهران، التي لا أساس لها من الصحة بشأن الوجود العسكري الإسرائيلي على الأراضي الآذربيجانية؛ بلا رد”. وفي الوقت نفسه، دافع “أمير عبداللهيان” عن حق بلاده في إجراء مناورات عسكرية داخل أراضيها.

وبحسب وسائل إعلام رسمية إيرانية، قال وزير الخارجية لسفير “آذربيجان” الجديد إن: “إيران لن تتسامح مع نشاط النظام الصهيوني ضد أمنها القومي؛ وسوف تتخذ طهران ما يلزم من إجراءات”، في إشارة إلى الوجود الإسرائيلي المزعوم على الحدود الإيرانية.

العامل العرقي: أقلية آذرية في شمال إيران..

وفي الختام، يُرجح التقرير أن تكون “طهران” متخوفة أيضًا من تأثير الانتصارات التي تحققها “آذربيجان” والتحالفات الإقليمية على الأقلية الآذرية التي تعيش في شمال “إيران”، ويقطن عدد كبير من السكان الآذريين في هذه المنطقة، وتفيد التقديرات بأنهم أكبر أقلية في البلاد. وكان الآذريون في شمال “إيران” قد أقاموا احتفالات عامة بعد انتصار “آذربيجان” في نزاع “ناغورني قره باغ” وطالبوا بإغلاق الحدود “الإيرانية-الأرمينية” في أعقاب الحرب.

ويستشهد التقرير بما قالته “شيرين هنتر”: “من المؤكد أن إيران تشعر بالقلق بشأن طموحات باكو؛ تجاه أراضيها والدعاية القومية التركية التي تنطلق من باكو؛ وحتى من تركيا. ومع ذلك، لا يوجد في الوقت الراهن تهديد حقيقي بالانفصال من السكان الآذريين عن إيران”.

وتستدرك “شيرين” قائلة: “لكن المشهد قد يتغير إذا تفاقمت الأزمة أكثر، وإذا انخرطت قوى خارجية. وفي نهاية المطاف، قد يعني اقتراح نفتالي بينيت، رئيس الوزراء الإسرائيلي، بضرورة تبني إستراتيجية: (الموت بألف جرح) ضد إيران، أن تُقطَّع أوصال إيران”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة