خاص – كتابات :
قد تبدو مشاهد عادية في حلقات الصراع الدائر على الأرض السورية بين نظام الرئيس السوري، “بشار الأسد”، ومعارضيه المسلحين في عدة مناطق باتت محدودة الآن في “سوريا”.. تلك التي تأتينا عبر وسائل الإعلام لتمدد أو إنكماش فصائل المعارضة هنا أو كسب مزيد من الأرض لقوات “الأسد” هناك.
رسالة إلى الروس..
لكن ما جرى، في الأسبوع الأخير من آيار/مايو 2018، من استهداف عسكريين روس يشي بأن ثمة تغير في المشهد؛ وأن طرفًا أراد تلقين الروس درسًا سريعًا إذا ما قرروا الخروج عن النص والإستفراد بالنفوذ في “سوريا” أو حتى التلويح بذلك !
فتلك “روسيا” تعلن ضبطها، “الموثق أمام الكاميرات”، لجنود تابعين لـ”الأسد” وهم “يعفشون”، أو يستولون على أثاث ومحتويات منازل السوريين الذين تركوها هربًا من الصراع المسلح هناك.
الأمر أبعد من الضبط بـ”التعفيش”.. من أعد الكمين ؟!
تعمد الجنود الروس إهانتهم وتقييد حريتهم وأجسادهم على أرض وطنهم، فهل حقًا الأمر يتعلق بـ”التعفيش”، يقول قائل ؟!
إذ يبدو أن روسيا أرادت الرد سريعًا على استهداف مستشاريها، “مقاتليها”، في سوريا، بإعطاء رسالة لـ”الأسد” و”إيران”؛ بأنها تشك في تدبيرهم للعملية الأخيرة لاستهداف جنودهم وضباطهم، عبر كمين أُعد بإحترافية بإدعاء هجوم مباغت للمعارضة المسلحة أو تنظيم (داعش) على القوات السورية، وأنها لم تستطع صده ما تتطلب تواجد القوات الروسية سريعًا للرد؛ وهو ما قوبل بنيران مفتوحة مباغتة تسببت في قتلهم !
تكليفات من “الحرس الثوري”..
نعم.. يقول الخبراء العسكريون إن ذاك الأسلوب أقرب للكمين الذي إستدركت به قوات “الأسد”، وربما قوات إيرانية في سوريا – بعد أن تلقت تكليفات وتعليمات من “الحرس الثوري” الإيراني – التواجد الروسي وأرادت إرسال رسالة إلى موسكو بأن تواجدكم وحدكم على أرض سوريا دون الإحتفاظ بالتواجد الإيراني لن يمر مرور الكرام، مهما كانت قوتكم وعتادكم !
استهداف عقب تصريحات “بوتين”.. “المزعجة” !
لقد جاء استهداف الجنود و”المستشارين” الروس في سوريا مؤخرًا بعد نحو أسبوع من تصريحات الرئيس الروسي، “فلاديمير بوتين”، التي “أزعجت” طهران بشدة؛ والتي قال فيها صراحة إن على القوات الإيرانية أن تخرج من سوريا بعد استقرار الأمور هناك، وهو الأمر الذي رفضته “طهران” واستشعرت معه بأن الحليف الأقرب لها يبيعها، وربما فعل وقبض الثمن !
تقدير موقف مع قيادات الجيش و”الحرس الثوري”..
ما عجل بإستدعاء الرئيس الإيراني، “حسن روحاني”، لقيادات الجيش الإيراني، فضلاً عن لقاء قائد الحرس الثوري، “قاسم سليماني”، للإستماع إلى تقدير موقف حول التصريحات الروسية الأخيرة والتوصل إلى صيغة ترفع الحرج عن روسيا بخصوص التواجد الإيراني وأهميته في سوريا..
فالتبرير الروسي الذي قُدم لطهران لم يلقى ترحيبًا، إذ يتعلق بتخوفات إسرائيلية “مشروعة” كما ذكر الروس في محادثتهم مع الإيرانيين، من التواجد العسكري الإيراني على أرض سوريا، وبينت موسكو تفهمًا وتأييدًا للموقف الإسرائيلي الذي لا تملك موسكو مواجهته أو الاعتراض عليه؛ بحسب ما تأكد للإيرانيين.
خذلان روسي يمكن الرد عليه..
الأمر الذي رأت فيه طهران تخليًا وخذلانًا من الروس؛ قد بدأ وبات واضحًا لا تخطئه عين، إلى أن تفتأ ذهن الإيرانيين لضرورة معالجة تلك الرغبة الروسية بإخراج إيران من المشهد السوري للإستفراد بالموارد والثروات السورية – بحسب رأي بعض المسؤولين الإيرانيين – عبر أساليب خاصة لا يفهما غير العسكريين؛ تحرج روسيا إقليميًا ودوليًا وحتى في الداخل الروسي، لكنها في الوقت نفسه تعطي المبرر القوي لاستمرار التواجد الإيراني.
تنظيم “داعش”.. كلمة السر !
فها هو تنظيم (داعش) يعود من جديد، بشكل “مفاجيء”، إلى الواجهة السورية، بعد أدائه كافة مهامه المطلوبة منه لقوات “الأسد” و”الحرس الثوري” الإيراني من تدمير أركان الثورة السورية؛ التي اندلعت في وجه “الأسد” قبل نحو 6 سنوات، ومن ثم الإختفاء فجأة من مئات الكيلومترات شرق سوريا ومنطقة الجزيرة.
نعم.. وبعد التصريحات الروسية التي رفضتها إيران وبينت للمجتمع الدولي أن روسيا تنفذ المطلوب وترفض التواجد الإيراني طالما لا يوجد ما يهدد المنطقة من أي تنظيمات إرهابية، يطل برأسه التنظيم الداعشي من جديد، بحسب مصادر جنوب سوريا، ساعيًا في آخر أيامه للدخول كورقة لصالح “الأسد” والفصائل المسلحة الإيرانية أو التابعة لها؛ كـ”حزب الله” اللبناني، قادمًا من منطقة “الحجر الأسود” و”مخيم اليرموك” جنوب دمشق.
هكذا كشفت المعارضة تعاونهم مع “الأسد” والقوات الإيرانية..
اُكتشف أمر عمله بطريقة أو بأخرى لصالح النظام السوري، بعد أن وقع المئات من عناصره في قبضة ما يعرف بـ”الجيش السوري الحر”، المعارض لـ”الأسد”، في “درعا” خلال الأيام القليلة الماضية، أثناء محاولتهم العبور من مناطق سيطرة قوات “الأسد” ومعاونيه بـ”ريف السويداء” إلى محافظة “درعا”.
ووفق المعلومات المتاحة، فإن تلك الأعداد جرى نقلها برعاية ضباط تابعين لـ”لأسد”، أو الفصائل التي تتبع إيران وما يسمى بالدفاع الوطني.
ذريعة لبدء معركة جديدة واستمرار التواجد..
والهدف من تلك التحركات كان تمكين (داعش) من منطقة “حوض اليرموك” جنوب غرب “درعا”، ومن ثم دعمه بعناصر جديدة ومعدات عسكرية لربط مناطق سيطرته في الحوض المعزول تمامًا بمدينة “الشيخ مسكين” الخاضعة للفصائل المسلحة التابعة لإيران، ما يسهل معه إيجاد مسوغ دولي وذريعة لبدء معركة جديدة عنوانها “محاربة داعش”؛ وهدفها الأساس تمكين قوات “الأسد” و”إيران” من محافظتي “درعا” و”القنيطرة” الخاضعتين بنسبة كبيرة لـ”الجيش الحر”، خاصة بعدما أعلنت أميركا رفضها الصريح لأي تحرك سوري ضد المعارضين في “درعا” !
وفي النهاية فإن من يُستهدف هم آلاف المدنيين بعملية تهجير جديدة وتغيير ديموغرافي، حتى إذا ما جرى الإصرار على إخراج القوات الإيرانية، يتم منح تلك الفصائل والميليشيات الجنسية السورية بهويات سورية، فضلاً عن مساكن لهم في تلك المناطق ومن ثم القضاء على فكرة إبعاد الإيرانيين والفصائل الشيعية المسلحة، فلا مانع وقتها من الإنضمام ولو بشكل “صوري” تحت مظلة “الجيش العربي السوري”، وهو أمر لن ترضى به واشنطن أو حليفتها في المنطقة إسرائيل !
ويكفي أن نعلم أن آخر اعترافات عناصر (داعش) المضبوطين القادمين من “السويداء”؛ تظهر حجم العلاقة القوية مع قوات “الأسد” لدرجة تزويدهم بالسلاح والمواد الغذائية !
الرواية الروسية توجه الاتهام إلى التحالف الدولي..
أما على الجانب الروسي؛ فبعد مقتل عسكريين مستشارين لها في “دير الزور”، جرى توجيه الأنظار إلى ما قد يوقع الروس مع الأميركان، أو على الأقل يرفع الحرج عن الروس، إذ قال رئيس لجنة الدفاع في مجلس الدوما الروسي إن الهجوم على مجموعة مدفعية لقوات “الأسد” في “دير الزور” كان سريعًا ومخططًا له بشكل جيد، الأمر الذي منع الجنود الروس من تجنب الخسائر، مبررًا سقوط القتلى بأن “دير الزور” لها طابع تضاريسي غاية في الصعوبة، وأن المسلحين قد خططوا مسبقًا للهجوم وتحركوا بسيارات عالية السرعة ذات المدافع الرشاشة من العيار الثقيل.
الإقرار الروسي بمقتل 4 مستشارين روس في “دير الزور”، رغم أنه جاء بعد إعلان تنظيم (داعش) هجومه على مواقع لقوات “الأسد” والقوات الروسية في محيط مدينة “الميادين” شرق “دير الزور”، وفق ما ذكرت وكالة (أعماق)، التابعة للتنظيم، التي قالت إن الهجوم أسفر عن مقتل 15 عنصرًا منهم وتدمير 3 شاحنات وآلية عسكرية.
إلا أن هناك رواية مختلفة تغير المشهد لهجوم “دير الزور” على المستشارين الروس، تلك التي أوردها مصدر بالقيادة العسكرية الروسية لصحيفة روسية، ألمح خلالها إلى تورط “التحالف الدولي” في الهجوم على القوات الروسية، مشيرًا إلى أن العسكريين الروس يتحققون من رواية مشاركة عناصر المعارضة “المعتدلة” بالهجوم، بعد نقلهم من “قاعدة التنف”، التابعة لـ”التحالف الدولي” قبل يومين، وهي الرواية التي أوعز بها السوريون لموسكو !
السوريون ورطوا الروس في تلك الخسائر !
الهجوم، بحسب المصدر العسكري، كان سريعًا ومدبرًا لدرجة أن العسكريين من السوريين لم يفهموا فورًا ماذا يجري، وفضلوا الهروب من تحت النيران ليتولى العسكريون الروس مهمة صد الهجوم !
ويبقى السؤال.. من المستفيد إذًا من عودة تنظيم (داعش) إلى واجهة الأحداث شرق سوريا، مع توالي العمليات العسكرية ضد قوات النظام وحلفائها دون قدرتهم على وضع حد للتنظيم، وهم أنفسهم من أعلن القضاء عليهم في وقت سابق، فما الذي إستدعاه مرة أخرى بالتزامن مع الطلب من إيران وفصائلها المسلحة الخروج من سوريا ؟!