خاص: كتبت- نشوى الحفني:
بضربة متهورة وصل وصفها إلى الجنون؛ أعلن الرئيس الفرنسي؛ “إيمانويل ماكرون”، أنه قرر حل “الجمعية الوطنية”؛ (البرلمان)، ودعا إلى انتخابات تشّريعية مبكرة، بعد تعّرض حزبه لهزيمة ثقيلة في انتخابات “البرلمان الأوروبي”.
وقال “ماكرون”؛ إنه سيدعو لانتخابات برلمانية جديدة؛ اعتبارًا من 30 حزيران/يونيو الجاري.
وفي انتخابات “الاتحاد الأوروبي”؛ فاز اليمين المتطرف الفرنسي؛ بقيادة “غوردان بارديلا”، الأحد، بالانتخابات الأوروبية في “فرنسا” بحصوله على نسّبة تُقارب: (32.5) بالمئة من الأصوات، أي ضعف ما حققه حزب الرئيس؛ “إيمانويل ماكرون”.
وشّكل ذلك فشلاً ذريعًا لغالبية الرئيس الفرنسي، التي كان (التجمع الوطني) اليميني المتطرف يسّبقها في انتخابات عام 2019 بنقطة مئوية واحدة، بحصوله على: (23.34) بالمئة، مقابل: (22.42) بالمئة للغالبية الرئاسية.
وقال “ماكرون”؛ في خطاب للأمة من قصر (الإليزيه) الرئاسي: “لقد قررت أن أعيد لكم خيار مستقبلنا البرلماني من خلال التصّويت. ولذلك فإنني أحل الجمعية الوطنية”.
وأشار “ماكرون” إلى أن نتيجة انتخابات “الاتحاد الأوروبي” ليست جيدة للحكومة الفرنسية، مشيرًا إلى أن: “صعود اليمين يُمثل خطرًا على فرنسا وأوروبا بشكلٍ عام”.
حرب أهلية بين أجنحة اليمين..
ودخلت “فرنسا” مرحلة اضطرابات سياسية عنيفة؛ بعد حل “ماكرون” البرلمان، في أعقاب الفوز السّاحق لـ (التجمع الوطني) المتطرف في انتخابات “البرلمان الأوروبي”؛ الأحد الماضي.
وفي الوقت الذي اتجهت فيه الأنظار إلى حزب “مارين لوبان”؛ الفائز الكبير في الانتخابات الأوروبية، والمُّرشح لاكتسّاح “البرلمان الفرنسي” بعد الانتخابات المقبلة، شهدت الساحة السياسية الفرنسية، حربًا أهلية جديدة بين مختلف أجنحة اليمين، بشّقيه “الديغولي” المحافظ، و”القومي” المتطرف.
وردًا على عرض زعيم حزب (الجهوريون)؛ “إريك سيوتي”، التحالف مع حزب “لوبان”، قرر المكتب السياسي للحزب، تجّريده من ترشيح الحزب للانتخابات البرلمانية المقبلة، ومن مسؤولياته الحزبية على رأس التجمع السياسي اليميني الذي هيّمن على المشهد في البلاد بعد الحرب العالمية الثانية حتى فوز الاشتراكيين بالسلطة في 1981 لأول مرة.
ورفض “سيوتي” قرار الحزب؛ وقرر الترشح للانتخابات ضد مرشيح حزبه، خاصةً في الجنوب وفي “نيس”، مدينته التي تُعد من المعاقل التقليدية لليمين المتطرف.
خلافات أقصى اليمين..
وعلى أقصى يمين حزب “سيوتي”؛ انفجرت أيضًا خلافات عنيفة بين “إريك زمور”، ونائبه السابق؛ “ماريون ماريشال لوبان”، ابنة شقيقة “مارين لوبان”، والقيادية السابقة في (التجمع الوطني)؛ الذي انشّقت عليه وانضمت إلى حزب اليميني المُّعادي للمسلمين والمهاجرين؛ “إريك زمور”، الصحافي السابق، وزعيم حزب الاسترجاع (ريكونكيت) في تذكير بحروب استرجاع “الأندلس”.
وبعد إعلان “مارشيال” استعدادها للتحالف مع “مارين لوبان”، رُغم رفض “زمور”، قرر زعيم الحزب طردها من التنظيم، معتبرًا أنها خانت مباديء الحزب بالتنسّيق مع “مارين لوبان”، التي يعتبرها: “غير وطنية بما يكفي”، وغير قادرة على تطهير “فرنسا” من المهاجرين الذين يُهددون بتعويض الفرنسيين والحلول مكانهم، رُغم أنه شخصيًا من أصول جزائرية، بما أن والديه عادا من “الجزائر” بعد استقلالها عن “فرنسا”.
وقال “زمور”، أمس الأربعاء، إن “ماريون ماريشال”: “حطمت الرقم القياسّي العالمي في الخيانة، بعد تخليها عن مناضلي حزب (الاسترجاع)، مثل الكلاب، للحاق بالتحالف العائلي الذي تنتمي إليه للتفاوض على مواقع بائسة لها ولأصدقائها”.
اقتتال اليسار..
وإذا كان اليمين يقتّتل قبل الانتخابات؛ فإن اليسار ليس أفضل حالاً، بعد أن فاجأ زعيم اليسار المتُّشدد ورئيس حزب (فرنسا المتمردة)؛ “جان لوك ميلانشون”، شركاءه في (الجبهة الشعبية الجديدة)، التي بدأت محاولات تشّكيلها قبل الانتخابات لجمع أحزاب اليسار من الاشتراكي إلى الشيوعي مرورًا بـ (الخُضر)، ويسار الوسّط، إنه الأقدر على تولي رئاسة الحكومة المقبلة، إذا فاز في الانتخابات البرلمانية المقبلة، في الوقت الذي يكاد التحالف الناشيء ينهار، بسبب الخلافات الشخصية، وتعّدد الزعامات التاريخية والجديدة فيه، ما يُهدد بانهيار محاولات جمع اليسار للتصدي لليمين المتطرف.
خيارات أخرى..
ولفهم أبعاد هذه الخطوة المفاجئة من الرئيس الفرنسي؛ يوضح “برونو كوتريس”، عالم سياسي وباحث في “المركز الوطني للأبحاث العلمية” في “مركز دراسة الحياة السياسية الفرنسية” ومدرس في معهد (العلوم السياسية)، في حديثه لموقع (سكاي نيوز عربية)؛ أن: “الانتخابات الأوربية أولاً لا تؤثر على الحياة السياسية في فرنسا”.
ويُضيف: “صحيح أن النصر كان سّاحقًا لـ (الجبهة الوطنية) ولا يمكن أن يظل الوضع دون رد فعل. ورُغم أن الرئيس لا تتوفر لديه آليات دستورية لمواجهته إلا أنه لم يكن مضطرًا لاتخاذ هذا الخيار الخطير. كانت أمامه اختيارات أخرى، مثل تغيّير تشّكيلة الحكومة أو تغيّير رئيس الوزراء أو تصحيح برنامجه الانتخابي”.
ويعتقد عالم السياسة أن (التجمع الوطني) يمكن أن تظل في وضع صعب. “قد تكون هناك فوضى بسبب حقيقة أن حزب (الجبهة الوطنية) قد يُحقق نتائج جيدة في الانتخابات التشّريعية، لكن هل ستكون هناك أغلبية مطلقة ؟ هذا أمر غير محسّوم على الإطلاق”.
ويُضيف: “سيكون لدينا حزب (التجمع الوطني) يتمتع بأغلبية نسّبية، ما يعني نفس الصعوبات التي يواجهها حزب (النهضة) في تحقيق الأغلبية. وفي هذه الحالة سنكون أمام طريق مسّدود. فهل سيلجأ ماكرون للتعايش مع لوبان ؟ وهذا إذا حصل سُّيفقد الرئيس هيبّته داخليًا وخارجيًا. وعندما نحِل البرلمان، لا يمكننا أن نحلِه مرة أخرى لمدة عام كامل”.
ويعود آخر حل إلى عام 1997؛ وقرره الرئيس “جاك شيراك”. وكانت رغبته تتلخص في ضخ حياة جديدة في الأغلبية الرئاسية في “الجمعية الوطنية”، والتي أضعفتها التعبئة ضد إصلاح معاشات التقاعد في عام 1995؛ ومشاريع خفض العجز في عام 1997.
وفي ذلك الوقت؛ لم تكن الأغلبية في الجمعية تؤيد هذا الرأي بشكلٍ صارم. ومن خلال محاولة إعادة التعبئة من خلال صناديق الاقتراع، فإن القرار الذي اتخذه “جاك شيراك”، عام 1997، أدى إلى وصول “ليونيل غوسبان” إلى “ماتينيون”، بتعدّدية اليسار.
يستخدم “البوكر” للمناورة..
ويبدو أن “ماكرون” حاول من قبل استعادة السيّطرة على الوضع بعد انتخابه في عام 2022، عبر بحث رئيسة الوزراء السابقة؛ “إليزابيث بورن”، عن أغلبية لتمّرير التشّريعات والقوانين؛ لكنه لم يتمكن من حل المعادلة شّبه المستحيلة في ظل سلطة محرومة من الأغلبية البرلمانية. كما أن وصول “غابرييل أتال” إلى “ماتينيون” لم يُغّير هذا الوضع.
لكن الحل الجديد ليس أفضل بكثير عن سابقيه: “لأنه من المُّرجح جدًا أن الرئيس أراد أن يلعب عدة أوراق كلعبة (البوكر)؛ ليُحاول أن يمنح نفسه مجالاً للمناورة، معتقدًا أنه ستكون هناك جبهة جمهورية ستُقام لمنع وصول (الجبهة الوطنية). لكن في الحقيقة هناك فقط جبهة يسارية تسّعى للخروج من ضعفها السياسي واختفائها من الخريطة السياسية في أوروبا؛ وتحديدًا في فرنسا”، بحسّب “إيمانويل ديبوي”، المحلل السياسي ورئيس معهد (الأمن والاستشراق)، في تصريحه لموقع (سكاي نيوز عربية).
ويُتابع: “كل شيء يُشير إلى أن حزب (النهضة)؛ الذي يتزعمه الرئيس؛ إيمانويل ماكرون، سيخسّر عددًا مهمًا من المقاعد لصالح (التجمع الوطني)؛ التي قد تحصل على أكثر من: (100) مقعد إضافي، والأكيد أنها لن تكتفي: بـ (88) مقعدًا التي حصلت عليها بعد نتائج انتخابات 2022”.
وفي حالة وصول (التجمع الوطني) إلى “ماتينيون”، فإن ذلك قد يفتح له أفقًا جديدًا نحو (الإليزيه). “من الممكن أن يُمّهد، غوردان بارديلا، في حال أصبح رئيس الوزراء الطريق أمام؛ مارين لوبان، لتولي السلطة في عام 2027”.